المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التراجع عن الفتاوي يثير عدم الثقة في العلماء ويطرح العديد من التساؤلات



مغروور قطر
09-09-2006, 04:59 AM
التراجع عن الفتاوي يثير عدم الثقة في العلماء ويطرح العديد من التساؤلات

إعداد - السيد عبد السلام:

هل أصبح من المحتم تنظيم عملية إصدار الفتاوي بحيث تصدر فقط عن هيئة كبار العلماء أو أن تصدر عن مجمع فقهي يضم اغلب علماء المسلمين وأنه لا يجوز لكل من هب ودب او درس مادة في الشريعة أو حتي تخرج في قسم الشريعة او قرأ بعض الكتب الفقهية او تعرف علي فتوي عن طريق الصدفة ان يفتي

وهل أصبح الدين الاسلامي مشاعا لكل من قرأ عن الاسلام شيئا ان يفتي في مسائله وهل هناك فرق بين الداعية والمفتي ولماذا اضحت الشريعة مرتعا خصبا دون غيرها ومسرحا لكل من تسول له نفسه ان يتحدث فيها الا توجد تخصصات في المهن الاخري بحيث لا يستطيع مهندس ان يمتهن مهنة الطبيب ويصعب عليه ان ينضم الي عضوية نقابة الاطباء لانه ليس من اهل التخصص ولماذا توجد تخصصات في هذه الجوانب بينما الدين الاسلامي بلا حماية من عبث العابثين هنا وهناك وهل أصبحت العقوبة مطلبا ملحا بعد التجرؤ علي الفتوي خاصة من الذين لا يعلمون عن الدين الاسلامي الا القشور واذا تم اصدار فتوي هل يتم التراجع عنها شرعا وما وقع ذلك علي المستفتين من حيث النظر الي المفتين وهل مثل هؤلاء يكتسبون الثقة بصفة عامة عقب التراجع.

أسئلة تبحث عن اجابة بعد ان اصبحت الساحة الاسلامية والدين الاسلامي علي وجه الخصوص بعد ان اصبحت هناك فتاوي تثير الكثير من الجدل وبعد ان بدأت مواقع اسلامية تبث الفتوي دون ان يعلم المتصفح من المفتي ومن المفتي له وما القضية اصلا كما اصبح هناك قليلو الخبرة والذين لا يمتلكون ناصية القول في هذا الامر المصيري واصبحنا ايضا نري مفتي القطعة ومفتي الشارع ومفتي المجلس ومفتي القهوة ومع كل هذا الذي يحدث لا نقلل من وجود علماء بارزين ومجتهدين يعرفون قدر الفتوي واثرها علي الفرد وعلي المجتمع وشروط من تتوفر فيه هذه الخاصية.

كما ان اثارة هذا الامر لاتعني القدح فيمن تراجع عن فتواه لاننا لسنا من الذين يقيمون مثل هذه الامور وانما الذي دعانا الي اثارة هذا الموضوع التجرؤ علي الفتوي وتصدي بعض العاملين في الحقل الدعوي لفتاوي خطيرة في تأثيرها وابعادها المختلفة علي مصائر الناس غير متخذين خطر الفتوي بشتي اشكالها ومراميها في الحسبان وضاربين عرض الحائط بقوله تعالي قل الله يفتيكم نثير هذا الموضوع الي ساحة البحث والمناقشة مرة ومرات لعظم امره وخطر شأنه خاصة ما يحدث هذه الايام من اصدار فتاوي والرجوع عنها في اقرب وقت ومن اقصر طريق خاصة تلك الفتوي التي تناولها الشيخ صفوت حجازي والتي تهدر دم اليهود علي ارض مصر.

كما نعرض لبعض الفتاوي التي أثارت لغطا في مؤداها ومحتواها وتأثيرها ونكرر اننا لسنا هيئة علمية تنصب من يفتي وتقيم من لا يفتي كما نعرض لبعض علماء الدين الذين يتصدرون منابر الفتوي علي بصيرة ونظنهم كذلك من هؤلاء العلماء الذين لهم مؤلفات عديدة منها كتاب الحلال والحرام وفقه الواقع وغيرهما من المؤلفات المتخصصة فضيلة د. يوسف القرضاوي الذي تناول هذا الامر بشيء من التفصيل في برنامج الشريعة والحياة فيقول الامام الشاطبي رحمه الله يري أن المفتي قائم مقام النبي صلي الله عليه وسلم في بيان الشرع للأمة.. والإمام ابن القيِّم خطا خطوة أكثر فقال إنه يوقِع عن الله، بمثابة من يوكله من يقول له الأمير أو كذا وقِع عني فيعتبر كأنما هو يوقع عن الله عز وجل، هذا كلام يقال لماذا لبيان عظم الفتوي وخطورة الفتوي، حتي لا يجتريء الناس علي الفتوي، إن واحد يعني مش.. هناك ناس يفتون ويحلون ويحرمون وكذا وليسوا أهلا لذلك، فيقولون لا أنت كأنما توقع عن الله، إنك لما تقول لواحد هذا حلال ولا حرام.. حرام يعني معناها أنك تقول له هتدخل النار وتقول له مستحب يعني ربنا هيسيبك، فرض يعني الله سبحانه وتعالي يحبك وكذا.. يعني هذا معني أنه بيقول له.. يعني بيخلي الناس تتهيب هذا الأمر حتي تملك زمام الفتوي لأن من أخطر الأشياء أن يجتريء الناس علي الفتوي وأنهم ليسوا أهلا لها كان الصحابة بعضهم يسأل عن الفتوي يقول له أذهب اسأل فلاناً أو اسأل فلاناً ويحيل بعضهم علي بعض وكان ابن عمر يقول يريدون أن يتخذوا يعني ظهورنا مطايا إلي جهنم، عايزين يركبونا يوصلونا إلي النار .

ويتابع وكان بعض الناس يقول عن بعض الناس المتجرئين علي الفتوي بإن أحدهم لا يفتي في المسألة لو عرضت علي عمر لجمع لها أهل بدرا يتهيب يفتي فيها فيدعو الصحابة حتي يشركهم، فهذا الكلام كله هذا هو المقصود بهذا.. ولكن الإنسان يعني حينما يقول أنا أفتي ما يقولش أنا.. هذا حكم الله أو كذا، لا يقول هذا رأيي ولذلك سيدنا عمر لما يقول بعضهم كان بيكتب فتوي فقال هذا ما أري الله عمر قال له لا، لا تكتب قول هذا ما رأي عمر إنما كلمة ما أري الله عمر دي فيها نوع.. يعني كأنه نوع.. إن ربنا هو الذي ألهمه هذا أو كذا، لا هذا رأيي ولذلك كان بعض الصحابة يقول هذا رأيي فإن كان صواب فمن الله وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان فهذا هو المقصود.

ويري ان بعض الناس عايز يمحو الناحية الدينية خالص من الفقه، يقول لك إنتاج بشري كأنه يشرح قانوناً وضعياً، لا هذا ليس مُسَلما، إنما لأنه هو يتفاعل، هو الاجتهاد هو عبارة إيه تفاعل ثلاثي ما بين الفقيه والنص الشرعي والواقعة المسؤول عنها، فهذا التفاعل الثلاثي هو الذي ينتج الموقف الفقهي الاجتهادي.

ويعرض للتميز بين حكم الله وبين رأي الفقيه بقوله. رأي الفقيه هو المطلوب، الرسول عليه الصلاة والسلام قال لبعض الصحابة حينما بعثه في سرية من السرايا، قال بإذا أرادوك أن تنزل علي حكم الله فلا تجاوبهم ولكن انزل علي حكمك فإنك لا تدري أتصيب حكم الله أم لاا ولذلك قال.. الفقيه يقول هذا ما أراه في بياني يعني أمر الله وأمر رسوله، هو اجتهاده هو ولا يدعي أنه حكم الله قطعا، لا يدعي هذا إلا في المسائل القطيعة التي يعني لا خلاف عليها، إذا كان النص قطعيا ودلالاته قطعية نقول هذا حكم الله، ماعدا ذلك فهو حكمنا ورأينا وأن كان صوابا فمن الله ونؤجر عليه أجرين وإن كان خطأ فهو منا ونؤجر عليه أجر واحد وهذا من روائع الإسلام إن المجتهد حتي وأن أخطأ في حكمه مادام من أهل الاجتهاد يؤجر علي اجتهاده وإن كان خطأ.

يتبع..

مغروور قطر
09-09-2006, 05:01 AM
اما الداعية السعودي محسن العواجي فيري علي موقعه الالكتروني ان الرجوع للحق امر مطلوب ولئن يتراجع واحد عن فتوي خير من ان يقتل بسببه المئات أو يسجن بسببه الآلاف و الفراغ المرجعي الديني الذي أحدثته وفاة الشيخين بن باز وبن عثيمين كان كارثة لم يتنبه لها الناس في حينها لطالما اقترحنا المكاشفة والمصارحة حولها لا للتنكر لها والجور عليها وإنما طمعا في التخلص من الالغام الفكرية الموروثة فيها دون مساس بثوابت الدين العظيم وأصوله التي نستقيها من مصدرنا الاسلامي لا من اجتهادنا المرحلي، ومع الاسف لا تزال هذه المدرسة تحظي بقدسية وحصانة وهمية تحول دون نقدها وعمل مراجعات شاملة وتراجعات علي مناهجها وليس علي آحاد أفرادها وكلما أجلنا تشخيصها وتقويمها كلما دفعنا مزيدا من الكوارث التي لا مبرر لها، انني ارفع مع غيري شعار بالبروستريكاا الإسلامية من داخل التيار نفسه وأقولها بكل وضوح لن يكفي التراجع للاطمئنان علي زوال خطر التكفير العشوائي الذي اكتوينا بناره ولا زالت بعض أخواتنا في الحداد بسببه، طالما أن منابعه نشطة ولم تعالج بطريقة شرعية مشروعة. شئنا أم أبينا قد تساءل البعض بصراحة: هل صحيح اننا في المملكة نعيش صقورية مركبة إذا كان السلف هم صقور أهل السنة والحنابلة هم صقورر السلفية وبالوهابيةا صقور الحنابلة وغلاتهم صقورهم!! فاين المفر إذن واين نحن من كنتم خير أمة أخرجت للناس.

أما الفتاوي التي سجلت تراجعا فهي فتوي الدكتور سيد طنطاوي شيخ الجامع الأزهر بشأن الحجاب في فرنسا ضمن ما أثارت من ردود أفعال.. الحديث عن الدور السياسي للإفتاء في مصر والعالم الإسلامي عموما؛ حيث ارتبطت مؤسسة الأزهر منذ صدور قانون تطوير الأزهر 103 لعام 1961 بمؤسسة الحكم بشكل وثيق من خلال تعيين رئيس الجمهورية لشيخ الأزهر ومفتي الجمهورية منذ ذلك الحين، بعد أن كان يجري انتخابه من بين هيئة كبار العلماء بالتي ألغيتا.

وساعد علي الربط بين الإفتاء والسياسة في مصر صدور عدة مواقف من عدد من شيوخ الأزهر السابقين ومفتين تواكب سياسة الدولة المصرية؛ مثل الترحيب بمعاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979 وتحليل فوائد البنوك وغيرها؛ حتي أن الشيخ طنطاوي أكد في أحاديث صحفية إبان أزمة استقباله السفير الإسرائيلي السابق في مصر تيسفي مزائيل عام 1997 أنه اتصل بالحكومة المصرية ليسأل: هل يستقبل السفير الإسرائيلي الذي طلب لقاءه أم لا

كما ساعد علي طرح هذا الدور السياسي للإفتاء أكثر أن آراء علماء هذه المؤسسة العريقة سواء كان مفتي مصر، أو شيخ الأزهر، أو بيانات مجمع البحوث الإسلامية بدأت تلعب دورا في حسم العديد من المواقف تجاه أحداث داخلية وعالمية كثيرة؛ مثل القضية الفلسطينية والموقف من العمليات الاستشهادية، وقضية احتلال العراق، والموقف من مجلس الحكم الذي عينه الاحتلال، فضلا عن قضايا الحجاب في دول أوروبا وغيرها.

وقد سعي د.طنطاوي مؤخرا ترتيب شيخ الأزهر في مراسم بروتوكول الدولة المصرية في منزلة نائب رئيس الوزراء للخروج من هذه الدائرة عبر فكرة قصر الإفتاء علي الداخل المصري، بعدما تسببت الكثير من فتاوي لجنة الإفتاء بالأزهر ومجمع البحوث الإسلامية في مشاكل للشيخ طنطاوي نفسه مع الحكومة المصرية التي اتهمتها دول خارجية مثل أمريكا بتحريض الأزهر ضدها، كونه مؤسسة رسمية تابعة للسلطة السياسية.

ولكن لأن هناك علاقة تاريخية وعضوية قوية بين الإفتاء والسياسة أو الأزهر والسياسة؛ فلم يفلح الشيخ نفسه في التخلص منها، واضطر إلي التدخل في قضية حجاب مسلمات فرنسا والإدلاء برأي أغضب علماء الأزهر، رغم أنه سبق أن أكد منذ أيام قليلة أن الإفتاء مقصور علي الداخل، وأنه لا يجوز لعلماء الأزهر الإفتاء في الشأن العراقي!

بعبارة أخري: أصبح هناك لبس في مواقف الشيخ الذي طرد رئيسين للجنة الفتوي بالأزهر من منصبيهما الشيخ نبوي العش، والشيخ علي أبو الحسن ، لأنهما أصدرا فتوي في شأن الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق يحرضان فيها علي الجهاد، وقال: إن شئون العراق يفتي فيها علماء العراق لا مصر؛ لأنهم أدري بشعاب مكة، ثم سمح لنفسه هو بالإفتاء في شأن خارجي؛ هو الحجاب في فرنسا، وجاء موقفه متوافقا مع رأي السلطة في مصر من نفس القضية!

- ففي شهر فبراير ،2003 وقبل احتلال القوات الأمريكية للعراق صرح الشيخ علي أبو الحسن رئيس لجنة الفتوي بالأزهر حينئذ بفتوي يؤكد فيها وجوب قتال القوات الأمريكية إذا دخلت العراق، وأن دماء الجنود الأمريكيين والبريطانيين تعد في هذه الحالة حلالا، كما أن قتلي المسلمين يعدون شهداء .

وقد أشيع وقتها أن أمريكا احتجت علي هذه الفتاوي؛ لأنها تحرض ضدها؛ فتمت إقالة الشيخ أبو الحسن وتعيين غيره.

والحقيقة أن شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي سبق أن أصدر عدة تصريحات تدور حول رفض هذا العدوان، معتبرا أن مقاومة العدوان واجب شرعي، ولكن إقالته لرئيس لجنة الفتوي عقب تصريحاته ضد الحرب أثارت السؤال عن حقيقة الأمر، وهل هو مجرد إجراء إداري لا علاقة له بتصريحات الشيخ أبو الحسن عن الحرب، أم أن هناك أسبابا سياسية وراء الإقالة

- وفي العاشر من مارس 2003 أصدر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف بياناً يحض فيه جميع المسلمين علي الجهاد ضد القوات الأمريكية الغازية إذا بدأت في حربها ضد العراق، ويعتبر هذه الحرب صليبية ، ومع أن شيخ الأزهر لم يوقع علي البيان رسميا، كما أن المجمع هو المنوط به الإفتاء في المسائل السياسية؛ فقد توالت الضغوط من السفارة الأمريكية ومن كنائس غربية بشكل دفع شيخ الأزهر للتراجع جزئيا عن البيان، ورفض وصف حرب العراق بأنها حرب صليبية .

ثم تكشف أن الإدارة الأمريكية هي التي احتجت علي وصف بيان مجمع البحوث الإسلامية حربها الحالية علي العراق بأنها صليبية، وأنها تدخلت بقوة لوقف ما اعتبرته تحريضا دينيا ضدها!

وأثار البيان انتقادات واسعة في الخارجية الأمريكية، قامت علي إثرها بإعداد تقرير عاجل إلي البيت الأبيض، وصفت فيه الأزهر بأنه إحدي أعلي المؤسسات الدينية في العالم العربي، وأن آراء الأزهر الدينية تكون محل احترام وتقدير.. ليس من المسلمين العرب فحسب ولكن من كل مسلمي العالم.

وجاء في تقرير الخارجية الأمريكية أن الأزهر بصفته مؤسسة دينية مصرية كان من المفترض ألا يشجع علي الإرهاب ضد القوات الأمريكية؛ فهذه المؤسسة الدينية المصرية تجاهلت الفظائع والأهوال غير الإنسانية التي ارتكبها الرئيس العراقي في حق شعبه، كما أنه -أي الأزهر- لم يصدر أي إدانة للرئيس العراقي في مجال أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها .

ودعا التقرير الذي أعده ريتشارد سكوتي - أحد مستشاري الخارجية الأمريكية - الإدارة الأمريكية بأن تتدخل بحسم لدي الحكومة المصرية حتي يصدر الأزهر بيانا آخر يعتذر فيه عن مثل هذا البيان الإرهابي، وإلا فإن الأزهر يجب أن يكون علي قائمة المؤسسات الإرهابية التي تجب محاربتها !.

يتبع..

مغروور قطر
09-09-2006, 05:03 AM
وفي نهاية أغسطس 2003 صدر قرار للشيخ سيد طنطاوي شيخ الأزهر بإيقاف الشيخ نبوي محمد العش رئيس لجنة الفتوي عن الإفتاء وإحالته للتحقيق؛ لأنه أفتي بعدم شرعية مجلس الحكم الانتقالي العراقي وحرم التعامل معه، وأكد شيخ الأزهر أن الفتوي التي صدرت ممهورة بشعار خاتم الجمهورية المصري وشعار الأزهر لا تعبر عن الأزهر الذي لا يتدخل في السياسة وسياسات الدول كما قال !.

وجاءت هذه الضجة عقب لقاء تم بين السفير الأمريكي بالقاهرة وشيخ الأزهر، قيل: إنه تطرق للفتوي الصادرة، وقيل: إن شيخ الأزهر اضطر تحت الضغط الأمريكي للتراجع وإعلان أن الفتوي التي صدرت لا تمثل الأزهر.

كما أكد الشيخ أبو الوفا أبو عجور وكيل الأزهر أنه صرخ فيه أي الشيخ العش عقب فتواه، وقال له: مالك أنت ومال العراق.. لازم تاخد بالك من حدودك في الفتوي .

وقد فتح قول الشيخ طنطاوي إنه ليس من حق لجنة الفتوي الإفتاء بأمور سياسية أو بشئون دول أخري باب الجدل مبكرا حول علاقة الأزهر بالسياسة، خصوصا أن هذا الدور لا يعود إلي أزمة العراق أو فلسطين، ولكن يعود إلي تاريخ نشأة الأزهر نفسه قبل أكثر من ألف عام، ودوره السياسي المتعارف عليه، ودوره في طرد الاحتلال الفرنسي والإنجليزي من مصر.

إذ قال شيخ الأزهر في قضية احتلال العراق: إن الإفتاء مقصور علي حدود مصر، وإنه ليس من حق أي عالم مصري أن يتحدث في شأن أي دولة ؛ وإنه هو شيخ الأزهر لو عرضت عليه مثل هذه الفتوي عن العراق لأحالها لعلماء العراق.

وقد ربط محللون سياسيون بين فتوي طنطاوي بعدم الإفتاء في شئون العراق والعلاقة بين الإفتاء والسياسة في مصر، وقالوا: إنه حتي عندما رفض شيخ الأزهر الإفتاء في الشأن العراقي كان يخدم السياسة الرسمية المصرية(!) من زاوية أنه كان من الواضح أن هناك تراجعا في الموقف المصري عموما -في ظل الضغوط الأمريكية المكثفة علي مصر والدول العربية- للاعتراف بمجلس الحكم العراقي؛ وهو ما تم لاحقا، وجري استقبال أعضائه رسميا!

بل إن هناك من يعتبر إصرار الشيخ طنطاوي علي رفض تغيير رأيه في شأن الحجاب في فرنسا جاء في أعقاب تأييد الرئيس المصري حسني مبارك - في حوار مع الإذاعة المصرية بمناسبة العام الجديد 2004- لفتوي حق فرنسا في إصدار ما تراه من تشريعات وعدم التدخل في شئونها.

والمشكلة - كما يقول المستشار طارق البشري نائب رئيس مجلس الدولة المصري- أنه لا يمكن الفصل بين الإفتاء والواقع الذي قد يكون سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا ؛ حتي إن شيخ الأزهر نفسه لم يقل فتوي لوزير الداخلية الفرنسي، ولكنه اتخذ موقفا سياسيا فقط ، وقال: إنه يحق لفرنسا فرض ما تشاء من نظم قانونية!



ولا ينفي المستشار البشري أن الإفتاء يُستغل أحيانا في تبرير أمور سياسية ، لأنه لا يوجد في الإسلام شخص بعينه يملك حق إصدار قرار ديني، ولكن هناك شخص يقول رأيه وفقا لاجتهاده.. ولكن غالبا يسود الرأي الصواب في النهاية''.

وربما لهذا يشدد الدكتور محمد سليم العوا -المفكر الإسلامي- علي مسألة عدم الفصل بين ما هو شأن إسلامي داخلي وما هو شأن خارجي؛ علي اعتبار عالمية الإسلام، قائلا: ''إنه لا يجوز لأي شخص ممن ينتسبون إلي دين الإسلام القول بأن منع المسلمة من ارتداء الحجاب في فرنسا شأن لا يعني أحدا سوي الحكومة الفرنسية''، ويؤكد أن ''القضية المطروحة للمناقشة مسألة فقهية واضحة لا تحتمل اختلافا في الاجتهاد؛ فلا يجوز لمن حمله علمه ورضا إخوانه عنه أن يصنع مثلما فعلوا في مؤتمر وزير الداخلية الفرنسي.. غفر الله لهم!

وهو نفس ما يقول به الدكتور عبد المعطي بيومي عميد كلية أصول الدين السابق الذي يرفض اعتبار قضية الحجاب في فرنسا شأنا داخليا، ويرفض مقولة ''قصر رسالة الأزهر علي الشأن المصري.

والقضية بالتالي في رأي هؤلاء المفكرين والعلماء أنه ليس هناك فصل بين الداخل والخارج فيما يخص شئون الإسلام والإفتاء؛ حتي لو كان الأمر المطلوب الإفتاء فيه شأنا سياسيا؛ لأن الإسلام دين ودولة، ولا يعرف الفصل بين الإفتاء والواقع، سواء كان اجتماعيا أم سياسيا أم اقتصاديا.

وقد ألمح لأهمية هذه العلاقة بين الأزهر والسياسة وصعوبة الفصل بين الإفتاء والسياسة عموما د. مصطفي الفقي رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان المصري في مقال كتبه خصيصا يوم 7 أكتوبر 2003 إبان أزمة فتوي الأزهر بشأن مجلس الحكم العراقي، وبعدما فوجئ بمقوله شيخ الأزهر عن قصر الإفتاء علي الشأن المصري الداخلي.

حيث شدد د.الفقي علي أنه لا يتفهم ما جاء في سياق تبرير التراجع عن فتوي تحريم الاعتراف بمجلس الحكم الانتقالي من أن ذلك شأن عراقي لا علاقة لغيره به؛ لأن هذا يخالف روح الإسلام الأممي الذي يري الأمة من منظور متكامل، ولا يفرق بين شعوبها وفقا للجنسيات أو الحكومات أو حتي الأوطان؛ فما يجري في العراق شأن دولي عام، ومشكلة إقليمية حادة، وهم إسلامي يحمله الأزهر مثلما يحمله المسلمون في كل مكان .

أزمة الحجاب الأخيرة قد تكون بالتالي مؤشرا مهما علي أهمية الدور السياسي للإفتاء في إقرار سياسات داخلية وخارجية؛ بدليل سعي فرنسا لإيفاد وزير داخليتها لاستطلاع رأي الأزهر قبل إصدار قانون تقنين الحجاب في المدارس الفرنسية، وسعي واشنطن لتكميم أفواه المؤسسات الإسلامية عن نقد الدور الذي تلعبه في العراق.

وتبقي القضية الأخطر في حفاظ مؤسسات الإفتاء الإسلامي علي تماسك ووحدة موقفها وعدم الظهور بمظهر الضعيف المنقسم؛ إذ إن أحد أكثر الأسلحة التي لعبت بها فرنسا في أزمة الحجاب الأخيرة كانت انقسام علماء الأزهر والمسلمين علي أنفسهم بين مؤيد ومعارض للقانون الفرنسي، وكل طرف يستند في حجته علي فتوي واجتهاد مختلف اما د. علي جمعة مفتي مصر فقد أفتي - أو بالأحري عبر عن فتوي قديمة ومعروفة- بتحريم تزيين المنازل بالتماثيل مستندا إلي الحديث الشريف الذي أورده البخاري ومسلم أن الملائكة لا تدخل بيتا به كلاب أو صور ، وجدد جمعه تمسكه بموقفه في ندوة عقدت مؤخرا بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة حول الشريعة والإرهاب ، مشيرا إلي أن هناك فتاوي لمفتين سابقين تحرم التماثيل، ومنهم الشيخ هريدي والدكتور نصر فريد واصل، وكذلك الشيخ جاد الحق علي. وأكد جمعة في الندوة تحريم التماثيل استناداً إلي أن الرأي الغالب لدي الأئمة هو تحريمها، مشيراً إلي أن هناك رأياً ضعيفاً بعدم التحريم.


وأشار وزير الثقافة إلي أن حديث الرسول صلي الله عليه وسلم الذي استند إليه المفتي في فتواه، كان المقصود به تحريم تماثيل الجاهلية التي كانت تستخدم للعبادة، ولا ينسحب علي تماثيل العصر الحالي الذي تصنع بغرض الفن وتمجيد شخصيات أثرت في تاريخ شعوبها. وطالب فاروق حسني بأن تتسم الفتوي بذكاء العصر، مشيرا إلي أن المفتي رجل متفتح وهو يكن له كل الاحترام .

المفكر محمود أمين العالم استغرب فتوي المفتي، وقال: لن أرد علي مثل هذه الفتوي وأنا مندهش كيف يصدر هذا عن رجل تعلم في فرنسا وأعرف أنه مستنير ومتفتح ومحب للحياة، إن التماثيل لها قيمة فنية كبيرة، وهي ركن أساسي في كل الحضارات التي شكلت وعي الإنسانية.

الفنان والناقد التشكيلي عز الدين نجيب صاحب كتاب فجر التصوير المصري الحديث أدلي هو الآخر بدلوه، واصفا فتوي المفتي بأنها رجعية، وتجاوزها فكر العالم بما في ذلك المسلمون في الدول الأصولية المتشددة مثل إيران، التي تحتفي الآن بالفنون الجميلة بما فيها التصوير والنحت ناهيك عن السينما. وأضاف عز الدين أن هذه الفتوي وأمثالها تذكرنا بعصور الظلام في القرون الوسطي، ولا حاجة للمجتمع من قريب أو بعيد إليها.

أما الكاتب سامي خشبة نائب رئيس مجلة الثقافة الجديدة ، وإن اعترف بأنه ليس فقيها، غير أنه قال: كيف تصدر مثل هذه الفتوي، إن نظرة بسيطة للتاريخ الإسلامي تؤكد أن ازدهار الدولة وبخاصة في أواخر الدولة الطولونية حتي الفاطمية أرتبط بازدهار الفن، فهناك الكثير من الرسوم للطيور والحيوانات في الكثير من متاحف العالم، مثل اسطنبول في تركيا في زمن سلاطين بني عثمان المعروفين بأنهم سنيون متشددون - وفي إيطاليا ومتحف الفن الإسلامي بمصر.

مع الضغوط الكبيرة والتي مورست عليه ومنها ما قد يُخفي علينا و الإرهاب الفكري والذي حوصر به، اضطر المفتي د. جمعة وفي برنامج تلفزيوني إلي التراجع عن موقفه وفتواه، قائلا ما خلاصته إن هناك آراء تحرم التماثيل وأخري تبيحها، ونحن نأخذ بفكرة الإباحة مبررا ذلك بأنه الحل الأمثل للخروج من الخلاف وضرورة التعايش مع مقتضيات الظروف التي يفرضها الواقع.

فتوي التماثيل والتراجع عنها تظهر وبوضوح ضعف المناعة وعدم قدرة المؤسسة الدينية الرسمية علي المواجهات في أمور بسيطة، فما بالك بالمواقف الصعبة والحاسمة، والتي تتطلب مواقف صارمة وواضحة. كما أن القضية تكشف الجرأة الكبيرة علي الدين وعلي تفنيد الفتاوي وردها وإطلاقها من شخصيات ليس لها في هذا المضمار ناقة ولا جمل.

وأن تصل الجرأة ببعض العلمانيين علي الإفتاء أو فرض فهمهم المغلوط للدين وإحكامه علي المفتي، فالأمر مثير لمشاعر السخط والاستياء. أمثال هذه المواقف تدفع ببعض الشباب المحبط من الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية البائسة إلي مزيد من الابتعاد عن العلماء، خاصة من كان لهم صلة بالجهات الرسمية، وأخذ زمام المبادرة وإصدار الفتاوي والتزام مواقف قد تؤدي بهم إلي تطرف حقيقي.

من المؤلم أن الدور المأمول لعلماء الأمة ورموزها يتضاءل يوما بعد آخر. وفي وقت تتكالب علي أمتنا الأزمات والمصائب والرزايا، نجد أن علماء الأمة ودعاتها هم الغائب الأكبر عن الساحة حضورا وتأثيرا. والأمر ليس محصورا بالعلماء الرسميين والحكوميين.

ففي مسألة الانتهاكات بحق القرآن في غوانتنامو لم نلحظ تحركا أو تنديدا ولو لفظيا من غالبية الأطراف الإسلامية حكومات وجماعات وعلماء - إلا ما رحم ربي- إلا بعد تصريح كونداليزا رايس بأن الأمر إذا ثبت فهو غير مقبول وفي قضية الكارتون الدانماركي تحمس الدعاة والعلماء وتبلورت المبادرات وانعقدت المؤتمرات أشهرا بعد نشر تلك الرسوم، إثر تحرك حكومات إسلامية واتخاذها مواقف منددة بتلك التجاوزات والإساءات.

في المأساة العراقية الدامية والمتواصلة، وفي ظلال فتنة الحرب الطائفية والأعداد الغفيرة من الضحايا المتساقطين وبشكل يومي والانتهاكات بحق المقدسات وحرمات المسلمين والجرائم المرتكبة في حق فلسطيني العراق، نجد أن مواقف غالبية العلماء متطابقة مع مواقف الحكومات من ناحية السلبية في التعاطي مع تطورات الأحداث هناك. الأمر يتكرر في قضية استهداف السودان وتمزيقه من بوابة دارفور. وفي مسائل الاستبداد والفساد الإداري والعبث بمقدرات الأمة وهدر ثرواتها، فيما البطالة تنهش مستقبل شبابها، والفقر والفاقة ينخران في كثير من مجتمعات المسلمين مخلفين مآسي أخلاقية واجتماعية خطيرة.

وسلبية قطاع من أهل العلم وغيابهم عن معترك الأحداث، هو الذي يدفع بالعلمانيين وإنصاف المتعلمين إلي التجرؤ علي حدود الدين وأحكامه.

اما الداعية المصري صفوت حجازي الذي كان أفتي بإهدار دم أي إسرائيلي يهودي يزور الدول العربية حتي ولو بقصد السياحة فقال إنه علي استعداد للتراجع عن فتواه المثيرة للجدل.

وقال: أنا شخصيا إذا ثبت لي خطأ في أي فتوي أكون أول من يقر بالخطأ وذلك ردا علي سؤال بشأن إمكانية قبوله التراجع عن هذه الفتوي.

وكشف حجازي في مقابلة خاصة مع الصحيفة عن أن بعض الدعاة المسلمين البارزين راجعوه في فتواه تلك ومن بينهم الداعية المصري الحاصل علي الجنسية القطرية الشيخ يوسف القرضاوي حيث أكدوا له ضرورة احترام الامان الذي أعطاه ولي الامر للاجانب الذين يزورون البلدان الاسلامية وأن يتم توجيه الفتوي إلي ولي الامر وليس إلي عوام الناس .

غير أن الداعية المصري أكد ضرورة عدم السماح بدخول اليهود الاسرائيليين الصهاينة أراضي بلاده وألا نقيم صداقات معهم.

وهذا الكلام موجه إلي ولي الامر وليس إلي الافراد. وكل سائح أو أجنبي آخر..آمن في بلادنا .