المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كيف نفهم القدر!؟



العرابي
20-04-2017, 05:58 AM
*كيف نفهم القدر؟!*

لعل أحد أكثر الأسئلة التي تدور في أذهان المسلم خاصة هو ما يعرف فلسفياً باسم سؤال الشر..
وهو بكل بساطة:

لماذا خلق الله الشر والفقر والمعاناة والحروب والأمراض؟

لماذا يموت الأطفال في سورية؟
لماذا يموت الأطفال جوعا في افريقيا؟
أليس الله هو الرحمن الرحيم؟
فكيف يمتلئ الكون بكل هذه المآسي؟

طبعا سيكون من الرائع لو تمكننا من فهم تلك المتناقضات التي ترهق أرواحنا..
ومع أن هذا يبدو مستحيلا الآن، إلا أن هذا فعلياََ قد حدث قبل ثلاثة وثلاثين قرنا من الآن!
كيف؟
كان نبي الله موسى لديه كما لدينا الكثير من الأسئلة المحيرة له، ليس أقلها رؤية الله (رب أرني أنظر إليك.. ) لكن الأهم على ما يبدو وموضوعنا اليوم هو عندما سأل موسى ربه عن القدر.. وكيف يعمل ..
وهي بالذات عين أسئلتنا اليوم..
فطلب منه الله عز وجل أن يلاقي الخضر عليه السلام..
والحقيقة التي يجب أن تٌذكر هنا أن الأدبيات الإسلامية تٌسَطِّح مفهوم الخضر وتختزله في صفة ولي من أولياء الله.. في حين أن الحقيقة؛ أن الخضر عليه السلام مثال لمن ينفذ الله أقداره على أيديهم
.. والجميل أن هذا القدر يتكلم..
لذلك نحن الآن سنقرأ حوارا بين نبي(بَشَر) مثلنا تماما.. لديه نفس أسئلتنا.. وبين قدر الله المتكلم..
ولنقرأ هذا الحوار من زاوية جديدة..
أول جزء في الحوار كان وصف هذا القدر المتكلم ..
آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما..
أي أنه قدر رحيم وعليم.. وهذا أصل مهم جدا..
ثم يقول سيدنا موسى عليه السلام وهو (بشر)..
"هل أَتَّبِعُكَ على أن تُعَلِّمَنِي مما عُلِّمْتَ رُشْدَا"..
فيرد القدر...: "إنَّكَ لن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرَا وكيف تَصْبرُ على ما لم تُحِطْ به خُبْرَا"
جواب جوهري جداً ...
فهم أقدار الله فوق إمكانيات عقلك البشري...
ولن تصبر على التناقضات التي تراها...
فيرد موسى عليه السلام بكل فضول البشر... :
"ستجدني إِنْ شَاءَ اللهُ صَاِبراً ولا أَعْصِي لَكَ أمرا".
ويرد القدر : "فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا"..
ويمضي الرجلان.. ويركبا في قارب لمساكين يعملون في البحر.. ويقوم الخضر بخرق القارب.. وواضح تماما أن أصحاب المركب عانوا كثيراً من فعلة الخضر..
لأن موسى تساءل بقوة وبتعجب عن هذا الشر الظاهر كما نتساءل نحن.. "أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا.. لقد جِئْتَ شَيْئَا إمرا"..
عتاب للقدر تماما كما نفعل ..
أجعلتني بلا مال كي أعيش محتاجاً؟!
أتركتني مريضاً كي أعاني؟!
أخلقتني بلا ذرية كي أشعر بحاجةٍ؟!
أتركتني عاطلاً كي أبقى مُحرجاً؟!
أفصلتني من عملي كي أصبح فقيراً؟
أابتليتني بفتن البنين والبنات كي تشمت بي الناس؟
نفس الأسئلة.. يسكت الخضر ويمضي..
طبعا الشاهد الأساسي هنا أن أصحاب المركب عانوا أشد المعاناة.. وكادوا أن يغرقوا.. وتعطلت مصلحتهم وباب رزقهم.. لكن ما لبثوا أن عرفوا بعد ذهاب الخضر ومجىء الملك الظالم أن خرق القارب كان شراً مفيداً لهم.. لأن الملك لم يأخذ القارب غصبا..
نكمل..
موسى لا زال في حيرته..
لكنه يسير مع الرجل (القدر) الذي يؤكد لموسى.. "ألم أقل لك أنك لن تستطيع معي صبرا؟"
ألم أقل لك يا إنسان أنك أقل من أن تفهم الأقدار..
يمضي الرجلان..
ويقوم الخضر الذي وصفناه بالرحمة والعلم بقتل الغلام !
ويمضي..
فيغضب موسى عليه السلام.. ويعاتب بلهجة أشد.. :
"أَقَتَلْتَ نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا"...
تحول من إمراً إلى نُكراً...!
والكلام صادر عن نبي أوحي إليه.. لكنه بشر مثلنا.. ويعيش نفس حيرتنا..
يؤكد له الخضر مرة أخرى "ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا".. طبعا هنا أصل مهم..
وهو أننا كمسلمون قرأنا القرآن، ننظر إلى الصورة من فوق..
فنحن نعرف أن الخضر فعل ذلك لأن هذا الغلام كان سيكون سيئا مع أمه وأبيه.. "وكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفرا".. والسؤال...
هل عَرَفت أم الفتى بذلك؟
هل أخبرها الخضر؟...
الجواب لا بالتأكيد ...
قلبها انفطر وأمضت الليالي الطويلة حزناً على هذا الفتى الذي ربته سنينا في حجرها ليأتي رجل غريب يقتله ويمضي..
وبالتأكيد.. هي لم تستطع أبداً أن تعرف أن الطفل الثاني كان تعويضا عن الأول.. وأن الأول كان سيكون سيئا..
فهنا نحن أمام شر مستطير حدث للأم.. ولم تستطع تفسيره أبداً..
ثم يصل موسى والخضر إلى القرية.. فيبني الجدار ليحمي كنز اليتامى.. هل اليتامى أبناء الرجل الصالح عرفوا أن الجدار كان سَيُهدم؟
الجواب لا..
هل عرفوا أن الله أرسل لهم من يبنيه؟ الجواب لا..
هل شاهدوا لطف الله الخفي ؟الجواب قطعاً لا..
هل فهم موسى السر من بناء الجدار؟
لا.......
ثم مضى الخضر..
القدر المتكلم..
بعد أن شرح لموسى ولنا جميعا كيف يعمل القدر والذي يمكن تلخيصه ببساطة كالآتي :
الشر شيء نسبي..
ومفهوم الشر عندنا كبشر مفهوم قاصر لأننا لا نرى الصورة كاملة، فما بدا شراً لأصحاب المركب اتضح أنه خير لهم..
وهذا أول نوع من القدر..
شر تراه فتحسبه شراً.. فيكشف الله لك أنه كان خيراً..
وهذا نراه كثيراً .....

النوع الثاني مثل قتل الغلام...
شر تراه فتحسبه شراً.. لكنه في الحقيقة خير.. ولا يكشف الله لك ذلك فتعيش عمرك وأنت تعتقد أنه شر.. مثل قتل الغلام..
لم تعرف أمه أبداً لماذا قٌتل......

النوع الثالث وهو الأهم..
هو الشر الذي يصرفه الله عنك دون أن تدري..
لطف الله الخفي..
الخير الذي يسوقه إليك..
مثل بناء الجدار لأيتام الرجل الصالح..

فالخلاصة إذن..

أننا يجب أن نقتنع بكلمة الخضر الأولى "إنك لن تستطيع معي صبرا" لن تستطيع يا ابن آدم مهما اجتهدت أن تفهم أقدار الله..
الصورة أكبر من عقلك..
قد تعيش وتموت وأنت تعتقد أنك تعرضت لظلم في جزئية معينة.. لكن الحقيقة هي غير ذلك تماماً..
الله قد حماك منها..
مثال بسيط..
أنت ذو بنية ضعيفة...
وتقول أن الله حرمني من الجسد القوي.. أليس من الممكن أن شخصيتك متسلطة، ولو كنت مٌنحت القوة لكنت افتريت على الناس؟

حرمك الله المال..
أليس من الممكن أن تكون من الذين يٌفتنون بالمال وكانت نهايتك ستكون وخيمة؟

التي حرمها الله الجمال..
أليس من الممكن انها ذات شخصية استعراضية.. ولو كان منحها الله الجمال لكان أكبر فتنة لها؟
لماذا دائما ننظر للجانب السلبي للأشياء ؟ ونقول فقط حرمنا الله ؟!

الخلاصة والفائدة
-------------
استعن بلطف الله الخفي لتصبر على أقداره التي لا تفهمهما..
وقل في نفسك..
أنا لا أفهم أقدار الله..
لكنني متسق مع ذاتي ومتصالح مع حقيقة أنني لا أفهمها..
لكنني موقن كما الراسخون في العلم أنه كل من عند ربنا..
إذا وصلت إلى هذه المرحلة.. ستصل لأعلى مراحل الإيمان.. *الطمأنينة*..
وهذه هي الحالة التي لا يهتز فيها الإنسان لأي من أقدار الله..
خيراً بدت أم شراً..
ويحمد الله في كل حال.. حينها فقط، سينطبق عليك قول الله عز وجل "يا أيتها النفس المطمئنة" حتى يقول... "وادخلي جنتي"

ولاحظ هنا أنه لم يذكر للنفس المطمنئة لا حساباََ ولا عذاباً.

نفعنا الله وإياكم بما نقول ونسمع والحمد لله رب العالمين ....

منقول ...

عابر سبيل
20-04-2017, 07:55 AM
شكرا جزيلا و جزاك الله خير..
نقل موفق و قرائة متميزة..

مع تحفظي على ما نحى له الكاتب في الجدال
حول "كنه" سيدنا الخضر..عليه السلام..

و يا حبذا..اخي العرابي..
ومن امانة النقل و ابتعادا عن اي جدل
ان تذكر(ان امكن) اسم الكاتب او مصدر النقل..
لمن احب ان يستفيض مع الكاتب/المصدر في نقاش
حول جزء..او اجزاء من المقال..

عموما...
مسألة الشر.. و الشر المطلق
تجد ان الشيخ/النابلسي (حفظه الله)
مر و يمر عليها في عدد من محاضراته و دروسه..
و عدد من العلماء..خاصة علماء التفسير..

فالافضل للمرء..عند هذه الجزئيات الدقيقة
ان لا يخوض فيها ولا يستقيها الا من خلال مصادر و علماء
معروفين و ثقات... حتى لا يقع في محظور "عقدي"
دون ان يشعر و هو لا يعلم.

nooora
20-04-2017, 08:27 AM
يعطيك العافيه العرابي مقال جميل الله يعطيك العافيه
واشكر عابر السبيل على نقطة ذكرها ف المشاركة

MAZEN37
20-04-2017, 11:06 AM
اقدارنا مكتوبه .... فلنعش بهدوء

jeep-srt8
21-04-2017, 12:29 PM
جزاك الله خير ياصديقي

فعلا كم نحن متسرعون في الحكم

استغفر الله العظيم سبحانك اني كنت من الظالمين

سالم الزهران
21-04-2017, 01:25 PM
جوزيت خيراً يا عرابي و سلمت و يسر الله لك امورك وامورنا وامور المسلمين في هذه الساعة التي ارجو ان تكون ساعة استجابة... نقل ممتع تشكر عليه

طلعة الروح
26-04-2017, 09:14 PM
طبيعة الانسان انه يبحث عن ما يحتاجه او يظن من باب الظن انه محتاجه حتى لو كان مب ناقصه شي وحتى لو كان من باب الكماليات.

بوخالد911
26-04-2017, 09:17 PM
انا كل شيء خلقناه بقدر.