moonبنتnight
24-05-2015, 06:50 AM
د.محمد بن علي الكبيسي
مستشارو العقبات
جريدة الشرق : 24/5/2015
في يوم من الأيام حملت أوراق إحدى المواطنات لجهة حكومية فما كان من المسؤول إلا أن طلب عرض الموضوع على المستشار ليبدي رأيه حول الأمر. فذهبت لمكتب المستشار ووجدت موظفاً صغيراً في السن فسألته عن المستشار (كنت أعتقد أن المستشار كبير في السن وقد عركته الأيام بالخبرة والتجارب) فقال أنا المستشار. ومن باب الفضول سألته عن الشهادة ومتى حصل عليها فقال إنه حاصل على درجة البكالوريوس من بريطانيا وذلك منذ سنتين. سبحان الله.. مستشار على أي أسس.. لا عمر ولا خبرة ولا تجارب (لمعلوماتكم.. راتبه عال جداً). فقدمت إليه الأوراق فنظر فيها سريعاً وقال سوف أرفع بعد عدة أيام تقريراً للمسؤول عن الحالة. إن وظيفة المستشار، وللأسف، من الوظائف مجهولة المعالم في كثير من القطاعات الحكومية. وكلما تقدم أحد المراجعين بطلب إلى جهة رسمية يأتيك الرد بأننا سنعرض موضوعك على المستشار وبعد مدة يأتيك الجواب بأن المستشار وافق أو لم يوافق، في حين أن مدير الإدارة المعنية، والذي من المفروض أن يلم بطبيعة أعمال إدارته، مهمش دوره ولا يؤخذ برأيه. ولكن ما هي مهام المستشار المفترضة؟
المستشار، كما أراه، يجب أن يكون هو لب عملية التطوير والتوجيه والتنمية المستمرة في الجهة التي يعمل بها. فعمل المستشار بشكل ملخص هو إرشاد وإصلاح وتوجيه. وتتحدد علاقة المستشار مع الجهة التي يعمل بها حسب زمن المشكلة أو الموضوع، حيث تعتبر مشورة إذا كان الموضوع في بدايته، وطلب مساعدة إذا كان الموضوع في منتصفه، أما عندما يستعان بالاستشارة في نهاية الموضوع وبعد ظهور آثاره فهذا يعتبر انقاذا. وكل ذلك يعني أن المستشار يجب أن يقوم بتقديم الاقتراحات والأفكار والإجراءات التي تساهم في تسيير وتطوير نظم الوزارة أو المؤسسة في جوانبها المختلفة، وتوقع العديد من العوامل والعقبات التي قد تعترض أدائها، ووضع تصورات شاملة الجوانب للتمكن من العمل في ظلها. ومع كل ذلك نجد أن أغلب المستشارين في قطر هم عقبة أمام تطور عمل الجهات الحكومية. فنجد أن بعضهم يقوم ببث الفرقة بين المسؤول وبقية الموظفين لدرجة وصلت في بعض الجهات الحكومية، إلى زرع الشك في الموظف وعمله أمام المسؤول، مما يؤدي لعدم قبول أي طرف عمل الطرف الآخر. وفي جهات أخرى نجد أن هؤلاء البعض وصلت سلطاته ليكون المتحدث باسم المسؤول، ويقوم بالدور التنفيذي أكثر من الدور الاستشاري وفي هذا خروج عن الدور الحيادي الذي يجب أن يلعبه المستشار. وبعض المستشارين، هداهم الله، يقدم استشارة للمسؤول حسب طلب المسؤول ويزينها بالألفاظ الرنانة التي قد لا تساعد المسؤول، بل تحرجه، حين يتبناها بصيغتها التي يقدمها المستشار. وهناك نوع آخر مهمته تنفيذ توجيهات المسؤول في التقليل من أداء بعض الموظفين المواطنين حتى يقوم بتقديم استقالته من عمله.
إنه لمن المؤسف، مع هذه الأعداد الكبيرة من المستشارين وبرواتبهم العالية، أنهم لم يستطيعوا حتى إعداد خطة عمل للأجهزة التي ينتمون إليها لدرجة أن الموظفين في تلك الجهات لا يزالون لا يعرفون صلاحياتهم الوظيفية. وهنا يتبادر سؤال مهم وهو: ما هو التطوير المحتمل الذي سيقدمه مثل هؤلاء المستشارون لتلك الجهات؟ إنه لمن المؤسف أن بعض المستشارين يعمل لعشرات السنين في نفس الموقع وليس لديه أي إنتاج فعلي ما عدا صياغة الكتب وشرب القهوة والشاي وقراءة الجرائد. حتى ان المستشارين لا يعرفون ماذا يعمل المستشارون في الجهات الأخرى، فعلى سبيل المثال فإن خط الاتصال شبه مقطوع بين مستشاري الهيئة العامة للأشغال ومستشاري وزارة البلدية والتخطيط العمراني ومستشاري إدارة المرور. وكل ما يقوم به مستشارو تلك الجهات، كل على حدة، هو تبني الحلول الجزئية التي لا تسمن ولا تغني من جوع. ولذلك ليس بغريب استمرار مشكلة الازدحام المروري. إنه من المهم إجراء تقييم عمل المستشار سنوياً، ليس على أساس دوامه، ولا على الكتب التي صاغها، ولا على الردود التي أعدها، ولكن على أسس مساهمته في حل المشكلات ووضع الخطط العملية لتحقيق النجاح للجهة التي يعمل بها. ولو تم التقييم كما ذكر فإنه من المحتمل الاستغناء عن خدمات غالبيتهم، ولأوقفت الحكومة، لرواتبهم العالية، استنزاف جزء ليس يسيراً من موارد الدولة المالية.
إن المستشار في الوقت الحالي لا يستطيع أن يساهم مساهمة حقيقية في الجهات التي يعمل بها. وحتى نتجاوز هذا الأمر ونجعل مساهماتهم إيجابية فإنه من المهم، حسب وجهة نظري، أن يتم نقل جميع المستشارين من قوة العمل لدى تلك الجهات إلى مجلس الوزراء الموقر. إن وجود المستشار على قوة مجلس الوزراء يجعل: 1. المرجعية إلى مجلس الوزراء وليس إلى المسؤول في تلك الجهات. 2. يعطي مؤشرات لمجلس الوزراء على مدى تقيد المسؤول بالخطط العامة التي أقرت من الجهات العليا. 4. تفادي السياسات والصراعات الداخلية والتعامل بصراحة مع المسؤولين. 5. النظر للأمور بطريقة منطقية قائمة على أسس مهنية صارمة وبنظرة شمولية.
وفي الختام نقول: إن قطر، وهي تنمو وتزدهر، تواجه مشاكل متنوعة وهي بهذا لا تختلف عن بقية دول العالم، ولكن المشكلة أن غيرنا، بواسطة مستشاريهم المتخصصين، يحدد المشكلة ويقوم بحلها حلاً شاملاً، في حين أننا في قطر نقوم بالحل الجزئي للمشكلة وليس الحل الكامل مما يكبد الخزينة العامة مبالغ تبلغ أضعافا مضاعفة مما يدفعه غيرنا لنفس نوعية المشاريع التنموية.
والله من وراء القصد،،
جريدة الشرق
http://www.al-sharq.com/news/details/339975#.VWFEl01ZqdI
مستشارو العقبات
جريدة الشرق : 24/5/2015
في يوم من الأيام حملت أوراق إحدى المواطنات لجهة حكومية فما كان من المسؤول إلا أن طلب عرض الموضوع على المستشار ليبدي رأيه حول الأمر. فذهبت لمكتب المستشار ووجدت موظفاً صغيراً في السن فسألته عن المستشار (كنت أعتقد أن المستشار كبير في السن وقد عركته الأيام بالخبرة والتجارب) فقال أنا المستشار. ومن باب الفضول سألته عن الشهادة ومتى حصل عليها فقال إنه حاصل على درجة البكالوريوس من بريطانيا وذلك منذ سنتين. سبحان الله.. مستشار على أي أسس.. لا عمر ولا خبرة ولا تجارب (لمعلوماتكم.. راتبه عال جداً). فقدمت إليه الأوراق فنظر فيها سريعاً وقال سوف أرفع بعد عدة أيام تقريراً للمسؤول عن الحالة. إن وظيفة المستشار، وللأسف، من الوظائف مجهولة المعالم في كثير من القطاعات الحكومية. وكلما تقدم أحد المراجعين بطلب إلى جهة رسمية يأتيك الرد بأننا سنعرض موضوعك على المستشار وبعد مدة يأتيك الجواب بأن المستشار وافق أو لم يوافق، في حين أن مدير الإدارة المعنية، والذي من المفروض أن يلم بطبيعة أعمال إدارته، مهمش دوره ولا يؤخذ برأيه. ولكن ما هي مهام المستشار المفترضة؟
المستشار، كما أراه، يجب أن يكون هو لب عملية التطوير والتوجيه والتنمية المستمرة في الجهة التي يعمل بها. فعمل المستشار بشكل ملخص هو إرشاد وإصلاح وتوجيه. وتتحدد علاقة المستشار مع الجهة التي يعمل بها حسب زمن المشكلة أو الموضوع، حيث تعتبر مشورة إذا كان الموضوع في بدايته، وطلب مساعدة إذا كان الموضوع في منتصفه، أما عندما يستعان بالاستشارة في نهاية الموضوع وبعد ظهور آثاره فهذا يعتبر انقاذا. وكل ذلك يعني أن المستشار يجب أن يقوم بتقديم الاقتراحات والأفكار والإجراءات التي تساهم في تسيير وتطوير نظم الوزارة أو المؤسسة في جوانبها المختلفة، وتوقع العديد من العوامل والعقبات التي قد تعترض أدائها، ووضع تصورات شاملة الجوانب للتمكن من العمل في ظلها. ومع كل ذلك نجد أن أغلب المستشارين في قطر هم عقبة أمام تطور عمل الجهات الحكومية. فنجد أن بعضهم يقوم ببث الفرقة بين المسؤول وبقية الموظفين لدرجة وصلت في بعض الجهات الحكومية، إلى زرع الشك في الموظف وعمله أمام المسؤول، مما يؤدي لعدم قبول أي طرف عمل الطرف الآخر. وفي جهات أخرى نجد أن هؤلاء البعض وصلت سلطاته ليكون المتحدث باسم المسؤول، ويقوم بالدور التنفيذي أكثر من الدور الاستشاري وفي هذا خروج عن الدور الحيادي الذي يجب أن يلعبه المستشار. وبعض المستشارين، هداهم الله، يقدم استشارة للمسؤول حسب طلب المسؤول ويزينها بالألفاظ الرنانة التي قد لا تساعد المسؤول، بل تحرجه، حين يتبناها بصيغتها التي يقدمها المستشار. وهناك نوع آخر مهمته تنفيذ توجيهات المسؤول في التقليل من أداء بعض الموظفين المواطنين حتى يقوم بتقديم استقالته من عمله.
إنه لمن المؤسف، مع هذه الأعداد الكبيرة من المستشارين وبرواتبهم العالية، أنهم لم يستطيعوا حتى إعداد خطة عمل للأجهزة التي ينتمون إليها لدرجة أن الموظفين في تلك الجهات لا يزالون لا يعرفون صلاحياتهم الوظيفية. وهنا يتبادر سؤال مهم وهو: ما هو التطوير المحتمل الذي سيقدمه مثل هؤلاء المستشارون لتلك الجهات؟ إنه لمن المؤسف أن بعض المستشارين يعمل لعشرات السنين في نفس الموقع وليس لديه أي إنتاج فعلي ما عدا صياغة الكتب وشرب القهوة والشاي وقراءة الجرائد. حتى ان المستشارين لا يعرفون ماذا يعمل المستشارون في الجهات الأخرى، فعلى سبيل المثال فإن خط الاتصال شبه مقطوع بين مستشاري الهيئة العامة للأشغال ومستشاري وزارة البلدية والتخطيط العمراني ومستشاري إدارة المرور. وكل ما يقوم به مستشارو تلك الجهات، كل على حدة، هو تبني الحلول الجزئية التي لا تسمن ولا تغني من جوع. ولذلك ليس بغريب استمرار مشكلة الازدحام المروري. إنه من المهم إجراء تقييم عمل المستشار سنوياً، ليس على أساس دوامه، ولا على الكتب التي صاغها، ولا على الردود التي أعدها، ولكن على أسس مساهمته في حل المشكلات ووضع الخطط العملية لتحقيق النجاح للجهة التي يعمل بها. ولو تم التقييم كما ذكر فإنه من المحتمل الاستغناء عن خدمات غالبيتهم، ولأوقفت الحكومة، لرواتبهم العالية، استنزاف جزء ليس يسيراً من موارد الدولة المالية.
إن المستشار في الوقت الحالي لا يستطيع أن يساهم مساهمة حقيقية في الجهات التي يعمل بها. وحتى نتجاوز هذا الأمر ونجعل مساهماتهم إيجابية فإنه من المهم، حسب وجهة نظري، أن يتم نقل جميع المستشارين من قوة العمل لدى تلك الجهات إلى مجلس الوزراء الموقر. إن وجود المستشار على قوة مجلس الوزراء يجعل: 1. المرجعية إلى مجلس الوزراء وليس إلى المسؤول في تلك الجهات. 2. يعطي مؤشرات لمجلس الوزراء على مدى تقيد المسؤول بالخطط العامة التي أقرت من الجهات العليا. 4. تفادي السياسات والصراعات الداخلية والتعامل بصراحة مع المسؤولين. 5. النظر للأمور بطريقة منطقية قائمة على أسس مهنية صارمة وبنظرة شمولية.
وفي الختام نقول: إن قطر، وهي تنمو وتزدهر، تواجه مشاكل متنوعة وهي بهذا لا تختلف عن بقية دول العالم، ولكن المشكلة أن غيرنا، بواسطة مستشاريهم المتخصصين، يحدد المشكلة ويقوم بحلها حلاً شاملاً، في حين أننا في قطر نقوم بالحل الجزئي للمشكلة وليس الحل الكامل مما يكبد الخزينة العامة مبالغ تبلغ أضعافا مضاعفة مما يدفعه غيرنا لنفس نوعية المشاريع التنموية.
والله من وراء القصد،،
جريدة الشرق
http://www.al-sharq.com/news/details/339975#.VWFEl01ZqdI