تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حكاية الفلاح و الخاتم



العفراء
23-09-2015, 10:11 AM
علي سالم كاتب و مسرحي مصري ابرز مؤلفاته مسرحية مدرسة المشاغبين
كان من ضمن كتاب صحيفة الشرق الاوسط و قبل يومين بعث لهم مقالين و توفى البارحه الله يرحمه و الصحيفة نشرت مقال اليوم بعنوان حكاية الفلاح و الخاتم

العفراء
23-09-2015, 10:11 AM
تحلق شباب الأسرة وشاباتها حول الأب الراقد على فراشه من شدة المرض. نادى الأب ابنه عبده وأعطاه خاتمًا ليقوم بتثمينه عند الخواجة جورج الصايغ المتجول، الذي يطوف بأسواق القرى.. اعرف لي ثمنه ولا تبعه. جاء الابن آخر النهار، وقال: ثلاثة جنيهات.
جميل.. أريدك أن تذهب إلى عاصمة المركز في الصباح الباكر، هناك عدد من محلات الجواهرجية، اعرض عليهم الخاتم واعرف لي كم يعرضون ثمنًا له ولا تبعه. وعاد الابن آخر النهار ليقول ما بين سبعة جنيهات وثمانية.. فقال الأب: حسنًا.. غدًا في الصباح ستسافر إلى القاهرة، وتتوجه من فورك إلى حي الصاغة في منطقة الأزهر، هناك ستجد عشرات محلات المصوغات. اعرف لي ثمن الخاتم عندهم.
كان الابن قد بدأ يشعر بالاستياء من هذه المهمات العبثية، فقال بضيق: أظن أنني سأبيعه هذه المرة لأكبر سعر.
فقال الأب: لا.. نفذ فقط ما أقوله لك. وسافر عبده إلى القاهرة، ثم تفرغ لمهمته في حي الصاغة وكان الثمن المعروض عليه ما بين تسعين ومائة جنيه. عاد إلى قريته في المساء وأبلغ والده بالسعر الذي وصل إليه وهو يتخيل أن هذه هي الخطوة النهائية في مشروع تثمين الخاتم. ولكن الأب مستمر في تكليفاته لدرجة أن الابن بدأ يشك في إصابته بنوبة خرف، خاصة عندما طلب منه أن يعود غدًا إلى القاهرة ويذهب إلى شارع عبد الخالق ثروت، ستجد هناك عددًا محدودًا من الصاغة أرِهم الخاتم، واعرف لي منهم ثمنه.
حسنًا يا والدي.. لقد أنفقت على مأمورية الخاتم هذه أضعاف ثمنه.. هل سأبيعه هذه المرة؟.. لا.. ومن فضلك نفذ ما أقول.
دهش الابن عندما عرضوا عليه مائتي جنيه ثمنًا للخاتم وهو ما أثار دهشته وفرحته وعاد إلى القرية، وأبلغ الأب بهذا السعر الجديد، فقال: لم تنتهِ مهمتك بعد.. مرة أخرى ستعود إلى القاهرة غدًا، هناك جواهرجي في شارع سليمان وهو جواهرجي الأسرة المالكة، أعتقد أنه سيعرض عليك مبلغًا كبيرًا جدًا ولكن لا تبعه.
سافر عبده إلى القاهرة للمرة الثالثة وعرض الخاتم على الجواهرجي المطلوب فقال: ثمنه ألف جنيه.
عاد الابن فرحًا ليقول النبأ العظيم، فقال الأب: هذا هو ثمنه الحقيقي.. ففقد الشاب أعصابه وصاح: لماذا لم ترسلني إلى هذا الجواهرجي من البداية؟
فقال الأب: لقد أردتك أن تتعلم ألا تذهب إلى هؤلاء الذين لا يعرفون قيمتك.
قالها ومات.

ولد العرب
23-09-2015, 10:17 AM
اووووووووووووووووووب جاتني قشعريه من صدمه وقوه الحكمه

تبارك الله شي جميل

العفراء
23-09-2015, 10:24 AM
انا كنت اقرا له من سنين بالشرق الاوسط الله يرحمه كاتب محترف و مبدع و الله لما تتعود انك تبدا كل صبح معاهم تحس بالحزن ع فراقهم :/


مشكله تراها النفسيه لما تكون هشه ;(

العفراء
23-09-2015, 10:25 AM
كنت من قراء علي سالم المدمنين. اختلفت معه طويلاً، كما اختلفت مع أنيس منصور من قبل. ولم يصدف أنني التقيته. لكنني كنت أقرأه وكأنني أقرأ مشروع مسرحية أخرى. كل شيء كان عنده سيناريو وحوارًا وهزلاً وذكاء لماحًا وابن بلد. تبدأ المقالة مثل المسرحية بعرض الأدوار وتنتهي بقفلة البطل. والبطل هو الكاتب، وهو جميع أشخاصه.
و«السيناريست» كان غنيًا بفقر الأيام الأولى التي عرف خلالها مصر البلد. كمسري أوتوبيس في دمياط يلتقي كل يوم مئات الطباع والنفوس والحالات، فتتجمع في ذاكرته إلى يوم يصبح من أرباب المسرح الكوميدي في مصر ومن أقلام صحافتها البراقة، خصوصًا عندما يبتعد عن جدل السياسة ويبحر في أعماق مصر الشقية والضاحكة واللامبالية بالصعوبة والبؤس.
ومثل أي مصري ابن بلد، حوَّل علي سالم مراراته إلى سخرية. وخلط حكمة الأمثال الصعيدية بالحديث عن حكمة أفلاطون. وأيد الحكومة وضحك منها. وأكثر من الأعداء والمعجبين معًا. وغاص في السخرية حتى لم يعد لديه مكان للتملق أو المسايرة.
تذكّر مؤلفاته بأرقى أعلام السخرية المصرية من إبراهيم المازني إلى محمود السعدني. ومثلهم طغت عليه صورة الساخر، لكن خلفها كان يقبع مثقف كبير ومجتهد ومفتون بكل فتنة مصرية في المدن والأرياف والترع والضياع. وخلافًا لهم كان المسرح هو أفقه الأساسي. ولم تكن طريقه إليه سهلة أو قصيرة لكن ما إن وصل حتى ظل يبدع الأعمال. ولم يتوقف عن الاطلاع على المسرح العالمي، القديم والحديث، الدرامي والكوميدي.
كل شيء عنده كان مسرحًا ومسرحية، خصوصًا الحياة. وعندما أصيب بالمرض، لم يكتئب ولم يشرك الناس في معاناته ولم يمنن قراءه بأنه «يكتب من سرير المرض» بل ظل يضحكهم ويسامرهم ويسخر عنهم من الظواهر المريضة بعقولها وأفئدتها.
هو كان مريضًا في الرأس، لا في العقل، ولا في القلب. كان أنيس منصور يتحدث عن المنصورة وكأنها قرية من عشرين منزلاً فيقول فلان «بلدياتي». وعلي سالم كان يتحدث عن دمياط كأنها حارة. وعادة المصريين أن يتحدثوا بعد ذلك عن القرية الأم، مصر.
سوف أطل من النافذة وأفتقد المسرح الذي كنت أتمتع بمشاهدته، يومًا بعد آخر. مات مشاغبًا.

سمير عطا الله

شموخ دائم
23-09-2015, 11:27 AM
,

,


مرحبا


الله يرحمه ويغفر له وجميع موتى المسلمين

من يتعود على القرأه يصبح شخص مختلف في شخصيته

وفي مفردات حديثة يصبح اكثر ( عمق ) ويترفع عن صغائر الامور

فيها متعه ما بعدها متعه

وعلينا ان لا ننحرف عن المسار الذي نؤمن فيه فكل كاتب وله مسار يقودنا اليه بافكاره ومعتقداته

ولكن انا دائما افضل الجمع بين المتعه والفائده والتنوع والابتعاد عن المشاحنات في بعض الكتب التي فيها مضيعه للوقت والتوجهات السياسيه التي تسوق لها

والمراد بها فرض الواقع على الناس

لكتاب مصر ( نكهه ) في كل صباح مع اختلاف وتنوع ميولهم

تماما كنكه ( القهوه ) لا نستغني عنها ابدا وعن المتعه التي تحملها في لحظات الارتشاف

ما زال شكل الكتب وباعه الكتب على ( الارصفة ) في مصر

منظر من اجمل المناظر لدي وعالق بالذاكره

دمت بطيب


,

,

العفراء
24-09-2015, 11:04 AM
مراحب اخويه شموخ دايم
عيدك مبارك

انا دوم اتوقف مع ردودك احسها متزنه و وراها عقليه راقيه و مثقفه و هالشي يخليني فعلا استفيد منك

اما القرايه فهي اقرب صديقه لعقلي و قلبي و روحي و فكري و انا دوم اطير بخيالي للي بين السطور و الحروف و احاول اكتشف التفاصيل لغاية في نفسي

سلمت و دمت

العفراء
24-09-2015, 11:06 AM
عودة قلم هارب

لعلك لاحظت رنة الحزن في كلماتي عن الضحك والنكتة والفكاهة، كما لو أني أتكلم عن صديق قديم اختطفه الموت من بيننا، فلم يتبقَّ منه سوى ذكريات ضاحكة قديمة، أحاول استعادتها فلا ينتج عن محاولاتي إلا مزيد من المرارة والاكتئاب. المنطقة مشتعلة بالموت والقتلة المجانين والغرقى الذين يحاولون الفرار بجلدهم، وأنا منشغل بالحديث معكم عن الفكاهة.. أمر غريب، أليس كذلك؟ أعتقد أنه جاء الوقت لكي أعترف بأمر لا بد أن عددًا كبيرًا منكم قد كشفه.. لقد حاولت الفرار مؤقتًا من كل ما يحدث حولي، فلجأت، كأي هارب، إلى عالمي القديم. غير أنني بدأت أشعر بالخجل؛ هل أنا بحديثي عن الفكاهة والنكتة في هذا الجو البائس، أقوم بالتخفيف عن الناس، أم هي محاولة لإنقاذ جهازي العصبي والنفسي من حمولة الأحزان الثقيلة؟
كل دقيقة تمر في مصر تحمل معها خبرًا عن شرطي سقط قتيلاً على الأرض، أو جندي سقط على الحدود السعودية، أو مدنيين في كل مكان مزقت المتفجرات أجسامهم.. ثم مساجد تنفجر لأنها شيعية أو لأنها سُنيّة، ثم تلك المصيبة الجديدة؛ الغرقى من ركاب الزوارق غير الصالحة أصلاً للإبحار، يريدون الهرب إلى الغرب (فاكر الغرب الإمبريالي الشرير ابن ستين في سبعين.. فاكره؟). هم ليسوا قتلة، ولا يريدون أن يقتلوا أحدًا، لذلك هربوا ليقتلهم البحر. الواقع أن ما يحدث لنا وحولنا ليست له صلة بأي دين أو ملة، إنها حركة تمرد على حضارة البشر، ورغبة أكيدة في استعادة مرحلة من مراحل التاريخ كان القتل فيها هو النشاط الرئيسي للإنسان. أخطر ما في هذه الحرب التي نخوضها الآن، أنها تحولنا نحن أيضًا إلى قتلة. عدوك يضيّق عليك الزاوية، بل كل الزوايا، ليرغمك على أن تقتله.. هو يعرض عليك خيارين فقط؛ أن يقتلك.. أو تقتله.
ترى ماذا كان الخطأ؟ ما الأخطاء التي ارتكبناها في مجالي التربية والتعليم نتج عنها تحويل هؤلاء الناس إلى وحوش رافضة للأخلاق، رافضة للدين، رافضة للحضارة، رافضة للعقل والمنطق؟
قال الشاعر الإنجليزي رديارد كبلنغ، إن «الغرب غرب، والشرق شرق، ولن يلتقيا». الواقع أننا التقينا هذه الأيام.. اتضح أن الغرب أيضًا ينتج الوحوش نفسها التي ننتجها نحن.. اتضح أن حضارته التي يحلم كثيرون منا بالوصول إليها، فيها مغارات صالحة لتربية الوحوش الباحثة عن ميادين تثبت فيها وحشيتها. هي ليست مشكلتنا وحدنا إذن بوصفنا سكان هذا الجزء من العالم، إنها مشكلة سكان الأرض في هذه المرحلة من التاريخ.


* المقال الأخير الذي بعث به الراحل قبل يوم من وفاته