المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فلنتخلق بخلق الحياء



امـ حمد
18-10-2015, 07:08 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هكذا عندما تستبد الدنيا بالقلوب وتُفتن بها العقول وتُعمى لأجلها الأبصار تتحول الحياة إلى جحيم لا يطاق فيظهر الصراع بين الناس وينتشر الظلم ويظهر العدوان وتذهب الألفة والمحبة وتضيع الحقوق وتهمل الواجبات ويصبح الاحتكام إلى الهوى ومصلحة الذات سيد الموقف ويختفي الوازع الديني ويذهب الحياء والخوف من الله ومراقبته من النفوس،ويحل محل ذلك الأنانية وحب التسلط والإثم والعدوان والله،سبحانه وتعالى،ما خلق البشر لكي تصبح حياتهم بهذه الصورة،أو هذا الشكل من أشكال الحياة بل كانت رسالة الله للأنبياء جميعهم،عليهم السلام،قوله،تعالى(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)الحجرات،
وقوله تعالى(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)المائدة،
لقد كان الهدف من هذا التوجيه وهذا البيان الإلهي إصلاح العلاقة بين الناس وضبط سلوكياتهم وتصرفاتهم وكلمة (ابني آدم) تدل على أنه موجه لكل أولاد آدم فهو بيان لكل البشر،
الحياء خلق من أخلاق العظماء وهو خلق الإسلام الأول،قال،صلى الله عليه وسلم(إنَّ لكل دين خلقاً، وخلق الإسلام الحياء)سنن ابن ماجه،
والحياء خلق يبعث على ترك القبيح وعدم التقصير في حق الله ومراقبته وهو أن تخجل النفس من فعل كل ما يعيبها وينقص من قدرها ومرؤتها،وهو من الأخلاق الرفيعة التي أمر بها الإسلام وأقرها ورغب فيها وقد جاء في الصحيحين،قال،صلى الله عليه وسلم(الإيمان بضع وسبعون شعبه فأفضلها لا إله إلا اللّه وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان)
وهو خلق توارثته النبوات وأمر به الأنبياء ووصى به العظماء، قال،صلى الله عليه وسلم(إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت)البخاري،
وجاء سعيد بن يزيد الأزدي،ذات يوم فقال النبِي،صلى الله عليه وسلم،أوصني،قال(أوصيك أن تستحي من اللَه عز وجل،كما تستحي من الرجل الصالح)صححه الألباني،
قال عمر بن الخطاب،رضي الله عنه(من قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه)
ولما احتضر الأسود بن يزيد بكى فقيل له،ما هذا الجزع،قال، مالي لا أجزع،ومن أحق بذلك مني،والله لو أُتيت بالمغفرة من الله،عز وجل،لأهمني الحياء منه مما قد صنعت، إن الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذنب الصغير فيعفو عنه، ولا يزال مستحييا منه،وقال مجاهد رحمه الله،في قوله،تعالى(وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) الرحمن،هو الرجل يخلو بمعصية الله فيذكر مقام الله فيدعها خوفاً من الله،
والحياء مقرون بالإيمان وملازم للمؤمن كظله فإذا رفع أحدهما رفع الآخر،قال،صلى الله عليه وسلم(الحياء والإيمان قرناء جميعاً فإذا رفع أحدهما رفع الآخر)رواه الحاكم،والبخاري،ومسلم،
وقد جاء في الأثر(أن الله،تعالى،إذا أبغض عبداً نزع منه الحياء فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا بغيضاً مبغضاً)
فما أجمل أن يكون لنا من الحياء السياج الذي يحفظ علينا نور الإيمان،ويلبسنا ثوب التقى والطهر والعفاف ونكون به بين الناس مبعث نور، ومصدر برّ ومنار هدي، تتميز به شخصيتنا، وتظهر من خلاله ملامح عزتنا وكرامتنا،
يحدثنا ابن القيم،رحمه الله،عن عقوبة الذنوب والمعاصي فيقول، ذهاب الحياء الذي هو مادة الحياة للقلب، وهو أصل كل خير، وذهابه ذهاب كل خير ،إن جدار الحياء في نفوس كثير من المسلمين اليوم قد تعرض لشقوق وتصدعات وثقوب فأصبح ضعيفاً، بل وسقط وتهدم عند كثير منهم بسب الغفلة عن حقيقة الدنيا،والدار الآخرة والتقصير في الطاعات والعبادات،والتنافس على الدنيا،ونسيان الآخرة،وعدم العمل بكتاب الله وسنة رسوله صل الله عليه وسلم ،
والركون إلى الذين ظلموا أنفسهم من المنافقين أعداء الدين، فظهرت بسبب ذلك قسوة القلوب والشدة والغلظة وقطيعة الأرحام وذهاب المعروف وضعفت الأخوة،
والجرأه على حدود الله وحرماته، بل والمجاهرة بالمعاصي، قال رسول الله،صلى الله عليه وسلم(كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل عملاً بالليل ثم يصبح وقد ستره الله فيقول،يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه)متفق عليه،
أين الحياء،وهناك من يتحدث ظلمه وعدوانه وأكله المال الحرام، أين الحياء،وهناك من تقوم بينه وبين إخوانه وجيرانه العداوات والخصومات بسبب أمور تافه،أو نزغات شيطانية لن تشفع له يوم القيامة،
أين الحياء،وهناك من يعق والديه ويقطع رحمه،
إن من ثمار خلق الحياء، أنه يمنع صاحبه من فعل المنكرات وارتكاب الموبقات وبه تنال الدرجات وهو عنوان على صدق الإيمان وقوة الأخلاق،وبه تتنزل الرحمات،
ومن ثماره أنه يؤلف بين القلوب،والحياء يعصم الدماء ويحفظ الأعراض لأنه يولد الخوف من الله وتذكر عواقب الخسارة في الدنيا والآخرة،ويحفظ جميع الأخلاق ويحرسها في نفس المسلم فتستقيم حياته،
ومن أحبه الله رزقه الحياء،فلنتخلق بهذا الخلق ونصلح ما به من تصدعات وشقوق لتثبت نفوسنا على الحق والخير والمعروف حتى نلقى الله ويكون ذلك بتربية نفوسنا على طاعة الله ومراقبته والقيام بالعبادات وتلاوة القرآن وتدبر معانيه،والاستعداد للقاء الله والوقوف بين يديه والطمع فيما عنده من أجر وثواب،
ولنزكي به نفوسنا ونربي عليه أبنائنا وننشره في بيوتنا ومجتمعاتنا وهو خلق مطلوب في الرجل والمرأة والصغير والكبير،
فنسأل الله أن يرزقنا هذا الخلق وأن يجود علينا بفضله وكرمه ،وأن يهدينا لأحسن الأخلاق وأن يصرف عنا سيئاتها،واحفظنا بحفظك الذي لا يرام واحرسنا بعينك التي لا تنام،
اللهم زينا بالتقى، واحفظنا من الردى، واغفر لنا في الآخرة والأولى.

الحسيمqtr
18-10-2015, 03:25 PM
جزاكِ الله جنة الفردوس

امـ حمد
18-10-2015, 04:19 PM
جزاكِ الله جنة الفردوس




بارك الله فيك وفي ميزان حسناتك اخوي الحسيم
وجزاك ربي جنة الفردوس