المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الكَافِرِينَ



امـ حمد
08-04-2017, 02:13 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يا بني اركب معنا
لما حانت لحظة الفصل، واستبان الحق مِن الباطل، ركب نبي الله نوح عليه السلام في السفينة، ومَن آمن معه، وتخلف ابنٌ له، فناداه نوحٌ عليه السلام،والسفينة تجري بهم في موجٍ كالجبال،كما قال تعالى﴿ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الكَافِرِينَ،قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ المَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ اليَوْمَ مِنْ أَمر اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا المَوْجُ فَكَانَ مِنَ المُغْرَقِينَ ﴾هود،
قال نوح لأبنه ( وَلَا تَكُنْ مَعَ الكَافِرِينَ)ولم يقل( من الكَافِرِينَ)لأن ابنه كان كافراً ولذلك لم يقل من الكافرين
وقال ( مع الكافرين ) لأنه يريد له الهداية والاسلام فأراد ان لا يهلك مع الكافرين،
فأراد نوح عليه السلام أن ينبهه، مع أي الفريقين يختار أن يكون،معنا أم مع غيرك
كم هي الخسارة التي خسرها هذا الابن، حين أصرَّ على رأيه،واستكبر أَن يركب في قارب النجاة مع المؤمنين،رغم رؤيته الموج الهائل،الذي يقذف الرعب والخوف في قلب الإنسان،عند هيجانه واندفاعه، بحيثُ يصبح سبباً في صدق اللجوء إلى الله عز وجل،والإخلاص في الدعاء،
كما قال تعالى(فَإِذَا رَكِبُوا فِي الفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴾ العنكبوت،
لكن لم يلتفت هذا الابن إلى شيءٍ مِن هذا، وأصرَّ واستكبر، فكانت عاقبته الغرق والهلاك مع الهالكين،
كيف له أن يسعى لهلاكه، وهو يرى الطوفان يحيط بهم من كل مكان،إنها النفوس التي لا تبصر ما يجري حولها وإِن كان صارخاً،إنها الأفئدة التي لا تعتبر بمصائر الآخرين، والعقول التي تثق في المخلوقات ولا تتفكّر في قدرةِ خالقها،فتنظر إلى الجبل وتنسى قدرة خالقه على نسفه نسفاً متى شاء وأراد،فلماذا العقوق والاستكبار،فمتى يفيق ويستيقن الولد من يقين ما يُنذِره به والده،
فأنت وما تعمل إن خيرا فلنفسك، وإن شرًا فعليها﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾فصِّلت،
واسمع إلى الرافعي وهو يقول، المسلم إنسان ممتد بمنافعه في معناه الاجتماعي حول أمته كلها، لا إنسان ضيق مجتمع حول نفسه بهذه المنافع،وهو من غيره في صدق المعاملة الاجتماعية كالتاجر من التاجر،تقول الأمانة لكليهما،لا قيمة لميزانك إلا أن يصدقه ميزان أخيك، ولن يكون الإسلام صحيحاً حتى يجعل حامله مثلاً من نبيه في أخلاق الله،فما هو بشخص يضبط طبيعته،يقهرها مرة وتقهره مراراً،ولكن طبيعة تضبط شخصها فهي قانون وجوده، لا يضطرب من شيء،وكيف يضطرب ومعه الاستقرار،لا يخاف من شيء،وكيف يخاف ومعه الطمأنينة،لا يخشى مخلوقاً،وكيف يخشى ومعه الله،
فاركب سفينة الإسلام ولو كنت وحدك،ولا تنظر لأخلاق المفرطين، ولا حجج اللاهين، فما هي إلا ساعة ونقف جميعاً بين يدي الله عز وجل﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ،وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ،وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ،لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾عبس،
وتتحرَّك عاطفة الأبُوَّة تجاه ابنٍ لا يسمع نصحاً، ولا يقبل توجيهاً ، وينادي الأبُ ابنَهُ في لهفةٍ (يا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا)ويظن الابن أن ما اعتاده من وسائل السلامة ستنجيه هذه المرة قَائلاً(سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء)ويخاطبه الأب في يقين(لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ}، ويلج الابن في غوايته وغروره وتكون النهاية المحزنة(وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِين)
وتتردد هذه الآيات في سمع الزمان تحكي موعظة عظيمة وتروي خبرا بليغا، يتلوها ويعيها قلب المؤمن الفطن فيستلهم منها الدرس الأول أن هذه الحياة لا مكان فيها لمغرور،ولا موضع على ظهرها لمفتون،


فلا بد أن يستجيب اللاحق للسابق إذا استيقن رشده، وعلم صدقه،ويعلم علم يقين أن السلامة قرين الإيمان وأن العطب والهلاك قرين الكفر، وأن الإنسان مهما لجّ في طغيانه واعتصم بحوله وقوته فـلاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ) فلا عاصم في الأمس من أمر الله إلا من رحم،وكذلك في هذا اليوم، وفي غدٍ، ومع تلاطُمِ الفتن وكثرة المزايدين فلا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم،
إن في كل أمة متبعة للحق ثلة قد ركبت سفينة نجاتها، وهي حريصة على كل ما يصلح شأن أمتها تدعو الجميع إلى ما فيه خيرهم في دينهم ودنياهم ،فالجميع بحاجة إلى كل جهد واستغلال كل طاقة والإفادة من كل عطاء شعارهم،نحن بحاجة إليك فضع يدك في أيدينا، وأنت بحاجة إلينا فاركب معنا،
إن سفينة النجاة هي حلمُ كل مُصلِح، وغايةُ كل راعٍ، وهي الوسيلة المُثلَى لاستنقاذ الأمة مما يحدق بها، ولذا قال حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم(مثلُ القائمِ على حدود الله والواقع فيها كمثلِ قومٍ استهَمُوا على سفينةٍ، فأصابَ بعضُهُم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقَوا من الماء مرَّوا على من فوقهم، فقالوا،لو أنَّا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نُؤذِ مَن فوقَنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا)رواه البخاري في صحيح
وإما من مغرور لا يدرك عواقب الأمور يصيح به الراعي فلا يستجيب(لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُون) ظنَّ أنه في معزِلٍ من الهلاك، حتى إذا ادركه الغرق قال،آمنت، فلا ينفع تراجعٌ بعدَ تحقُّق هلاك، كما لا ينفعُ علاجٌ بعد وفاة،

فاللهم ارحمنا فلا نهلك وأنت رجاؤنا.

الحسيمqtr
08-04-2017, 09:17 AM
جزاكِ الله جنة الفردوس

امـ حمد
08-04-2017, 02:24 PM
جزاكِ الله جنة الفردوس

بارك الله فيك وفي ميزان حسناتك اخوي الحسيم
وجزاك ربي جنة الفردوس