المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الذين ينشُرون الشائعات الكاذبة



امـ حمد
27-04-2016, 02:38 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الكلمة مسؤولية لا بدَّ أن نعي كيف نتعامل معها، فرُبَّ كلمة نابية أدَّتْ إلى خصومة، وربَّ كلمة جافية فرَّقتْ شملَ أُسرة،ورُبَّ كلمة طاغية أخرجتِ الإنسان مِن دِينه،والعياذ بالله،ولكن رُبَّ كلمة حانية أنقذتْ حياة، وربَّ كلمة طيبة جمعتْ شملاً،وربَّ كلمة صادِقة أدخلتْ الجنة،
ولأهميَّة الكلمة وأثَرها،قال رسولُ الله(مَن كان يُؤمِن بالله واليوم الآخر،فليقل خيراً أو ليصمت)صحيح مسلم،
وكثيراً ما يُفسِد الودَّ بين الناس كلمةٌ نابية مؤذية، ليستْ في محلِّها، تنفذ كما ينفذ السَّهمُ المسموم،
إذا تكلَّم لا يَتكلَّم إلا في سوء، لا يتكلَّم إلا في اللغو والزُّور،لا يتكلَّم إلا في الكَذِب والنِّفاق والتملُّق، لا يتكلَّم إلا مغتابًا أو نَمَّامًا، أو همَّازًا أو لَمَّازًا، أو داعيًا إلى فِتنة أو بغضاء،
أنَّ صلاح اللسان في عُرْف فقهاء الأمَّة،إنما صلاح النفوس والقلوب، فهيهات هيهات أن تَصلُحَ الألسنة والقلوبُ مريضة،وما اللِّسان إلا ترجمان القلوب،
في الحديث الشريف(لا يستقيم إيمانُ عبدٍ حتى يستقيمَ قلبُه، ولا يستقيم قلبُه حتى يستقيمَ لسانُه)سنن أبي داود،
أنَّ الإشاعة موجودةٌ مع وجود هذا الإنسان،لأنَّ مِن طبيعة النفْس الإنسانية أن تُصاب بالأمراض، كالحَسَد والبُغْض والكُره، والنِّفاق وغيرها، والإشاعة أحدُ الوسائل التي يُعبِّر بها الإنسان، بل يُفرِّغ الإنسان به عمَّا في نفْسه تُجاهَ الآخرين،
فتارة تكون الإشاعة مدحاً،وتارة تكون ذمّاً،
ومِن أعظم الشائعات ،التي هَزَّت المجتمع الإسلامي بأكمله، وجعلتْه يصطلي بنارها شهرًا كاملاً، إضافةً إلى أنها كلَّفت أطهرَ النفوس البشرية على الإطلاق وأطهرَ بُيوت، رسول الله،صلَّى الله عليه وسلَّم،شائعة الإفْك،التي أطلقَها رأسُ النِّفاق عبدالله بن أُبيِّ بن سلول،لعَنَه الله،فراجت في المجتمع،فمِنهم من تلقَّاها بلسانه، ومنهم من سَكَت، ومنهم مَن قال﴿مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾النور،
وبعدَ عهْد النبي،صلَّى الله عليه وسلَّم،كانتِ الشائعةُ السببَ الأول والرئيس في قتْل الخليفة عثمانَ بنِ عفان،رضي الله عنه،تَجمَّع أخلاطٌ من المنافقين ودهماء الناس وجَهَلَتِهم،وأصبحتْ لهم شوكة، وقُتِل عُثمان،رضي الله عنه،إثْرها،خليفة المسلمين،بعدَ حِصاره في بيته وقَطْعِ الماء عنه، بل كان مِن آثار هذه الفِتنة أنْ قامت حروبٌ بين الصحابة الكرام، كمعركة الجمل وصِفِّين،
وخرجت على إثرها الخوارج، وتزندقت الشِّيعة،ثم انتشَرتِ البِدع بكثرة، وظهرت الفتن،
الشائعات،من أخطر الأسلحة الفتَّاكة والمدمِّرة للمجتمعات والأشخاص، فكم أقلقتِ الإشاعةُ من أبرياء،وتسبَّبتِ الشائعاتُ في جرائم، وكم فكَّكت من علاقات وصَداقات،
والملاحَظ أنَّ الشائعات تَنطلق بقوَّة تفوق أحيانًا قوةَ الحقائق، ،وتجعل المرءَ يُوقِن أنَّ الشائعات لا يفعلها إلا منافقٌ، والمنافق هو الذي يُحدِّث وينقل بكل ما سمعه،فقد ذكَر النبي،صلَّى الله عليه وسلَّم(أنَّ مِن آيات المنافِق الثلاث،أنَّه إذا حدَّثَ كذَب)أخرجه البخاري،ومسلم،
إنَّ الشائعاتِ أكثر ما تَنطلق من أناس قلَّ خوفُ الله في قلوبهم،
أما الشيء الذي فيه مصائب، وفيه فسادٌ، وشرٌّ، فهو ينتشر انتشارَ النار في الهشيم،لأنَّ الشرَّ له أناس يُسهِمون في نقله،ونشْره
فالشائعات لا نُصدِّقها مهما كانت الشائعة، وعلينا بالتثبت كما أمر الله تعالى، وأمر به النبي،صلَّى الله عليه وسلَّم،
وعن أبي وائل،رحمه الله،قال،قال عبدالله بن مسعود،قولُوا خيرًا تعرفوا به،واعْمَلوا بِه تكونُوا مِنْ أهلِهِ، ولا تكونُوا عُجُلاً مَذَايِيعَ بُذُرًا)أخرجه البخاري،ومسلم،
مذاييع،قال ابن الأثير،مَذَايِيع،من المذْياعِ، وهو الذي إذا سمع عن أمر بفاحشة أو غيرها،ذكرها وأَشاعها،يعني،تُفشونَ السِّر،
الفائدة من ترويج الإشاعة، يبثُّون سمومَهم بين الناس،حتى يفسدوا عليهم حياتَهم،وذلك بأن يكون الدافِع لنشْر الإشاعة وترويجها بين الناس إنَّما هو الشَّماتة بصاحِبها،
إنَّ التربية الإسلامية تُربِّي الناشِئَ على أن ينظرَ إلى كلِّ ساعات الحياة على أنَّها أمانةٌ في عنقه،
أنَّ المجتمع المسلم في زَمانِنا هذا بحاجة إلى جهودٍ كبيرة لانتشاله مِن كثيرٍ مِن العادات المنحرِفة،كالحسَد، والطمع، والحِقد، والأنانية التي تنتشر بين كثيرٍ من المسلمين،
إنَّ الانشغال بإشاعة الأخبار السيِّئة،يشيع الاضطرابَ والقلقَ في النفوس،ومِن باب نشْر الفِتنة،
هؤلاء الذين يَنشُرون الشائعاتِ الكاذبة، قد لعَنَهم الله حيثُما وُجِدوا، وتوعَّدهم بأنْ يُسلِّط عليهم مَن يقطع دابرَهم،بالعَذاب الشديد، وحذَّر المؤمنين من السَّماع لهم وتصديقهم،فقال تعالى﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً،مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً﴾الأحزاب،
وجاء الأمر صريحًا بوجوبِ التثبُّت والتبيُّن في الأخبار عندَ رواية الفاسِق لها﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا﴾الحجرات،
قال قتادة،لا تقل،رأيت،ولم ترَه،وسمعتُ ولم تسمعه،وعلمت ولم تعلم،
قد يسمع الإنسانُ في العادة الصِّدق والكَذب، فإذا حدَّث بكلِّ ما سمع سيكون في بعضِ تحديثه كذب، وهذا معنى حديث، في قوله،عليه الصلاة والسلام(كفَى بالمرء إثمًا أن يحدِّثَ بكلِّ ما سَمِع)أي،لم يتثبّت،أخرجه مسلم،
لأنَّه يسمع الحقَّ والباطل، والصِّدْق والكذب، فإذا حدَّث بكلِّ ما يسمع فمعنى ذلك،أنَّه سيكون في حديثه كذبٌ ولا بدَّ،
والمقصود أنَّ الإخبارَ بخبرٍ مبناه على الشكِّ والتخمين دون الجزْم واليقين،قبيحٌ،بل ينبغي أن يكون لخبرِه سندٌ وثبوت، ويكون على ثِقة مِن ذلك لا مجرَّد حِكاية على ظنٍّ وحسبان،
فاللهَ اللهَ، التثبُّتَ التثبُّتَ، في كلِّ الأمور، والنظر في عواقبها،
إنَّ التثبُّت منهجٌ شرْعي، ونُضْج عقلي، والعقْل الصريح يوافِق النقلَ الصحيح؛ ولذلك جاءَ في الأدب الصغير لابن المقفَّع،أصل العقْل التثبُّت،وأنَّ مَن تثبت لم يندمْ،
وهي ميزةُ وجود المنهج المتكامِل الشامل للتثبُّت من الأخبار، ممَّا حفظ علينا دِيننا، وهو مِن حفظ الله لهذا الدِّين إلى يوم الدين،
ولذلك يقول سيِّد قطب،رحمه الله،التثبُّت من كلِّ خبر، ومِن كل ظاهرة، ومِن كل حركة، قبلَ الحُكم عليها - هو دعوةُ القرآن الكريم، ومنهجُ الإسلام الدقيق، ومتى استقام القلْبُ والعقل على هذا المنهج لم يَبْقَ مجال للوَهم والخُرافة في عالَم العقيدة، ولم يبقَ مجال للظن والشُّبهة في عالَم الحُكم والقضاء والتعامُل، ولم يبقَ مجال للأحكام السطحيَّة، والفروض الوهمية،
والفِتن واقعة في أمَّة النبي،صلَّى الله عليه وسلَّم،كوْنًا وقدرًا، ولا بدَّ مِن أن يقع ما أخبر به رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومِن ثَمَّ فلا بدَّ من التبصُّر بها، والاستعداد لها، والحذر منها، وبيَّن - صلَّى الله عليه وسلَّم(أنَّ السعيد لَمَن جُنِّب الفتن، ولَمَن ابْتُلي فصَبر)رواه أبو داود،وصححه الألباني،
عقوبة نشر الشائعات، الشائعات السيِّئة، كلها محرَّمة مذمومة، وصاحِبها مذمومٌ مأزور، غير مشكور ولا مأجور،لأنَّها إنْ كانت مكذوبةً مزوَّرة، فإنَّ الكذب حرام، بل هو مِن أكبر الكبائر وأشد المفاسِد، وهو آفة قاتِلة، ما انتشرتْ في مجتمع إلا قوضتْ دعائم استقراره، وهدَّمت أرْكانَ أمْنه، ونزعتِ الثقة بيْن أفراده، وليس هو مِن أخلاقِ الكرام،
وأمَّا إنْ كانت الشائعة صحيحةً واقعة، لكن في إذاعتها مفسدةٌ وأذًى، فإنَّ ذلك محرَّم،أعظمَ تحريمًا، وأسوأ عاقبة، وأعجَل عقوبة مِن أذية المسلِم والإضرار به، والاستطالة في عِرْضه، وتتبُّع عوراته،
التصرُّف الحكيم تجاه الإشاعات، أنْ يُقدم حسن الظن بأخيه المسلِم،
وأنْ يطلب الدليل الخارجي البُرهاني﴿لَوْلا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ﴾النور،
وألاَّ يتحدَّث بما سَمِعه ولا ينشره، ولا يشيعه بيْن الناس أبدًا،

اللهم اجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه،واصرف عنا شر الإشرار وكيد الفجار،وجنبنا قول الشائعات والسماع لها،
اللهم اخرجنا من هذه الفتن،وإرزقَنا إخلاصاً نقيّاً في أقوالنا وأعمالنا، وفي سرنا وعلننا،وألِّف بين قُلوبنا،اللهم آميـــن.

الحسيمqtr
27-04-2016, 09:09 PM
جزاكِ الله جنة الفردوس

امـ حمد
27-04-2016, 11:10 PM
جزاكِ الله جنة الفردوس

بارك الله فيك وفي ميزان حسناتك اخوي الحسيم
وجزاك ربي جنة الفردوس

nsew55
02-05-2016, 04:34 PM
جزاك الله خير

امـ حمد
02-05-2016, 08:03 PM
جزاك الله خير


بارك الله فيك وفي ميزان حسناتك
وجزاك ربي جنة الفردوس