المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من أراد السعادة،فعليه بالقناعة



امـ حمد
13-11-2016, 05:33 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من أراد السعادة،فعليه بالقناعة
كان صلى الله عليه وسلم،يستعيذ بالله(من نفس لا تشبع)
والطمع يمحق البركة، ويشعر النفس بحالة الفقر الدائم،
فعن حكيم بن حزام رضي الله عنه،قال،سألت رسول الله فأعطاني، ثم سألته فأعطاني،ثم سألته فأعطاني،ثم قال(يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة،فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه،ومن أخذه بإشراف نفس لم يُبارك له فيه،كالذي يأكل ولا يشبع)أخرجه الشيخان،والترمذي،والنسائي،
فقال حكيم،فقلت يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحداً بعدك شيئاً حتى أفارق الدنيا،
فكان أبو بكرالصديق، يدعو حكيماً إلى العطاء فيأبى أن يقبله ثم إن عمر دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه شيئاً،فقال عمر إني أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم أني أعرض عليه حقه من هذا الفيء فيأب أن يأخذه فلم يرزأ حكيم أحداً من الناس شيئاً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي)صحيح البخاري،
وكان السلف يرون أن الطمع يُذهب بركة العلم،فقد اجتمع كعب وعبد الله بن سلام،فقال كعب،يا بن سلام،مَن أرباب العلم،قال، الذين يعملون به،قال،فما أذهب العلم عن قلوب العلماء بعد أن علموه،قال،الطمع،وشره النفس،وطلب الحوائج إلى الناس،
وقالوا،العبيد ثلاثة،عبد رِقّ، وعبد شهوة، وعبد طمع،
ولو لم يكن في الطمع إلا تضيع العمر،الذي يمكن أن يشتري به صاحبه الدرجات العلى والنعيم المقيم،
في طلب الرزق قد تكفل الله به لكفى بذلك زجراً،فكيف وفي الطمع التعب الدائم وتحقير النفس وإذلالها، ونقص الثقة بالله عز وجل،مع شعور صاحبه بفقر دائم،
وما فتح عبد باب مسألة، إلا فتح الله عليه باب فقر،وأن يكون المال بين أيدينا لا في قلوبنا،
لأن النبي صلَّى الله عليهِ وسلَّم،سأل أبا ذرٍ رضي الله عنه ذات مرة فقال(يا أبا ذر،أترى كثرة المال هو الغنى،فقال،نعم يا رسول الله، فقال،فترى قلة المال هو الفقر،فقال،نعم يا رسول الله،فقال،إِنما الغنى غنى القلب،والفقر فقر القلب)رواه ابن حبان،
النبي صلَّى الله عليهِ وسلَّم،يحثنا على أن نكون أقوياء،وأن نكون أغنياء،وأن نكسب كسباً مشروعاً،وهو مشروعية البيع الحلال، ومشروعية التجارة المباحة،ومشروعية الكسب الطيب، الذي أباحه الله سبحانه وتعالى،
وعلى تحريم أكل المال إذا كان فيه شبهة حرام،
أو تحصيله عن طرق ملتوية كالرشوة والغش والخداع والربح الفاسق،وغير ذلك من أنواع الكسب غير المشروع،
ولكن أهل الطمع والجشع يغتنمون أيام الأزمات والشدائد ليرفعوا الأسعار،ويمارسوا عليهم الاحتكار،في أيام الشدائد والأزمات،لا يرحم بعضهم بعضاً ولا ينظر بعضهم إلى واقع بعض بنوع من المحبة والتراحم،
هذا حديث صحيح رواه البخاري،يقول النبي،صلى الله عليه وسلم(ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده،وإن نبي الله داود،عليه الصلاة والسلام،كان يأكل من عمل يده)
ولنا في السلف الصالح نماذج عديدة، عمر بن الخطاب رضي الله عنه،سقاه رجلٌ كأساً من لبن فوجده طيباً،فقال من أين أتيت به،هذا نوع من اللبن طيب،فقال يا أمير المؤمنين،مررت على إبل الصدقة،إبل بيت المال،فوجدتها على الماء فأخذت من لبنها وسقيتك منها،فما كان من عمر رضي الله عنه،إلا أن استقاء خشية أن يدخل شيء في جسمه أو أن ينتفع بمال بيت المال وهو مال المسلمين ليس ماله،
وعلي رضي الله عنه يقول،الدنيا حلالها حساب،وحرامها عذاب،وشبهتها عتاب،

إن المتأمل لأحوال كثيرٍ من الناس لا يراهم يعيشون في هذه الدنيا راضين بقضاء الله وقدره، بل يزدادون تسخطاً،على قضاء الله وقدره،لا يكفيهم طعام يشبعهم،ولا يرضيهم لباس يسترهم، ولا مساكن تكنهم، ولا مراكب تحملهم، بل هم دائماً في سخطٍ على الله عزَّ وجل، يصبح أحدهم ويمسي ساخطاً على ربه،لا يقنع بقليلٍ ولا بكثير،كالذي يأكل ولا يشبع،لم،لأنه طامحٌ ببصره دائماً إلى من هو فوقه، إذا كان يسكن بيتاً نظر إلى من يسكن قصراً،وهكذا لا يهنأ له عيش، إلا إذا صار أحسن الناس في كل شيء،
القناعة أن ترضى بما قسم الله لك من العيش، فتكون مطمئن القلب، ساكن الفؤاد، رضيَّ النفس، تعلم أن الأرزاق مكتوبةٌ مقسومةٌ، لا تزيد ولا تنقص،
تضرب في أرض الله عزَّ وجل، تبتغي من فضل الله دون أن تكون مقبلاً على الدنيا بكليتك،
قال عبد الله بن عباس(الحياة الطيبة هي القناعة)أن تقنع بما رزقك الله من مال،وذرِّيَّة،ومسكنٍ ومركبٍ وملبسٍ ومطعم، هذه هي القناعة التي يأمرنا بها ديننا،
القنوع هو أعزُّ الناس عند الناس،ولهذا قال صلى الله عليه وسلم(شرف المؤمن قيامه بالليل، وعِزُّه استغناؤه عن الناس)هذا المستغني عن الناس الذي لا يمدُّ يده، ولا يطمع فيما عندهم،هو العزيز حقًا،الذي رضي بما آتاه الله وسأل الله المزيد من فضله،
والرسول عليه الصلاة والسلام،كان أوسع الناس صدراً،وأطيب الناس عيشاً، وأسخى الناس يداً،وأرضى الناس قلباً، كان يمرُّ عليه الهلال والهلال والهلال ولا يوقد في بيت أزواجه نار،وما لهم من طعام إلا الأسودان،التمر والماء، كان يبيت الليالي طاوياً، لا يجد عشاءً، يتقلّب على فراشه من شدة الجوع، كانت حياته حياة الزهد، زهدٌ في طعامه، زهدٌ في ثيابه، زهدٌ في فراشه، يبيت عليه الصلاة والسلام على حصيرٍ قد أثَّر على ظهره وعلى جنبه من خشونته ومن شدة ملمسه، كانت الدنيا لا تساوي عنده شيئًا، ما كان يعجبه من الدنيا إلا مؤمنٌ تقيّ، كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، بل وربَّى أصحابه رضي الله عنهم على القناعة،فلقد أوصى صلى الله عليه وسلم،أبا هريرة رضي الله عنه،قال له(يا أبا هريرة، كن ورعاً تكن أعبد الناس،وكن قنعاً تكن أشكر الناس، وارض للناس ما ترضاه لنفسك تكن مسلماً)
ولقد حثَّ صلى الله عليه وسلم،أمته على طلب القناعة بقوله(لا تنظروا إلى من هو فوقكم، وانظروا إلى من هو أسفل منكم، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم)
هذه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم،من أراد السعادة فعليه بالقناعة،
إن العبرة بالقلوب سعةً وضيقاً،عسراً ويسراً،انشراحاً وانقباضاً، غنى وفقراً(ليس الغنى عن كثرة العرَض، وإنما الغنى غنى النفس)
فرُبَّ إنسان يكون ماله كثير،لكنه والعياذ بالله جشعٌ طمَّاعٌ جمَّاعٌ منَّاع،كالذي يأكل ولا يشبع،
ورُبَّ إنسان آخر يكون رزقه كفافاً يكون فقيراً قليل العيش لكنه مع ذلك قد جعل الله غناه في قلبه،وجمع عليه شمله،
لكن لنعلم أنه لا علاقة بين القناعة والفقر،ولا علاقة بين الغنى والطمع، فرُبَّ إنسان يكون غنياً موسراً قد فتح الله له أبواب الرزق، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومع ذلك تجده غنياً في قلبه، مقيماً للصلاة، يعرف حق الله في ماله،إن أُعطي شكر،وان منع صبر،إن ربح مالاً أدى حق الله فيه،وإن خسر مالاً قنع بما قضى الله عزَّ وجل وقدَّر،
وربَّ إنسان فقيرٍ معدمٍ،يصبح ويمسي وهو ساخطٌ على الله عزَّ وجل، خسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين،
القناعة،لا تمنعك أن تضرب في مناكب الأرض،وأن تبتغي من فضل الله،والأخذ بالأسباب وطرق الأبواب والرغبة فيما عند الله،
لكن الممنوع والمحظور والحرام،أن يغشَّ التاجر في تجارته،وأن ينافق المسؤول في منصبه،وأن يتهرب العامل من مهنته،وأن يرتشي الموظف في وظيفته،هذا الذي يتعارض مع القناعة،كن راضياً بالحال الذي أنت فيه،وابتغ من فضل الله عزَّ وجل،
ولو تأمّلنا في حياة الناس،تجدون الكثيرين ممن فقدوا القناعة،لا يبالون بأن يأكلوا الربا،ويمنعوا الناس حقوقهم،بأن يأكلوا أموالهم بالباطل، كالذي يأكل ولا يشبع، لا يملأ فاه إلا التراب،
هذا المسكين قد حُرِم الحياة الطيبة،لما غابت القناعة من حياة كثيرٍ من الناس أصبحوا لا يهنأ لهم عيشٌ، ولا تطيب لهم حياة، كما قال ابن الجوزي رحمه الله(من قنع طاب عيشه، ومن طمع طال طيشه)
يكون طائشًا، يخبط خبط عشواء، يضرب ذات اليمين وذات الشمال، لا يدري أين يذهب، فغاية همِّه ومبلغ علمه أن يجمع هذه الدنيا من حلالها وحرامها، ثمَّ يسأله الله سبحانه وتعالى عن كل ريال،من أين اكتسبه،وفيم أنفقه،
بالقناعة تكون حبيباً إلى الله،وحبيبًا إلى الناس(ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس)
هي القناعة فالزمها تعش ملكاً لو لم يكن لك إلا راحة البـدن
فأين من مَلَكَ الدنيا بأجمعهـا هل راح منها بغير القطن والكفن،
هكذا كان السلف الصالح،

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا من الحلال،ويرضينا بالحلال،ويقنعنا بالحلال،ويبعد عنّا الحرام وشبهة الحرام،
اللهم إنا نسألك الحياة الطيبة في الدين والدنيا والآخرة،واجعل قناعتنا في قلوبنا،واجعل الدنيا في أيدينا، ولا تجعلها في قلوبنا، واجعلها عونًا على طاعتك يا رب العالمين،
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك، اللهم اغفر ذنوبنا، وأصلح أعمالنا،ونسأل الله أن يقينا شر الطمع، وأن يرزقنا القناعة،
اللهم آميـن.

الحسيمqtr
13-11-2016, 07:32 PM
جزاكِ الله جنة الفردوس

امـ حمد
13-11-2016, 08:21 PM
جزاكِ الله جنة الفردوس

بارك الله فيك وفي ميزان حسناتك اخوي الحسيم
وجزاك ربي جنة الفردوس