المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ضريبة القيمة المضافة تهدد الاقتصاد الألماني بالركود



مغروور قطر
08-09-2006, 05:26 AM
ضريبة القيمة المضافة تهدد الاقتصاد الألماني بالركود




إعداد: بنيمين زرزور



تشهد الأسعار تصاعداً مستمراً في أكبر الاقتصادات الأوروبية ما يدفع كلاً من الحكومة والشركات للبحث عن مهدئات تخفف من وطأة زيادة ضريبة القيمة المضافة التي يسري مفعولها بدءاً من العام المقبل.

وجاء في تقرير لصحيفة “فايننشيال تايمز” أن ضريبة القيمة المضافة سوف ترتفع في ألمانيا بنسبة 3 نقاط مئوية في الأول من يناير/ كانون الثاني المقبل، رغم الاجتماعات اليومية التي يعقدها صناع القرار الألماني في أحد منتديات برلين التي تستضيف ثلة من المفكرين والباحثين في الشأن الاقتصادي ومن دون التوصل الى حل.

ويقول هارالد جرونرت مدير المنتدى الذي هاجر اليه من بون في أواسط التسعينات: “نظراً لارتفاع الأسعار الذي شهدته البلاد إبان دورة كأس العالم الأخيرة فإنه لا يمكننا تحمل ارتفاعات جديدة مع بداية العام”.

لا يقتصر تأثير فرض الزيادة على ضريبة القيمة المضافة التي بلغت 19% على الموظفين الحكوميين الذين أسهم بعضهم في تفعيلها، ولا على أعضاء البرلمان الذين اعتمدوها وصادقوا عليها رسمياً وإنما ستطال الجميع. في الوقت الذي تستعد ألمانيا لواحدة من أعلى الزيادات الضريبية في تاريخها الحديث، وهو الإجراء الذي يخشى كثير من الخبراء الاقتصاديين أن يهدد الانتعاش الألماني الهش، وأن تنتشر المخاوف في أوساط القطاعات الاقتصادية الحيوية.

ويبدو أن التخفيف من “بعبع” الزيادة المرتقبة لا يجد آذاناً صاغية. وتمت الموافقة على هذه الزيادة الأكبر من نوعها في تاريخ البلاد بعد الحرب العالمية الثانية، في اليوم الذي تولت فيه المستشارة الجديدة أنجيلا ميركيل وائتلاف يمين اليسار السلطة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ويعد قرار الزيادة من بين القرارات الأقل شعبية في تاريخ الحكومات الألمانية. وقد شنت اتحادات العمال وشركات الأعمال والقطاع التجاري حملة استمرت أشهراً لمنع صدور القرار.

ولا يزال القرار يثير حنق الكثيرين في الائتلاف الحاكم أيضاً. وحتى وزير الاقتصاد ميشيل جلوز أعرب عن تشاؤمه حيال القرار الذي سوف يسبب تراجعاً في نمو الاقتصاد الألماني العام المقبل حسب الدراسة التي أجرتها وزارته.

وتدل تجارب الماضي على أن ضريبة القيمة المضافة كثيراً ما تنتهي بالمآسي. فقد أسفرت زيادتها بنسبة 7 نقاط مئوية في بريطانيا عام 1979 عن دفع اقتصاد البلاد الى حافة الركود. كما أن ضريبة الاستهلاك التي فرضت في اليابان بنسبة 3% عام 1989 ورفعت بنسبة نقطتين مئويتين عام ،1997 تسببت في تدني مبيعات التجزئة ورفع معدلات التضخم عند فرض الضريبة وبعد رفعها.

وتبدو الخطوة الألمانية خطيرة على وجه الخصوص لأن الاستهلاك الذي ستطاله هو العنصر الأكثر هشاشة في انتعاش اقتصاد البلاد.

ويقول جيرغن مايكل من سيتي جروب: ان معظم حالات التشدد في السياسات المالية التي يفرضها القرار ستقع على كاهل المستهلكين.

وفي حال ارتفع معدل الاستهلاك نتيجة للقرار عند نهاية العام الحالي ثم تراجع بشكل حاد مع بداية سريان الزيادة مطلع ،2007 فإن الناتج الإجمالي المحلي للربع الأول من العام قد يسجل أرقاماً سلبية. وهذا ما قد يدفع الانتعاش الذي عكسته نتائج الربع الثاني القوية، حيث زاد الناتج الإجمالي بنسبة 0،9% مقارنة مع نتائج الربع الأول، والذي اعتبر الأول منذ خمس سنوات وزاد من معدلات نمو الناتج الأمريكي، الى التوقف.

يضاف الى ذلك أن ألمانيا تمثل نسبة 30% من استهلاك دول منطقة اليورو الاثنى عشر. وفي باريس يرى صناع القرار ان القرار الألماني ليس سوى تصرف يهدم مبادئ تنسيق السياسة الاقتصادية. ومن المخاطر الأخرى التي يخلفها على منطقة اليورو أن ردة فعل البنك المركزي الأوروبي قد تكون صارمة برفع معدلات أسعار الفائدة إذا ما دفعت الزيادة في ضريبة القيمة المضافة نسبة التضخم في ألمانيا الى 1،4%، وهو أمر متوقع، وبالتالي رفعت نسبة التضخم في منطقة اليورو الى 0،45%.

وقد شرع البنك المركزي الأوروبي في زيادة تكاليف الاقتراض منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي وتتوقع الأسواق ارتفاعين آخرين قبل نهاية العام الحالي بحدود ربع نقطة مئوية لكل منهما.

ولولا الخطوة الألمانية لشهدت منطقة اليورو تراجعاً في معدلات التضخم الى ما دون 2% العام المقبل بينما لا تزال تسجل صعوداً حتى الآن حيث بلغت 2،3%.

ومع تكدس كل تلك المخاوف، تدفع مجموعة من المعطيات خبراء الاقتصاد الى إعادة النظر في فرضياتهم حول الآثار الضارة لارتفاع ضريبة القيمة المضافة. وأهم هذه المعطيات صدور تقرير مؤشر أيفو للشهر الماضي الذي أظهر ان قطاع الأعمال الألماني لا يزال نشطاً ويحقق معدلات نمو لا بأس بها. وقد علقت إيلفا بارتش من مورجان ستينلي على التقرير بقولها: “يبدو أن مديري الشركات يعرفون ما لا نعرفه عن الأداء الاقتصادي. وأخشى أن نكون قد فقدنا قنوات الحصول على المعلومات عما يجري على مستوى الشركات الأضخم”.

ورغم معارضة اتحاد تطوير الصناعات الألماني العلنية للزيادة المذكورة إلا انه يعترف بأنه كلما اقترب المرء من واقع الأسواق كلما كان الشعور بالتفاؤل أقوى حول تأثير تلك الزيادة. ويعتقد كثير من مديري الشركات ان بوسعهم تخفيف تأثير تلك الزيادة على المستهلكين وعلى أرباح شركاتهم على حد سواء.

وقد أظهرت دراسة أجريت مؤخراً أن نسبة 40% من باعة التجزئة قد بدأوا عملياً في زيادة أسعار سلعهم. ويقول أندرياس بريبارت من شركة بريزيجر التي تتابع تطورات الأسعار في السوق الألمانية: “يبدو أن هذه السنة ستكون ذات طبيعة خاصة. وسواء حرص باعة التجزئة على تعويض الارتفاع في ضريبة القيمة المضافة، أو اتخذوا الخطوات اللازمة لتعويض ارتفاع أسعار المواد الأولية والوقود فسوف تكون هناك ارتفاعات في أسعار السلع هذا العام”.

وتقول شركة ماك كنزي الاستشارية: ان باعة التجزئة قد يزيدون هامش أرباحهم باستغلال الزيادة في ضريبة القيمة المضافة في مراجعة أساليب إدارة الأسعار من خلال تركيز الزيادات في السلع التي تمتاز بتدني حساسيتها السعرية. كما أن تخفيضات الأسعار التي يعلن عنها بشكل ناجح مع مطلع يناير/ كانون الثاني من كل عام قد تسهم في تخفيف الآثار النفسية التي تتركها الزيادة على المستهلكين.

وتقول سونيا كوشيل من شركة بي.بي.إي الاستشارية المتخصصة في بيع التجزئة: إن تجار التجزئة سيواجهون ظروفاً صعبة في الربع الأول من عام 2007 لأن المستهلكين سوف يحملون معهم حاجياتهم من هذا العام، ولعل هذا ما يفسر الزيادة في الأسعار بدءاً من نهاية العام الحالي واستمرارها حتى نهاية العام المقبل.

ويمكن للشركات أن تخفف من الآثار الضارة للزيادة الضريبية على المستهلكين وعلى معدلات التضخم ومتابعة التأثير الهدام لعملية تحويل المشتريات من عام 2007 الى نهاية ،2006 من خلال التحضير الجيد والتسويق الذكي.

وهذه هي وجهة نظر المفوضية الأوروبية التي دأبت على انتقاد التسيب في السياسة النقدية الألمانية. ويقول كلاوس ريجلبنج، مدير الشؤون المالية والاقتصادية في المفوضية: “قد لا يحدث في يناير/ كانون الثاني الكثير مما يتوقعه المراقبون. ونعتقد أن الصدمة لن تكون بهذه الشدة وسيكون من السهل تماماً تعزيز الوضع المالي للاقتصاد إذا توفر الحافز”.

إلا أن هناك عاملاً حاسماً سيحدد كيفية تأثير الزيادة في الانتعاش الاقتصادي. وقد بين بارتش من مورجان ستينلي ذلك بقوله: “لا نستطيع حتى الآن فهم المدى الذي سيصل اليه تأثير الزيادة في التشدد في السياسة النقدية فهماً كاملاً لأن ذلك سيعتمد الى حد كبير على عدد من المواقف من قضية الزيادة الضريبية التي ستصدر من الحكومة إزاء الاقتصاد لأنه من غير المعقول أن تتحمل العاصفة لوحدها”.

وتتوقع برلين أن تحقق الزيادة حوالي 20 مليار يورو العام المقبل إلا أن المبلغ الفعلي يعتمد على النسبة التي سيتحملها المستهلكون منه والنسبة التي تتحملها الشركات. وتعتزم الحكومة توظيف ثلثي المبلغ لترميم ميزانيات بعض الولايات والميزانية الفيدرالية. أما المبلغ المتبقي فيستخدم في تقليص مساهمة أرباب العمل والمستخدمين في برنامج ضمان البطالة الوطني. وبمعنى آخر فإن الحكومة ستدفع للشركات والمستهلكين مبلغ 4 مليارات يورو من عائدات الضرائب على شكل تخفيضات في ضرائب الدخل.

وفي حال قررت الحكومة تخفيف حدة فظاظتها في فرض الزيادة على ضريبة القيمة المضافة عبر تخفيضات هائلة في ضريبة الدخل، فإن خبراء الاقتصاد يتوقعون أن يتراوح عجز الموازنة من 0،75% من الناتج الإجمالي المحلي الى 0،5% أو أقل.

وهكذا فإن تدني العجز واعتدال مستويات التضخم في الأسعار والأجور والفائض التجاري الألماني وموازين الحسابات الختامية المتوازنة للشركات كلها كفيلة بأن تجنب الاقتصاد الألماني المآسي البريطانية واليابانية الناتجة عن رفع معدلات ضريبة القيمة المضافة.