الحاسة
17-09-2006, 11:41 AM
حتى تظل رؤوسهم على أكتافهم!
هناك طرق كثيرة لكي تفضفض ـ أي تقول ما في نفسك ـ تتخفف مما يضايقك، كأن تقول ذلك وأنت نائم، أو تذهب إلى طبيب نفسي وتتمدد على سرير وتقول، وفي زماننا لم يعد لأحد متسع من الوقت لكي ينام على كتف أو صدر أحد ويقول، ولذلك يلجأ الناس إلى أطباء النفس، وبفلوسك تشتري من يستمع إليك، أو تكتب مذكراتك، أو تكتب إن كنت كاتباً.
أحسن نموذج لذلك سعد زغلول باشا الزعيم المصري، فمذكراته السياسية نوع من الاعتراف، أكلت، اشتريت، أقسمت ألا ألعب القمار، ثم يعود إلى القمار ويقسم ألا يعود مرة أخرى، ويقول إن الملك رفض أن يمد له يده لكي يقبلها، وغضب سعد باشا، وذهب من يصلح بينه وبين الملك، فمد له يده، يقول سعد باشا في مذكراته أو اعترافاته: وأوسعت يده تقبيلا! غريبة؟ ولكن هذا ما حدث.
بعض الناس يلجأ إلى الكتابة على الجدران، وهذا واضح في كل الدنيا، وقد ذهلت في إحدى زياراتي لباريس أن وجدت على الجدران بخط جميل مثل هذه الهتافات أو اللعنات أو الهلوسات.
ولو كنت في لندن لذهبت فوراً إلى «هايد بارك»، حديقة ضخمة مفتوحة لكل الناس، بعضهم يشتم الملكة والوزراء، ويقول ما يعجبه هو وما لا يعجب أحداً في كل الأديان والمذاهب، وفي حديقة هايد بارك كل أنواع البشر، وكل التجمعات، والكل يشتم ويلعن الكل، والبوليس لا يتدخل إلا إذا تحول الكلام إلى عضلات وأنياب وأظافر. وفي مدينة سيدني توجد حديقة الدومين، وهي الأخرى مثل هايد بارك، اشتركت في إحدى ندواتها على الواقف، ولكن لم أستطع أن أمضي حتى نهايتها، فهي هلوسة وهذيان وأناس مخمورون بلا شراب، وملحدون في حرارة كأنهم مؤمنون.
وفي إحدى قصص الأديب النمساوي «استيفن تسفايج» نجد سجيناً يعيد في ذهنه كل ما حفظ من الشعر ومن آيات الكتاب المقدس، ولما فرغ منها راح يعيدها بالمقلوب، فلما فرغ منها راح يلعب الشطرنج مع نفسه ويغلب ويتغلب، ولما فرغ منها راح يوقف خصومه في صف واحد ويلعنهم أبجدياً ويقول رأيه فيهم بمنتهى الصراحة، وهو ما لم يستطع أن يقوله علناً.
والآن اتجهت هذه الاعترافات والمنشورات واللعنات إلى الكومبيوتر، ففي الكومبيوتر مواقع بأسماء مستعارة يقول أصحابها رأيهم في كل الناس، في كل الحكام والمشايخ والقساوسة والكهنة في كل دين.
وقد تابعت بعض هذه المواقع، خسارة أن بعضها ليس معلناً لكل الناس، ففيها دراسات نقدية جادة، ولكن أصحابها يخافون من ذراع القانون وبطش السلطان، المهم أنهم قالوا، ووجدوا من يقرأ لهم، إنها صرخات وصيحات مثل صيحات يوحنا المعمدان في البرية، فيوحنا كان يلعن الإمبراطور الروماني في البرية، لأنه قتل أخاه وتزوج امرأته، فقالت للإمبراطور هات لي رأس يوحنا المعمدان على طبق وأنا أجعل ابنتي سالومي ترقص لك عارية، ورقصت عارية حول رأس يوحنا المعمدان.
وحتى لا يلقى الناس ما لقيه يوحنا المعمدان اختاروا الإنترنت، فاستراحوا وما أراحوا!
مع تمنياتي أن تنال اعجابكم
منقول
هناك طرق كثيرة لكي تفضفض ـ أي تقول ما في نفسك ـ تتخفف مما يضايقك، كأن تقول ذلك وأنت نائم، أو تذهب إلى طبيب نفسي وتتمدد على سرير وتقول، وفي زماننا لم يعد لأحد متسع من الوقت لكي ينام على كتف أو صدر أحد ويقول، ولذلك يلجأ الناس إلى أطباء النفس، وبفلوسك تشتري من يستمع إليك، أو تكتب مذكراتك، أو تكتب إن كنت كاتباً.
أحسن نموذج لذلك سعد زغلول باشا الزعيم المصري، فمذكراته السياسية نوع من الاعتراف، أكلت، اشتريت، أقسمت ألا ألعب القمار، ثم يعود إلى القمار ويقسم ألا يعود مرة أخرى، ويقول إن الملك رفض أن يمد له يده لكي يقبلها، وغضب سعد باشا، وذهب من يصلح بينه وبين الملك، فمد له يده، يقول سعد باشا في مذكراته أو اعترافاته: وأوسعت يده تقبيلا! غريبة؟ ولكن هذا ما حدث.
بعض الناس يلجأ إلى الكتابة على الجدران، وهذا واضح في كل الدنيا، وقد ذهلت في إحدى زياراتي لباريس أن وجدت على الجدران بخط جميل مثل هذه الهتافات أو اللعنات أو الهلوسات.
ولو كنت في لندن لذهبت فوراً إلى «هايد بارك»، حديقة ضخمة مفتوحة لكل الناس، بعضهم يشتم الملكة والوزراء، ويقول ما يعجبه هو وما لا يعجب أحداً في كل الأديان والمذاهب، وفي حديقة هايد بارك كل أنواع البشر، وكل التجمعات، والكل يشتم ويلعن الكل، والبوليس لا يتدخل إلا إذا تحول الكلام إلى عضلات وأنياب وأظافر. وفي مدينة سيدني توجد حديقة الدومين، وهي الأخرى مثل هايد بارك، اشتركت في إحدى ندواتها على الواقف، ولكن لم أستطع أن أمضي حتى نهايتها، فهي هلوسة وهذيان وأناس مخمورون بلا شراب، وملحدون في حرارة كأنهم مؤمنون.
وفي إحدى قصص الأديب النمساوي «استيفن تسفايج» نجد سجيناً يعيد في ذهنه كل ما حفظ من الشعر ومن آيات الكتاب المقدس، ولما فرغ منها راح يعيدها بالمقلوب، فلما فرغ منها راح يلعب الشطرنج مع نفسه ويغلب ويتغلب، ولما فرغ منها راح يوقف خصومه في صف واحد ويلعنهم أبجدياً ويقول رأيه فيهم بمنتهى الصراحة، وهو ما لم يستطع أن يقوله علناً.
والآن اتجهت هذه الاعترافات والمنشورات واللعنات إلى الكومبيوتر، ففي الكومبيوتر مواقع بأسماء مستعارة يقول أصحابها رأيهم في كل الناس، في كل الحكام والمشايخ والقساوسة والكهنة في كل دين.
وقد تابعت بعض هذه المواقع، خسارة أن بعضها ليس معلناً لكل الناس، ففيها دراسات نقدية جادة، ولكن أصحابها يخافون من ذراع القانون وبطش السلطان، المهم أنهم قالوا، ووجدوا من يقرأ لهم، إنها صرخات وصيحات مثل صيحات يوحنا المعمدان في البرية، فيوحنا كان يلعن الإمبراطور الروماني في البرية، لأنه قتل أخاه وتزوج امرأته، فقالت للإمبراطور هات لي رأس يوحنا المعمدان على طبق وأنا أجعل ابنتي سالومي ترقص لك عارية، ورقصت عارية حول رأس يوحنا المعمدان.
وحتى لا يلقى الناس ما لقيه يوحنا المعمدان اختاروا الإنترنت، فاستراحوا وما أراحوا!
مع تمنياتي أن تنال اعجابكم
منقول