المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التكيف الاقتصادي الكويتي



مغروور قطر
24-10-2006, 08:17 AM
التكيف الاقتصادي الكويتي


عامر ذياب التميمي


هل يمكن أن يتكيف الاقتصاد الكويتي مع متطلبات اعادة الهيكلة وتحرير أكبر عدد من المؤسسات والهيئات من ملكية الدولة، واعادة النظر بأنظمة الرفاة الاجتماعي ووقف كل أشكال الدعم الحكومي لمختلف الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية؟ وقد لا يكون الأمر يسيراً أو متيسراً في ظل التوجهات السياسية القائمة في البلاد والتي لا تزال ترفض، أو على الأقل تقاوم أي عملية اصلاح اقتصادي ترتفع فيها التكاليف الاجتماعية والسياسية، لكن هل يمكن أن تستمر الحال في البلاد على ما هي عليه من انفاق جار متسارع قد يصل خلال فترة وجيزة إلى ما يزيد على العشرة مليارات دينار كويتي؟ وتؤكد بيانات الموازنة العامة المعلنة أن السيطرة على حجم الانفاق العام، خصوصاً في جانبه الجاري، تكاد تكون معدومة نتيجة لارتفاع المطالب الاجتماعية وازدياد أعداد السكان من دون تنظيم، سواء بين الوافدين أو المواطنين وإذا كانت أسعار النفط الحالية تؤدي إلى ارتفاع ايرادات البلاد من بيع النفط وتحقيق فائض مالي مهم إلا أن ذلك لا يمكن التعويل عليه على الأمدين المتوسط والطويل حيث ان تلك الأسعار مرهونة بمتغيرات اقتصادية دولية يمكن أن تؤثر عليها سلباً أو ايجاباً.

بيد ان مسألة التكيف تستدعي تفهماً مجتمعياً في شأن قضية الاصلاح الاقتصادي بحيث يسعى السياسيون والنخبة المجتمعية ورجال الأعمال والقيادات العمالية إلى تفهم مصالح البلاد على الأمد الطويل ومن خلال منظور استراتيجي.. أي ان المطلوب هو عدم التعويل على ايرادات النفط لمواجهة التزامات البلاد من دون اهمال للتنمية ومسارها المتوازن..

إن توازن عملية التنمية يفترض قيام الدولة بتطوير القدرات البشرية من خلال برامج التعليم والتدريب ونقل التكنولوجيا الحديثة وتعزيز دور العمالة الوطنية في مختلف القطاعات الاقتصادية، ولا يعقل ان يستمر القطاع الخاص الكويتي في الاعتماد على العمالة الوافدة في كافة الأعمال تقريباً وبنسبة تكاد تصل إلى 98 في المائة من جملة عمالته بما يعني ان برنامج دعم العمالة الوطنية مازال ضعيف التأثير في توجه العمالة الوطنية لمؤسسات القطاع الخاص، ولا شك أن، الاشكالية هنا لا ترتبط بسياسات التوظيف لدى القطاع الخاص فقط، ولكن أيضاً، بطبيعة المخرجات الوطنية من أنظمة التعليم السائدة وبطبيعة التكنولوجيا المستخدمة في مؤسسات القطاع الخاص وأنماط الأعمال التي يضطلع بها القطاع الخاص وأخيراً هيمنة الدولة على القطاعات الأساسية.

وإذا كانت عملية توظيف العمالة الوطنية من أهم معوقات الاصلاح الهيكلي في الكويت فإنها تتطلب أكثر المعالجات جدية، أي ان نظام التعليم برمته يتطلب مواجهة ساخنة من المسؤولين المهتمين بالتنمية والمتخصصين في الأنظمة التعليمية من أجل صياغة برامج التغيير بما يتواءم مع متغيرات الاقتصاد العالمي وتطويع الاقتصاد الوطني للتواؤم مع تلك المتغيرات..

ان مخرجات التعليم لم تعد سوى أعداد لا تمثل حضوراً انتاجياً أو ابداعاً فنياً في أغلب الأحوال، وهي لذلك ستظل عبئاً على الدولة ما لم يتم تحويل هذه المخرجات إلى كفاءات في مختلف مؤسسات القطاعين الخاص والعام، وتساعد على تخفيض الاعتماد على العمالة الوافدة خلال السنوات المقبلة. وهنا لابد من التأكيد على أن تطوير كفاءة العمالة الوطنية يجب أن يواكب برامج التخصيص وعمليات نقل الملكية من القطاع العام إلى القطاع الخاص.أيضاً في مسألة التكيف هناك موضوع السلوك الاستهلاكي بين المواطنين، لقد استمتع الكويتيون على مدى أكثر من نصف قرن بدعم غير محدود من قبل الدولة للأنماط الاستهلاكية التي وجدت بعد عصر النفط حيث توفر الدولة للمواطنين المساكن والمتطلبات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والهاتف بأسعار دون تكلفة انتاجها وهناك دعم للسلع الغذائية ومواد البناء.

كما ان استيفاء حقوق الدولة يظل موضع مراوحة سياسية وأحياناً تسقط هذه الحقوق كما حدث مؤخراً بشأن فواتير الكهرباء والمياه.

وهكذا تصبح هذه قضية أساسية بحيث لابد من التأكيد على المواطنين أن عليهم أن يكيفوا أحوالهم لمواجهة التزامات الاستهلاك والخدمات مما يدفعهم إلى ترشيد السلوكيات بما يتوافق مع امكانيات كل مواطن.

وغني عن البيان أن تغيير الأنماط الاستهلاكية ليس من الأمور اليسيرة لأن ذلك من السلوك الانساني الذي يتطلب استيعاباً لحقائق حياة جديدة تفرضها سياسات ونظم.



* باحث اقتصادي كويتي