المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطر الفتوى بغير دليل شرعي



rashid565
05-07-2016, 02:03 PM
خطر الفتوى بغير دليل شرعي
لقد عمت البلوى كثيرا من أصحاب التعصب والهوى من أهل البدع فأصبحوا يفتون الناس بفتاوى عارية عن الدليل الصحيح الصريح ليس لها خطام ولا زمام وذلك انتصارا لما عندهم من أفكار مخالفة لهدي رسولنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ القائل :"إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا .

فخطر الفتوى بغير دليل شرعي على من أفتى أكثر من غيره فإن من ابتدع بدعة كان عليه إثمها وإثم من عمل بها إلى يوم القيامة فهو مسؤول عن كل ما يفتي به لأن في ذلك ضلال له وإضلال لغيره وسيجازيه الله على ذلك ,
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً ( من أفتى فتيا بغير علم كان إثم ذلك على الذي أفتاه ) .
والأدلة على تحريم الإفتاء بغير علم كثيرة منها :
* قول الله سبحانه وتعالى : {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } (الاسراء:36)أي لا تقل ما ليس لك به علم فتحاسب على ذلك .
ولقد كان السلف الصالح قدوة في كل خير وأهل للفتيا ومع ذلك كانوا حريصين على أنفسهم .
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه :« ما أبردها على الكبد ، ما أبردها على الكبد » فقيل له : وما ذاك ؟ قال : « أن تقول للشيء لا تعلمه : الله أعلم.
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : " يا أيها الناس من عَلِمَ شيئا فليقل به ، ومن لم يعلم فليقل : اللّه أعلم ؛ فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم اللّه أعلم .
وعن عقبة بن مسلم قال : صحبت ابن عمر رضي الله عنهم أربعة وثلاثين شهراً فكثيراً ما كان يسأل فيقول : « لا أدري » ثم يلتفت إلي فيقول : « تدري ما يريد هؤلاء ؟ يريدون أن يجعلوا ظهورنا جسراً لهم إلى جهنم .
وقال الإمام مالك : " ينبغي للعالم أن يألف فيما أشكل عليه قول : لا أدري ؛ فإنه عسى أن يهيأ له خير.
وَقَالَ الْقَعْنَبِيُّ : دَخَلْت عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ ، فَسَلَّمْت عَلَيْهِ ، ثُمَّ جَلَسْت ، فَرَأَيْتُهُ يَبْكِي ، فَقُلْت لَهُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، مَا الَّذِي يُبْكِيك ؟ فَقَالَ لِي : يَا ابْنَ قَعْنَبٍ ، وَمَالِي لَا أَبْكِي ؟ وَمَنْ أَحَقُّ بِالْبُكَاءِ مِنِّي ؟ وَاَللَّهِ لَوَدِدْت أَنِّي ضُرِبْت بِكُلِّ مَسْأَلَةٍ أَفْتَيْت فِيهَا بِالرَّأْيِ سَوْطًا ، وَقَدْ كَانَتْ لِي السَّعَةُ فِيمَا قَدْ سُبِقْت إلَيْهِ .
وحاشا الإمام مالك أن يفتي برأيه ,ولكنه الورع والتقوى وتعظيم حرمات الله والخوف من الوقوع في الخطأ.
ألا فليعتبر العلماء عموماً وعلماء أهل البدع على وجه الخصوص بورع السلف الصالح وحرصهم على إنقاذ أنفسهم .فالمفتي بغير دليل شرعي يقع في مخاطر عظيمة دلت عليها أدلة عامة وخاصة منها :
1- أنه يُشَاقِقِ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ :قال الله تعالى : {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}(النساء115).

2- أنه محدث في الدين ما ليس منه:لحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ) .

3- أنه من الذين يسنون في الإسلام سنة سيئة:قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ :"مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ" .

4- أنه سيحمل وزره وأوزار الذين يعملون بفتواه :
قال الله تعالى : { لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} (النحل25)قال الإمام الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان :المراد بذلك أنهم حملوا أوزار ضلالهم في أنفسهم ، وأوزار إضلالهم غيرهم .اهـ .

5- أنه من الذين رغبوا عن سنة رسول الله : لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: (ومن رغب عن سنتي فليس مني) .
قال الحافظ في فتح الباري :الْمُرَاد بِالسُّنَّةِ الطَّرِيقَة لَا الَّتِي تُقَابِل الْفَرْض ، وَالرَّغْبَة عَنْ الشَّيْء الْإِعْرَاض عَنْهُ إِلَى غَيْره ، وَالْمُرَاد مَنْ تَرَكَ طَرِيقَتِي وَأَخَذَ بِطَرِيقَةِ غَيْرِي فَلَيْسَ مِنِّي .اهـ

6 - أنه من الذين يكذبون على الله وعلى رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ:قال الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} (الأنعام21).
وقال الله تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ }(هود 18) .

7 - أنه جاهل:لحديث جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ ثُمَّ احْتَلَمَ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ فَقَالُوا مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ قَتَلُوهُ قَتَلَهُمْ اللَّهُ أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ .
قال الإمام النووي في كتابه(آداب الفتوى والمفتي والمستفي ):اعلم أن الإفتاء عظيم الخطر، كبير الموقع، كثير الفضل، لأن المفتي وارث الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم - وقائم بفرض الكفاية ولكنه معرض للخطأ ; ولهذا قالوا: المفتي موقع عن الله تعالى..وروينا عن ابن المُنكدر قال: "العالم بين الله تعالى وخلقه، فلينظر كيف يدخل بينهم".وروينا عن السلف وفضلاء الخلف من التوقف عن الفتيا أشياء كثيرة معروفة...وروينا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "أدركتُ عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يُسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، حتى ترجع إلى الأول". وفي رواية: "ما منهم من يحدث بحديث، إلا وَدَّ أن أخاه كفاه إياه، ولا يستفتى عن شيء إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا".اهـ باختصار يسير.