ضوى
18-12-2006, 11:36 AM
موضوع اعجبني في احد المنتديات واحببت ان اشرككم به وارجو ان لا تتضايقوا مني لان الموضوع طويل شكرا لسعة صدوركم :looking: :looking:
محاذير الكتابة
في المواقع والمنتديات
حين تتقدم نحو موقع أو منتدى محاولا التسجيل كعضو، تنبه بضرورة قراءة شروط المنتدى أو الموقع، ويترك لك مربعا صغيرا تضع فيه علامة صغيرة تشير من خلالها إلى قبول أو رفض الشروط، ثم يكون من حقك إذا وافقت، الدخول إلى المنتديات والمواقع للمشاركة.
ومن الطبيعي، أن الرفض يعني بقاءك بعيدا عن كل صلة توصلك إلى القارىء أو المثقف الذي تود الوصول إليه من خلال تلك النوافذ.
وهذا، وان شكل هاجسا للبعض، فانه يعتبر حق للبعض الآخر، وما بين الهاجس والحق، تقع السلطة المتخفية بالشروط التي برزت فور طلبك التسجيل، تلك السلطة التي تدفعك مرغما، مستسلما للرضوخ بدائرة الإجابة الأولى، "أوافق، لا أوافق" أي بمعنى أكثر دقة وتبيان " نعم ، أو ، لا ".
وليس على الأرض استبدادا يفوق تلخيص الإجابة قسرا وعنوة من موقع سلطوي بنعم أم لا.
فإذا ما تجاوزنا هذا الأمر، وطبعا تجاوز المكره الذي لا يملك إلا التجاوز حتى يكون بامكانه التواصل مع القارىء والمثقف العربي، فإننا سنواجه بمفهوم القوانين المسنونة، والأخلاقيات المرسومة، والضوابط المقررة.
وأنا لا اعترض هنا على فكرة القانون أو الأخلاق أو الضوابط، وإنما اعترض على طريقة التعارف والتفاهم والإدراك التي تلزم الكاتب على انتهاجها وفق مفاهيم تفسيرية نابعة من شخوص أصحاب المواقع وفهمهم الخاص لمجموعة السلوكيات التي وضعت كحد خط حديدي لا يمكن الالتفاف عنه أو التراجع.
وهذه مسألة جد خطيرة، لان الموقع بيده أن يبقي العمل المنشور، وبيده حذفه، بيده إثباته كما أراده الكاتب وبيده تعديله، وكذلك بيده إبقاء المنتسب أو إلغاء انتسابه.
ومن هنا تحديدا تظهر الخطورة، لان ما تراه إدارة الموقع يعتبر ملزما وفق رؤيتهم وفهمهم وتفسيرهم لمعنى الضوابط والقوانين والأخلاق، ووفق الثقافة التي نشأوا وتربوا عليها، ووفق معايير خبروها أو استنبطوها من مخزون الفهم الخاص بهم وبتكوينهم العقلي والنفسي.
ولو أخذنا مفهوم الأخلاق الذي يدعون الكاتب للالتزام به، فانه مفهوم يعتبر من الناحية الظاهرية واضح بين، لا لبس فيه، ولا غشاوة عليه، لان الأخلاق كمنهج عام في الوعي واللاوعي، يعتبر بدهية لا يمكن التظاهر بعدم معرفتها.
ولكن، هل هذا صحيح؟
بالطبع لا، لأن مفهوم الأخلاق يتباين ويختلف من رؤيا إلى رؤيا، ومن عقل إلى عقل، ومن إدراك إلى إدراك.
فالأخلاق التي أتى بها القرآن الكريم والسنة النبوية، وما تعارف عليه السلف الصالح، وعلماء الأمة الأنقياء الأتقياء، لا جدل فيها ولا جدال، أما الأخلاق التي أتت بفعل التطورات الأممية والمجتمعية التي رافقت انصهار الحضارات وذوبانها ببعضها بتأثير التقارب الاممي عبر أجيال مختلفة، هذه الأخلاق الجديدة، يمكن النظر فيها والاختلاف عليها وعلى مؤداها، لأنها ليست وحيا أو دينا لا يمكن الاقتراب أو المس به.
ولكنها يمكن أن تتحول إلى نوع من المحرمات التي لا يمكن مسها، إذا ما تشكل بوعينا بطريقة منظمة عبر الإعلام، وعبر الاقتصاد، وعبر السلطة، بأنها قواعد تفكير حديث، يدخل منطق الأخلاق الواجب احترامها وعدم المس بها.
وقبل أن انتقل إلى مثل حي يوضح ما ارمي إليه، أود أن أضع قاعدة يمكن الانطلاق من خلالها لتفسير منطق الأخلاق الجديدة، ومنطق التفكير والوعي المتكون في نفوسنا عبر ممرات خاصة متدرجة تأخذ من الوقت أسلوبا قادرا على تثبيت ما هو جديد في العقول بمساندة عوامل أخرى، وأهمها عامل القوة، بكل ما يرافقه من أشكال وأنماط وأساليب.
فالقوة هي مركز الجذب، ومركز القدرة، ومركز صياغة الأحداث والمفاهيم والأخلاق، لأنها القادرة على كبح ولجم كل ما يعترض طريقها، إما بالتذويب والتلاشي بأسلوب القوة الضاربة، وإما بأسلوب منع شيء مقابل ظهور شيء آخر.
ولنأخذ مثلا على ذلك، هو اقرب إلى الإنسان من كف يده، وهو الوضع العربي القائم، وهو وضع لا شك بأنه وصل إلى أقصى درجات الانحطاط والتردي، بل ووصل إلى منطقة من التشابك والتعقيد، أضحى الخروج منه يتطلب معجزة خارقة تأتي من السماء دون أن تكون لها أي علاقة بأهل الأرض.
في هذا الوضع نبتت وتكونت مجموعة من الأخلاقيات الجديدة، وهي كثيرة إلى حد انه لا يمكن إحصاءها، ولكني سأطرح بعضها للتدليل فقط، ولأقوم بربطها بمفهوم القوة الذي مكنها وجعلها مبادىء وأصول لا يمكن التفريط بها أو التنازل عنها.
وأول تلك الأخلاقيات، عدم المس أو التشهير بشخص أو جماعة محددة، وكذلك عدم استخدام الاسم أثناء الكتابة عن شخص بعينه.
وقد أخذ هذا الفهم اسم الأخلاق الصحفية، دون أن يعطي حرمان الكاتب من حقه في إظهار الحق، وتوضيح أعمال الشخص المحمي من خلال أخلاق الصحافة أي اسم مقابل.
لقد ورثنا ومنذ أقدم الأزمان وأبعدها أن اللغات تحمل تعابير وصفات وألفاظ تحدد وبدقة متناهية سلوكيات الناس وتفرزها في بوتقات مختلفة، فمثلا الكذب صفة ملازمة للكذاب، والنفاق صفة ملازمة للمنافق، والخسيس صفة ملازمة للخسة، وهكذا دواليك.
لكن هذه الألفاظ أصبحت الآن فضفاضة المعنى، أو بتعبير أدق هلامية، لا تستطيع الالتصاق بمن يمثلها، فإذا ما وقف رئيس دولة " ولنقل انه س " – وأنا أقول "س" خوفا من حذف مقالتي، أو تصحيحها من قبل أصحاب سلطة المواقع والمنتديات - على منبر، عبر شاشات العالم ومارس الكذب الفاضح والمكشوف، فانه يحرم علينا بفعل الأخلاقيات الجديدة أن نقف لنسميه بالكذاب، لأنه ومن موقع سلطته يستطيع مقاضاة الموقع أو اغلاقة، وقوته طبعا تفوق قوة الموقع وإدارته، ومن هنا يتبن لنا بان القانون دخل إلى الموقع من خلال قوة من يملك بقاءه أو إعدامه، وليس من قبيل الاقتناع بروح الأخلاق الجديدة.
ولكن عيب الموقع يكمن حين نراه يحاول الوصول بالقارىء والكاتب إلى ضرورة الاقتناع بان هذه القواعد هي قواعد يجب الاعتراف بصحتها والالتزام بها.
وسؤالنا إلى جهابذة المواقع، ماذا نسمي الكذاب؟ وماذا نسمي العاهر؟ إذا كانت هناك مفردات جديدة يمكننا التعامل معها كبديل لا ينتقص من صفاتها المكونة لها، فأسعفونا بها.
مثل آخر، نستطيع أن نراه في كل يوم، وهو عالم الفن والفنانين، العالم الغاص بالفحش والرذيلة والعهر والانفلات من اقل ما يمكن أن يسمى بالأخلاق.
ذلك العالم الذي يقوده الآن عالم القوة والنفوذ، والذي يستبسل في نشر الفواحش، وتحطيم الأخلاق الإسلامية العربية، وتحويل مسارات المجتمع إلى مجتمع يكون مفاهيما جديدة عن الحرية والمرأة والأخلاق والعقائد، العالم الذي تخصص بعض من نجومه في التعرض للدين الإسلامي والنيل منه بطريقة السخرية ، بل وتمادى إلى اعتباره دين الإرهاب والقتل والتدمير، ودين التخلف والتقوقع والانكماش.
هؤلاء بامكانهم أن يقولوا ما شاءوا، دون خوف أو وجل، مع أنهم في ميزان الأخلاق الحقة، لا يساوون سوى أنهم حشرات تأبى الحشرات عن الاتصاف بصفاتها.
أما الكاتب، فعليه أن يتوخى الحذر، ويأخذ العام ويترك الخاص، في أن الخاص منهم يأخذ العام والخاص في المجتمع والتاريخ.
ولست اعرف، حين يأتي مشهد تلتحم فيه الشفاه، وتشابك الأفخاذ، وتضج الشاشة بالغنج والتأوهات، ماذا علينا أن نسمي من قام بالمشهد؟ مع العلم أن اللغة أعطتهم ألفاظا واضحة، كالعاهر والعاهرة، والزاني والزانية، ولكن هل يسمح للكاتب بان يقف لهم مثل هذه الألفاظ، في الوقت الذي يسمح لهم باختراق كل القيم والأخلاق والعفة والطهارة على مرأى من الملايين، وتحت رعاية القوة المسيطرة، ولكن المواقع والمنتديات، تملك كغيرها حجة المقهور بأنها لا تود النزول إلى الدرك الذي نزلوا هم إليه، وهي حجة مردودة، فالتعفف عن هؤلاء، لا يعني أبدا عدم التشابه بهم، بل يعني على اقل تقدير، عدم القدرة على صياغة نقد واضح كاشف لهم ولأفكارهم وسلوكياتهم.
نأتي بعدها إلى مفهوم الدين، الذي نعاني من تثبيته بصورة تلح علينا في مراجعة المفاهيم التي أدت أحيانا إلى قصور في استيعاب دور الدين في تشكيل العقل المسلم.
وأنا أود أن أؤكد ومنذ البداية، بان مواطن النص القاطع الثابت، لا يمكن أعمال الفكر أو الاجتهاد أو التحليل بمواطنها، وكذلك الشرع الذي تنافلناه عن السلف ضمن قاعدة " شرع من قبلنا شرع لنا"، وإنما أردت الدخول بمعنى نفسي يبدو ظاهره خير وصواب، دون الانتباه إلى باطن توابعه وملحقاته وافرازاته النفسية.
وأردت أن أقف على مفهوم تحديد النقد الموجه إلى أفكار وشخصيات أخذت من الدين منهجا لتوجهها في الحياة، دون الدخول بنواياهم وقلوبهم للحكم على ما يبطنوا أو يخفوا في الصدور، لان النيات متروكة لخالقها العالم بها علم الخبير وعلم اليقين، وإنما أردت نقد الظاهر الحاصل الواضح، حتى تتجلى الأخطاء وتنكشف، ليتم البناء على أساس سليم وواع لحركة النمو والبناء التي يجب أن يتحلى المسلم بها، دون خوف أو وجل.
ولا أظن – وهذا اعتقاد خاص نشأت عليه منذ الطفولة، وسبب لي الكثير من المشاكل- أن هناك إنسانا يعلو فوق النقد، مهما بلغ علمه وعظم شأنه، لأنه في النهاية إنسان، يخضع للخروج من العصمة، والانزياح عن الكمال.
ولا يشترط بالناقد أن يكون بمنزلة المنقود من العلم، ولا بغزارة إنتاجه وسيل شهرته، فقد يأتي النقد حول مسالة صغيرة من إنسان بسيط، تنبه عالم، أو تلفت نظر امة، وفي التاريخ البشري والإسلامي من الشواهد على ذلك كثير الكثير.
وإذا ما عدنا إلى الإشارة التي أشرت إليها، وهو الدخول بمعنى نفسي ظاهره صواب وخير، ولكن توابع باطنه تجر وبالا على الأمة، وعلى الجيل الناشئ.
محاذير الكتابة
في المواقع والمنتديات
حين تتقدم نحو موقع أو منتدى محاولا التسجيل كعضو، تنبه بضرورة قراءة شروط المنتدى أو الموقع، ويترك لك مربعا صغيرا تضع فيه علامة صغيرة تشير من خلالها إلى قبول أو رفض الشروط، ثم يكون من حقك إذا وافقت، الدخول إلى المنتديات والمواقع للمشاركة.
ومن الطبيعي، أن الرفض يعني بقاءك بعيدا عن كل صلة توصلك إلى القارىء أو المثقف الذي تود الوصول إليه من خلال تلك النوافذ.
وهذا، وان شكل هاجسا للبعض، فانه يعتبر حق للبعض الآخر، وما بين الهاجس والحق، تقع السلطة المتخفية بالشروط التي برزت فور طلبك التسجيل، تلك السلطة التي تدفعك مرغما، مستسلما للرضوخ بدائرة الإجابة الأولى، "أوافق، لا أوافق" أي بمعنى أكثر دقة وتبيان " نعم ، أو ، لا ".
وليس على الأرض استبدادا يفوق تلخيص الإجابة قسرا وعنوة من موقع سلطوي بنعم أم لا.
فإذا ما تجاوزنا هذا الأمر، وطبعا تجاوز المكره الذي لا يملك إلا التجاوز حتى يكون بامكانه التواصل مع القارىء والمثقف العربي، فإننا سنواجه بمفهوم القوانين المسنونة، والأخلاقيات المرسومة، والضوابط المقررة.
وأنا لا اعترض هنا على فكرة القانون أو الأخلاق أو الضوابط، وإنما اعترض على طريقة التعارف والتفاهم والإدراك التي تلزم الكاتب على انتهاجها وفق مفاهيم تفسيرية نابعة من شخوص أصحاب المواقع وفهمهم الخاص لمجموعة السلوكيات التي وضعت كحد خط حديدي لا يمكن الالتفاف عنه أو التراجع.
وهذه مسألة جد خطيرة، لان الموقع بيده أن يبقي العمل المنشور، وبيده حذفه، بيده إثباته كما أراده الكاتب وبيده تعديله، وكذلك بيده إبقاء المنتسب أو إلغاء انتسابه.
ومن هنا تحديدا تظهر الخطورة، لان ما تراه إدارة الموقع يعتبر ملزما وفق رؤيتهم وفهمهم وتفسيرهم لمعنى الضوابط والقوانين والأخلاق، ووفق الثقافة التي نشأوا وتربوا عليها، ووفق معايير خبروها أو استنبطوها من مخزون الفهم الخاص بهم وبتكوينهم العقلي والنفسي.
ولو أخذنا مفهوم الأخلاق الذي يدعون الكاتب للالتزام به، فانه مفهوم يعتبر من الناحية الظاهرية واضح بين، لا لبس فيه، ولا غشاوة عليه، لان الأخلاق كمنهج عام في الوعي واللاوعي، يعتبر بدهية لا يمكن التظاهر بعدم معرفتها.
ولكن، هل هذا صحيح؟
بالطبع لا، لأن مفهوم الأخلاق يتباين ويختلف من رؤيا إلى رؤيا، ومن عقل إلى عقل، ومن إدراك إلى إدراك.
فالأخلاق التي أتى بها القرآن الكريم والسنة النبوية، وما تعارف عليه السلف الصالح، وعلماء الأمة الأنقياء الأتقياء، لا جدل فيها ولا جدال، أما الأخلاق التي أتت بفعل التطورات الأممية والمجتمعية التي رافقت انصهار الحضارات وذوبانها ببعضها بتأثير التقارب الاممي عبر أجيال مختلفة، هذه الأخلاق الجديدة، يمكن النظر فيها والاختلاف عليها وعلى مؤداها، لأنها ليست وحيا أو دينا لا يمكن الاقتراب أو المس به.
ولكنها يمكن أن تتحول إلى نوع من المحرمات التي لا يمكن مسها، إذا ما تشكل بوعينا بطريقة منظمة عبر الإعلام، وعبر الاقتصاد، وعبر السلطة، بأنها قواعد تفكير حديث، يدخل منطق الأخلاق الواجب احترامها وعدم المس بها.
وقبل أن انتقل إلى مثل حي يوضح ما ارمي إليه، أود أن أضع قاعدة يمكن الانطلاق من خلالها لتفسير منطق الأخلاق الجديدة، ومنطق التفكير والوعي المتكون في نفوسنا عبر ممرات خاصة متدرجة تأخذ من الوقت أسلوبا قادرا على تثبيت ما هو جديد في العقول بمساندة عوامل أخرى، وأهمها عامل القوة، بكل ما يرافقه من أشكال وأنماط وأساليب.
فالقوة هي مركز الجذب، ومركز القدرة، ومركز صياغة الأحداث والمفاهيم والأخلاق، لأنها القادرة على كبح ولجم كل ما يعترض طريقها، إما بالتذويب والتلاشي بأسلوب القوة الضاربة، وإما بأسلوب منع شيء مقابل ظهور شيء آخر.
ولنأخذ مثلا على ذلك، هو اقرب إلى الإنسان من كف يده، وهو الوضع العربي القائم، وهو وضع لا شك بأنه وصل إلى أقصى درجات الانحطاط والتردي، بل ووصل إلى منطقة من التشابك والتعقيد، أضحى الخروج منه يتطلب معجزة خارقة تأتي من السماء دون أن تكون لها أي علاقة بأهل الأرض.
في هذا الوضع نبتت وتكونت مجموعة من الأخلاقيات الجديدة، وهي كثيرة إلى حد انه لا يمكن إحصاءها، ولكني سأطرح بعضها للتدليل فقط، ولأقوم بربطها بمفهوم القوة الذي مكنها وجعلها مبادىء وأصول لا يمكن التفريط بها أو التنازل عنها.
وأول تلك الأخلاقيات، عدم المس أو التشهير بشخص أو جماعة محددة، وكذلك عدم استخدام الاسم أثناء الكتابة عن شخص بعينه.
وقد أخذ هذا الفهم اسم الأخلاق الصحفية، دون أن يعطي حرمان الكاتب من حقه في إظهار الحق، وتوضيح أعمال الشخص المحمي من خلال أخلاق الصحافة أي اسم مقابل.
لقد ورثنا ومنذ أقدم الأزمان وأبعدها أن اللغات تحمل تعابير وصفات وألفاظ تحدد وبدقة متناهية سلوكيات الناس وتفرزها في بوتقات مختلفة، فمثلا الكذب صفة ملازمة للكذاب، والنفاق صفة ملازمة للمنافق، والخسيس صفة ملازمة للخسة، وهكذا دواليك.
لكن هذه الألفاظ أصبحت الآن فضفاضة المعنى، أو بتعبير أدق هلامية، لا تستطيع الالتصاق بمن يمثلها، فإذا ما وقف رئيس دولة " ولنقل انه س " – وأنا أقول "س" خوفا من حذف مقالتي، أو تصحيحها من قبل أصحاب سلطة المواقع والمنتديات - على منبر، عبر شاشات العالم ومارس الكذب الفاضح والمكشوف، فانه يحرم علينا بفعل الأخلاقيات الجديدة أن نقف لنسميه بالكذاب، لأنه ومن موقع سلطته يستطيع مقاضاة الموقع أو اغلاقة، وقوته طبعا تفوق قوة الموقع وإدارته، ومن هنا يتبن لنا بان القانون دخل إلى الموقع من خلال قوة من يملك بقاءه أو إعدامه، وليس من قبيل الاقتناع بروح الأخلاق الجديدة.
ولكن عيب الموقع يكمن حين نراه يحاول الوصول بالقارىء والكاتب إلى ضرورة الاقتناع بان هذه القواعد هي قواعد يجب الاعتراف بصحتها والالتزام بها.
وسؤالنا إلى جهابذة المواقع، ماذا نسمي الكذاب؟ وماذا نسمي العاهر؟ إذا كانت هناك مفردات جديدة يمكننا التعامل معها كبديل لا ينتقص من صفاتها المكونة لها، فأسعفونا بها.
مثل آخر، نستطيع أن نراه في كل يوم، وهو عالم الفن والفنانين، العالم الغاص بالفحش والرذيلة والعهر والانفلات من اقل ما يمكن أن يسمى بالأخلاق.
ذلك العالم الذي يقوده الآن عالم القوة والنفوذ، والذي يستبسل في نشر الفواحش، وتحطيم الأخلاق الإسلامية العربية، وتحويل مسارات المجتمع إلى مجتمع يكون مفاهيما جديدة عن الحرية والمرأة والأخلاق والعقائد، العالم الذي تخصص بعض من نجومه في التعرض للدين الإسلامي والنيل منه بطريقة السخرية ، بل وتمادى إلى اعتباره دين الإرهاب والقتل والتدمير، ودين التخلف والتقوقع والانكماش.
هؤلاء بامكانهم أن يقولوا ما شاءوا، دون خوف أو وجل، مع أنهم في ميزان الأخلاق الحقة، لا يساوون سوى أنهم حشرات تأبى الحشرات عن الاتصاف بصفاتها.
أما الكاتب، فعليه أن يتوخى الحذر، ويأخذ العام ويترك الخاص، في أن الخاص منهم يأخذ العام والخاص في المجتمع والتاريخ.
ولست اعرف، حين يأتي مشهد تلتحم فيه الشفاه، وتشابك الأفخاذ، وتضج الشاشة بالغنج والتأوهات، ماذا علينا أن نسمي من قام بالمشهد؟ مع العلم أن اللغة أعطتهم ألفاظا واضحة، كالعاهر والعاهرة، والزاني والزانية، ولكن هل يسمح للكاتب بان يقف لهم مثل هذه الألفاظ، في الوقت الذي يسمح لهم باختراق كل القيم والأخلاق والعفة والطهارة على مرأى من الملايين، وتحت رعاية القوة المسيطرة، ولكن المواقع والمنتديات، تملك كغيرها حجة المقهور بأنها لا تود النزول إلى الدرك الذي نزلوا هم إليه، وهي حجة مردودة، فالتعفف عن هؤلاء، لا يعني أبدا عدم التشابه بهم، بل يعني على اقل تقدير، عدم القدرة على صياغة نقد واضح كاشف لهم ولأفكارهم وسلوكياتهم.
نأتي بعدها إلى مفهوم الدين، الذي نعاني من تثبيته بصورة تلح علينا في مراجعة المفاهيم التي أدت أحيانا إلى قصور في استيعاب دور الدين في تشكيل العقل المسلم.
وأنا أود أن أؤكد ومنذ البداية، بان مواطن النص القاطع الثابت، لا يمكن أعمال الفكر أو الاجتهاد أو التحليل بمواطنها، وكذلك الشرع الذي تنافلناه عن السلف ضمن قاعدة " شرع من قبلنا شرع لنا"، وإنما أردت الدخول بمعنى نفسي يبدو ظاهره خير وصواب، دون الانتباه إلى باطن توابعه وملحقاته وافرازاته النفسية.
وأردت أن أقف على مفهوم تحديد النقد الموجه إلى أفكار وشخصيات أخذت من الدين منهجا لتوجهها في الحياة، دون الدخول بنواياهم وقلوبهم للحكم على ما يبطنوا أو يخفوا في الصدور، لان النيات متروكة لخالقها العالم بها علم الخبير وعلم اليقين، وإنما أردت نقد الظاهر الحاصل الواضح، حتى تتجلى الأخطاء وتنكشف، ليتم البناء على أساس سليم وواع لحركة النمو والبناء التي يجب أن يتحلى المسلم بها، دون خوف أو وجل.
ولا أظن – وهذا اعتقاد خاص نشأت عليه منذ الطفولة، وسبب لي الكثير من المشاكل- أن هناك إنسانا يعلو فوق النقد، مهما بلغ علمه وعظم شأنه، لأنه في النهاية إنسان، يخضع للخروج من العصمة، والانزياح عن الكمال.
ولا يشترط بالناقد أن يكون بمنزلة المنقود من العلم، ولا بغزارة إنتاجه وسيل شهرته، فقد يأتي النقد حول مسالة صغيرة من إنسان بسيط، تنبه عالم، أو تلفت نظر امة، وفي التاريخ البشري والإسلامي من الشواهد على ذلك كثير الكثير.
وإذا ما عدنا إلى الإشارة التي أشرت إليها، وهو الدخول بمعنى نفسي ظاهره صواب وخير، ولكن توابع باطنه تجر وبالا على الأمة، وعلى الجيل الناشئ.