المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دروس للمجانين...



شمعة الحب
12-09-2006, 12:27 PM
http://www.aleqt.com/admpic/493.jpg
خالص جلبي - 19/08/1427هـ

عند حزب الله 15 ألف صاروخ بأربعة أنواع الكاتيوشا والفجر والزلزال وسي 802. وعند إسرائيل 400 رأس نووي تكفي لمسح العواصم العربية، ومعها ألمانيا وربما أوروبا، وإلا ما معنى هذا الرقم المخيف إن لم يكن انتقاما للهولوكوست؟
وفي عدد "الشبيجل" (30 2006) عكف تسعة خبراء على دراسة ظاهرة الحرب السادسة في منطقة الشرق الأوسط بين العرب والصهاينة، وهي ظاهرة دورية تتكرر في المتوسط كل عقد، يزيد أو ينقص قليلا؛ وفي الصيف غالبا (1948 ـ 1956 ـ 1967 ـ 1973 ـ 1982 ـ 2006 )، وما بين الرقمين الأخيرين حرّضت إسرائيل أمريكا على الحرب فقامت بدورها، كما يقول المثل اليهودي: إذا أحب الله عبدا ساق له من ينجز عمله.
ولن يطول قدوم ذلك اليوم، حين يقف الناس في المتحف مشدوهين، يتأملون فوّهات المدافع التي صُممت بعناية من أجل الفتك بالإنسان!
هكذا قال الروائي الفرنسي المتوفى قبل قرن ونصف (فيكتور هوجو).
وما زلت أتذكر عندما كنت في ألمانيا الغربية (سابقاً) أعمل في مركز لجراحة الأوعية الدموية في منطقة (وستفاليا)، ولم يكن يخطر في بالي مطلقاً، أن هذه المدينة تحمل (ختماً) لعهد مريع ودعته ألمانيا في القرن السابع عشر، حين تم توقيع معاهدة (صلح وستفاليا ) عام 1648 م، التي ختمت حرباً ضروساً استغرقت ثلاثين عاماً!
جاء في كتاب قصة الحضارة لويل ديورانت: (تناقص عدد سكان ألمانيا بسرعة أثناء الحرب، هبط من (21) إلى (15) مليوناً، وبين (35) ألف قرية في (بوهيميا) هناك نحو (29) ألف قرية هجرها أهلوها أثناء الصراع، وقد يقطع المرء في بعض الأقاليم ستين ميلاً دون أن يرى قريةً أو بيتاً، وتُركت آلاف الأفدنة الخصيبة دون فلح أو زرع بسبب نقص الرجال أو الدواب أو البذور، أو لأن الفلاحين لم يكونوا على ثقة من أنهم سوف يحصدون نتاج ما يزرعون، واستخدمت المحصولات لإطعام الجيوش، وكان ما تبقى يحرق لئلا يستفيد منه الأعداء، واضُطر الفلاحون في كثير من الأماكن إلى أكل الفضلات المخبأة، وقد وجد بعض الموتى وفي أفواههم بعض الحشائش، وفي الألزاس انتزع المعتدون المشنوقين من المشنقة تلهفاً على التهام جثثهم، وفي أرض الراين كانت القبور تنبش وتباع الجثث لتؤكل، واعترفت امرأة في مدينة (الساربروكن) بأنها أكلت طفلها، وأصبحت المدن الكبرى أطلالاً خربة مثل: ماجديبورج وهايدلبرج ونورمبرغ (وبايرويث) وتدهورت الصناعة، وكسدت التجارة، وصار التجار الذين كانوا يوماً أثرياء، يتسولون أو يسرقون ويسلبون من أجل لقمة العيش، وبات الهواء ساماً بسبب الفضلات والنفايات والجثث المتعفنة في الشوارع، وانتشرت الأوبئة مثل التيفوس والدوسنطاريا والتيفود والاسقربوط بين السكان المذعورين، ومرّت القوات الإسبانية بمدينة ميونيخ فتركت وراءها طاعوناً أودى بحياة عشرة آلاف ضحية في أربعة أشهر، وذوت وذبلت في أتون الحرب الفنون والآداب التي كانت تضفي على المدن شرفاً ومجداً، وانهارت الأخلاق والروح المعنوية على حد سواء، واختفت كل المثل الدينية والوطنية بعد جيل ساده العنف.
فهل ينفع هذا الدرس للمجانين المجرمين الذين يشنون الحروب؟ والجواب أن الحرب لم تكن عقلانية يوما ما؟ وحسن نصر الله من هذه الفصيلة فيقول إنه لم يكن يتوقع أن رد فعل إسرائيل سيكون بهذا العنف الذي دمر لبنان! وهذا هو الفرق بين السياسي والفيلسوف. فقد قال الفيزيائي الألماني هايزنبرغ قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية إن الحرب واقعة، وإن هتلر خاسر فيها ولكنه مجنون من فصيلة المجانين الذين يخوضون الحروب. والحرب تكنولوجيا. وهو يدرك ذلك. ولكن متى كانت الحرب عقلانية؟!