المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا



امـ حمد
20-04-2015, 04:40 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا
قال تعالى( قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ )الأنعام،
تفسير قوله تعالى( قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ )يعني،الآيات والدلائل التي تبصرون بها الهدى من الضلالة،والمقصود به النور،فهناك نور يستبصر به القلب، ويعبر عنه بكلمة (بصيرة القلب) كما أن البصر نور تستبصر به العين، فالنور الذي ترى به العين هو البصر،
فهناك البصر وهناك البصيرة، فما تعلق برؤية العين فهو البصر، وما تعلق برؤية القلب فهو البصيرة،
وقوله(قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ)يعني،من أبصر الحق بتلك البصائر وآمن به فلنفسه،
وقوله( وَمَنْ عَمِيَ)أي،من ضل عن الحق فعليها،والمقصود بالعمى هنا عمى القلب،لأن الكلام هنا عن البصائر وليس عن الأبصار، وقد قال تعالى(فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)الحج،
فكم من رجل له عينان حادتان مبصرتان ولكن لا بصيرة له، ولكنه أعمى القلب،وكم من رجل أعمى لا يرى بعينه لكن عنده بصيرة يرى بقلبه الحق ويهتدي إليه،
قال تعالى(وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا )الإسراء،
فالكلام هنا هو عن عمى القلب،وليس عن عمى البصر،والآية تتكلم عن البصائر التي هي نور القلب الذي يبصر القلب به الحق،ولذلك قال(فمن أبصر) يعني،أبصر الحق بهذه البصائر فلنفسه (ومن عمي)يعني،ضل عن الحق (فعليها)
وقوله(وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ )أي،برقيب،يرقبكم ويحفظكم عن الضلال، والله سبحانه وتعالى،هو الذي يحفظ أعمالكم ويجازيكم عليها،
قد جاءكم حجج من ربكم فمن أبصر فلنفسه،لأن ثواب إبصاره له ومن عمي عنها فضل وبال إضلاله،
والمكذبين بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم،وما جاءهم من عند الله،قد جاءكم بصائر من ربكم، أي،ما تبصرون به الهدى من الضلال، والإيمان من الكفر،بصائر في قلوبهم لدينهم،
وقوله(فمن أبصر فلنفسه)فمن تبين حجج الله وعرفها وأقر بها، وآمن بما دلته عليه من توحيد الله،وتصديق رسوله وما جاء به، فإنما أصاب حظ نفسه، ولنفسه عمل،
(ومن عمي فعليها)من لم يستدل بها، ولم يصدق بما دلته عليه من الإيمان بالله ورسوله وتنزيله، ولكنه عمي عن دلالتها التي تدل عليها،فضر نفسه، وإليها أساء،
(وما أنا عليكم بحفيظ)وما أنا عليكم برقيب أحصي عليكم أعمالكم وأفعالكم، وإنما أنا رسول أبلغكم ما أرسلت به إليكم، والله الحفيظ عليكم، الذي لا يخفى عليه شيء من أعمالكم،
(وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)ما اشتملت عليه من النظام التام، والخلق الباهر، فإن في ذلك دلالة على سعة علم الخالق، وكمال حكمته، كما قال تعالى(أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)وكما قال تعالى(وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ)ذلكم الذي خلق ما خلق، وقدر ما قدر(اللَّهُ رَبُّكُمْ)أي،المعبود، الذي يستحق نهاية الذل، ونهاية الحب، الرب، الذي ربى جميع الخلق بالنعم، وصرف عنهم صنوف النقم(لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ)أي،أنه الله الذي لا إله إلا هو، فاصرفوا له جميع أنواع العبادة، وأخلصوها لله، واقصدوا بها وجهه،فإن هذا هو المقصود من الخلق، الذي خلقوا لأجله(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)
(وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) أي،جميع الأشياء، تحت وكالة الله وتدبيره، خلقاً، وتصريفاً، فيه يكون استقامته وتمامه، وكمال انتظامه،
وأما الباري، تبارك وتعالى، فوكالته من نفسه لنفسه، متضمنة لكمال العلم، وحسن التدبير والإحسان فيه، والعدل، فلا يمكن لأحد أن يستدرك على الله، ولا يرى في خلقه خللاً ولا فطوراً، ولا في تدبيره نقصاّ وعيباً،
وأنه تعالى،توكل ببيان دينه،وتولى حفظ المؤمنين وعصمتهم عما يزيل إيمانهم ودينهم،
(لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ) لعظمته، وجلاله وكماله، أي،لا تحيط به الأبصار،وإن كانت تراه، وتفرح بالنظر إلى وجهه الكريم،
(وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ)أي،هو الذي أحاط علمه، بالظواهر والبواطن، حتى أدرك السرائر والخفايا، والخبايا والبواطن،
ومن لطفه، أنه يسوق عبده إلى مصالح دينه، ويوصلها إليه بالطرق التي لا يشعر بها العبد،ويوصله إلى السعادة الأبدية،والفلاح السرمدي، من حيث لا يحتسب،حتى أنه يقّدر عليه الأمور، التي يكرهها العبد، ويتألم منها، ويدعو الله أن يزيلها،فسبحان اللطيف لما يشاء،الرحيم بالمؤمنين،
(قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) نبه العباد عليها، وأخبر أن هدايتهم وضدها لأنفسهم، فقال( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ)أي، آيات تبين الحق، وتجعله للقلب بمنزلة الشمس للأبصار،ووضوحه، ومطابقته للمعاني الجليلة، والحقائق الجميلة، لأنها صادرة من الرب، الذي ربى خلقه، بصنوف نعمه الظاهرة والباطنة، التي من أفضلها وأجلها، تبيين الآيات،
( فَمَنْ أَبْصَرَ) بتلك الآيات وعمل بمقتضاها،فَلِنَفْسِهِ،فإن الله هو الغني الحميد،
( وَمَنْ عَمِيَ ) بأن بُصِّر فلم يتبصر،وزُجِر فلم ينزجر،وبين له الحق، فما انقاد ولا تواضع له، فإنما عماه مضرته عليه.
قال العلامة ابن القيم،رحمه الله(من عرف طريقاّ موصله إلى الله وذاق قلبه حلاوة معرفته ومحبته،ثم ركن إلى غيره وسكن إلى ما سواه،فقد أودع قلبه سجون المضايق
وعذب في حياته عذاباً لم يعذب به أحدا من العالمين،فحياته عجز وغم،وموته كدر وحسره،ومعاده أسف وندامه،
فلا لذة الجاهلين ولا راحة العارفين،يستغيث فلا يغاث،
ويشتكي فلا يشكى،فقد ترحلت أفراحه وسروره،
وأقبلت آلامه واحزانه وحسراته،
فقد أبدل بأنسه وحشة،وبعزه ذلا،
وبغناه فقراً،ذلك بأنه عرف طريقه إلى الله ثم تركها،
فأبصر ثم عمي وعرف ثم أنكر وأقبل ثم أدبر ودعي فما أجاب وفتح له ثم ولى ظهره،
في الصحيحين وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه(اللهم أجعل في قلبي نوراً، وفي بصري نوراً، وفي سمعي نوراً، وعن يميني نوراً، وعن يساري نوراً، وفوقي نوراً، وتحتي نوراً، وأمامي نوراً، وخلفي نوراً، واجعل لي نورا،
اللهم أنر بفضلك نور بصيرتنا،وأرنا الحق حقّا وارزقنا اتباعه،وأرنا الباطل باطلاً وأرزقنا اجتنابه،ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا،واقبضنا إليك غير مفتونين، لا ضالين ولا مضلين.

وليف الشوق
20-04-2015, 05:09 PM
إنه سبحانه قد أعطانا نورا صحيحا واضحا وهو يأتي إلينا بمشيئته.

قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ

الحسيمqtr
20-04-2015, 08:43 PM
جزاكِ الله جنة الفردوس

امـ حمد
21-04-2015, 02:04 AM
إنه سبحانه قد أعطانا نورا صحيحا واضحا وهو يأتي إلينا بمشيئته.

قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ

الله يعطيك العافيه
بارك الله فيك وفي ميزان حسناتك وليف الشوق
وجزاك ربي جنة الفردوس

امـ حمد
21-04-2015, 02:05 AM
جزاكِ الله جنة الفردوس
الله يعطيك العافيه

بارك الله فيك وفي ميزان حسناتك اخوي الحسيم
وجزاك ربي جنة الفردوس