العبيـدلي
28-10-2006, 01:34 AM
تعاون المصارف الإسلامية على اختلاف استراتيجياتها يحقق المصلحة لجميع الاطراف
يواصل «البيان الاقتصادي» استعراض تفاصيل الدراسة التي أعدها الدكتور أحمد سالم محمد الباحث في وزارة المالية المصرية، والتي ركزت الحلقة الأولى منها على العلاقات الحالية بين البنوك الإسلامية والتقليدية، إذ أكد فيها على أن البنوك المركزية تحمي استقرار المصارف مالياً وتساير أوضاعها مع الاقتصاد، ومشيراً إلى ان البنوك بطبيعة الحال تجنب بالقدر المناسب مخصصاتها لمواجهة احتمالات تعثر المقترضين، كما أن التشريعات المصرفية تشدد الرقابة على البنوك بمتابعة أرصدتها المدينة والدائنة.
في حين ركزت الحلقة الثانية منه على أسس وقواعد تطوير التعاون بين البنوك الإسلامية والتقليدية على الأسس الإسلامية، إذ أشار الباحث إلى ضرورة مشاركة المصارف الإسلامية للتقليدية ليصب في مصلحة مشتركة بينهما وحماية الاقتصاد، وضرورة مقارنة التكلفة بالعائد في مفاضلة أسواق المال بالنسبة للشركات أو منشآت القطاع الخاص، كما أن البنوك تتعاون في تسيير عثرات المقترضين لإنعاش مشروعاتهم التجارية.
وفي حلقة اليوم والأخيرة يركز الباحث على المعاملات الدولية بين الدول المتقدمة والنامية في مجال التعاون بين البنوك الإسلامية والأجنبية، من خلال أسعار الفائدة والقوة الشرائية للعملات الآجلة، وفيما يلي نص الدراسة:
التعاون فيما بين البنوك الإسلامية والبنوك الأجنبية
انتشرت في المعاملات الدولية فيما بين الدول المتقدمة والدول النامية القروض السلعية وتسهيلات الموردين التي توفرها الدول المتقدمة بمعاونة هيئات وبنوك تنمية الصادرات، ولا تكون هذه القروض عادة في شكل نقدي أي أنها ليست تبادل نقود بنقود ـ وإنما هي بيع سلع مقابل سداد قيمتها على آجال ومع تيسيرات في تكلفة التمويل.
وفي آجال السداد، وعادة ما تكون تكلفة التمويل وإن سميت بفائدة دون هامش الربح المتولد عن النشاط بل تشترط البنوك والصناديق التنموية عادة التحقق مسبقاً من الجدوى الفنية والاقتصادية للمشروعات محل التمويل، بل قد يكون سعر الفائدة دون هامش الربح في عقود المرابحة أو عقود الإجارة أو البيع الآجل مع تقسيط الثمن، ولآجال قد تكون أطول من بعض البنوك الإسلامية.
وخاصة إذا كان التمويل متعلقاً بمشروعات اجتماعية أو بيئية أو بمرافق عامة أو بمشروعات تتوافر معداتها وتجهيزاتها بدول متقدمة لديها طاقات إنتاجية فائضة ـ فهل تعتبر تكلفة التمويل ربا لمجرد تغيير مسميات العقود ومسميات تكاليف التمويل. وإذا أخذنا في الاعتبار أن الدول المصدرة تكون حريصة على توفير شروط ميسرة في السداد كأحد عناصر المنافسة الدولية وكوسيلة لتشغيل طاقاتها الإنتاجية والحد من الكساد والبطالة وتحقيق الإنعاش الاقتصادي.
وفي نفس الوقت لتوفير طلب فعال من الدول النامية على إنتاجها ـ من خلال ما تقدمه الحكومات من دعم في شروط وأعباء السداد بطريق مباشر أو غير مباشر بواسطة هيئات وبنوك تنمية الصادرات الأجنبية ـ فهل تمتنع البنوك الإسلامية عن الوساطة والتعاون مع البنوك الأجنبية في مجال الاستفادة من التسهيلات الائتمانية اللازمة لدعم النمو الاقتصادي والاجتماعي للشعوب الإسلامية لمجرد تغيير أشكال ومسميات العقود بإحلال كلمة الفائدة محل كلمات هامش الربح أو العائد أو الإيجار ـ وبالرغم مما تقضى به القاعدة الشرعية من الإباحة في المنافع والتحريم في المضار وبالرغم من انتفاء الظلم والاستغلال.
وإذا كانت القوة الشرائية للعملات حتى في الدول المتقدمة قابلة للهبوط نسبياً في الأجل المتوسط والطويل وبدرجة كبيرة في الدول الإسلامية النامية، وكان سعر الفائدة يعوض جزئياً معدل الهبوط في القوة الشرائية للعملات فيما بين تواريخ البيع وتواريخ سداد الثمن المؤجل ـ فهل تعتبر الفائدة في هذه الحالة ربا أم تعويضاً عن النقص في القوة الشرائية للنقود وخاصة إذا كان الإقراض.
مستنداً إلى دراسة جدوى فنية واقتصادية ثبت منها قدرة المشروع محل التمويل على الوفاء بأعباء خدمة القرض من عوائده بعد فترة السماح التي تسمح بها هذه القروض ـ فضلاً عن أهمية تجنب الظلم في العلاقات التمويلية فيما بين المقرض والمقترض إذا ما هبطت القوة الشرائية للنقود الورقية فيما بين تاريخ الإقراض وتاريخ السداد بما يتفق والآية الكريمة «فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلِمون
ولا تٌظلمون»(سورة البقرة ـ الآية 279) والعبرة في التفسير الموضوعي وليس الشكلي للآية الكريمة هي بالقوة الشرائية لرؤوس الأموال وليس بالقيمة الاسمية للنقود الورقية.
وإذا كانت ظاهرة هبوط القوة الشرائية للنقود ظاهرة عامة نسبياً، وإذا كانت حكومات الدول المتقدمة حريصة على تجنب ظواهر الكساد والطاقات العاطلة والبطالة، وكان معدل التضخم والهبوط في القوة الشرائية للنقود في الدول الإسلامية النامية يفوق في بعضها أضعافاً مضاعفة الهبوط في القوة الشرائية للنقود في الدول المتقدمة.
وكان سعر الفائدة يعالج في جانب منه أثر الهبوط في القوة الشرائية للنقود الورقية التي تصدرها البنوك المركزية، وفي جانب آخر منه تكلفة خدمة هذه القروض مما يدخل في مفهوم رسم الخدمة في البنوك الإسلامية وكانت أعباء خدمة القرض مشتقة من ربح ونماء وكان التعامل في مجال البيع الذى نص عليه القرآن الكريم بمعنى أنشطة الأعمال التي تخضع للقانون التجاري وليس للقانون المدني ـ فهل يعتبر ذلك ربا؟ ـ وهو لم يَرْبُ في أموال الناس بالباطل ولا يتعارض مع قوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم». (سورة النساء ـ الآية 29).
وإذا كان التطور الحديث في نظم وتكنولوجيات الإنتاج قد أسفر عن تضخم حجم المشروعات وتحولها إلى مجمعات إنتاجية كبيرة وشركات متعددة الجنسية قادرة على السيطرة والتحكم على المستوى الدولي وعلى تحمل النفقات الضخمة للبحوث والتطوير وعلى مواجهة المنافسة الاقتصادية والتكنولوجية الدولية التي أسفر عنها تحرير التجارة الدولية ـ وتزايدت تبعاً لذلك الحاجة إلى التمويل بأساليبه وصوره المختلفة.
وانقسمت الدول في هذا المجال بصفة عامة إلى مجموعتين : مجموعة دول متقدمة تتمتع بالفوائض في مدخراتها وفي موازين مدفوعاتها وموازينها التجارية في المعاملات الدولية، ومجموعة دول نامية تعانى من هبوط في مستويات دخولها ومن قصور في مدخراتها ومن عجز مطرد في موازين مدفوعاتها وموازينها التجارية ومن عجز مالي في موازنات حكوماتها ـ مما لا يجعل أمامها بديلاً عن الاقتراض من الدول صاحبة الفوائض أو صاحبة الفوائض والتكنولوجيا ـ لإمكان استغلال مواردها الطبيعية والبشرية.
وتحقيق العمران والنماء للبلاد وللعباد، ولتخرج بذلك من الحلقة المفرغة للفقر والعجز المرحل وتزايد الدين العام ولتدخل في مراحل الانطلاق في النمو ـ فهل عمليات الوساطة المالية العادلة فيما بين البنوك والحكومات في الدول الإسلامية النامية وبين البنوك والحكومات في الدول المتقدمة إذا استخدمت الأموال استخداماً رشيداً يحقق التنمية ويكفل سداد أعباء التمويل ويسهم في عمران البلاد واغتناء العباد يعتبر حراماً ؟
وإذا كانت الدول المتقدمة قد أدركت أهمية الارتفاع بالقوة الشرائية للدول النامية لتحقيق مصالح الدول المتقدمة ذاتها في تصريف إنتاجها الوفير ولتحجيم نوبات الكساد والبطالة ـ فقامت الدول الغنية بإقامة بنوك للتصدير مع توفير نظم وبرامج للقروض الميسرة ولضمان مخاطر الائتمان وللمساعدات شملت قروضاً سلعية ميسرة مع فترات سماح وفوائد مخفضة تتناسب والظروف والإمكانيات الاقتصادية للدول الفقيرة النامية.
كذلك فقد سعت من ناحية أخرى في مجال المنافسة الدولية إلى توفير تسهيلات في الدفع من خلال بنوك وهيئات تنمية الصادرات شملت بصفة أساسية نظم تسهيلات الموردين حيث يقوم المنتج بقبض ثمن إنتاجه وتقوم المنظمات والبنوك المسؤولة عن تنمية الصادرات بتوفير التسهيلات الائتمانية للدول النامية المستفيدة من هذا الإنتاج ـ فهلا تتعاون البنوك الإسلامية والبنوك التقليدية في إفادة شعوب الدول الإسلامية النامية من مثل هذه التسهيلات؟
وإذا كانت الدول النامية تستهدف الارتفاع بمستوى مرافقها وخدماتها ودعم قدراتها الإنتاجية لاستغلال مواردها الطبيعية والبشرية العاطلة توقياً لما تعانيه من فقر وعوز ـ وسعت لذلك للحصول على قروض ميسرة وتسهيلات في شروط وأعباء وآجال السداد من الدول المتقدمة ـ فهل تمتنع البنوك الإسلامية عن التعاون مع البنوك التقليدية ومع الحكومات في هذه الدول في مجال الاستفادة من القروض الأجنبية الميسرة؟ ـ وخاصة وأن التشريعات وسياسات الحكومات والبنوك المركزية في بعض الدول الإسلامية النامية تذهب إلى إعطاء الأولوية للقروض الميسرة قياساً بشروط وآجال وأعباء التمويل.
كما تراقب السلطات النقدية بالحكومات والمجالس النيابية والبنوك المركزية مدى ملائمة شروط الاقتراض حرصاً على الوفاء بتكاليف وأعباء التمويل أياً كانت مسميات اتفاقات وعقود التمويل ـ حيث تقضي دساتير بعض الدول الإسلامية بعدم جواز عقد القروض قبل تصديق المجالس النيابية وخاصة بالنسبة للقروض الخارجية، فضلاً عن أن شروط المنظمات الدولية في سياسات الإصلاح الاقتصادي الهيكلي للدول المدينة تتطلب مراعاة ذلك. فالعبرة إذن في التمويل المصرفي هي بالمعايير الموضوعية دون الوقوف عند شكل أو مسمى عقد أو اتفاق التمويل بهدف التحقق من التوازن والتناسب فيما بين أعباء وتكاليف التمويل خلال فترة السداد وبين ربحية وعوائد الأعمال والمشروعات محل التمويل.
وإذا كان الوضع الاقتصادي العالمي فد بلغ مرحلة تذهب فيها بعض الدول الغنية إلى حد إقالة الدول المعسرة بإبرائها مما عليها من ديون كلياً أو جزئياً أو بتقرير فترات سماح وجدولة سداد باقي ديونها بمراعاة قدراتها على الوفاء (كما هو الحال في بعض الاتفاقيات العربية وفي نادي باريس بالنسبة لمصر) ـ فهلا تتفق مثل هذه التيسيرات مع الآية الكريمة «وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة» (سورة البقرة ـ الآية 280)
يواصل «البيان الاقتصادي» استعراض تفاصيل الدراسة التي أعدها الدكتور أحمد سالم محمد الباحث في وزارة المالية المصرية، والتي ركزت الحلقة الأولى منها على العلاقات الحالية بين البنوك الإسلامية والتقليدية، إذ أكد فيها على أن البنوك المركزية تحمي استقرار المصارف مالياً وتساير أوضاعها مع الاقتصاد، ومشيراً إلى ان البنوك بطبيعة الحال تجنب بالقدر المناسب مخصصاتها لمواجهة احتمالات تعثر المقترضين، كما أن التشريعات المصرفية تشدد الرقابة على البنوك بمتابعة أرصدتها المدينة والدائنة.
في حين ركزت الحلقة الثانية منه على أسس وقواعد تطوير التعاون بين البنوك الإسلامية والتقليدية على الأسس الإسلامية، إذ أشار الباحث إلى ضرورة مشاركة المصارف الإسلامية للتقليدية ليصب في مصلحة مشتركة بينهما وحماية الاقتصاد، وضرورة مقارنة التكلفة بالعائد في مفاضلة أسواق المال بالنسبة للشركات أو منشآت القطاع الخاص، كما أن البنوك تتعاون في تسيير عثرات المقترضين لإنعاش مشروعاتهم التجارية.
وفي حلقة اليوم والأخيرة يركز الباحث على المعاملات الدولية بين الدول المتقدمة والنامية في مجال التعاون بين البنوك الإسلامية والأجنبية، من خلال أسعار الفائدة والقوة الشرائية للعملات الآجلة، وفيما يلي نص الدراسة:
التعاون فيما بين البنوك الإسلامية والبنوك الأجنبية
انتشرت في المعاملات الدولية فيما بين الدول المتقدمة والدول النامية القروض السلعية وتسهيلات الموردين التي توفرها الدول المتقدمة بمعاونة هيئات وبنوك تنمية الصادرات، ولا تكون هذه القروض عادة في شكل نقدي أي أنها ليست تبادل نقود بنقود ـ وإنما هي بيع سلع مقابل سداد قيمتها على آجال ومع تيسيرات في تكلفة التمويل.
وفي آجال السداد، وعادة ما تكون تكلفة التمويل وإن سميت بفائدة دون هامش الربح المتولد عن النشاط بل تشترط البنوك والصناديق التنموية عادة التحقق مسبقاً من الجدوى الفنية والاقتصادية للمشروعات محل التمويل، بل قد يكون سعر الفائدة دون هامش الربح في عقود المرابحة أو عقود الإجارة أو البيع الآجل مع تقسيط الثمن، ولآجال قد تكون أطول من بعض البنوك الإسلامية.
وخاصة إذا كان التمويل متعلقاً بمشروعات اجتماعية أو بيئية أو بمرافق عامة أو بمشروعات تتوافر معداتها وتجهيزاتها بدول متقدمة لديها طاقات إنتاجية فائضة ـ فهل تعتبر تكلفة التمويل ربا لمجرد تغيير مسميات العقود ومسميات تكاليف التمويل. وإذا أخذنا في الاعتبار أن الدول المصدرة تكون حريصة على توفير شروط ميسرة في السداد كأحد عناصر المنافسة الدولية وكوسيلة لتشغيل طاقاتها الإنتاجية والحد من الكساد والبطالة وتحقيق الإنعاش الاقتصادي.
وفي نفس الوقت لتوفير طلب فعال من الدول النامية على إنتاجها ـ من خلال ما تقدمه الحكومات من دعم في شروط وأعباء السداد بطريق مباشر أو غير مباشر بواسطة هيئات وبنوك تنمية الصادرات الأجنبية ـ فهل تمتنع البنوك الإسلامية عن الوساطة والتعاون مع البنوك الأجنبية في مجال الاستفادة من التسهيلات الائتمانية اللازمة لدعم النمو الاقتصادي والاجتماعي للشعوب الإسلامية لمجرد تغيير أشكال ومسميات العقود بإحلال كلمة الفائدة محل كلمات هامش الربح أو العائد أو الإيجار ـ وبالرغم مما تقضى به القاعدة الشرعية من الإباحة في المنافع والتحريم في المضار وبالرغم من انتفاء الظلم والاستغلال.
وإذا كانت القوة الشرائية للعملات حتى في الدول المتقدمة قابلة للهبوط نسبياً في الأجل المتوسط والطويل وبدرجة كبيرة في الدول الإسلامية النامية، وكان سعر الفائدة يعوض جزئياً معدل الهبوط في القوة الشرائية للعملات فيما بين تواريخ البيع وتواريخ سداد الثمن المؤجل ـ فهل تعتبر الفائدة في هذه الحالة ربا أم تعويضاً عن النقص في القوة الشرائية للنقود وخاصة إذا كان الإقراض.
مستنداً إلى دراسة جدوى فنية واقتصادية ثبت منها قدرة المشروع محل التمويل على الوفاء بأعباء خدمة القرض من عوائده بعد فترة السماح التي تسمح بها هذه القروض ـ فضلاً عن أهمية تجنب الظلم في العلاقات التمويلية فيما بين المقرض والمقترض إذا ما هبطت القوة الشرائية للنقود الورقية فيما بين تاريخ الإقراض وتاريخ السداد بما يتفق والآية الكريمة «فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلِمون
ولا تٌظلمون»(سورة البقرة ـ الآية 279) والعبرة في التفسير الموضوعي وليس الشكلي للآية الكريمة هي بالقوة الشرائية لرؤوس الأموال وليس بالقيمة الاسمية للنقود الورقية.
وإذا كانت ظاهرة هبوط القوة الشرائية للنقود ظاهرة عامة نسبياً، وإذا كانت حكومات الدول المتقدمة حريصة على تجنب ظواهر الكساد والطاقات العاطلة والبطالة، وكان معدل التضخم والهبوط في القوة الشرائية للنقود في الدول الإسلامية النامية يفوق في بعضها أضعافاً مضاعفة الهبوط في القوة الشرائية للنقود في الدول المتقدمة.
وكان سعر الفائدة يعالج في جانب منه أثر الهبوط في القوة الشرائية للنقود الورقية التي تصدرها البنوك المركزية، وفي جانب آخر منه تكلفة خدمة هذه القروض مما يدخل في مفهوم رسم الخدمة في البنوك الإسلامية وكانت أعباء خدمة القرض مشتقة من ربح ونماء وكان التعامل في مجال البيع الذى نص عليه القرآن الكريم بمعنى أنشطة الأعمال التي تخضع للقانون التجاري وليس للقانون المدني ـ فهل يعتبر ذلك ربا؟ ـ وهو لم يَرْبُ في أموال الناس بالباطل ولا يتعارض مع قوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم». (سورة النساء ـ الآية 29).
وإذا كان التطور الحديث في نظم وتكنولوجيات الإنتاج قد أسفر عن تضخم حجم المشروعات وتحولها إلى مجمعات إنتاجية كبيرة وشركات متعددة الجنسية قادرة على السيطرة والتحكم على المستوى الدولي وعلى تحمل النفقات الضخمة للبحوث والتطوير وعلى مواجهة المنافسة الاقتصادية والتكنولوجية الدولية التي أسفر عنها تحرير التجارة الدولية ـ وتزايدت تبعاً لذلك الحاجة إلى التمويل بأساليبه وصوره المختلفة.
وانقسمت الدول في هذا المجال بصفة عامة إلى مجموعتين : مجموعة دول متقدمة تتمتع بالفوائض في مدخراتها وفي موازين مدفوعاتها وموازينها التجارية في المعاملات الدولية، ومجموعة دول نامية تعانى من هبوط في مستويات دخولها ومن قصور في مدخراتها ومن عجز مطرد في موازين مدفوعاتها وموازينها التجارية ومن عجز مالي في موازنات حكوماتها ـ مما لا يجعل أمامها بديلاً عن الاقتراض من الدول صاحبة الفوائض أو صاحبة الفوائض والتكنولوجيا ـ لإمكان استغلال مواردها الطبيعية والبشرية.
وتحقيق العمران والنماء للبلاد وللعباد، ولتخرج بذلك من الحلقة المفرغة للفقر والعجز المرحل وتزايد الدين العام ولتدخل في مراحل الانطلاق في النمو ـ فهل عمليات الوساطة المالية العادلة فيما بين البنوك والحكومات في الدول الإسلامية النامية وبين البنوك والحكومات في الدول المتقدمة إذا استخدمت الأموال استخداماً رشيداً يحقق التنمية ويكفل سداد أعباء التمويل ويسهم في عمران البلاد واغتناء العباد يعتبر حراماً ؟
وإذا كانت الدول المتقدمة قد أدركت أهمية الارتفاع بالقوة الشرائية للدول النامية لتحقيق مصالح الدول المتقدمة ذاتها في تصريف إنتاجها الوفير ولتحجيم نوبات الكساد والبطالة ـ فقامت الدول الغنية بإقامة بنوك للتصدير مع توفير نظم وبرامج للقروض الميسرة ولضمان مخاطر الائتمان وللمساعدات شملت قروضاً سلعية ميسرة مع فترات سماح وفوائد مخفضة تتناسب والظروف والإمكانيات الاقتصادية للدول الفقيرة النامية.
كذلك فقد سعت من ناحية أخرى في مجال المنافسة الدولية إلى توفير تسهيلات في الدفع من خلال بنوك وهيئات تنمية الصادرات شملت بصفة أساسية نظم تسهيلات الموردين حيث يقوم المنتج بقبض ثمن إنتاجه وتقوم المنظمات والبنوك المسؤولة عن تنمية الصادرات بتوفير التسهيلات الائتمانية للدول النامية المستفيدة من هذا الإنتاج ـ فهلا تتعاون البنوك الإسلامية والبنوك التقليدية في إفادة شعوب الدول الإسلامية النامية من مثل هذه التسهيلات؟
وإذا كانت الدول النامية تستهدف الارتفاع بمستوى مرافقها وخدماتها ودعم قدراتها الإنتاجية لاستغلال مواردها الطبيعية والبشرية العاطلة توقياً لما تعانيه من فقر وعوز ـ وسعت لذلك للحصول على قروض ميسرة وتسهيلات في شروط وأعباء وآجال السداد من الدول المتقدمة ـ فهل تمتنع البنوك الإسلامية عن التعاون مع البنوك التقليدية ومع الحكومات في هذه الدول في مجال الاستفادة من القروض الأجنبية الميسرة؟ ـ وخاصة وأن التشريعات وسياسات الحكومات والبنوك المركزية في بعض الدول الإسلامية النامية تذهب إلى إعطاء الأولوية للقروض الميسرة قياساً بشروط وآجال وأعباء التمويل.
كما تراقب السلطات النقدية بالحكومات والمجالس النيابية والبنوك المركزية مدى ملائمة شروط الاقتراض حرصاً على الوفاء بتكاليف وأعباء التمويل أياً كانت مسميات اتفاقات وعقود التمويل ـ حيث تقضي دساتير بعض الدول الإسلامية بعدم جواز عقد القروض قبل تصديق المجالس النيابية وخاصة بالنسبة للقروض الخارجية، فضلاً عن أن شروط المنظمات الدولية في سياسات الإصلاح الاقتصادي الهيكلي للدول المدينة تتطلب مراعاة ذلك. فالعبرة إذن في التمويل المصرفي هي بالمعايير الموضوعية دون الوقوف عند شكل أو مسمى عقد أو اتفاق التمويل بهدف التحقق من التوازن والتناسب فيما بين أعباء وتكاليف التمويل خلال فترة السداد وبين ربحية وعوائد الأعمال والمشروعات محل التمويل.
وإذا كان الوضع الاقتصادي العالمي فد بلغ مرحلة تذهب فيها بعض الدول الغنية إلى حد إقالة الدول المعسرة بإبرائها مما عليها من ديون كلياً أو جزئياً أو بتقرير فترات سماح وجدولة سداد باقي ديونها بمراعاة قدراتها على الوفاء (كما هو الحال في بعض الاتفاقيات العربية وفي نادي باريس بالنسبة لمصر) ـ فهلا تتفق مثل هذه التيسيرات مع الآية الكريمة «وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة» (سورة البقرة ـ الآية 280)