مغروور قطر
17-12-2006, 04:36 AM
مستقبل الإصلاح الاقتصادي في سوريا يواجه الكثير من المعوقات والمخاطرة
دمشق - الوطن الاقتصادي
اعلان الحكومة السورية نيتها إجراء اصلاح اقتصادي والسير نحو اقتصاد السوق، دون اعتماد برنامج واضح لهذا الاصلاح أدى إلى بروز تناقضات واضحة بين القائمين على السياسة الاقتصاد في الحكومة وبين المراقبين والمحللين الاقتصاديين من جهة أخرى وقد برزت ثلاثة اتجاهات: اتجاه يدعو إلى الانتقال إلى اقتصاد السوق والحرية الاقتصادية، وهو اتجاه يدعو اليه أنصار النظام الرأسمالي (النيوليبرالي) ومفكروه.
بينما يدعو الاتجاه الثاني إلى التمسك بنظام الاقتصاد المركزي الذي ساد في العقود الأربعة الماضية، وهذا الاتجاه يقاوم العديد من الاصلاحات لأنها برأيه تقوض أساس النظام ومرتكزاته.
أما الاتجاه الثالث فيدعو إلى اصلاح النظام الاقتصادي والسير باتجاه اقتصاد السوق الاجتماعي عبر ادخال بعض عناصر اقتصاد السوق فيه، دون المساس بالثوابت الاجتماعية، أو بقيادة الدولة للاقتصاد، مع تعميق التعددية الاقتصادية والتوسع بها. وهذا الاتجاه هو الاتجاه الرسمي المعلن والغالب. حول هذه الأمور وما يعتري الاقتصادي السوري من عثرات كان لنا هذا اللقاء مع الدكتور مطانيوس حبيب.. أستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق ووزير نفط سابق:
- بداية بعد اقرار الخطة الخمسية العاشرة والتي أصبحت سارية المفعول.. ما هو تقييمكم لمسألة الطروحات والتوقعات التي وردت فيها خاصة فيما يتعلق بالنمو وتخفيض معدل البطالة وزيادة الاستثمار؟
- الخطة الخمسية العاشرة في سوريا للأعوام من 2006 حتى 2010 منهج جديد في التخطيط وهو نقلة نوعية من التخطيط المركزي الملزم إلى التخطيط التوجيهي المحفّز. بمعنى آخر سوريا قررت الانتقال من اقتصاد الحكومة إلى اقتصاد السوق وبذلك تركت الخطة الخمسية العاشرة لقطاع الأعمال المحلي أو الخارجي حرية الاستثمار في الأنشطة الاقتصادية التي يراها في حدود ما تسمح به القوانين المرعية. ومن الصعب جداً اصدار حكم مسبق على النتائج التي ستتمخض عنها تجربة التخطيط التأشيري، فهذا التخطيط يعتمد على منهج تحديد الأهداف واعتماد السياسات الاقتصادية التي تحفّز قطاع الأعمال على الاستثمار في الأنشطة التي تراها الحكومة ضرورية لدفع عملية النمو في الاقتصاد الوطني. أعتقد أن التوقعات الواردة في الخطة طموحة جداً واذا لم تتوافر لها الشروط الضرورية فقد لا تتحقق. ولكن في كل الحالات على الحكومة والطاقم الاقتصادي أن يراقبا حركية الاقتصاد السوري خلال تنفيذ الخطة وإدخال التعديلات الضرورية على السياسات من أجل ضمان حسن تنفيذ الخطة. باعتقادي أن على الحكومة في سوريا تشكيل غرفة عمليات أو ما أسميه بالمرصد الاقتصادي من مجموعة من خبراء في الاقتصاد الكلي لرصد سير التطور وتقديم المقترحات للحكومة من أجل تسهيل عملية التطور الاقتصادي والاجتماعي في ضوء المنهج التخطيطي الجديد.
- هناك بعض المحللين الاقتصاديين يشككون بواقعية الأرقام التي وردت في الخطة الخمسية العاشرة ويؤكدون أن هذه الأرقام نظرية حتى أن البعض يخشى أن تعطي نتائج عكسية كما حدث في الخطة السابقة خاصة أن الخطة الجديدة تترافق مع تحرير أسعار السلع والخدمات تدريجياً في اقتصاد السوق الاجتماعي؟
- المحللون الاقتصاديون في سوريا منقسمون إلى فئتين: فئة متمسكة بالتخطيط المركزي الملزم الذي تتولى بموجبه الحكومة تعبئة المدخرات الوطنية والاستعانة بما أمكن بالقروض والمساعدات الخارجية من أجل دفع عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية إلى الأمام نظراً لضعف الادخارات الوطنية وعدم تجاوب القطاع الخاص مع أهداف الحكومة بالرغم من ترك هامش واسع لقطاع الأعمال للمشاركة في التنمية. وتجربة السنوات السابقة في التخطيط المركزي لم تحقق الأهداف التي كانت تبتغيها الحكومة ولهذا برزت أفكار الفئة الثانية من الاقتصاديين. وهناك خلاف كبير بين المجموعتين احداهما - أي الأولى - ترى أن رأس المال الخاص ضعيف وعاجز عن تحقيق التنمية إلى الأمام، أما أنصار المجموعة الأخرى فيرون أن الاقتصاد الحكومي قد أثبت فشله.
الحكومة في سوريا ذات طابع اجتماعي ملتزم بمصالح الجماهير الشعبية، أخذت، أمام ما واجهته في الواقع وما يحركها من دوافع، بنظام اقتصاد السوق الاجتماعي، أي قررت الافساح في المجال أمام القطاع الخاص دون حدود دون أن تقيل القطاع العام والجهد الحكومي من التزاماته الاجتماعية. لهذا كانت الخطة الخمسية العاشرة خطة تشاركية بين القطاعين العام والخاص على أمل تعبئة كل الجهود الوطنية المتاحة بهدف تحقيق النمو الذي تعثر سابقاً دون التخلي عن الالتزامات الاجتماعية للدولة. ولهذا تعمد الحكومة للتركيز على الانفاق الاجتماعي والتدخل في الاستثمار الانتاجي المباشر عندما يحجم عن ذلك القطاع الخاص لأسبابه.
ويلاحظ أن الحكومة تسعى إلى التوفيق بين تحرير أسعار السلع لدفع آلية اقتصاد السوق إلى الأمام، وفي ذات الوقت تسعى إلى حماية الضعفاء اقتصادياً (رفع الرواتب والأجور، الابقاء على دعم بعض السلع وكذلك توفير الخدمات الصحية والتعليمية...الخ) كل ذلك يزيد من مكافئ القوة الشرائية لوحدة النقد السوريا. بحسب احصاءات البنك الدولي يبلغ الناتج المحلي الاجمالي في سوريا بالدولارات الأميركية حوالي 22 مليار دولار بينما يبلغ بحسب مكافئ القوة الشرائية حوالي 65 مليار دولار.
- كيف تقيمون أداء الفريق الاقتصادي الحالي..وهل تعتقدون أن أداء هذا الفريق قد لامس المشكلات الاجتماعية؟
- الفريق الاقتصادي الحالي يتصف بالطموح العريض حتى يمكن أن نصفه بالجموح الواسع. وأفراده، بالرغم من دفاعهم عن الحرية الاقتصادية جرياً وراء الموضة، نادراً ما يتخلى أحدهم أو بعضهم عن الالتزامات الاجتماعية لكن الملاحظ أن فئات الدخل الضعيف تزداد شكاواها ويبدو أن اتحاد العمال يستعد لمهاجمة الخطة والتشكيك بقدرة الطاقم الاقتصادي على الوفاء بمتطلبات اقتصاد السوق الاجتماعي. علينا أن ننتظر لنرى النتائج قبل اصدار حكم تقويمي.
- تطرح الحكومة إعادة النظر بموضوع الدعم المقدم لعدد من السلع الأساسية وخاصة المازوت بحجة أن ذلك سيوفر على خزينة الدولة 13% من الناتج المحلي.. إلى أي حد ترون أن هذه المراجعة ستحقق النتائج المرجوة دون تداعيات وأخطار سلبية؟
- بالطبع دعم سلع الاستهلاك الشعبي يبقى ضرورة في حال استمر سوء توزيع الدخل. والدعم في سوريا يكلف خزينة الدولة ما لا يقل عن 200 مليار ل.س أي ما يعادل 14 % من الناتج المحلي تقريباً. لكن هذا الدعم يشكل محركاً للطلب الاجمالي الذي من دونه لا يمكن لعجلة الانتاج أن تسير في ظروف تدني مستوى دخل الأفراد.
ولهذا عندما تطرح الحكومة اعادة النظر بموضوع الدعم وخاصة دعم المازوت فلأنها تريد أن تقضي على ظاهرة تهريب المازوت إلى الدول المجاورة، حيث يزيد سعر المازوت بحوالي ضعفين إلى ثلاثة أضعاف عن سعره للمستهلك في سوريا. وهذا التهريب يشكل نزيفاً في الاقتصاد الوطني. أعتقد أن طرح الحكومة لاعادة النظر بموضوع الدعم يقترن دائماً بتحسين آلية ايصال الدعم إلى مستحقيه فعلاً أو البحث في آلية التعويض على الضعفاء اقتصادياً من ذوي الدخل المتدني. وهذا أمر مقبول اقتصادياً، بل ضروري اقتصادياً لتوفير بوصلة لتوجيه الاستهلاك والاستثمار. ومقبول اجتماعياً لأنه يحمي ذوي الدخل المنخفض من تآكل قوتهم الشرائية.
- سجلت الليرة السوريا بعض الاستقرار ولكن هناك من يرى أن هذا الاستقرار مخادع لأنه لا يعبر عن حقيقة الاقتصاد لأن الدولار يواجه أزمة عالمية كيف يمكن أن نحكم في ظل هذا الوضع على السياسية التعددية والمالية في سوريا وهل تعتقدون أن هذه السياسة صائبة بالفعل مع الأخذ بعين الاعتبار أن سعر الذهب قد تجاوز الألف ليرة سوريا؟
- بالطبع الدولار الأميركي يواجه أزمة وقد انخفض سعر تكافؤه أمام اليورو والين والجنيه الاسترليني، وبالتالي سيقود ذلك بالضرورة إلى تحسن في سعر صرف الليرة السوريا. ولكن رأي أولئك الذين يرون أن هذا التحسن مخادع ليس دقيقاً. أعتقد أن اجراء مقارنة علمية دقيقة عن سير الاقتصاد الأميركي وضخامة الانفاق العسكري والعبء الذي ينوخ به على الخزينة الأميركية وحتمية زيادة الاصدار النقدي، مع تطور الاقتصاد السوري وضبط الاصدار النقدي في سوريا والتركيز السوري على البنية التحتية والاستثمارات الانتاجية، تقود هذه المقارنة إلى أن تحسن الليرة السوريا له ما يبرره. لكن الأمر غير مرتبط بمثل هذه المقارنة لأن الاقتصاد السوري ليس من الاقتصادات الفاعلة المشاركة في الاقتصاد العالمي، وبالتالي فان الضغوط السياسية والاقتصادية على سوريا قد تقود إلى تخفيض سعر صرف الليرة بصرف النظر عن وضع الاقتصاد السوري المادي. وهذا ما حدث فعلاً عند صدور تقرير ميليس، المحقق الدولي وتوقع رجال الأعمال احتمال فرض الحصار على سوريا، مما دفع بأصحاب الادخارات السوريين لتحويل موجوداتهم النقدية إلى العملات الأجنبية كملجأ آمن. وبعد زوال مثل هذا الخطر عاد المدخرون لتغذية السوق المحلية بالدولارات التي اشتروها سابقاً ما جعل سعر الدولار يتراجع وفقاً لآلية العرض والطلب. من المتوقع أن يعود سعر الدولار للارتفاع قليلاً مع نضوب كمياته في السوق المحلية ولكنه في كل الحالات لن يكون ارتفاعاً دراماتيكياً بسبب قدوم المصطافين والمغتربين السوريين. أعتقد أن الاجراءات النقدية التي اعتمدها الطاقم الاقتصادي، لحظة ارتفاع سعر الدولار المفاجئ، خلقت نوعاً من حالة الهلع دفعت بالمدخرين إلى تحويل مدخراتهم بسرعة إلى العملات الأجنبية، مما قاد إلى ارتفاع سعر الدولار الجنوني. وقد دفع المدخرون السوريون ثمناً عالياً لحالة الهلع.
من المتوقع أن يستقر سعر صرف الدولار عند مستوياته التي كان عليها قبل حدوث حالة الهلع.
- هل كانت الحكومة برأيكم مضطرة لاتخاذ اجراءات طارئة لتحقيق التكيف بشأن الشراكة الاقتصادية مع أوربا في الوقت الذي تشير فيه المعطيات السياسية بأن التوقيع النهائي على الاتفاقية بدأ يتعثر نتيجة تصاعد الضغوط على سوريا؟
-
دمشق - الوطن الاقتصادي
اعلان الحكومة السورية نيتها إجراء اصلاح اقتصادي والسير نحو اقتصاد السوق، دون اعتماد برنامج واضح لهذا الاصلاح أدى إلى بروز تناقضات واضحة بين القائمين على السياسة الاقتصاد في الحكومة وبين المراقبين والمحللين الاقتصاديين من جهة أخرى وقد برزت ثلاثة اتجاهات: اتجاه يدعو إلى الانتقال إلى اقتصاد السوق والحرية الاقتصادية، وهو اتجاه يدعو اليه أنصار النظام الرأسمالي (النيوليبرالي) ومفكروه.
بينما يدعو الاتجاه الثاني إلى التمسك بنظام الاقتصاد المركزي الذي ساد في العقود الأربعة الماضية، وهذا الاتجاه يقاوم العديد من الاصلاحات لأنها برأيه تقوض أساس النظام ومرتكزاته.
أما الاتجاه الثالث فيدعو إلى اصلاح النظام الاقتصادي والسير باتجاه اقتصاد السوق الاجتماعي عبر ادخال بعض عناصر اقتصاد السوق فيه، دون المساس بالثوابت الاجتماعية، أو بقيادة الدولة للاقتصاد، مع تعميق التعددية الاقتصادية والتوسع بها. وهذا الاتجاه هو الاتجاه الرسمي المعلن والغالب. حول هذه الأمور وما يعتري الاقتصادي السوري من عثرات كان لنا هذا اللقاء مع الدكتور مطانيوس حبيب.. أستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق ووزير نفط سابق:
- بداية بعد اقرار الخطة الخمسية العاشرة والتي أصبحت سارية المفعول.. ما هو تقييمكم لمسألة الطروحات والتوقعات التي وردت فيها خاصة فيما يتعلق بالنمو وتخفيض معدل البطالة وزيادة الاستثمار؟
- الخطة الخمسية العاشرة في سوريا للأعوام من 2006 حتى 2010 منهج جديد في التخطيط وهو نقلة نوعية من التخطيط المركزي الملزم إلى التخطيط التوجيهي المحفّز. بمعنى آخر سوريا قررت الانتقال من اقتصاد الحكومة إلى اقتصاد السوق وبذلك تركت الخطة الخمسية العاشرة لقطاع الأعمال المحلي أو الخارجي حرية الاستثمار في الأنشطة الاقتصادية التي يراها في حدود ما تسمح به القوانين المرعية. ومن الصعب جداً اصدار حكم مسبق على النتائج التي ستتمخض عنها تجربة التخطيط التأشيري، فهذا التخطيط يعتمد على منهج تحديد الأهداف واعتماد السياسات الاقتصادية التي تحفّز قطاع الأعمال على الاستثمار في الأنشطة التي تراها الحكومة ضرورية لدفع عملية النمو في الاقتصاد الوطني. أعتقد أن التوقعات الواردة في الخطة طموحة جداً واذا لم تتوافر لها الشروط الضرورية فقد لا تتحقق. ولكن في كل الحالات على الحكومة والطاقم الاقتصادي أن يراقبا حركية الاقتصاد السوري خلال تنفيذ الخطة وإدخال التعديلات الضرورية على السياسات من أجل ضمان حسن تنفيذ الخطة. باعتقادي أن على الحكومة في سوريا تشكيل غرفة عمليات أو ما أسميه بالمرصد الاقتصادي من مجموعة من خبراء في الاقتصاد الكلي لرصد سير التطور وتقديم المقترحات للحكومة من أجل تسهيل عملية التطور الاقتصادي والاجتماعي في ضوء المنهج التخطيطي الجديد.
- هناك بعض المحللين الاقتصاديين يشككون بواقعية الأرقام التي وردت في الخطة الخمسية العاشرة ويؤكدون أن هذه الأرقام نظرية حتى أن البعض يخشى أن تعطي نتائج عكسية كما حدث في الخطة السابقة خاصة أن الخطة الجديدة تترافق مع تحرير أسعار السلع والخدمات تدريجياً في اقتصاد السوق الاجتماعي؟
- المحللون الاقتصاديون في سوريا منقسمون إلى فئتين: فئة متمسكة بالتخطيط المركزي الملزم الذي تتولى بموجبه الحكومة تعبئة المدخرات الوطنية والاستعانة بما أمكن بالقروض والمساعدات الخارجية من أجل دفع عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية إلى الأمام نظراً لضعف الادخارات الوطنية وعدم تجاوب القطاع الخاص مع أهداف الحكومة بالرغم من ترك هامش واسع لقطاع الأعمال للمشاركة في التنمية. وتجربة السنوات السابقة في التخطيط المركزي لم تحقق الأهداف التي كانت تبتغيها الحكومة ولهذا برزت أفكار الفئة الثانية من الاقتصاديين. وهناك خلاف كبير بين المجموعتين احداهما - أي الأولى - ترى أن رأس المال الخاص ضعيف وعاجز عن تحقيق التنمية إلى الأمام، أما أنصار المجموعة الأخرى فيرون أن الاقتصاد الحكومي قد أثبت فشله.
الحكومة في سوريا ذات طابع اجتماعي ملتزم بمصالح الجماهير الشعبية، أخذت، أمام ما واجهته في الواقع وما يحركها من دوافع، بنظام اقتصاد السوق الاجتماعي، أي قررت الافساح في المجال أمام القطاع الخاص دون حدود دون أن تقيل القطاع العام والجهد الحكومي من التزاماته الاجتماعية. لهذا كانت الخطة الخمسية العاشرة خطة تشاركية بين القطاعين العام والخاص على أمل تعبئة كل الجهود الوطنية المتاحة بهدف تحقيق النمو الذي تعثر سابقاً دون التخلي عن الالتزامات الاجتماعية للدولة. ولهذا تعمد الحكومة للتركيز على الانفاق الاجتماعي والتدخل في الاستثمار الانتاجي المباشر عندما يحجم عن ذلك القطاع الخاص لأسبابه.
ويلاحظ أن الحكومة تسعى إلى التوفيق بين تحرير أسعار السلع لدفع آلية اقتصاد السوق إلى الأمام، وفي ذات الوقت تسعى إلى حماية الضعفاء اقتصادياً (رفع الرواتب والأجور، الابقاء على دعم بعض السلع وكذلك توفير الخدمات الصحية والتعليمية...الخ) كل ذلك يزيد من مكافئ القوة الشرائية لوحدة النقد السوريا. بحسب احصاءات البنك الدولي يبلغ الناتج المحلي الاجمالي في سوريا بالدولارات الأميركية حوالي 22 مليار دولار بينما يبلغ بحسب مكافئ القوة الشرائية حوالي 65 مليار دولار.
- كيف تقيمون أداء الفريق الاقتصادي الحالي..وهل تعتقدون أن أداء هذا الفريق قد لامس المشكلات الاجتماعية؟
- الفريق الاقتصادي الحالي يتصف بالطموح العريض حتى يمكن أن نصفه بالجموح الواسع. وأفراده، بالرغم من دفاعهم عن الحرية الاقتصادية جرياً وراء الموضة، نادراً ما يتخلى أحدهم أو بعضهم عن الالتزامات الاجتماعية لكن الملاحظ أن فئات الدخل الضعيف تزداد شكاواها ويبدو أن اتحاد العمال يستعد لمهاجمة الخطة والتشكيك بقدرة الطاقم الاقتصادي على الوفاء بمتطلبات اقتصاد السوق الاجتماعي. علينا أن ننتظر لنرى النتائج قبل اصدار حكم تقويمي.
- تطرح الحكومة إعادة النظر بموضوع الدعم المقدم لعدد من السلع الأساسية وخاصة المازوت بحجة أن ذلك سيوفر على خزينة الدولة 13% من الناتج المحلي.. إلى أي حد ترون أن هذه المراجعة ستحقق النتائج المرجوة دون تداعيات وأخطار سلبية؟
- بالطبع دعم سلع الاستهلاك الشعبي يبقى ضرورة في حال استمر سوء توزيع الدخل. والدعم في سوريا يكلف خزينة الدولة ما لا يقل عن 200 مليار ل.س أي ما يعادل 14 % من الناتج المحلي تقريباً. لكن هذا الدعم يشكل محركاً للطلب الاجمالي الذي من دونه لا يمكن لعجلة الانتاج أن تسير في ظروف تدني مستوى دخل الأفراد.
ولهذا عندما تطرح الحكومة اعادة النظر بموضوع الدعم وخاصة دعم المازوت فلأنها تريد أن تقضي على ظاهرة تهريب المازوت إلى الدول المجاورة، حيث يزيد سعر المازوت بحوالي ضعفين إلى ثلاثة أضعاف عن سعره للمستهلك في سوريا. وهذا التهريب يشكل نزيفاً في الاقتصاد الوطني. أعتقد أن طرح الحكومة لاعادة النظر بموضوع الدعم يقترن دائماً بتحسين آلية ايصال الدعم إلى مستحقيه فعلاً أو البحث في آلية التعويض على الضعفاء اقتصادياً من ذوي الدخل المتدني. وهذا أمر مقبول اقتصادياً، بل ضروري اقتصادياً لتوفير بوصلة لتوجيه الاستهلاك والاستثمار. ومقبول اجتماعياً لأنه يحمي ذوي الدخل المنخفض من تآكل قوتهم الشرائية.
- سجلت الليرة السوريا بعض الاستقرار ولكن هناك من يرى أن هذا الاستقرار مخادع لأنه لا يعبر عن حقيقة الاقتصاد لأن الدولار يواجه أزمة عالمية كيف يمكن أن نحكم في ظل هذا الوضع على السياسية التعددية والمالية في سوريا وهل تعتقدون أن هذه السياسة صائبة بالفعل مع الأخذ بعين الاعتبار أن سعر الذهب قد تجاوز الألف ليرة سوريا؟
- بالطبع الدولار الأميركي يواجه أزمة وقد انخفض سعر تكافؤه أمام اليورو والين والجنيه الاسترليني، وبالتالي سيقود ذلك بالضرورة إلى تحسن في سعر صرف الليرة السوريا. ولكن رأي أولئك الذين يرون أن هذا التحسن مخادع ليس دقيقاً. أعتقد أن اجراء مقارنة علمية دقيقة عن سير الاقتصاد الأميركي وضخامة الانفاق العسكري والعبء الذي ينوخ به على الخزينة الأميركية وحتمية زيادة الاصدار النقدي، مع تطور الاقتصاد السوري وضبط الاصدار النقدي في سوريا والتركيز السوري على البنية التحتية والاستثمارات الانتاجية، تقود هذه المقارنة إلى أن تحسن الليرة السوريا له ما يبرره. لكن الأمر غير مرتبط بمثل هذه المقارنة لأن الاقتصاد السوري ليس من الاقتصادات الفاعلة المشاركة في الاقتصاد العالمي، وبالتالي فان الضغوط السياسية والاقتصادية على سوريا قد تقود إلى تخفيض سعر صرف الليرة بصرف النظر عن وضع الاقتصاد السوري المادي. وهذا ما حدث فعلاً عند صدور تقرير ميليس، المحقق الدولي وتوقع رجال الأعمال احتمال فرض الحصار على سوريا، مما دفع بأصحاب الادخارات السوريين لتحويل موجوداتهم النقدية إلى العملات الأجنبية كملجأ آمن. وبعد زوال مثل هذا الخطر عاد المدخرون لتغذية السوق المحلية بالدولارات التي اشتروها سابقاً ما جعل سعر الدولار يتراجع وفقاً لآلية العرض والطلب. من المتوقع أن يعود سعر الدولار للارتفاع قليلاً مع نضوب كمياته في السوق المحلية ولكنه في كل الحالات لن يكون ارتفاعاً دراماتيكياً بسبب قدوم المصطافين والمغتربين السوريين. أعتقد أن الاجراءات النقدية التي اعتمدها الطاقم الاقتصادي، لحظة ارتفاع سعر الدولار المفاجئ، خلقت نوعاً من حالة الهلع دفعت بالمدخرين إلى تحويل مدخراتهم بسرعة إلى العملات الأجنبية، مما قاد إلى ارتفاع سعر الدولار الجنوني. وقد دفع المدخرون السوريون ثمناً عالياً لحالة الهلع.
من المتوقع أن يستقر سعر صرف الدولار عند مستوياته التي كان عليها قبل حدوث حالة الهلع.
- هل كانت الحكومة برأيكم مضطرة لاتخاذ اجراءات طارئة لتحقيق التكيف بشأن الشراكة الاقتصادية مع أوربا في الوقت الذي تشير فيه المعطيات السياسية بأن التوقيع النهائي على الاتفاقية بدأ يتعثر نتيجة تصاعد الضغوط على سوريا؟
-