تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : النشرة الجوية والنشرة الاقتصادية؟



العبيـدلي
14-12-2006, 09:42 AM
النشرة الجوية والنشرة الاقتصادية؟


تعددت النشرات التي تطالعنا بها النوافذ الإعلامية، وجلها لا تضيف للمتخصص مزيد معرفة بقدر ما تأخذ من وقته، أما غير المتخصص لا يستفيد منها أيضاً لنشرها قائمة من الأرقام لا يدري كيف يتفاعل معها أو ينتفع بها، وعلى هذا تكون في الغالب تشغل وقتاً أشبه بالفاصل بين البرامج بالنسبة للطرفين.

وأكثر ما ألفناه منها النشرة الجوية، والنشرة الاقتصادية والنشرة الرياضية وغيرها، والتشابه بينها كبير ولو في الظاهر، فالمعلقون لا تحس بأنهم يعطون الجديد أو يظهرون ما لا تراه العين ويستبينها المشاهد، فمثلاً تغلب على النشرات الاقتصادية العرض والسرد المباشر للأرقام التي تراها أمامك لا تضيف تعليقاً أكثر مما تراه، والمؤشر الصاعد تراه صاعداً وكذا في هبوطه سواء رافقت خطوطه يد المعلق أو لم ترافقه، بينما تتجنب تلك النشرات الاجابة على سؤال يبدأ ب(لماذا؟) لماذا هو مرتفع؟ ولماذا بدأ في الانخفاض؟ ولماذا لم تستجب الأرقام لنتائج الأرباح ولماذا لم تتأثر بالخسائر؟ وإن أجابت لم توافقها في يوم غد التأكيدات والحقائق، في الغالب.

كذلك تعودنا في الرياضة، التعليق اللاهث وراء ما نشاهده بأعيننا بما لا يحتاج لمزيد من التوضيح، هو لاعب يركض أمامه كرة وهدف أو خطأ أو سقوط أو ضربة جزاء، وربما ورث التلفزيون هذا التعليق من الاذاعة يوم ان كان المستمعون يتوقون لمعرفة النتيجة، أو متابعة اللعبة، لأن بينهم وبين الملعب ستاراً، واليوم تغير الوضع فالشاشة لا تحتاج إلى تعليق، ولكن الصمت مع الكرة أصبح لا يطاق فأخذ التعليق حقه من سد الفراغ أشبه ما يقال عنه مؤثر صوتي يرافق الصورة.

وحتى نظل في الموضوع الاقتصادي نؤكد التشابه في كون التعادل أمرا مطلوبا في سوق المال خاصة، وذلك بين البائع والمشتري، ولكن قد يكون هناك طرف خاسر يقابله طرف رابح، فوصفه كوصف لحاف غطى مجموعة من المستترين به المحتمين عن البرد بدفئه، فما استتر من البعض فلابد من انكشاف ما يعادله من شخص آخر، ولا ربح للجميع كما لا خسارة على الجميع فمن المستحيل أن يكون ذلك، لكن الذي يمكن أن يكون هو التعادل في بقاء الايداع كما هو لا زيادة فيه ولا ابتلاع.

نعود للنشرة الجوية قليلاً ثم نواصل مع الاقتصادية، فالنشرة الجوية لها سنن واضحة علم يستند على نظام طبيعي مقنن، من ضغط منتظم ورياح واضحة المسار، ورطوبة في السواحل والبحار، وما يتخلل ذلك من عواصف وغبار، وانخفاض وارتفاع في الحرارة، وما يمكن أن يوضع من علامة وإشارة.

وهذه في علومها متعلقة بالطبيعة التي خلقها الله وقدر تلك السنن لا تتبدل ولا تتغير إلا ما شاء ربك أن يكون، في هذا الكون، لا تتعلق بالإنسان ولا يكاد البشر يتحكم في شيء منها، بل يعجز عن التأثير فيها بشكل كبير، وإن كان يحاول التقليل من آثارها عليه وعلى انتاجه واقتصاده وأمور معيشته، مثل مشاكل التصحر، والتلوث البيئي وزحف الرمال، ووقاية النباتات من الآثار المناخية الضارة، كل تلك محاولات على مستوى ضيق ونطاق محدود.

لكن نأتي إلى الناحية البشرية أو ما يتصل بالإنسان من نشاط، مثل الاقتصاد المعتمد على قرارات ذات صلة بمجتمع، وهذه القرارات يمكن أن يصدرها ذلك الإنسان أو لا يصدرها، أو نشاط ما يمكن أن يقوم به أو لا يقوم به، وربما قام بنشاط لا نتوقعه، وبالتالي لا ندري عن مستقبل كثير من القرارات البشرية.

نأتي إلى المهم في هذا الطرح وهو ما أود ان أقوله، والأهمية هنا أعني بها الخلاصة، من كل ما سبق، فالهوامير وأصحاب رؤوس الأموال يطبقون على كم هائل من الأسهم والسيولة والخبرة أيضاً، وبيدهم القرار، الذي يتخذونه متى ما أرادوا، أما المحللون والمراقبون فإنهم يقومون بتوقع نتائج بناء على معطيات ونظريات منفصلة عن قرارات أصحاب الشأن والذين لهم أثرهم في السوق.

ولو أردت تصوير الوضع فإنني أرى مجموعة أمام التلفزيون يراقبون القنوات ويتكئون حولها، يعملون رأيهم ويتشاورون بينهم، تاركين وادي التحليل والتعليل للمحللين والقنوات، قد عاشوا في واديهم المستقل، لا يرون إلا نظاماً يخدمهم، قد بدأوه بتخطيط واتفقوا عليه، لا يغيره كلام يقال ولا يتوقعه كائن من كان، ويتنقلون عبر فقراته وفق النظام بحسب ما يحقق لهم الأماني والأحلام.

العمل البشري لا يمكن لأحد أن يتوقع متغيراته، لا يمكن أن نتوقع قيام هامور الأسهم ببيع أو شراء إلا متى ما أراد، لأن تصرفه ينطلق من إرادته هو فقط ولا ندري متى يريد أو لا يريد.

ليست أمانيه ورغباته ريحا تسير بسرعة محسوبة نستطيع تقدير وصولها في وقت محدد، أو عواصف وسحب كما النشرة الجوية.

الهوامير أعاصير بشرية بدون مقدمات ولا زمن محدد، ولا سرعة لا يمكن تفريغ الخطوات التي تسير عليها في جدول يمكن تتبعه، ومقارنة حاضره بماضيه وتوقع مستقبله، أما حجم التدمير الذي يخلقه إعصارها فيقاس بحجم التعمير لتلك الهوامير والذي يعود عليها بنفع رسمته قبل هبوب إعصارها وخبرته قبل الإقدام ومدت له حبل السباق قبل الانطلاق.

إذاً فالحلبة صراع تغلب فيه الثروة، ولا شجاعة هنا، كموج البحر الهادر لا يعرف له اتجاه معين وحد وقوة أو جهة تحمي منه.

وتظل الأماني والأحلام ترمم ما تناثر وتصدع، ويبقى الأمل نظرة في أفق المستقبل الذي يختفي وراء المجهول وهذا المجهول لدى الكثيرين هو معلوم لدى كل أدوات تحريك الوسط الذي لا يمكن التنبؤ بحركته إلا منها فأين تكون هذه القوة الخفية؟ هل يمكن أن ترصدها الأقمار الصناعية؟




م ن ق و ل


بقلم : ناصر عبدالله الحميضي