المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دراسة حول التعاون فيما بين البنوك الإسلامية والتقليدية (2 ـ 3)



العبيـدلي
28-10-2006, 01:44 AM
دراسة حول التعاون فيما بين البنوك الإسلامية والتقليدية (الجزء الثاني)

البنوك تتعاون في تسيير عثرات المقترضين لإنعاش مشروعاتهم التجارية

يواصل «البيان الاقتصادي» استعراض تفاصيل الدراسة التي أعدها الدكتور أحمد سالم محمد الباحث في وزارة المالية المصرية، والتي ركزت الحلقة الأولى منها على العلاقات الحالية بين البنوك الإسلامية والتقليدية، إذ أكد فيها على أن البنوك المركزية تحمي استقرار المصارف مالياً وتساير أوضاعها مع الاقتصاد.

ومشيراً إلى ان البنوك بطبيعة الحال تجنب بالقدر المناسب مخصصاتها لمواجهة احتمالات تعثر المقترضين، كما أن التشريعات المصرفية تشدد الرقابة على البنوك بمتابعة أرصدتها المدينة والدائنة.وفيما يلي نستعرض الحلقة الثانية والتي تركز على تطوير التعاون بين البنوك الإسلامية والتقليدية على أسس إسلامية، وفيما يلي جانب من الدراسة.

تطوير التعاون بين البنوك الإسلامية والتقليدية على أسس إسلامية المدخل الواجب إتباعه فيما بين البنوك الإسلامية والبنوك التقليدية هو التعاون على أسس موضوعية عادلة تعظم منافع البشرية وبما يتفق أيضا وحديث الرسول.

ويشترط بذلك الرشد والحكمة فيمن يتولون إدارة الأموال، كذلك يقرر الإسلام الالتزام بالرشد وعدم السفه في مختلف القرارات المتعلقة بالموارد التي أتاحها الخالق للبشرية وتأمين النمو الاقتصادي المطرد، أي ضرورة المتابعة والرقابة لتحقيق النتائج المستهدفة.

وأشار الباحث إلى أن الإسلام أكد على أركان الرشد والأمانة والتميز في الخبرة والعدل والمسؤولية في إدارة الأموال - ولذلك فإن التعاون فيما بين البنوك الإسلامية والبنوك التقليدية يلزم أن يكون في الإطار الموضوعي المتقدم.

وقد ذهبت البنوك بصفة عامة إلى التعاون في إقالة العملاء المقترضين من عثراتهم ومنحهم التيسيرات التي تسمح بإنعاش مشروعاتهم اقتصاديا وتمكينهم من الوفاء بالتزاماتهم - إيمانا بأن سلامة مراكزها المالية ترتبط بسلامة مراكز عملائها الأمناء - بل ذهبت بعض الدول الإسلامية بعيداً في ذلك مثل ماليزيا حيث أقام البنك المركزي مؤسستين (دانا هارتا ودانا مودال) لإقالة عثرات البنوك وعثرات عملائها تأمينا لاطراد النمو الاقتصادي.

ويقتضى الأمر أن تتعاون البنوك الإسلامية مع البنوك التقليدية في تطبيق ما قرره الإسلام من زكاة للغارمين، إذ يدخل ذلك في إطار قوله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا» سورة الحجرات - الآية 13.

وإذا كان الأمر كذلك فهل تمتنع البنوك الإسلامية عن التعاون مع البنوك التقليدية وما قد يتيحه النظام المصرفي الحديث من خدمات مصرفية وتيسيرات تمويلية ورغم ما يترتب على ذلك من عزلة اقتصادية وقصور في النماء والعمران؟ لقد دعت الرغبة في تدعيم التعاون إلى قيام بعض البنوك التقليدية بفتح فروع للمعاملات الإسلامية - فالمطلوب إذن هو التعاون على تعظيم منافع العباد دون استغلال.

وبحيث تكون تكلفة التمويل مشتقة من منافع أو عوائد تفوقها - فينتفي مفهوم الربا الذي يربو في أموال الناس بالباطل، أي يؤدى إلى نقصانها بينما يتحقق مفهوم البيع إذا أدت المعاملات إلى تعظيم منافع المتعاملين وفقاً للمفهوم الاقتصادي الدقيق لقوله تعالى «وأحل الله البيع وحرم الربا»(سورة البقرة - الآية 275).

وإذا كانت الأوضاع الاقتصادية المعاصرة مع التخصص وإتباع أساليب الإنتاج الكبير وتضخم حجم المشروعات - قد أسفرت عن أن غالبية المدخرين لا يستطيعون بإمكانياتهم المحدودة مباشرة التجارة أو الصناعة - إلا على مستوى المشروعات الصغيرة - مما ألجأهم إلى البنوك كأمناء أو وكلاء استثمار أو كمضاربين لاستثمار مدخراتهم وتنميتها بتوجيهها إلى تمويل عمليات الاستثمار أو الإنتاج أو التجارة المحلية أو الدولية، بما يحقق النمو الاقتصادي ويوسع فرص العمل وينمى الدخول.

- وذلك دون استغلال من المدخرين للبنوك أو استغلال من البنوك لرجال الأعمال والمنظمين، وفي إطار من المنافسة وتحت إشراف البنوك المركزية وبما يحقق عائدا لجميع أطراف التعامل، مستهدفين النجاح للمشروعات والمنشآت والشركات التي يتقرر تمويلها - فإذا تحقق ذلك انتفي مفهوم الربا وساد مفهوم البيع الذي يؤدي إلى تعظيم منافع أو عوائد المتعاملين.

أما إذا انتفت الإدارة السليمة للمشروعات أو للبنوك التي تقوم بدور الوساطة المالية في التمويل - فقد تحقق قوله تعالى (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً) سورة النساء - الآية 5، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «المؤمن كيس فطن حذر» عن أنس - 812 كنز العمال، وقوله «لا يلدغ المؤمن من جحرٍ مرتين»(عن أبى هريرة - 830 كنز العمال).
وفي ضوء ما تقدم تبرز أهمية تعميق تعاون البنوك الإسلامية مع البنوك التقليدية في الدول الإسلامية أساسا في المجالات التالية:

1) تبادل المعلومات والدراسات التسويقية حول العرض والطلب وفرص الاستثمار والتبادل التجاري والنظم الجمركية والضريبية وحوافز الاستثمار وإمكانيات النقل والتجارة الالكترونية.

2) التعاون في دراسات الجدوى للمشروعات التي يشترك النوعان من البنوك في تمويلها مع تعميق الروابط والعلاقات المتوازنة فيما بين ربحية المشروعات محل التمويل وبين ما يحمل عليها من تكاليف وأعباء للتمويل سواء قبل تنفيذ المشروعات أم لدى تنفيذها أو على مدار حياتها - توقيا للربا الذي يؤدى إلى تآكل رؤوس الأموال إذا ما تجاوزت تكاليف وأعباء التمويل ربحية المشروعات، وأيا كانت مسميات عقود التمويل (مشاركات أو مرابحات أو مضاربات أو إجارة أو بيع تأجيري أو بيع لآجل مع تقسيط الثمن) وبما يكفل اطراد العمران والنمو الاقتصادي وتعظيم منافع العباد.

3) تعميق التعاون في تقديم تسهيلات التمويل والضمانات المصرفية وأعمال الوكالة في تمويل النشاط التجاري والمشروعات الاستثمارية في إطار ضوابط اقتصادية وحدود ائتمانية متفق عليها على النحو الذي يجرى عليه العمل فيما بين البنك الإسلامي للتنمية بجدة وبين البنوك الوطنية بالدول الأعضاء بالبنك.

4)التعاون في إقامة نظام للتسويات والمقاصة الدورية لتنشيط التبادل التجاري.

5)تبنى البنوك الإسلامية بالتعاون مع البنوك التقليدية لسياسة إقالة المشروعات المعسرة من عسرتها تنفيذاً لقوله تعالى: «وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة»(سورة البقرة - الآية280). وتحقيقاً للإنعاش الاقتصادي وتوقياً لمشاكل الإفلاس والبطالة.

6) ومن ناحية أخرى فعلى البنوك الإسلامية أن تأخذ في الاعتبار أن المفاضلة في أسواق المال بالنسبة للشركات أو المنشآت العاملة بقطاع الأعمال - فيما بين البنوك الإسلامية وغيرها من البنوك التقليدية تتوقف من الناحية الاقتصادية على ما يتاح من كل منهما من شروط تفضيلية في التكاليف النسبية للتمويل بالمقارنة بما يتولد عن الاستثمار أو الإنتاج أو التجارة المستخدم فيها التمويل - من أرباح، أي بمقارنة التكلفة بالعائد وأياً كانت مسميات تكاليف التمويل (فائدة أو عائد أو هامش ربح أو إيجار).

7) وإذا كانت نظم التمويل بالبيع التأجيري أو البيع الآجل مع تقسيط الثمن آو بالمرابحة تفرض تكلفة ثابتة في التمويل تتمثل في قيمة الإيجار أو قيمة قسط استرداد التمويل المعلى بهامش ربح ثابت ومقدر مسبقا، وإذا كنا قد انتهينا فيما تقدم إلى أهمية تحقيق الارتباط الوثيق والتناسب والتوازن فيما بين تكلفة التمويل وبين ربحية المشروعات في الاتفاقات المتعلقة بهذه النظم .

- وذلك من خلال دراسات الجدوى الفنية للتكنولوجيا والمدخلات المستخدمة، وجودة المخرجات المحققة والجدوى الاقتصادية للمشروعات في ضوء معدل العائد الداخلي الذي يتولد عنها والتناسب فيما بين التدفقات النقدية لأعباء المشروعات وبين عوائدها - فضلاً عن المتابعة المستمرة لتحقيق النتائج المستهدفة.

ولاتخاذ الإجراءات التصحيحية أولا بأول لتدعيم النمو الاقتصادي المطرد حتى يكون التمويل حلالاً بتحقيق الأهداف التنموية - فإن نظم المشاركات أو المساهمة في رؤوس أموال المشروعات أو الشركات وتبعاً في نتائج أعمالها هي أكثر أساليب التمويل تحقيقا للترابط الزمني والعضوي الوثيق فيما بين ربحية المشروعات وبين عوائد حصص الملكية أو المساهمات على مدى عمر المشروع - فضلاً عما توفره من تواجد فعلى مباشر للشركاء في تسيير وإدارة المشروعات وفي رقابة أدائها من خلال مجالس الإدارة والجمعيات العمومية التي يشاركون في عضويتها.

8) وقد تزايدت أهمية الشركات المساهمة مع الثورة الصناعية وما فرضته من تقسيم في العمل ومن تخصص وتكامل وإنتاج كبير يتوافق مع درجة الآلية أو الأوتوماتيكية، ثم تصاعدت أهمية المجمعات الإنتاجية مع تصاعد التحكم الإلكتروني في نظم تشغيل المصانع وفي إدارة المرافق والخدمات.

ومع تزايد أهمية التكامل الأفقي والرأسي لتأمين المشروعات من مخاطر الاستثمار لإمكان التفوق في المنافسة الدولية - فقد تزايدت أهمية التكتلات الاقتصادية - وعلى هذا النحو فإن الشركات المساهمة إذن يفرضها عصر الإنتاج الكبير والميكنة والأوتوماتيكية والأوضاع الاقتصادية الدولية المعاصرة.

وقد صاحب هذا التطور في نظم الإنتاج والتطور المقابل في الأشكال القانونية للمشروعات وفي أحجامها تضخم في التكاليف الاستثمارية للمشروعات وفي حجم المال المستثمر الثابت والعامل اللازم لتحقيق الاستغلال الأمثل لطاقاتها، فانفصلت مع هذا التطور وظيفة المنظم عن أصحاب رؤوس الأموال والمدخرات خلافاً لصيغ المنشآت الفردية وشركات الأشخاص.

.

العبيـدلي
28-10-2006, 01:45 AM
وأصبحت الشركات المساهمة من أهم الصيغ المناسبة في العصر الحديث للمشروعات الكبيرة العملاقة - وسعيا إلى مزيد من القوة الاقتصادية والفنية والتكنولوجية في صراع التقدم والتفوق ظهرت الشركات المساهمة القابضة والشركات متعددة الجنسية التي تسيطر على مجموعة من الشركات التابعة - تؤثر من خلالها على الاتجاهات الاقتصادية بل والسياسية على المستويات القومية أو الإقليمية والدولية.

وإذا كان التطور العالمي على هذا النحو فيكون من مصلحة الأمة الإسلامية والبنوك الإسلامية تنمية وتوجيه مشاركاتها لحماية المقدرات الاقتصادية لأمتنا من خلال الشركات المساهمة بالتعاون فيما بين بينها وبين البنوك التقليدية الوطنية في الدول الإسلامية، بل وأن تمتد مساهماتها أيضاً إلى شركات الاتصالات والإلكترونات والطائرات في الدول غير الإسلامية مع تأمين التمثيل في مجالس إدارتها حتى تملك الأمة الإسلامية مقدراتها ولا تترك أموالها تدار في أسواق المال بواسطة غيرها ممن قد يعادون الإسلام والمسلمين، وحتى تنفتح الأمة الإسلامية على التكنولوجيات المتطورة وعلى الاقتصاد العالمي.

وإذا كانت الشركات المساهمة قد أصبحت هي أهم الصيغ المناسبة في العصر الحديث للمشروعات الكبيرة، وأن المشاركة فيها بواسطة البنوك الإسلامية مع البنوك التقليدية على مستوى العالم الإسلامي بل وعلى المستوى الدولي تعنى المشاركة في السيطرة على المقدرات الاقتصادية للأمة الإسلامية - فإن ذلك يتطلب الدراسة المتعمقة الهادئة لقضية أساسية لمجمع الفقه الإسلامي.

حيث انتهى إلى أن الأصل هو ألا يساهم البنك الإسلامي للتنمية في أية شركة لا تلتزم باجتناب الربا في شراء أسهم الشركات القائمة إذا كانت هذه الشركات تتعامل مع البنوك التقليدية - فقد أسفرت الندوة المنعقدة بمقر البنك الإسلامي للتنمية فيما بين مجمع الفقه الإسلامي والمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك حول حكم المشاركة في أسهم الشركة المساهمة المتعاملة بالربا 14/4/1993 على التأكيد على ما سبق وأن توصل إليه مجمع الفقه الإسلامي في دورته المنعقدة بجدة في الفترة من 9-14/5/1992 من أن الأصل هو أن لا يساهم البنك الإسلامي للتنمية في أية شركة لا تلتزم باجتناب الربا في معاملاتها.

وأنه لا يكفي أن يكون غرض الشركة مما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، بل لا بد من اجتناب الوسائل المخالفة للشرع ومن أعظمها التعامل بالربا في الأخذ والعطاء، وعلى إدارة البنك البحث عن أساليب استثمارية تتفق مع الشريعة الإسلامية وتحقق غايات التنمية للبلاد الإسلامية.

وذلك مثل أنواع عقد السلم بصوره الموسعة وعقد الاستصناع وعقود التوريدات المختلفة، أما بالنسبة للمساهمة في أسهم الشركات المؤسسة خارج البلاد الإسلامية فإن الرأي بالاتفاق على عدم إجازة ذلك للبنك الإسلامي للتنمية إذا كانت تلك الشركات تتعامل بالفائدة.

ويقتضى بحث القضية المتقدمة تحليل تركيب مصادر تمويل المال المستثمر في الشركات - إذ يلاحظ أنها تنقسم فيما بين التمويل الذاتي (شاملا المساهمات) من ناحية والاقتراض من ناحية أخرى وفقا لاقتصاديات مصادر التمويل - فكلما كانت معدلات الربحية مرتفعة نسبيا عن معدلات أعباء التمويل عن طريق الاقتراض كان الاتجاه الغالب هو زيادة نسبة القروض عن نسبة التمويل الذاتي - وهذا يكفل شرط اشتقاق تكلفة التمويل مما يتحقق من أرباح - وكلما كانت معدلات تكلفة التمويل عن طريق الاقتراض مرتفعة نسبيا بالمقارنة بمعدلات الربحية تضاءل الطلب على القروض وتزايد الطلب على المشاركات.

وإذا ما استمرت تكلفة التمويل في الارتفاع اتجهت الشركات إلى الكف عن الاستثمار بمراعاة القاعدة الاقتصادية التي تحكم الاستثمار الرشيد - وهي العمل على تحقيق أكبر فائض ممكن من الأرباح وتجنب الخسائر بعد تغطية تكلفة التمويل تحقيقاً للنماء وتأمينا لعدم تآكل رؤوس الأموال - فاقتراض الشركات هو وسيلة تمويلية لتحقيق التنمية والمصالح الخاصة والمنافع العامة بشرط زيادة معدلات الربحية المحققة عن تكلفة التمويل.

وطالما لم يؤد هذا التعامل إلى تآكل رؤوس الأموال أو حقوق الملكية بل ويؤدى إلى نموها - فضلاً عن أن الاقتراض أو التمويل بشروط ميسرة أو ملائمة عموماً من مصادر التمويل التقليدية الوطنية (بل والأجنبية) أمر تتطلبه الظروف الاقتصادية السائدة في الدول الإسلامية النامية لتحقيق مصالح العباد في تعظيم النفع العام الاقتصادي أو الاجتماعي أو البيئي الذي تحققه أهداف المشروعات محل التمويل، بمراعاة ما يفرضه قصور مصادر التمويل الميسر المتاح على المستوى الدولي.

ويتبين مما تقدم بأن الحاجة والمنافع العامة الراجحة لغالبية الدول الإسلامية النامية للاقتراض سواء من المنظمات الدولية أو من البنوك والصناديق الدولية والإقليمية التي تتعامل بالفائدة كالبنك الدولي والصناديق العربية وبنك التنمية الإفريقي وبنك التعمير الألماني وبنك الاستثمار الأوربي - والتي تتيح تيسيرات ائتمانية مقابل تكلفة تمويل يطلق عليها كلمة الفائدة .

ويتم الاقتراض بناءً على دراسات جدوى تثبت أن معدل العائد الداخلي للمشروعات محل التمويل يفوق تكلفة التمويل واستناداً لقول ابن تيمية «بأن المفسدة المقتضية للتحريم إذا ما عارضتها حاجة راجحة أبيح المحرم» بالرغم من أن شبهة المفسدة هنا منتفية إذا أخذ في الاعتبار المفهوم الاقتصادي للربا السابق إيضاحه .

- وهو الذي يربو في أموال الناس بالباطل أي يؤدى إلى تآكلها وفقاً للآية الكريمة «وما آتيتم من ربا ليربُوَا في أموال الناس فلا يربُوا عند الله»(سورة الروم - الآية 39) - فإذا تلاشى ذلك تلاشت المفسدة الموجبة للتحريم - كما تؤيد ذلك القواعد الشرعية للمصالح المرسلة وللإباحة في المنافع والتحريم في المضار.

ومن ناحية أخرى فإن الامتناع عن تعامل البنوك الإسلامية مع البنوك والصناديق الدولية والإقليمية والأجنبية مع عدم توافر مصادر تمويل كافية بديلة للدول الإسلامية النامية لحل اختناقات الإنتاج بها أو لاستغلال الطاقات الإنتاجية العاطلة أو لإخراج مشروعاتها إلى حيز التنفيذ والإنتاج أو للقضاء على ظواهر الكساد والبطالة أو لعلاج المشاكل الاجتماعية أو البيئية ذات الاهتمام الدولي - يؤدى إلى الإضرار بالعباد.

فضلاً عن ربط الإسلام الدائم في آيات القرآن الكريم وبصفة مستمرة فيما بين الإيمان والعمل الصالح فمع انتفاء الضرر ورجحان المنافع عن تكلفة التمويل تتحقق مرضاة خالقنا الذي استخلفنا في الأرض لعمرانها تصديقاً لقوله تعالى «وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم»(سورة الأنعام - الآية 165).

إن توسيع دائرة نشاط البنوك الإسلامية وفاعليتها على مستوى الأمة الإسلامية وعلى المستوى الدولي لتحقيق مصالحها الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية يتطلب تعميق دورها الإيجابي في التنمية وفي العمران مع البنوك التقليدية في توفير متطلبات التمويل اللازمة للتنمية.

وفي المشاركة في الشركات المساهمة سواء لدى تأسيسها أو على مدار حياتها بمراعاة ما لهذه المشاركات من آثار إيجابية في حالة التمثيل بمجالس دارة الشركات وجمعياتها العمومية على توجهات هذه الشركات .

وعلى أهدافها وسياساتها بما يفوق كثيراً آثار التمويل إذا ما اقتصر دور البنوك الإسلامية على البيع التأجيري أو البيع الآجل مع تقسيط الثمن أو على عقود المرابحة - ذلك أن تعميق دور البنوك الإسلامية من خلال المشاركة في الشركات المساهمة والتواجد في مجالس إدارتها مع توفير الإدارة التنفيذية الرشيدة مع التمثيل المتميز بالخبرة والكفاءة لهذه البنوك - يمكن أن يسهم في تحقيق تكامل أهداف وهياكل الإنتاج والاستثمار على مستوى دول العالم الإسلامي التي توجد بها هذه الشركات شاملاً التكامل الأفقي على مستوى مخرجات النشاط الواحد أو التكامل الرأسي على مستوى مدخلات الإنتاج من معدات وتكنولوجيات ومستلزمات.

وبما يؤدي إلى بناء الوحدة الاقتصادية للأمة الإسلامية على أسس اقتصادية سليمة تأخذ في الاعتبار مزايا التخصص والمزايا النسبية التي تتمتع بها كل دولة والحجم الاقتصادي الأمثل.

فضلاً عما يؤدي إليه تكامل هياكل الإنتاج على مستوى العالم العربي والعالم الإسلامي من توفير الظروف الموائمة والبيئة الاقتصادية اللازمة لنجاح السوق العربية المشتركة أو السوق الإسلامية المشتركة - كذلك فإن تعميق الدور المحوري للبنك الإسلامي للتنمية مع سائر البنوك الإسلامية في هذا المجال يمكن أن يسهم في تدعيم قوى المنتجين بالعالم الإسلامي في مواجهة التكتلات الاقتصادية الدولية والشركات متعددة الجنسية واتحادات المنتجين التي تتحكم في العرض وفي الأسعار وفي نقل التكنولوجيات الحديثة.

ومن ناحية أخرى فإن هذا التعاون والتكامل هو السبيل إلى إيجاد سوق مالي للعالم الإسلامي يسيطر فيه على مقدراته (بدلاً من سيطرة الصهاينة على أسواق المال)، كما أن هذا التعاون هو السبيل للريادة في تعميق ربط عوائد التمويل بالكفاية الإنتاجية للمنشآت والشركات في الدول الإسلامية وبربحية استثماراتها.

وذلك كبديل لاستثمار الأموال العربية في أسواق المال العالمية دون تواجد فعال في الإشراف والتوجيه والإدارة بل ومع تعرض الأموال العربية أو الإسلامية للقيود المختلفة التي تفرضها الدول الأجنبية والتي قد تصل إلى حد تجميد الأموال فضلا عن توقى ما نلمسه حالياً من هبوط مطرد في القيمة الحقيقية للودائع الدولارية للدول العربية بالمقارنة باليورو والإسترليني والين.

أما إذا ما ذهبنا إلى عدم إجازة مشاركة البنوك الإسلامية في الشركات التي تتعامل مع البنوك التقليدية فقد يتبع ذلك بالقياس عدم جواز إبرام عقود الإجارة أو البيع التأجيري أو البيع الآجل مع تقسيط الثمن أو المرابحة مع هذه الشركات لتعاملها أيضاً فيما تحصل عليه من تمويل من بعض المصادر الأخرى بالفائدة - وبما يؤدى إلى انعزال البنوك الإسلامية عن عالم الاقتصاد - ومن ثم تزايد اعتماد الدول الإسلامية على مصادر التمويل المتاحة من الدول الأجنبية مع ما قد تفرضه هذه المصادر من تبعية اقتصادية وسياسية