Abdulla Ahmed
14-12-2006, 06:20 AM
(( الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ))
بســـم الله الرحـــمن الرحيــــــــم
من الفقير إلى رحمة ربه إلى كل أمير صغيراً كان أو كبيراً على رهط من الناس أو كثير من المسلمين إن الحمد لله وحده خالق السموات والأرضين ورب الخلق أجمعين ، مالك يوم الدين الذي نعبد ونستعين ، والذي أرسل النبي الأمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالقرآن الكريم وبالسنة التي نحن بها مقرون ولها متبعون اللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن قومه ورسولاً عن العالمين.
أما بعد :
فهذه نصيحة من الفقير إلى رحمة ربه إلى كل أمير صغيراً كان أو كبيراً وليّ على رهط من الناس أو كثير من المسلمين ، فأبدأ بما قاله سيد المرسلين ، عن أبي عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فأت الذي هو خير وكفّر عن يمينك )) متفق عليه .
عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم " رواه مسلم .
وعنه قال : قلت : يا رسول الله ألا تستعملني ؟ فضرب بيده على منكبي ثم قال : " يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة ، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها " رواه مسلم .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة " رواه البخاري .
أرجو من الله رب العالمين أن تعيد قراءة مقالة " سيد المرسلين " صلى الله عليه وسلم حتى تستوعبها استيعاب الرزين فتدخل في التفاصيل وأنت من الواعين .
أول ما أذكر به أن العلماء أجمعين وأخص منهم الإمام العظيم ابن تيمية رضي الله عنهم أجمعين قد قال : " والواجب شرعاً اتخاذ الإمارة ديناً وقربة إلى الله تعالى " أي أن الأمر لا يستقيم إلا بإمارة الدنيا والدين مجتمعين ، ولا يصلح حال الرعية قلوّا أو كانوا أكثرية إلا أن يكون لهم أمير أجمعين ، يكون أغلبهم عنه راضين ولرأيه مطيعين ، على أن يشترط فيه العلم بالدنيا والدين بالمستوى الذي يليق بإمارة الرعية وإدارة شئونهم بما يعود عليهم بالخير ويحفظ لهم الدنيا والدين … فهل أنت لهذه الصفات من المتحلين ؟ أم أنك ضعيف من الذين هم للإمارة سائلون ؟ وعليها من الحريصين ؟ وفي الآ خرة( نسأل الله العافية لنا ولك ) من النادمين ؟ .
فإن كنت ممن تولاها عن جدارة فنعم الإمارة وإن شاء الله الكل لك فيها بالإعانة .
فلنبدأ النصيحة :
اعلم أن لله سنناً دوارة فادرسها بأناة وجدارة ، ولا تحد عنها فإنك تصادم الجبل وتأكل الهواء وتظن أنها مهارة ، وأول ما يهمك في الإمارة . . البطانة والشورى والوزارة .
فأما عن البطانة فاسمع قول الحبيب صلى الله عليه وسلم :
عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما بعث الله نبياً ولا استخلف خليفة إلا كانت له بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه ، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه والمعصوم من عصمه الله "
فاعلم أن البطانة هي الخاصة التي تحيط بك باستمرار وتراك في كل حال ، فاتق شر من أحسنت إليه بألا تجعل أمورك كلها بين أيديهم ، ولكن اجعل لكل منهم عملاً محدداً لا يتعداه إلى غيره من الأعمال ، فإن غفل وظن أنه لخطورة عمله يكون من المغفور لهم مهما صنعوا فأقصه قليلاً لعله يكون من العاقلين ، فإن أرجعته وعاد إلى ما كان عليه من تعدي عمله إلى أعمال الآخرين فابتره فإنه ليس من الصالحين واعلم أن من نقل إليك أخبار الآخرين بدون أن يكون عيناً من العيون المكلفين ، فاعلم أنه من المتملقين ويريد القرب منك وأنه من شر الخلق أجمعين لأنه من الواشين النمامين وإن أظهر أنه من الناصحين ، وعليك أن تجعللطانتك على ثلاث أقسام : -
القسم الأول : هم المعاونون ( من الكتبة والسعاة والحراس والخادمين ) فاحذرهم أجمعين وإن تلطفت لهم باللين .
القسم الثاني : وهم الوزراء المنفذون فهؤلاء يختارون من الأكفاء الأقوياء الصالحين واضرب عليهم ثلاث ثلاث اختبارات ، فاختبار الكفاءة حتى تعرف قر كفاءتهم ، واختبار الثقة فلا يفشي لك سراً ولا يخالف لك أمراً إلا لمصلحة راجحة جداً للمسلمين والثالث فتستمر فيه إلا أن يشاء الله بأن يواليك بأموره وأمور وزارته فتتأكد من أن ولايته تفيد وتسير على الوجه السديد ، فهذه ثلاث لا تنساها مع كل وزير ولا تبدل وزرائك حتى تتأكد تماماً أنهم لايفيدون بل يضرون فقلما تعرف الرجل حتى تعاشره ، واجعل قرارات الشورى سراجاً يهديه بعد أن يكون من المقرين لذلك السراج ومن المشاورين .
القسم الثالث : وهم أهل الشورى فوجودهم لازم ورأيهم ملزم فإن لم تفعل فقد عدلت عن قوله تعالى " وأمرهم شورى بينهم " وكذلك " وشاورهم في الأمر " ولا تخالف أمرهم أبداً إلا لمصلحة راجحة ، ولكي تجعل أهل مشورتك مفيدين فعليك أن ترفع من مستواهم أجمعين فتجعلهم باستمرار مطلعين على أمر الدنيا والدين بعد أن تختارهم من أهل الذكر في الدنيا والدين ، وأن يكونوا من العقلاء ذوي الخبرات النابهين فتأمن الزلل لك ولهم أجمعين .
وأما كيف تدير الأمر بين هؤلاء الثلاثة أجمعين فإليك ما وعيت من خبرات الأولين والآخرين .
وأول حال البائعين أن يشتروا الموازين التي بها يزنون ، وسلاح المساحين المسطرة التي بها يقيسون ، فيجب أن يكون لك ولأهل مشورتك والوزراء أجمعين مرجع لا تختلفون عليه فإن ذلك يحسم كثيراً من الأمور فلا تكونوا مختلفين ويوفر لكم ذلك كثيراً من الوقت والاجتهاد وذلك هو قانون المشرعين ( الكتاب والسنة وإجماع أهل الأمة ومذهب شرعي سديد ) فإن لم تفعل فاعلم أنك ستضيع وسط الخلاف والمتخاصمين . وإياك أن تترك الكتاب والسنة المطهرين فإنه الضلال المبين ، وقبل أن تبحث في كتب المحْدَ ثين المضللين من مبتدعة وعلمانيين فانظر أولاً في الكتاب والسنة المطهرين فإن لم تستطع فكلف من يجمع لك ما تريد ، ولقد أنذرتك فلا تكن ممن يحيد عن الدين .
واعلم أن كما نظاماً مع البطانة والمحكومين فلا تنس حقاً لربك عليك وحقاً لأهلك عليك وحقاً لنفسك عليك فآتهم حقهم أجمعين .
فاعلم أن ربك فرض عليك فروضاً فلا تكن لها من المضيعين وألزم بها المحيطين واجعل لك حاجباً لصلاة الفجر فإنها أهم صلاة ينام عنها الغافلون ويكرهها المنافقون ، ولاتنس وردك اليومي من القرآن وكن من الذاكرين ، فإنها أشياء لو علمت قدرها لتركت الإمارة من أجل عدم تضييعها ولا تعاد لله ولياً ، وكن لأهل التقوى والصلا ح في المعية .
وأما عن أهلك فاجعل لهم من يومك ساعة ، فإن خسارتك فيهم أكبر خسارة إن أهملتهم وتركتهم للبطانة .
وأماعن نفسك فاعلم أنه إن لم يكن لك مكان تخلو فيه فإنك لن تقرأ ولن تفكر وستصبح ولا حول ولا قوة إلا بالله في تيه ، فاتخذ لنفسك غرفة هادئة مرتبة تخلو فيها لنفسك أكثر من ساعة لا يزعجك فيها إلا الضروري من أمر المسلمين .
وأما كيف تسير الولاية وأعمال الرعية فقسم هذه الأعمال إلى أمور ثلاثية ، فأولها أمور الرعية ، وثانيها الأمور الإدارية ، وثالثها الترتيبات المستقبلية ، ولا تنفك عن مراعاة هذه الثلاثة وإن طغت إحداها على البقية .
وعن كل واحدة من الثلاث الآ نفة فإني أحدثك إن شاء الله حديثاً طويلاً فتحملني وتحمل طول السالفة .
شئون الرعية :
فمن الرعية تأتي البلية وإن حسنت الإدارة تأتي البركة في البرية فاختر لهم الأكفاء ، وإياك واختيار الأ قرب إن لم يكن الأكفأ فستغلي عليك قلوب الرعية ولن يمحي رضا البطانة والأ قارب غضب الرعية ، وأشغل الناس بالخيرحتى لا يشغلوك بالشر ، وأعنهم على أعمال الخير حتى لا يعجزو فتكثر الشكوى (والبلية ) والفراغ فينقلبواعليك بالشر والدمار .
وكن للناس والرعية يكن الله معك والرعية ، ولا تكن دائماً مطيعاً لبطانتك فيستعبدوك ويجلبوا عليك غضب الله بالإضافة لغضب الرعية ، وكن جاداً حازماً في حل مشاكل الرعية ولو أغضب ذلك حاشيتك المرعية ، وإذا خالفك عاملك في مكان فعاقبته بقدر منع مظلمته ولا تستعديه عليك فإن كثرة الأعداء مهلكة والعدل لك منقبة ( ما بعدها منقبة ) ، ومالا يدرك كله لا يترك كله ، فإن لم تحط بطاعة الناس أجمعين فلا تكسب عداوتهم مجتمعين .
وإذا أردت من رعيتك مالاً فاستطيب كرائم أهلك وأهل الإسلام في بلدتك ولا تفرض عليهم المكوس ولا تسلبهم نعمة ربهم فيكرهوك وينخروا ملكك كالسوس ، وإن خفت طغيانهم فوازن بهم غيرهم من غير أن تضر بأموالهم فيكونوا بهم مشغولين وعن ضرك ملهيين.
وإن أردت أن تفرض عليهم الضرائب فلا تضيق عليهم في عيشهم ، فافرض ما يطيقون وبالتسامح والتساهل يدفعون ، واعلم أن الجار أولى بالشفعة فلا تضن على أهل الإسلا م الموسرين من أن يكونوا للفقراء والعاطلين معينين وذلك بإحياء الموات وعمل الصناعات والزراعات ، وراقبهم مراقبة الوالد الحنون حتى يستمروا منتجين ولما بدأوا متمين وينشغلوا فيماهم منشغلون .
وإن أردت تلمس أحوال الرعية ومنع كيد المكيدين فأرسل عيونك المخلصين لتتبع الشبهات لا العورات ، ولا تطلق لهم الحبلفيضروك بدلاً منأن يفيدوك ، واجعل لهم في كل شخص ينرصدوه حدوداً وأمراً لا يتعدوه ، ولا تكثر في أرضك من الأعداء الكفار والمنافقين فإنهم شر الخلق أجمعين ودأبهم إفساد العاملين وتأليب الرعية المطيعين فاهرش قريحتك الزكية للتخلص التدريجي من هؤلاء الدخلا ء على الرعية .
وإياك والنساء فإن كلا مهن كثير وفعلهن قليل وفتنتهن كبيرة وكيدهن عظيم ، فلا يكن لك وزراء ، وأما الذين تواترت عنهن الأخبار أنهن من النابهات وصحت سيرتهن وثقابة نظرهن فلك أن تقبل منهن نصيحة الناصحين .
واعلم أن أهل مكة أدرى بشعابها فاستشر أهل كل منطقة من الرعية فيما يصلح شئون البرية وإلا فقدت المعية ، وإن فعلت ذلك عرفوك من المتواضعين ونفوا عنك صفات المتكبرين وصدقني أنك أول المستفيدين .
واحذر من خلخلة الأمن والإستقرار فحينما تخفق الحيلة وتطيب نفوس الرعية تستخدم الحزم والقوة الذكية ولاتنس أن لكل شيء حدوداً ( فللحم حدود وللقوة حدود ) ، ومن يصرفه دينار لا تقتله بجيش جرار ، ومن يعارضك بأهله فاستعدي عليه أهل الأرض أولاً ثم احصره فإن رجع فلا تضربه وإن بغى فاقتله ، ولا تلن بالحبس والتسجين ، واعلم أن الرعية إن أعطيتهم أهم ما يريدون أعطوك كل ما تريد ، ولا تستخدم الدعاية في كل حالة واحرص على ودهم واجعلهم لك داعين ، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس ، وازهد في الدنيا يحبك الله وقلبي معك وأنا لك من الداعين إن شاء الله رب العالمين .
الشئون الإدارية :
بعد ما فصلنا ما هدانا الله إليه في أمور الرعية ننتقل إلى الشئون الإدارية ، وأذكرك أولاً أنها ليست لحي وطناً ولو دامت لغيرك ما وصلت إليك ، فاتخذ لك من العقلاء الصالحين نواباً ولا تورثها لقريب إلا أن يكون أواباً .
واعلم يا من ثقل حملك وكثر ولدك وزاد طلا بك أن الأمر لا يستقيم إلا بترتيب الأمور الإدارية فأنت عادل بين الرعية وموجه ومحاسب لوزراء الشئون الإدارية ، فإياك أن تضيف إلى ما ينوء به كتفاك شيئاً من المسؤليات الإدارية أو الوزارية ولكن ارفع من كتفيك إلى أكتاف الأكفاء من الرعية ممن شهد له بالحكمة والروية في شأن من شئون الرعية الإدارية أو الصناعية أو الزراعية ، وكن أنت المحاسب والمراجع ولا تكن أنت المكلف بالتنفيذ وحل المشاكل ، وكن مع وزرائك الناصح الأمين ولا يشقى أحد منهم كونه لك في بعض الرأي من المخالفين ولكن العبرة بالنتيجة ومصلحة المسلمين .
.يتبع
بســـم الله الرحـــمن الرحيــــــــم
من الفقير إلى رحمة ربه إلى كل أمير صغيراً كان أو كبيراً على رهط من الناس أو كثير من المسلمين إن الحمد لله وحده خالق السموات والأرضين ورب الخلق أجمعين ، مالك يوم الدين الذي نعبد ونستعين ، والذي أرسل النبي الأمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالقرآن الكريم وبالسنة التي نحن بها مقرون ولها متبعون اللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن قومه ورسولاً عن العالمين.
أما بعد :
فهذه نصيحة من الفقير إلى رحمة ربه إلى كل أمير صغيراً كان أو كبيراً وليّ على رهط من الناس أو كثير من المسلمين ، فأبدأ بما قاله سيد المرسلين ، عن أبي عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فأت الذي هو خير وكفّر عن يمينك )) متفق عليه .
عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم " رواه مسلم .
وعنه قال : قلت : يا رسول الله ألا تستعملني ؟ فضرب بيده على منكبي ثم قال : " يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة ، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها " رواه مسلم .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة " رواه البخاري .
أرجو من الله رب العالمين أن تعيد قراءة مقالة " سيد المرسلين " صلى الله عليه وسلم حتى تستوعبها استيعاب الرزين فتدخل في التفاصيل وأنت من الواعين .
أول ما أذكر به أن العلماء أجمعين وأخص منهم الإمام العظيم ابن تيمية رضي الله عنهم أجمعين قد قال : " والواجب شرعاً اتخاذ الإمارة ديناً وقربة إلى الله تعالى " أي أن الأمر لا يستقيم إلا بإمارة الدنيا والدين مجتمعين ، ولا يصلح حال الرعية قلوّا أو كانوا أكثرية إلا أن يكون لهم أمير أجمعين ، يكون أغلبهم عنه راضين ولرأيه مطيعين ، على أن يشترط فيه العلم بالدنيا والدين بالمستوى الذي يليق بإمارة الرعية وإدارة شئونهم بما يعود عليهم بالخير ويحفظ لهم الدنيا والدين … فهل أنت لهذه الصفات من المتحلين ؟ أم أنك ضعيف من الذين هم للإمارة سائلون ؟ وعليها من الحريصين ؟ وفي الآ خرة( نسأل الله العافية لنا ولك ) من النادمين ؟ .
فإن كنت ممن تولاها عن جدارة فنعم الإمارة وإن شاء الله الكل لك فيها بالإعانة .
فلنبدأ النصيحة :
اعلم أن لله سنناً دوارة فادرسها بأناة وجدارة ، ولا تحد عنها فإنك تصادم الجبل وتأكل الهواء وتظن أنها مهارة ، وأول ما يهمك في الإمارة . . البطانة والشورى والوزارة .
فأما عن البطانة فاسمع قول الحبيب صلى الله عليه وسلم :
عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما بعث الله نبياً ولا استخلف خليفة إلا كانت له بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه ، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه والمعصوم من عصمه الله "
فاعلم أن البطانة هي الخاصة التي تحيط بك باستمرار وتراك في كل حال ، فاتق شر من أحسنت إليه بألا تجعل أمورك كلها بين أيديهم ، ولكن اجعل لكل منهم عملاً محدداً لا يتعداه إلى غيره من الأعمال ، فإن غفل وظن أنه لخطورة عمله يكون من المغفور لهم مهما صنعوا فأقصه قليلاً لعله يكون من العاقلين ، فإن أرجعته وعاد إلى ما كان عليه من تعدي عمله إلى أعمال الآخرين فابتره فإنه ليس من الصالحين واعلم أن من نقل إليك أخبار الآخرين بدون أن يكون عيناً من العيون المكلفين ، فاعلم أنه من المتملقين ويريد القرب منك وأنه من شر الخلق أجمعين لأنه من الواشين النمامين وإن أظهر أنه من الناصحين ، وعليك أن تجعللطانتك على ثلاث أقسام : -
القسم الأول : هم المعاونون ( من الكتبة والسعاة والحراس والخادمين ) فاحذرهم أجمعين وإن تلطفت لهم باللين .
القسم الثاني : وهم الوزراء المنفذون فهؤلاء يختارون من الأكفاء الأقوياء الصالحين واضرب عليهم ثلاث ثلاث اختبارات ، فاختبار الكفاءة حتى تعرف قر كفاءتهم ، واختبار الثقة فلا يفشي لك سراً ولا يخالف لك أمراً إلا لمصلحة راجحة جداً للمسلمين والثالث فتستمر فيه إلا أن يشاء الله بأن يواليك بأموره وأمور وزارته فتتأكد من أن ولايته تفيد وتسير على الوجه السديد ، فهذه ثلاث لا تنساها مع كل وزير ولا تبدل وزرائك حتى تتأكد تماماً أنهم لايفيدون بل يضرون فقلما تعرف الرجل حتى تعاشره ، واجعل قرارات الشورى سراجاً يهديه بعد أن يكون من المقرين لذلك السراج ومن المشاورين .
القسم الثالث : وهم أهل الشورى فوجودهم لازم ورأيهم ملزم فإن لم تفعل فقد عدلت عن قوله تعالى " وأمرهم شورى بينهم " وكذلك " وشاورهم في الأمر " ولا تخالف أمرهم أبداً إلا لمصلحة راجحة ، ولكي تجعل أهل مشورتك مفيدين فعليك أن ترفع من مستواهم أجمعين فتجعلهم باستمرار مطلعين على أمر الدنيا والدين بعد أن تختارهم من أهل الذكر في الدنيا والدين ، وأن يكونوا من العقلاء ذوي الخبرات النابهين فتأمن الزلل لك ولهم أجمعين .
وأما كيف تدير الأمر بين هؤلاء الثلاثة أجمعين فإليك ما وعيت من خبرات الأولين والآخرين .
وأول حال البائعين أن يشتروا الموازين التي بها يزنون ، وسلاح المساحين المسطرة التي بها يقيسون ، فيجب أن يكون لك ولأهل مشورتك والوزراء أجمعين مرجع لا تختلفون عليه فإن ذلك يحسم كثيراً من الأمور فلا تكونوا مختلفين ويوفر لكم ذلك كثيراً من الوقت والاجتهاد وذلك هو قانون المشرعين ( الكتاب والسنة وإجماع أهل الأمة ومذهب شرعي سديد ) فإن لم تفعل فاعلم أنك ستضيع وسط الخلاف والمتخاصمين . وإياك أن تترك الكتاب والسنة المطهرين فإنه الضلال المبين ، وقبل أن تبحث في كتب المحْدَ ثين المضللين من مبتدعة وعلمانيين فانظر أولاً في الكتاب والسنة المطهرين فإن لم تستطع فكلف من يجمع لك ما تريد ، ولقد أنذرتك فلا تكن ممن يحيد عن الدين .
واعلم أن كما نظاماً مع البطانة والمحكومين فلا تنس حقاً لربك عليك وحقاً لأهلك عليك وحقاً لنفسك عليك فآتهم حقهم أجمعين .
فاعلم أن ربك فرض عليك فروضاً فلا تكن لها من المضيعين وألزم بها المحيطين واجعل لك حاجباً لصلاة الفجر فإنها أهم صلاة ينام عنها الغافلون ويكرهها المنافقون ، ولاتنس وردك اليومي من القرآن وكن من الذاكرين ، فإنها أشياء لو علمت قدرها لتركت الإمارة من أجل عدم تضييعها ولا تعاد لله ولياً ، وكن لأهل التقوى والصلا ح في المعية .
وأما عن أهلك فاجعل لهم من يومك ساعة ، فإن خسارتك فيهم أكبر خسارة إن أهملتهم وتركتهم للبطانة .
وأماعن نفسك فاعلم أنه إن لم يكن لك مكان تخلو فيه فإنك لن تقرأ ولن تفكر وستصبح ولا حول ولا قوة إلا بالله في تيه ، فاتخذ لنفسك غرفة هادئة مرتبة تخلو فيها لنفسك أكثر من ساعة لا يزعجك فيها إلا الضروري من أمر المسلمين .
وأما كيف تسير الولاية وأعمال الرعية فقسم هذه الأعمال إلى أمور ثلاثية ، فأولها أمور الرعية ، وثانيها الأمور الإدارية ، وثالثها الترتيبات المستقبلية ، ولا تنفك عن مراعاة هذه الثلاثة وإن طغت إحداها على البقية .
وعن كل واحدة من الثلاث الآ نفة فإني أحدثك إن شاء الله حديثاً طويلاً فتحملني وتحمل طول السالفة .
شئون الرعية :
فمن الرعية تأتي البلية وإن حسنت الإدارة تأتي البركة في البرية فاختر لهم الأكفاء ، وإياك واختيار الأ قرب إن لم يكن الأكفأ فستغلي عليك قلوب الرعية ولن يمحي رضا البطانة والأ قارب غضب الرعية ، وأشغل الناس بالخيرحتى لا يشغلوك بالشر ، وأعنهم على أعمال الخير حتى لا يعجزو فتكثر الشكوى (والبلية ) والفراغ فينقلبواعليك بالشر والدمار .
وكن للناس والرعية يكن الله معك والرعية ، ولا تكن دائماً مطيعاً لبطانتك فيستعبدوك ويجلبوا عليك غضب الله بالإضافة لغضب الرعية ، وكن جاداً حازماً في حل مشاكل الرعية ولو أغضب ذلك حاشيتك المرعية ، وإذا خالفك عاملك في مكان فعاقبته بقدر منع مظلمته ولا تستعديه عليك فإن كثرة الأعداء مهلكة والعدل لك منقبة ( ما بعدها منقبة ) ، ومالا يدرك كله لا يترك كله ، فإن لم تحط بطاعة الناس أجمعين فلا تكسب عداوتهم مجتمعين .
وإذا أردت من رعيتك مالاً فاستطيب كرائم أهلك وأهل الإسلام في بلدتك ولا تفرض عليهم المكوس ولا تسلبهم نعمة ربهم فيكرهوك وينخروا ملكك كالسوس ، وإن خفت طغيانهم فوازن بهم غيرهم من غير أن تضر بأموالهم فيكونوا بهم مشغولين وعن ضرك ملهيين.
وإن أردت أن تفرض عليهم الضرائب فلا تضيق عليهم في عيشهم ، فافرض ما يطيقون وبالتسامح والتساهل يدفعون ، واعلم أن الجار أولى بالشفعة فلا تضن على أهل الإسلا م الموسرين من أن يكونوا للفقراء والعاطلين معينين وذلك بإحياء الموات وعمل الصناعات والزراعات ، وراقبهم مراقبة الوالد الحنون حتى يستمروا منتجين ولما بدأوا متمين وينشغلوا فيماهم منشغلون .
وإن أردت تلمس أحوال الرعية ومنع كيد المكيدين فأرسل عيونك المخلصين لتتبع الشبهات لا العورات ، ولا تطلق لهم الحبلفيضروك بدلاً منأن يفيدوك ، واجعل لهم في كل شخص ينرصدوه حدوداً وأمراً لا يتعدوه ، ولا تكثر في أرضك من الأعداء الكفار والمنافقين فإنهم شر الخلق أجمعين ودأبهم إفساد العاملين وتأليب الرعية المطيعين فاهرش قريحتك الزكية للتخلص التدريجي من هؤلاء الدخلا ء على الرعية .
وإياك والنساء فإن كلا مهن كثير وفعلهن قليل وفتنتهن كبيرة وكيدهن عظيم ، فلا يكن لك وزراء ، وأما الذين تواترت عنهن الأخبار أنهن من النابهات وصحت سيرتهن وثقابة نظرهن فلك أن تقبل منهن نصيحة الناصحين .
واعلم أن أهل مكة أدرى بشعابها فاستشر أهل كل منطقة من الرعية فيما يصلح شئون البرية وإلا فقدت المعية ، وإن فعلت ذلك عرفوك من المتواضعين ونفوا عنك صفات المتكبرين وصدقني أنك أول المستفيدين .
واحذر من خلخلة الأمن والإستقرار فحينما تخفق الحيلة وتطيب نفوس الرعية تستخدم الحزم والقوة الذكية ولاتنس أن لكل شيء حدوداً ( فللحم حدود وللقوة حدود ) ، ومن يصرفه دينار لا تقتله بجيش جرار ، ومن يعارضك بأهله فاستعدي عليه أهل الأرض أولاً ثم احصره فإن رجع فلا تضربه وإن بغى فاقتله ، ولا تلن بالحبس والتسجين ، واعلم أن الرعية إن أعطيتهم أهم ما يريدون أعطوك كل ما تريد ، ولا تستخدم الدعاية في كل حالة واحرص على ودهم واجعلهم لك داعين ، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس ، وازهد في الدنيا يحبك الله وقلبي معك وأنا لك من الداعين إن شاء الله رب العالمين .
الشئون الإدارية :
بعد ما فصلنا ما هدانا الله إليه في أمور الرعية ننتقل إلى الشئون الإدارية ، وأذكرك أولاً أنها ليست لحي وطناً ولو دامت لغيرك ما وصلت إليك ، فاتخذ لك من العقلاء الصالحين نواباً ولا تورثها لقريب إلا أن يكون أواباً .
واعلم يا من ثقل حملك وكثر ولدك وزاد طلا بك أن الأمر لا يستقيم إلا بترتيب الأمور الإدارية فأنت عادل بين الرعية وموجه ومحاسب لوزراء الشئون الإدارية ، فإياك أن تضيف إلى ما ينوء به كتفاك شيئاً من المسؤليات الإدارية أو الوزارية ولكن ارفع من كتفيك إلى أكتاف الأكفاء من الرعية ممن شهد له بالحكمة والروية في شأن من شئون الرعية الإدارية أو الصناعية أو الزراعية ، وكن أنت المحاسب والمراجع ولا تكن أنت المكلف بالتنفيذ وحل المشاكل ، وكن مع وزرائك الناصح الأمين ولا يشقى أحد منهم كونه لك في بعض الرأي من المخالفين ولكن العبرة بالنتيجة ومصلحة المسلمين .
.يتبع