abo rashid
28-09-2006, 05:44 PM
قال الله تبارك وتعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ العَالَمِين. قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِين. قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْمَعُون. قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوْلِين. قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمْ الذِّي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُون. قَالَ رَبُّ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُون} (الشعراء/23-28) يذكر الله تعالى ما كان بين موسى وفرعون من المقاولة والمحاجة والمناظرة, وما أقامه الكليم على فرعون اللئيم من الحجة العقلية المعنوية ثم الحسية, وذلك أن فرعون قبحه الله أظهر جحد الخالق تبارك وتعالى وزعم أنه الإله {فَحَشَرَ فَنَادَى. فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلى} (النازعات/23) وقال {يَا أَيُّهَا المَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}(القصص/38) وهو في هذه المقالة معاند يعلم أنه عبد مربوب وأن الله هو الخالق البارئ المصور الإله الحق كما قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُواً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُفْسِدِين} (النمل/14) ولهذا قال لموسى عليه الصلاة والسلام على سبيل الإنكار لرسالته وإظهار أنه ما ثم رب أرسله {وَمَا رَبُّ العَالَمِين} لأنهما قالا له {إِنَّا رَسُولُ رَبِّ العَالَمِين} فكأنه يقول لهما: ومن رب العالمين الذي تزعمان أنه أرسلكما وابتعثكما, فأجابه موسى قائلا: {رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} أي خالق جميع ذلك ومالكه والمتصرف فيه وإلهه لا شريك له هو الله الذي خلق الأشياء كلها العالم العلوي وما فيه من الكواكب النيرات الثوابت والسيارات, والعالم السفلي وما فيه من بحار وأنهار وقفار وجبال وأشجار وحيوانات ونبات وثمار وما بين ذلك من الهواء والطير والسحاب المسخر والرياح والمطر وما يحتوي عليه الجو وغير ذلك من المخلوقات التي يعلم كل موقن أنها لم تحدث بأنفسها ولا بد لها من موجد ومحدث وخالق وهو الله الذي لا إله إلا هو رب العالمين, الجميع مذللون مسخرون وعبيد له خاضعون ذليلون {إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِين} أي إن كانت لكم قلوب موقنة وأبصار نافذة {قَال} أي فرعون {لمِنَ ْحَوْلَه} من أمرائه ومرازبته وكبرائه ورؤساء دولته على سبيل التهكم والتنقص والاستهزاء والتكذيب لموسى عليه الصلاة والسلام فيما قاله {أَلا تَسْتَمِعُون} أي ألا تعجبون من هذا في زعمه أن لكم إلها غيري, فقال لهم موسى: {رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوْلِين} أي هو الذي خلقكم والذين من قبلكم من الآباء والأجداد والقرون السالفة في الآباد فإن كل واحد يعلم أنه لم يخلق نفسه ولا أبوه ولا أمه ولم يحدث من غير محدث, وإنما أوجده وخلقه رب العالمين, وهذان المقامان هما المذكوران في قوله تعالى: {سَنِرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَق}(فصلت/53) ومع هذا كله لم يستفق فرعون من رقدته ولا نزع عن ضلالته بل استمر على طغيانه وعناده وكفرانه { قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمْ الذِّي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُون }(الشعراء/27) أي ليس له عقل في دعواه أن ثم رب غيري. {قَال} أي موسى لأولئك الذين أوعز إليهم فرعون ما أوعز من الشبه فأجاب موسى عليه السلام بقوله { قَالَ رَبُّ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُون } أي هو الذي جعل المشرق مشرقا تطلع منه الكواكب, والمغرب مغربا تغرب فيه الكواكب ثوابتها وسياراتها مع هذا النظام الذي سخرها فيه وقدرها وهو الله لا إله إلا هو خالق الظلام والضياء ورب الأرض والسماء رب الأولين والآخرين, خالق الشمس والقمر والكواكب السيارة والثوابت الحائرة, خالق الليل بظلامه والنهار بضيائه والكل تحت قهره وتسخيره وتسييره سائرون وكل في فلك يسبحون, ويتعاقبون في سائر الأوقات ويدورون, فهو تعالى الخالق المالك المتصرف في خلقه بما يشاء. فإن كان هذا يزعم أنه ربكم وإلهكم صادقا فليعكس الأمر وليجعل المشرق مغربا والمغرب مشرقا, والثابت سائرا والسائر ثابتا كما قال تعالى عن الذي حاج إبراهيم في ربه في الآية السابقة. ولما قامت الحجج على فرعون وذهبت شبهه وغلب وانقطعت حجته ولم يبق له قول سوى العناد عدل إلى استعمال جاهه وقوته وسلطانه وسطوته, واعتقد أن ذلك نافعا له ونافذا في موسى عليه الصلاة والسلام فقال وظن أنه ليس وراء هذا المقام مقال {قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ المَسْجُونِين}(الشعراء/29) إلى آخر ما قص الله عز وجل عنه, حتى قصمه الله تعالى قاصم الجبابرة وأخذه أخذ عزيز مقتدر .
ومناظرة الرسل لأعداء الله في الباب يطول ذكرها ومقامات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مع هذه الأمة أشهر من أن تذكر, فمن شاءها فليقرأ المصحف من فاتحته إلى خاتمته, إلا أن أمته لم يكن فيهم من يجحد الخالق, بل هم مقرون به وربوبيته, غير أنهم لم يقدروه حق قدره بل عبدوا معه غيره, ولهذا قال تعالى في شأنهم {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ الله}(لقمان/25 والزمر/38) {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مُوْتِهَا لَيَقُولُنَّ الله}(العنكبوت/63), {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله} (الزخرف/9) إلى غير ذلك من الآيات كما سيأتي بسطه إن شاء الله تعالى .
ومناظرة الرسل لأعداء الله في الباب يطول ذكرها ومقامات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مع هذه الأمة أشهر من أن تذكر, فمن شاءها فليقرأ المصحف من فاتحته إلى خاتمته, إلا أن أمته لم يكن فيهم من يجحد الخالق, بل هم مقرون به وربوبيته, غير أنهم لم يقدروه حق قدره بل عبدوا معه غيره, ولهذا قال تعالى في شأنهم {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ الله}(لقمان/25 والزمر/38) {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مُوْتِهَا لَيَقُولُنَّ الله}(العنكبوت/63), {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله} (الزخرف/9) إلى غير ذلك من الآيات كما سيأتي بسطه إن شاء الله تعالى .