امـ حمد
18-04-2015, 08:07 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع
أخرج الشيخان،البخاري،ومسلم،عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع من حيث أتتها الريح كفأتها فإذا اعتدلت تكفأ بالبلاء ،والفاجر كالأرزة صماء معتدلة حتى يقصمها الله إذا شاء)
معني الحديث،إن هذا الحديث يعني أن المؤمن عرضة للابتلاء بكل ألوان الابتلاء،أما الفاجر فيمده الله بألوان من النعم ليزداد طغياناً وفجوراً حتى يأخذه أخذ عزيز مقتدر،
وقد شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم،المؤمن في ألوان البلاء عليه بالخامة من الزرع،أى، النبتة الصغيرة الطرية من حيث أتتها الريح كفأتها،أى أمالتها هنا وهناك،
و(تفيئها الرياح) أي،تميلها يميناّ وشمالاً،وذلك أن الريح إذا هبت شمالاً مالت الخامة إلى الجنوب،وإذا هبت جنوباً مالت إلى الشمال،
،فإذا سكنت الريح اعتدلت النبتة إلى أن تعود الريح للهبوب مرة أخرى فيعود للنبتة ما كان لها من تكافؤ،وهكذا المؤمن تتوالى عليه ألوان المحن،إذ ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هّم ولا حزن ولا أذى ولا غّم وحتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه،
أما الفاجر فقد شبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم،بالأرزة وهي شجرة الصنوبر،تلكم الشجرة القوية الثابتة التي لا تؤثر فيها الرياح حتى تهب عليها عاصفة قوية تقتلعها أو تكسرها،
فالفاجر أو الكافر كالأرز،أى كشجرة الصنوبر صماء،أى صلبة شديدة بلا تجويف معتدلة حتى يقصمها الله إذا شاء أن يكسرها،أن المؤمن حيث جاءه أمر له مكروه صبر ورجا فيه الخير الكثير والأجر،
والكافر يحصل له التيسير في الدنيا حتى إذا أرد الله إهلاكه قصمه فيكون موته أشد عذاباً عليه وأكثر ألماً،
خلق الله تبارك وتعالى هذه الحياة وجعلها دار امتحان لبني آدم (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)الملك،وجعل لهذا الامتحان صورا وأشكالا متعددة، ما بين خير وشر(وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)الأنبياء،
وشاءت حكمة الله تعالى أن يجعل ابتلاء المؤمن وفتنته في الانتقاص من نفسه أو أهله أو ماله(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ)البقرة،فيبتليه بمرض أو نقص في جسده، أو بفقد ولد أو حبيب أو عزيز، ويبتليه بالفقر والحاجة، ويبتليه بتسليط الظلمة عليه، ولكنه في كل ذلك متعلق بالله، مشدود إلى جنابه العظيم، لا تزيده تلك المحن إلا صلابة في دينه وقوة في عقيدته، بخلاف المنافق الذي يمهله الله ويستدرجه ويمد له في أسباب الصحة والثروة، ثم إذا ابتلاه بشيء من الشدة سقط في أول اختبار، وفي هذا الحديث يشبه النبي صلي الله عليه وسلم حال المؤمن وحال المنافق في تفاعلهما وتأثر كل منهما بالمحنة والفتنة، فالمؤمن أشبه بالنبتة الغضة اللينة التي تميل مع الرياح لكنها لا تنقلع بل تزداد مع حركات الرياح تشبثا بالأرض وارتفاعاً في السماء،
أما المنافق فهو أشبه بالشجرة الصماء التي لا تتحرك مع الرياح، بل تنقى على حالها حتى تأتيها ريح تقتلعها من جذورها،
قال أبو عبيد،يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَشَقَّةِ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَالْمَرَضِ وَغَيْرِهَا،
وَالْكَافِرُ كَمَثَلِ الْأَرْزَةِ الَّتِي لَا تُمِيلُهَا الرِّيحُ، أَيْ لَا يُرْزَأُ شَيْئًا، وَإِنْ أُرْزِيَ لَمْ يُؤْجَرْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمُوتَ، فَشَبَّهَ مَوْتَهُ بِانْجِعَافِ تِلْكَ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِذُنُوبِهِ، فَكَذَلِكَ الْمُنَافِقُ وَالْفَاسِقُ يُقِلُّ لَهُمُ الْأَمْرَاضَ وَالْمَصَائِبَ لِئَلَّا يَحْصُلَ لَهُمْ كَفَارَّةٌ وَلَا ثَوَاب،
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَخْلُو مِنْ عِلَّةٍ أَوْ قِلَّةٍ أَوْ ذِلَّةٍ، كَمَا رُوِيَ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ عَلَامَةِ السَّعَادَةِ بِشَرْطِ الصَّبْرِ وَالرِّضَا وَالشُّكر،
وسرعة التوبة من الذنب كلما وقع فيه، فكلما مال المؤمن عن الحق تذكر أمره فاسرع بالتوبة إلى ربه واستقام على الصراط المستقيم،
لهذا كان المؤمن على توقع البلاء والرضا به دائماً، حتى إن النبي صلي الله عليه وسلم،ليعتبر عدم حصول المرض للعبد علامة على عدم وثوق دينه،
قال رسول اللهِ صلي الله عليه وسلم(مثل المؤمن مثل الخامة تحمر مرة،وتصفر أخرى)رواه أحمد،
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم فَقَالَت، يَا رَسُولَ اللهِ، ابْنَةٌ لِي كَذَا وَكَذَا،ذَكَرَتْ مِنْ حسنها وجمالها،فآثرتك بها،فقال(قد قبلتها،فلم تزل تمدحها،حتى ذكرت أنها لم تصدع ولم تشتك شيئاً قط،قال،لا حاجة لي في ابنتك)رواه أحمد،
عن أبي هريرة،قال،مر برسول اللهِ صلي الله عليه وسلم،أعرابي أعجبه صحته وجلده،قال،فدعاه رسول الله صلي الله عليه وسلم، فقال،متى حَسست بالحمى،قال،وما الحمى،سخنة تكون بين الجلد والعظام،قال،ما بذاك لي عهد،قال،فمتى حسست بالصداع،قال،وأي شيءٍ الصداع،قال،ضربان يكون في الصدغين، والرأس،قال،ما لي بذاك عهد،
قال،فلما قفى،أو ولى الأعرابي،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(من سره أن ينظر إلى رجل من أهل النار،فلينظر إليه)رواه أحمد والبزار،
حقيقة الابتلاء وسره،إن الله خلق الإنسان بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة وجعل له تمام التكريم فقال تعالى(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تفضِيلًا)الإسراء،
ولا يعقل بعد كل هذا التكريم أن يسلط الله عليه ما فيه حرج ومشقة وشدة، خصوصاً وأن المسلم يعلم يقينا أن الله أرحم بعباده من الأم بولدها، وإنما الابتلاء والشدائد لتمحيص الخلق ولإظهار حقيقة معادن الناس،بل جعل الله هذا الابتلاء سنة من سننه فقال سبحانه(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)البقرة،
المؤمن وموقفه من الابتلاء،المؤمن يرى أن الدنيا بأسرها دار فتنة وابتلاء،وهو يتقلب فيها ما بين ابتلاء بشيء من الخير أو بشيء من الشر، وهو في كل ذلك صابر على الشر لا ييأس من روح الله، شاكر على الخير لا يصيبه الكبر ولا البطر، ولهذا فهو لا يخلو من أجر في كل الأحوال،
وأخرج أحمد،عن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَال،قَالَ رَسُولُ اللهِ صلي الله عليه وسلم(عجبت للمؤمن،إن أصابه خير حمد الله وشكر،وإن أصابته مصيبة حمد الله وصبر،فالمؤمن يؤجر في كل أمره)
فوائد الابتلاء بالنسبة للمؤمن،
الابتلاء قرب من الله تعالى،إذا كان الإنسان يتصور أن إمداد الله إياه بالنعم هو كرامة له،وأن تتابع الشدائد عليه هو إهانة من الله له، فإن الله تعالى يبين أن كل ذلك ابتلاء وتمحيص،بل يعد الابتلاء محبة من الله لعبده وليس بغضاً له،
أخرج الترمذي،وابن ماجه بسند صحيح عن سعد بن أَبي وقاص رضي الله عنه قال،قلت،يا رسول اللَه أي الناس أشد بلاءً،قال(الأنبياء،ثم الأمثل فالأمثل،فيبتلى الرجل على حسب دينه،فإن كان دينه صلباً،اشتدّ بلاؤه،وإن كان في دينه رِقة،ابتلي على حسب دينه،فما يبرح البلاء بالعبد،حتى يتركه يمشي على الأرض،ما عليه من خطيئة)
الابتلاء فرصة لتكفير الخطايا ومغفرةالذنوب،فقد أخرج البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه،أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ،وَهُوَ يُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا،وَقُلْت،إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، قُلْت،إِنَّ ذَاكَ بِأَنَّ لَكَ أَجْرَيْن،قَال(أَجَلْ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى إِلَّا حَاتَّ اللَّهُ عَنْهُ خَطَايَاهُ، كَمَا تَحَاتُّ وَرَقُ الشَّجَر)
وأخرج أحمد،والبخاري،عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قال،وضع رَجُلٌ يَدَهُ عَلَى النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم فَقَال،وَاللهِ مَا أطيق أَنْ أَضَعَ يَدِي عَلَيْكَ مِنْ شِدَّةِ حُمَّاك،فَقَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم(إِنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ يُضَاعَفُ لَنَا الْبَلَاءُ، كَمَا يُضَاعَفُ لَنَا الْأَجْر)
الابتلاء رفعة للدرجات،فالمؤمن يرضى بما أصابه؛ لأن في ذلك رفعة لدرجاته، كما أخرج أبو داود،
قال رسولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم(إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ، لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ ابْتَلَاهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ، أَوْ فِي مَالِهِ، أَوْ فِي وَلَدِهِ، ثُمَّ صَبَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى)
الابتلاء تطهير للعبد وتقوية لمعاني الإيمان في قلبه،أخرج مسلم عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله،أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلي الله عليه وسلم،دَخَلَ عَلَى أُمِّ السَّائِب،فقال(ما لك يا أم السائب تزفزفين)أي ترتعدين بشدة) قَالَت،الْحُمَّى، لَا بَارَكَ اللهُ فِيهَا، فَقَال(لَا تَسُبِّي الْحُمَّى، فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ، كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ)
وربما كان الابتلاء سبباً في حماية العبد من الطغيان واتباع الشهوات، كما قال تعالى(وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرّ لَلَجُّوا في طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)المؤمنون،
الصبر على الابتلاء سبب لاستحقاق الجنة،أخرج البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال،سمعت النبِي صلي الله عليه وسلم يقول(إِن اللَّه قال،إِذا ابتليت عبدي بِحبِيبتيه فصبر،عوضته منهما الجنة)أي عينيه،
يجري على المبتلى أجر عمله الصالح قبل الابتلاء،فقد أخرج أبو داود،وصححه ابن حبان،قَال النَّبِي صلي الله عليه وسلم(إِذَا كَانَ الْعَبْدُ يَعْمَلُ عَمَلًا صَالِحًا، فَشَغَلَهُ عَنْهُ مَرَضٌ، أَوْ سَفَرٌ، كُتِبَ لَهُ كَصَالِحِ مَا كَانَ يَعْمَلُ، وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيم)
فاللهم إنا نسألك أن تعاملنا بمحض لطفك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع
أخرج الشيخان،البخاري،ومسلم،عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع من حيث أتتها الريح كفأتها فإذا اعتدلت تكفأ بالبلاء ،والفاجر كالأرزة صماء معتدلة حتى يقصمها الله إذا شاء)
معني الحديث،إن هذا الحديث يعني أن المؤمن عرضة للابتلاء بكل ألوان الابتلاء،أما الفاجر فيمده الله بألوان من النعم ليزداد طغياناً وفجوراً حتى يأخذه أخذ عزيز مقتدر،
وقد شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم،المؤمن في ألوان البلاء عليه بالخامة من الزرع،أى، النبتة الصغيرة الطرية من حيث أتتها الريح كفأتها،أى أمالتها هنا وهناك،
و(تفيئها الرياح) أي،تميلها يميناّ وشمالاً،وذلك أن الريح إذا هبت شمالاً مالت الخامة إلى الجنوب،وإذا هبت جنوباً مالت إلى الشمال،
،فإذا سكنت الريح اعتدلت النبتة إلى أن تعود الريح للهبوب مرة أخرى فيعود للنبتة ما كان لها من تكافؤ،وهكذا المؤمن تتوالى عليه ألوان المحن،إذ ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هّم ولا حزن ولا أذى ولا غّم وحتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه،
أما الفاجر فقد شبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم،بالأرزة وهي شجرة الصنوبر،تلكم الشجرة القوية الثابتة التي لا تؤثر فيها الرياح حتى تهب عليها عاصفة قوية تقتلعها أو تكسرها،
فالفاجر أو الكافر كالأرز،أى كشجرة الصنوبر صماء،أى صلبة شديدة بلا تجويف معتدلة حتى يقصمها الله إذا شاء أن يكسرها،أن المؤمن حيث جاءه أمر له مكروه صبر ورجا فيه الخير الكثير والأجر،
والكافر يحصل له التيسير في الدنيا حتى إذا أرد الله إهلاكه قصمه فيكون موته أشد عذاباً عليه وأكثر ألماً،
خلق الله تبارك وتعالى هذه الحياة وجعلها دار امتحان لبني آدم (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)الملك،وجعل لهذا الامتحان صورا وأشكالا متعددة، ما بين خير وشر(وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)الأنبياء،
وشاءت حكمة الله تعالى أن يجعل ابتلاء المؤمن وفتنته في الانتقاص من نفسه أو أهله أو ماله(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ)البقرة،فيبتليه بمرض أو نقص في جسده، أو بفقد ولد أو حبيب أو عزيز، ويبتليه بالفقر والحاجة، ويبتليه بتسليط الظلمة عليه، ولكنه في كل ذلك متعلق بالله، مشدود إلى جنابه العظيم، لا تزيده تلك المحن إلا صلابة في دينه وقوة في عقيدته، بخلاف المنافق الذي يمهله الله ويستدرجه ويمد له في أسباب الصحة والثروة، ثم إذا ابتلاه بشيء من الشدة سقط في أول اختبار، وفي هذا الحديث يشبه النبي صلي الله عليه وسلم حال المؤمن وحال المنافق في تفاعلهما وتأثر كل منهما بالمحنة والفتنة، فالمؤمن أشبه بالنبتة الغضة اللينة التي تميل مع الرياح لكنها لا تنقلع بل تزداد مع حركات الرياح تشبثا بالأرض وارتفاعاً في السماء،
أما المنافق فهو أشبه بالشجرة الصماء التي لا تتحرك مع الرياح، بل تنقى على حالها حتى تأتيها ريح تقتلعها من جذورها،
قال أبو عبيد،يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَشَقَّةِ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَالْمَرَضِ وَغَيْرِهَا،
وَالْكَافِرُ كَمَثَلِ الْأَرْزَةِ الَّتِي لَا تُمِيلُهَا الرِّيحُ، أَيْ لَا يُرْزَأُ شَيْئًا، وَإِنْ أُرْزِيَ لَمْ يُؤْجَرْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمُوتَ، فَشَبَّهَ مَوْتَهُ بِانْجِعَافِ تِلْكَ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِذُنُوبِهِ، فَكَذَلِكَ الْمُنَافِقُ وَالْفَاسِقُ يُقِلُّ لَهُمُ الْأَمْرَاضَ وَالْمَصَائِبَ لِئَلَّا يَحْصُلَ لَهُمْ كَفَارَّةٌ وَلَا ثَوَاب،
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَخْلُو مِنْ عِلَّةٍ أَوْ قِلَّةٍ أَوْ ذِلَّةٍ، كَمَا رُوِيَ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ عَلَامَةِ السَّعَادَةِ بِشَرْطِ الصَّبْرِ وَالرِّضَا وَالشُّكر،
وسرعة التوبة من الذنب كلما وقع فيه، فكلما مال المؤمن عن الحق تذكر أمره فاسرع بالتوبة إلى ربه واستقام على الصراط المستقيم،
لهذا كان المؤمن على توقع البلاء والرضا به دائماً، حتى إن النبي صلي الله عليه وسلم،ليعتبر عدم حصول المرض للعبد علامة على عدم وثوق دينه،
قال رسول اللهِ صلي الله عليه وسلم(مثل المؤمن مثل الخامة تحمر مرة،وتصفر أخرى)رواه أحمد،
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم فَقَالَت، يَا رَسُولَ اللهِ، ابْنَةٌ لِي كَذَا وَكَذَا،ذَكَرَتْ مِنْ حسنها وجمالها،فآثرتك بها،فقال(قد قبلتها،فلم تزل تمدحها،حتى ذكرت أنها لم تصدع ولم تشتك شيئاً قط،قال،لا حاجة لي في ابنتك)رواه أحمد،
عن أبي هريرة،قال،مر برسول اللهِ صلي الله عليه وسلم،أعرابي أعجبه صحته وجلده،قال،فدعاه رسول الله صلي الله عليه وسلم، فقال،متى حَسست بالحمى،قال،وما الحمى،سخنة تكون بين الجلد والعظام،قال،ما بذاك لي عهد،قال،فمتى حسست بالصداع،قال،وأي شيءٍ الصداع،قال،ضربان يكون في الصدغين، والرأس،قال،ما لي بذاك عهد،
قال،فلما قفى،أو ولى الأعرابي،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(من سره أن ينظر إلى رجل من أهل النار،فلينظر إليه)رواه أحمد والبزار،
حقيقة الابتلاء وسره،إن الله خلق الإنسان بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة وجعل له تمام التكريم فقال تعالى(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تفضِيلًا)الإسراء،
ولا يعقل بعد كل هذا التكريم أن يسلط الله عليه ما فيه حرج ومشقة وشدة، خصوصاً وأن المسلم يعلم يقينا أن الله أرحم بعباده من الأم بولدها، وإنما الابتلاء والشدائد لتمحيص الخلق ولإظهار حقيقة معادن الناس،بل جعل الله هذا الابتلاء سنة من سننه فقال سبحانه(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)البقرة،
المؤمن وموقفه من الابتلاء،المؤمن يرى أن الدنيا بأسرها دار فتنة وابتلاء،وهو يتقلب فيها ما بين ابتلاء بشيء من الخير أو بشيء من الشر، وهو في كل ذلك صابر على الشر لا ييأس من روح الله، شاكر على الخير لا يصيبه الكبر ولا البطر، ولهذا فهو لا يخلو من أجر في كل الأحوال،
وأخرج أحمد،عن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَال،قَالَ رَسُولُ اللهِ صلي الله عليه وسلم(عجبت للمؤمن،إن أصابه خير حمد الله وشكر،وإن أصابته مصيبة حمد الله وصبر،فالمؤمن يؤجر في كل أمره)
فوائد الابتلاء بالنسبة للمؤمن،
الابتلاء قرب من الله تعالى،إذا كان الإنسان يتصور أن إمداد الله إياه بالنعم هو كرامة له،وأن تتابع الشدائد عليه هو إهانة من الله له، فإن الله تعالى يبين أن كل ذلك ابتلاء وتمحيص،بل يعد الابتلاء محبة من الله لعبده وليس بغضاً له،
أخرج الترمذي،وابن ماجه بسند صحيح عن سعد بن أَبي وقاص رضي الله عنه قال،قلت،يا رسول اللَه أي الناس أشد بلاءً،قال(الأنبياء،ثم الأمثل فالأمثل،فيبتلى الرجل على حسب دينه،فإن كان دينه صلباً،اشتدّ بلاؤه،وإن كان في دينه رِقة،ابتلي على حسب دينه،فما يبرح البلاء بالعبد،حتى يتركه يمشي على الأرض،ما عليه من خطيئة)
الابتلاء فرصة لتكفير الخطايا ومغفرةالذنوب،فقد أخرج البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه،أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ،وَهُوَ يُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا،وَقُلْت،إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، قُلْت،إِنَّ ذَاكَ بِأَنَّ لَكَ أَجْرَيْن،قَال(أَجَلْ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى إِلَّا حَاتَّ اللَّهُ عَنْهُ خَطَايَاهُ، كَمَا تَحَاتُّ وَرَقُ الشَّجَر)
وأخرج أحمد،والبخاري،عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قال،وضع رَجُلٌ يَدَهُ عَلَى النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم فَقَال،وَاللهِ مَا أطيق أَنْ أَضَعَ يَدِي عَلَيْكَ مِنْ شِدَّةِ حُمَّاك،فَقَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم(إِنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ يُضَاعَفُ لَنَا الْبَلَاءُ، كَمَا يُضَاعَفُ لَنَا الْأَجْر)
الابتلاء رفعة للدرجات،فالمؤمن يرضى بما أصابه؛ لأن في ذلك رفعة لدرجاته، كما أخرج أبو داود،
قال رسولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم(إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ، لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ ابْتَلَاهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ، أَوْ فِي مَالِهِ، أَوْ فِي وَلَدِهِ، ثُمَّ صَبَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى)
الابتلاء تطهير للعبد وتقوية لمعاني الإيمان في قلبه،أخرج مسلم عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله،أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلي الله عليه وسلم،دَخَلَ عَلَى أُمِّ السَّائِب،فقال(ما لك يا أم السائب تزفزفين)أي ترتعدين بشدة) قَالَت،الْحُمَّى، لَا بَارَكَ اللهُ فِيهَا، فَقَال(لَا تَسُبِّي الْحُمَّى، فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ، كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ)
وربما كان الابتلاء سبباً في حماية العبد من الطغيان واتباع الشهوات، كما قال تعالى(وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرّ لَلَجُّوا في طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)المؤمنون،
الصبر على الابتلاء سبب لاستحقاق الجنة،أخرج البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال،سمعت النبِي صلي الله عليه وسلم يقول(إِن اللَّه قال،إِذا ابتليت عبدي بِحبِيبتيه فصبر،عوضته منهما الجنة)أي عينيه،
يجري على المبتلى أجر عمله الصالح قبل الابتلاء،فقد أخرج أبو داود،وصححه ابن حبان،قَال النَّبِي صلي الله عليه وسلم(إِذَا كَانَ الْعَبْدُ يَعْمَلُ عَمَلًا صَالِحًا، فَشَغَلَهُ عَنْهُ مَرَضٌ، أَوْ سَفَرٌ، كُتِبَ لَهُ كَصَالِحِ مَا كَانَ يَعْمَلُ، وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيم)
فاللهم إنا نسألك أن تعاملنا بمحض لطفك وإحسانك يا أرحم الراحمين.