المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل



امـ حمد
03-10-2016, 11:23 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الإمام،أحمد بن حنبل،تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل،
معنى التغافل، هو تكلف الغفلة مع العلم والإدراك لما يتغافل عنه تكرماً وترفعاً عن سفاسف الأمور،وهو اعراضك عن امر صدر من عدو او صديق وانت تتيقن غرضه السيء منه،وتطبيقه بالتحلم او التسامح في التعامل معه،
فالمتغافل يتعمد الغفلة عن أخطاء وعيوب من حوله،مع أنه مدركٌ لها، عالمٌ بها،لكنه يتغافل عنها كأنه لم يعلم بها،لكرم خلقه،
وأن التغافل هو تصنع الغفلة والتظاهر عن الزلات وعدم الالتفات إليها والاهتمام بها،فمهما بلغك من إساءة تراها أو تنقل إليك من شخص ما فتغافل عنها كأنك لم تعلم بها،فمن حسن الخلق التغافل عن ذلك وعدم إشعار صاحب الموقف بأنه شوهد أو شُعِر به،
ومن المواقف في أدب التغافل، ما ذكره ابن جريج،عن عطاء بن أبي رباح قال،إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأن لم أسمعه قط،وقد سمعته قبل أن يولد،
معظم الناس يسعون جاهدينَ لتحقيق السَّعادة والنجاح،
ونجاح الإنسان في حياتِهِ يَكمُنُ في صدقه،وإخلاصِه مع ربه وتطبيقه لأحكام شرعه، ومعاشرتِه للنَّاس بأحسن الأخلاق وأفضلها، وحماية اللسان من الخوض فيما لا يعني ولا يُغني،لأنّ الرسول،صلى الله عليه وسلم،قد وجّه المسلمَ لاغتنام طاقاتِه فيما ينفعُه، وتركِ ما يضرُّه،
ففي الحديث الصحيح(من حسن إسلام المرء تركه مَا لا يَعنِيه)رواه الترمذي،
ومن حرصه صلى الله عليه وسلم على غرس المحبّة والأخوّة بين أفرادِ أمته قال عليه الصّلاة والسّلام(من رأى منكم منكراً فليغيِّرهُ بيدِهِ، فإنْ لم يستطع فبلسانه،فإن لم يستطع فبقلبه،وذلك أضعفُالإيمان)رواه مسلم،
فقوله عليه الصلاة والسلام(من رأى)دليلٌ عَلَى أَنَّ الإِنكَارَ مُتَعَلِّقٌ بالرؤية،فلو كان مستوراً فلم يره،عن الإمام أحمد،
لذا لا يجوز للإنسان أنْ يظنَّ بالنّاس سُوءاً أو أن يقول فيهم سوءاً ظناً منه أو اعتقاداً في إرتكابهم للمنكر،لأن(من رأى) ليس كمن ظنَّ أو اعتقد،
كما أنَّ مِن سلامة الإنسان تغافُلُه عن معاصي الناس وأخطائِهم ما لم يُجاهروا بها،
ومن أسباب سلامة الإنسان عدم التدقيق في كل صغيرة وكبيرة،
وفي صحيح الجامع،يقول عليه الصلاة والسلام(من تتبع عورةَ أخيه تتبع الله عورته، ومن تَتَبَّعَ اللهُ عورَتَه يَفضَحْهُ ولو في جَوفِ بَيتِه)
فاتّق اللهَ يا من تتبع عورات النّاس وفضائحهم وتنشرها في المجالسِ،وأعلمْ أنّ مَن تَتبّع عوراتِ النّاس كانَ مِنْ شِرارِ خَلقِ اللهِ،
واجعل السّعادةَ الأخرويّةَ هدفاً من أهدافِكَ في هذه الحياةِ ليَستُرَ اللهُ حالَكَ، فلا يُوجد مَنْ ليسَ له عُيوبٌ،واعلم أنَّ كلامك مكتوبٌ وقولَكَ محسوبٌ، واسأل ربك أن يستر عيوبَك،
كان الإمام مالكٌ بن أنس يقول،أدركت أقواماً لم تكن لهم عُيوبٌ، فعابوا الناس،فصارت لهم عيوب،
وأدركت بها أقواماً لهم عيوب،فسكتوا عن عُيوبِ الناس،فنسيت عُيوبُهم،
فالسكوتُ عن عيوبِ النَّاس،مثله مثل التغافل عن سفه الشباب وزلاتهم،والكَيِّسُ العاقلُ هو الفطن المتغافل عن الزلات،وسقطات اللِّسان،إذا لم يترتب على ذلك مفاسد،
والإسلامُ أمر بستر عورات المسلمين،واتِّقاء مواضعِ التهم،
قال تعالى(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)النور،
كما يدعو إلى التَّغافل عن الزَّلات،وعدم إظهارِ رؤيتها،
ومن فضائل التغافل، ما رواه البيهقي،والإِمام أحمد،عن عثمان بن زائدة قال،العافية عشرة أجزاء،تسعة منها في التغافل،
وكثيراً ما وصفت العرب الكرماء،بالتغافل والحياء في بيوتها وأنديتها،
وفي وصف ابن الأثير،لصلاح الدين الأيوبي،قال،كان رحمه الله حليماً حسن الأخلاق،ومتواضعاً، صبوراً على ما يكره، كثير التغافل عن ذنوب أصحابِهِ، يسمعُ من أحدِهم ما يكره،ولا يعلمه بذلك،ولا يتغير عليه،
هذه أخلاق سادةِ القَومِ،وعلى الإنسان إذا ما أراد أن يعيش سعيداً مسرورًا محبوباً،أن يتحلَّى بأخلاقهم،
وكانت العربُ تردِّد هذا البيت كثيراً،
ليس الذكيُّ بسيّدٍ في قومِه،،،،،،لكن سيد قومه المتغابي
وفي حديث عائشة رضي اللَّهُ عنها قالت(جلست إحدى عَشْرةَ امرأةً، فتعاهدن وتعاقدنَ أن لا يَكتمن من أخبارِ أزواجهنَّ شيئاً، وقالت إحداهن،زوجي إذا دخل فهد،وإذا خرج أسد،ولا يسأل عَمَّا عهد)رواه البخاري،
ومن صفات الفهد،التغافل،
إن لم تكن قد تغافلت عن ذلك فيما مضى،فلديك فيما بقي من عمرِك فرص جديدة تستحق الاغتنام،واغتنامها يكون بالتغاضي والتغافل وغض الطرف،والتغافل خلق جميل من أخلاق الكِبارِ،وهو من فضل الله الذي يؤتيه من يشاء،
التغافل عن أخطاء الأصدقاء،ما من صديق يسلم من أخطاء وزلات، ومن طلب صديقاً بلا عيب عاش بلا أصدقاء، فبارك الله فيمن أقال عثرة أخيه وصديقه، وبيّن الخطأ من الصواب، وتغاضى عن هفواته،
من أعظم المصائب،أن نعيش مع أُناس يدققون في أعمالنا ومتتبعين لكل شاردة وواردة، لماذا،وأين،وكيف،ومتى،وهل،إلى غير ذلك من التساؤلات العقيمة،فضلاً على أثرها السلبي في العلاقات فحتماً لن يكون إيجابياً،
قال جعفر الصادق رحمة الله(عَظّموا أقداركم بالتغافل)
والبعض يغفل عن الأخطاء والهفوات ليس نقصاً أو ضعفاُ منهم، إنما ذلك إدراك للعواقب الناتجة عن هذا التدقيق،
إنك إن تغافلتَ عن زلة رأيتها،أو خطأ وقعت عليه،لا يعني الغباء والسذاجة والضعف،لا أبداً،بل هو الفطنة والعقل والحكمة، ولا يجب أن نمسك ذلك الخطأ والزلة ونجلده بها بين كل حين وآخر،بل هو التغاضي والصفح والعفو،
قال معاوية رضي الله عنه(العقل مكيال،ثلثه الفطنة،وثلثاه التغافل)
وقال الشافعي رحمه الله(الكيّس العاقل هو الفطن المتغافل)
فما أحوجنا إلى هذا الأدب والتحلي به في مواقف حياتنا،فإن استقصاء كل صغيرة وكبيرة يقدح شرارة الغضب والشحناء بين القلوب،
فمن استطاع أن يتحلى بهذا الخلق الرفيع أراح غيرة وأراح نفسه من هموم كثيرة تأتى نتيجة كثرة اللوم والعتاب،وحافظ على أصحابه ورفاقه لأن النفس البشرية لا تحب اللوم والعتاب،
وما يألم هو انك تجد الأخ يتتبع أخطاء أخيه وكأنه يتمنى له الخطأ،ولا يتغافل عن أخطاء أخيه التي سترها الله عليه بل يبحث عنها،

اللهم ارزقنا الخلق الحسن،وعلمنا ما ينفعنا،وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً،وارزقنا من واسع فضلك.

الحسيمqtr
04-10-2016, 04:23 PM
جزاكِ الله جنة الفردوس

امـ حمد
04-10-2016, 05:14 PM
جزاكِ الله جنة الفردوس

بارك الله فيك وفي ميزان حسناتك اخوي الحسيم
وجزاك ربي جنة الفردوس