المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : @____((( فتاوي العقيدة 2 )))____@



سيف قطر
25-12-2006, 12:37 PM
س61: نأمل من فضيلتكم بيان مسألة القدر؟ وهل أصل الفعل مقدر والكيفية يخير فيها الإنسان؟ مثال ذلك إذا قدر الله-تعالى- للعبد أن يبني مسجداً فإنه سيبني لا محالة لكنه ترك لعقله الخيار في كيفية البناء، وكذلك المعصية إذا قدرها الله فإن الإنسان سيفعلها لا محالة، لكن ترك لعقه كيفية تنفيذها، وخلاصة هذا الرأي أن الإنسان مخير في الكيفية التي ينفذ بها ما قدر عليه فهل هذا صحيح؟

الجواب: هذه المسألة –أي مسألة القدر- محل جدل بين البشر من قديم الزمان، ولذلك انقسم الناس فيها إلى ثلاثة أقسام طرفين ووسط . أما الطرفان:

فأحدهما: نظر إلى عموم قدر الله فعمي عن اختيار العبد . وقال: إنه مجبر على أفعاله، وليس له فيها أي اختيار، فسقوط الإنسان من السقف بالريح ونحوها كنزوله منه مختاراً من الدرج .

وأما الطرف الثاني: فنظر إلى أن العبد فاعل تارك باختياره، فعمي عن قدر الله . وقال: إن العبد مستقل بأفعاله، ولا تعلق لقدر الله –تعالى- فيها .

وأما الوسط فأبصروا السببين، فنظروا إلى عموم قدر الله –تعالى- وإلى اختيار العبد، فقالوا: إن فعل العبد كائن بقدر الله –تعالى- وباختيار العبد، وأنه يعلم بالضرورة الفرق بين سقوط الإنسان من السقف بالريح ونحوها، ونزوله منه مختاراً من الدرج، فالأول من فعله بغير اختياره، والثاني باختياره، والكل منهما واقع بقضاء الله وقدره، لا يقع في ملكه ما لا يريد، لكن ما وقع باختيار العبد فهو مناط التكليف، ولا حجة له بالقدر في مخالفة ما كلف به من أوامر أو نواه، وذلك لأنه يقدم على المخالفة حين يقدم عليها وهو لا يعلم ما قدر الله عليه، فيكون إقدامه الاختياري على المخالفة هو سبب العقوبة سواء كانت في الدنيا أم في الآخرة، ولذلك لو أجبره مجبر على المخالفة، لم يثبت عليه حكم المخالفة ولا يعاقب عليها لثبوت عذره حينئذ . وإذا كان الإنسان يدرك أن هروبه من النار إلى موضع يأمن فيه منها يكون باختياره، وأن تقدمه إلى بيت جميل واسع طيب المسكن ليسكنه يكون باختياره أيضاً، مع إيمانه أن هروبه وتقدمه المذكورين واقعان بقضاء الله وقدره، وأن بقاءه لتدركه النار، وتأخره عن سكنى البيت يعد تفريطاً منه وإضاعة للفرصة يستحق اللوم عليه، فلماذا لا يدرك هذا بالنسبة لتفريطه بترك الأسباب المنجية له من نار الآخرة، الموجبة لدخوله الجنة؟!

وأما التمثيل بأن الله إذا قدر للعبد أن يبني مسجداً فإنه سيبني هذا المسجد لا محالة، لكنه ترك لعقله الخيار في كيفية البناء، فهذا تمثيل غير صحيح، لأنه يوحي بأن كيفية البناء يستقل بها العقل ولا تدخل في قد الله –تعالى- وأن أصل فكرة البناء يستقل بها القدر ولا مدخل للاختيار فيها . والحقيقة أن أصل فكرة البناء تدخل في اختيار العبد لأنه لم يجبر عليها، كما لا يجبر على فكرة إعادة بناء بيته الخاص أو ترميمه مثلاً، ولكن هذه الفكرة قد قدرها الله –تعالى- للعبد من حيث لا يشعر، لأنه لا يعلم بأن الله قدر شيئاً ما حتى يقع ذلك الشيء، إذ القدر سر مكتوم لا يعلم إلا باطلاع الله –تعالى- عليه بالوحي، أو بالوقوع الحسي . وكذلك كيفية البناء هي بقدر الله –تعالى- فإن الله –تعالى- قد قدر الأشياء كلها جملة وتفصيلاً، ولا يمكن أن يختار العبد ما لم يرده أو يقدره، بل إذا اختار العبد شيئاً وفعله علم يقيناً أن الله –تعالى- قد قضاه وقدره، فالعبد مختار بحسب الأسباب الحسية الظاهرة التي قدرها الله –تعالى- أسباباً لوقوع فعله، ولا يشعر العبد حين يفعل الفعل بأن أحداً أجبره عليه، لكنه إذا فعل ذلك بحسب الأسباب التي جعلها الله –تعالى- أسباباً، علمنا يقيناً بأن الله تعالى، قد قدرها جملة وتفصيلاً .

وهكذا نقول في التمثيل بفعل الإنسان المعصية حيث قلتم: إن الله قدر عليه فعل المعصية فهو سيفعلها لا محالة، ولكن ترك لعقله كيفية تنفيذها والسعي إليها .

فنقول فيه ما قلناه في بناء المسجد: إن تقدير الله –تعالى- عليه فعل المعصية لا ينافي اختياره لها، لأنه حين اختياره لها لا يعلم بما قدر الله –تعالى- عليه، فهو يقدم عليها مختاراً لا يشعر بأن أحداً يجبره، لكنه إذا أقدم وفعل علمنا أن الله قد قدر فعله لها، وكذلك كيفية تنفيذ المعصية والسعي إليها الواقعة باختيار العبد، لا تنافي قدر الله –تعالى- فالله –تعالى- قد قدر الأشياء كلها جملة وتفصيلاً، وقدر أسبابها الموصلة إليها، ولا يشذ عن ذلك شيء من أفعاله، ولا من أفعال العباد الاختيارية منها والاضطرارية، كما قال الله –تعالى-: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (الحج:70) وقال –تعالى-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) (الأنعام:112) وقال: (وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) (الأنعام:137) وقال: ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ)(البقرة: من الآية253) .

وبعد فإن الجدير بالمرء ألا يبحث في نفسه ولا مع غيره في مثل هذه الأمور التي توجب له التشوش، وتوهم معارضة الشرع بالقدر، فإن ذلك ليس من دأب الصحابة –رضي الله عنهم- وهم أحرص الناس على معرفة الحقائق وأقربهم من معين إرواء الغلة، وكشف الغمة، وفي صحيح البخاري عن علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار)) . فقلنا: يا رسول الله أفلا نتكل؟ (وفي رواية أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟) قال: ((لا اعملوا فكل ميسر))63 وفي رواية: ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة . وأما من كان من أهل الشقاوة فييسر لعمل أهل الشقاوة))64 ثم قرأ: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى) (الليل5) )(وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) (6) (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) (الليل:7) (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى) (8) (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى). (الليل:الآيات 5،10). فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاتكال على الكتاب وترك العمل، لأنه لا سبيل إلى العلم به، وأمر بما يستطيعه العبد ويمكنه، وهو العمل واستدل بالآية التي تدل على أن من عمل صالحاً وآمن فسييسر لليسرى، وهذا هو الدواء الناجع المثمر، الذي يجد فيه العبد بلوغ عافيته وسعادته، حيث يشمر للعمل الصالح المبني على الإيمان، ويستبشر بذلك حين يقارنه التوفيق لليسرى في الدنيا والآخرة . أسأل الله –تعالى- أن يوفقنا جميعاً للعمل الصالح، وأن ييسرنا لليسرى، ويجنبنا العسرى، ويغفر لنا في الآخرة والأولى، إنه جواد كريم

***

س62: هل للدعاء تأثير في تغيير ما كتب للإنسان قبل خلقه؟

الجواب: لا شك أن للدعاء تأثيراً في تغيير ما كتب، لكن هذا التغيير قد كتب أيضاً بسبب الدعاء، فلا تظن أنك إذا دعوت الله فإنك تدعو بشيء غير مكتوب، بل الدعاء مكتوب وما يحصل به مكتوب، ولهذا نجد القارئ يقرأ على المريض فيشفى، وقصة السرية التي بعثها النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلوا ضيوفاً على قوم ولكنهم لم يضيفوهم، وقدر أن لدغت حية سيدهم فطلبوا من يقرأ عليه، فاشترط الصحابة أجرة على ذلك، فأعطوهم قطيعاً من الغنم، فذهب أحدهم فقرأ عليه الفاتحة، فقام اللديغ كأنما نشط من عقال، أي كأنه بعير فك عقاله، فقد أثرت القراءة في شفاء المريض .

فللدعاء تأثير لكنه ليس تغييراً للقدر، بل هو مكتوب بسببه، وكل شيء عند الله بقدر، وكذلك جميع الأسباب لها تأثير في مسبباتها بإذن الله، فالأسباب مكتوبة والمسببات مكتوبة .

***

س63: هل الرزق والزواج مكتوب في اللوح المحفوظ؟

الجواب: كل شيء منذ خلق الله القلم إلى يوم القيامة فإنه مكتوب في اللوح المحفوظ لأن الله –سبحانه وتعالى- أول ما خلق القلم قال له: ((اكتب: قال: ربي وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة))65 .

وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن الجنين في بطن أمه إذا مضى عليه أربعة أشهر، بعث الله إليه ملكاً نفخ فيه الروح، ويكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد . والرزق أيضاً مكتوب مقدر بأسباب لا يزيد ولا ينقص، فمن الأسباب أن يعمل الإنسان لطلب الرزق كما قال الله –تعالى-: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (الملك:15) ومن الأسباب أيضاً صلة الرحمن من بر الوالدين، وصلة القرابات، فإن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه))66 ومن الأسباب تقوى الله –عز وجل- كما قال –تعالى-: ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً)(الطلاق: من الآية2) )وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)(الطلاق: من الآية3) ولا تقل إن الرزق مكتوب ومحدد ولن أفعل الأسباب التي توصل إليه فإن هذا من العجز . والكياسة والحزم أن تسعى لرزقك، ولما ينفعك في دينك ودنياك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني)) 67 وكما أن الرزق مكتوب مقدر بأسبابه فكذلك الزواج مكتوب مقدر، وقد كتب لكل من الزوجين أن يكون زوج الآخر بعينه، والله –تعالى- لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء .

***

سيف قطر
25-12-2006, 12:37 PM
س64: ما حكم من يتسخط إذا نزلت به مصيبة؟

الجواب: الناس حال المصيبة على مراتب أربع:

المرتبة الأولى: التسخط وهو على أنواع:

النوع الأول: أن يكون بالقلب كأن يسخط على ربه فيغتاظ مما قدره الله عليه فهذا حرام، وقد يؤدي إلى الكفر قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ)(الحج: من الآية11) .

النوع الثاني: أن يكون باللسان كالدعاء بالويل والثبور وما أشبه ذلك، وهذا حرام .

النوع الثالث: أن يكون بالجوارح كلطم الخدود، وشق الجيوب، ونتف الشعور وما أشبه ذلك، وكل هذا حرام مناف للصبر الواجب .

المرتبة الثانية: الصبر وهو كما قال الشاعر:

الصبر مثل اسمه مر مذاقته لكن عواقبه أحلى من العسل

فيرى أن هذا الشيء ثقيل عليه لكنه يتحمله، وهو يكره وقوعه ولكن يحميه إيمانه من السخط، فليس وقوعه وعدمه سواء عنده وهذا واجب، لأن الله تعالى أمر بالصبر فقال: ( وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).(لأنفال: من الآية46) .

المرتبة الثالثة: الرضا بأن يرضى الإنسان بالمصيبة بحيث يكون وجودها وعدمها سواء فلا يشق عليه وجودها، ولا يتحمل لها حملاً ثقيلاً، وهذه مستحبة، وليست بواجبة على القول الراجح، والفرق بينها وبين المرتبة التي قبلها ظاهر، لأن المصيبة وعدمها سواء في الرضا عند هذا، أما التي قبلها فالمصيبة صعبة عليه لكن صبر عليه.

المرتبة الرابعة: الشكر وهو أعلى المراتب وذلك بأن يشكر الله على ما أصابه من مصيبة حيث عرف أن هذه المصيبة سبب لتكفير سيئاته وربما لزيادة حسناته قال صلى الله عليه وسلم: ((ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها))69 .

***

س65: فضيلة الشيخ: نأمل من فضيلتكم توضيح قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر))70 متفق عليه . وما نوع النفي في الحديث؟ وكيف نجمع بينه وبين حديث: ((فر من المجذوم فرارك من الأسد))71 ؟

الجواب: ((العدوى)) انتقال المرض من المريض إلى الصحيح، وكما يكون في الأمراض الحسية (( المهملة)) يكون في الأمراض المعنوية الخلقية، ولهذا أخبر النبي –عليه الصلاة والسلام- أن جليس السوء كنافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة كريهة فقوله صلى الله عليه وسلم: ((عدوى)) يشمل العدوى الحسية والمعنوية .

و((الطيرة)) هي التشاؤم بمرئي، أو مسموع، أو معلوم .

و((الهامة)) فسرت بتفسيرين:

الأول: داء يصيب المريض وينتقل إلى غيره، وعلى هذا التفسير يكون عطفها على العدوى من باب عطف الخاص على العام .

الثاني: طير معروف تزعم العرب أنه إذا قتل القتيل، فإن هذه الهامة تأتي إلى أهله وتنعق على رؤوسهم حتى يأخذوا بثأره، وربما اعتقد بعضهم أنها روحة تكون بصورة الهامة، وهي نوع من الطيور تشبه البومة أو هي البومة، تؤذي أهل القتيل بالصراخ حتى يأخذوا بثأره، وهم يتشاءمون بها فإذا وقعت على بيت أحدهم ونعقت قالوا إنها تنعق به ليموت، ويعتقدون قرب أجله وهذا باطل .

و((صفر)) فسر بتفاسير:

الأول: أنه شهر صفر المعروف، والعرب يتشاءمون به .

الثاني: أنه داء في البطن يصيب البعير، وينتقل من بعير إلى آخر، فيكون عطفه على العدوى من باب عطف الخاص على العام .

الثالث: صفر شهر صفر، والمراد به النسيء الذي يضل به الذين كفروا، فيؤخرون تحريم شهر المحرم إلى صفر يحلونه عاماً، ويحرمونه عاماً .

وأرجحها أن المراد شهر صفر حيث كانوا يتشاءمون به في الجاهلية، والأزمنة لا دخل فيها في التأثير، وفي تقدير الله –عز وجل- فهو كغيره من الأزمنة يقدر فيه الخير والشر .

وبعض الناس إذا انتهى من عمل معين في اليوم الخامس والعشرين مثلاً في شهر صفر أرخ ذلك وقال: انتهى في الخامس والعشرين من شهر صفر الخير . فهذا من باب مداواة البدعة بالبدعة، والجهل بالجهل . فهو ليس شهر خير، ولا شر . ولهذا أنكر بعض السلف على من إذا سمع البومة تنعق قال: ((خيراً إن شاء الله فلا يقال خير ولا شر بل هي تنعق كبقية الطيور .

فهذه الأربعة التي نفاها الرسول صلى الله عليه وسلم، تدل على وجوب التوكل على الله، وصدق العزيمة، وألا يضعف المسلم أمام هذه الأمور .

وإذا ألقى المسلم باله لهذه الأمور فلا يخلو من حالين:

الأولى: إما أن يستجيب لها بأن يقدم أو يحجم، فيكون حينئذ قد علق أفعاله بما لا حقيقة له .

الثانية: أن لا يستجيب بأن يقدم ولا يبالي، لكن يبقى في نفسه نوع من الهم أو الغم، وهذا وإن كان أهون من الأول لكن يجب أن لا يستجيب لداعي هذه الأمور مطلقاً، وأن يكون معتمداً على الله –عز وجل- .

وبعض الناس قد يفتح المصحف لطلب التفاؤل فإذا نظر ذكر النار قال هذا فأل غير جميل، وإذا نظر ذكر الجنة قال هذا فأل طيب، وهذا في الحقيقة مثل عمل الجاهلية الذين يستقسمون بالأزلام .

والنفي في هذه الأمور الأربعة ليس نفياً للوجود، لأنها موجودة ولكنه نفي للتأثير، فالمؤثر هو الله، فما كان منها سبباً معلوماً فهو سبب صحيح، وما كان منها سبباً موهوماً فهو سبب باطل، ويكون نفياً لتأثيره بنفسه ولسببيته، فالعدوى موجودة، ويدل لوجودها قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يورد ممرض على مصح))72 أي لا يورد صاحب الإبل المريضة على صاحب الإبل الصحيحة، لئلا تنتقل العدوى .

وقوله صلى ا لله عليه وسلم: ((فر من المجذوم فرارك من الأسد))73 .

"الجذام": مرض خبيث معد بسرعة ويتلف صاحبه، حتى قيل إنه الطاعون، فالأمر بالفرار لكي لا تقع العدوى، وفيه إثبات العدوى لتأثيرها، لكن تأثيرها ليس أمر حتمي بحيث تكون علة فاعلة، ولكن أمر النبي صلى الله عليه وسلم، بالفرار من المجذوم، وأن لا يورد ممرض على مصح، من باب تجنب الأسباب، لا من باب تأثير الأسباب بنفسها قال الله –تعالى- ( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة)(البقرة: من الآية195) ولا يقال إن الرسول صلى الله عليه وسلم، ينكر تأثير العدوى، لأن هذا أمر يبطله الواقع والأحاديث الأخرى .

فإن قيل إن الرسول صلى الله عليه وسلم،لما قال((لا عدوى)) قال رجل: يا رسول الله أرأيت الإبل تكون في الرمال مثل الضبا فيدخلها الجمل الأجرب فتجرب؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فمن أعدى الأول))74 ؟!

فالجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار بقوله: ((فمن أعدى الأول)) إلى أن المرض انتقل من المريضة إلى هذه الصحيحات بتدبير الله –عز وجل- فالمرض نزل على الأول بدون عدوى بل نزل من عند الله –عز وجل- والشيء قد يكون له سبب معلوم، وقد لا يكون له سبب معلوم، وجرب الأول ليس معلوماً إلا أنه بتقدير الله –تعالى- وجرب الذي بعده له سبب معلوم ولو شاء الله –تعالى- ما جرب، ولهذا أحياناً تصاب الإبل بالجرب ثم يرتفع ولا تموت، وكذلك الطاعون والكوليرا أمراض معدية قد تدخل البيت فتصيب البعض فيموتون، ويسلم آخرون ولا يصابون، فالإنسان يعتمد على الله ويتوكل عليه وقد جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم، قدم عليه رجل مجذوم فأخذ بيده وقال له: ((كل))75 أي من الطعام الذي كان يأكل منه الرسول صلى الله عليه وسلم، لقوة توكله صلى الله عليه وسلم، فهذا التوكل مقاوم لهذا السبب المعدي .

وهذا الجمع الذي ذكرنا أحسن ما قيل في الجمع بين الأحاديث، وادعى بعضهم النسخ، وهذه الدعوى غير صحيحة، لأن من شرط النسخ تعذر الجمع، وإذا أمكن الجمع وجب لأن فيه إعمال الدليلين، وفي النسخ إبطال أحدهما، وإعمالهما أولى من إبطال أحدهما لأننا اعتبرناهما وجعلناهما حجة . والله الموفق .

سيف قطر
25-12-2006, 12:39 PM
س66: هل العين تصيب الإنسان؟ وكيف تعالج؟ وهل التحرز منها ينافي التوكل؟

الجواب: رأينا في العين أنها حق ثابت شرعاً وحساً قال الله تعالى:(وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ)(القلم: من الآية51) قال ابن عباس وغيره في تفسيرها أي يعينوك بأبصارهم، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقت العين وإذا استغسلتم فاغسلوا))76 رواه مسلم . ومن ذلك ما رواه النسائي وابن ماجة أن عامر بن ربيعة مر بسهل بن حنيف وهو يغتسل فقال: ((لم أر كاليوم ولا جلد مخبأة)) فما لبث أن لبط به فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل له: أدرك سهلاً صريعاً فقال: ((من تتهمون؟" قالوا عامر بن ربيعة، فقال النبي صلى ا لله عليه وسلم: "علام يقتل أحدكم أخاه، إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة))77 ثم دعا بماء فأمر عامراً أن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، وركبتيه وداخلة إزاره وأمره أن يصب عليه، وفي لفظ: يكفأ الإناء من خلفه .و الواقع شاهد بذلك ولا يمكن إنكاره .

وفي حالة وقوعها تستعمل العلاجات الشرعية وهي:

1- القراءة: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا رقية إلا من عين أو حمة))78 . وقد كان جبريل يرقي النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول: ((باسم الله أرقيك، من كل شيء يوذيك، من شر كل نفس، أو عين حاسد، الله يشفيك، باسم الله أرقيك))79.

2- الاستغسال: كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم عامر بن ربيعة في الحديث السابق ثم يصب على المصاب .

أما الأخذ من فضلاته العائدة من بوله أو غائطه فليس له أصل، وكذلك الأخذ من أثره، وإنما الوارد ما سبق من غسل أعضائه وداخلة إزاره ولعل مثلها داخلة غترته وطاقيته وثوبه، والله أعلم .

والتحرز من العين مقدماً لا بأس به ولا ينافي التوكل بل هو التوكل، لأن التوكل الاعتماد على الله سبحانه مع فعل الأسباب التي أباحها أو أمر بها وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول: ((أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة))80 ويقول هكذا كان إبراهيم يعوذ إسحاق وإسماعيل عليهما السلام . رواه البخاري .

***

س67: هل يعذر الإنسان بالجهل فيما يتعلق بالعقيدة؟

الجواب: الاختلاف في مسألة العذر بالجهل كغيره من الاختلافات الفقهية الاجتهادية، وربما يكون اختلافاً لفظياً في بعض الأحيان من أجل تطبيق الحكم على الشخص المعين أي أن الجميع يتفقون على أن هذا القول كفر، أو هذا الفعل كفر، أو هذا الترك كفر، ولكن هل يصدق الحكم على هذا الشخص المعين لقيام المقتضى في حقه وانتفاء المانع، أو لا ينطبق لفوات بعض المقتضيات، أو وجود بعض الموانع . وذلك أن الجهل بالمكفر على نوعين:

الأول: أن يكون من شخص يدين بغير الإسلام أو لا يدين بشيء ولم يكن يخطر بباله أن ديناً يخالف ما هو عليه فهذا تجري عليه أحكام الظاهر في الدنيا، وأما في الآخرة فأمره إلى الله –تعالى- والقول الراجح أنه يمتحن في الآخرة بما يشاء الله –عز وجل- والله أعلم بما كانوا عاملين، لكننا نعلم أنه لن يدخل النار إلا بذنب لقوله –تعالى-: ( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً)(الكهف: من الآية49) .

وإنما قلنا تجرى عليه أحكام الظاهر في الدنيا وهي أحكام الكفر، لأنه يدين بالإسلام فلا يمكن أن يعطى حكمه، وإنما قلنا بأن الراجح أنه يمتحن في الآخرة لأنه جاء في ذلك آثار كثيرة ذكرها ابن القيم –رحمه الله تعالى- في كتابه: ((طريق الهجرتين)) عند كلامه على المذهب الثامن في أطفال المشركين تحت الكلام على الطبقة الرابعة عشرة .

النوع الثاني: أن يكون من شخص يدين بالإسلام ولكنه عاش على هذا المكفر ولم يكن يخطر بباله أنه مخالف للإسلام، ولا نبهه أحد على ذلك فهذا تجرى عليه أحكام الإسلام ظاهراً، أما في ا لآخرة فأمره إلى الله –عز وجل- . وقد دل على ذلك الكتاب، والسنة، وأقوال أهل العلم .

فمن أدلة الكتاب: قوله –تعالى-: ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(الإسراء: من الآية15) وقوله: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ) (القصص:59) وقوله: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ )(النساء: من الآية165) وقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)(إبراهيم: من الآية4) وقوله: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ)(التوبة: من الآية115) وقوله: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأنعام:155) (أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ) (156) (أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ ) (الأنعام الآيات: 156،157) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الحجة لا تقوم إلا بعد العلم والبيان .

وأما السنة: ففي صحيح مسلم 1/134 عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة –يعني أمة الدعوة- يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار)) .

وأما كلام أهل العلم: فقال في المغني 8/131: ((فإن كان ممن لا يعرف الوجوب كحديث الإسلام، والناشئ بغير دار الإسلام، أو بادية بعيدة عن الأمصار وأهل العلم لم يحكم بكفره)) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى 3/229 مجموع ابن قاسم: ((إني دائماً –ومن جالسني يعلم ذلك مني- من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير، وتفسيق، ومعصية إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة، وفاسقاً أخرى، وعاصياً أخرى، وأني أقرر أن الله –تعالى- قد غفر لهذه الأمة خطأها، وذلك يعمي الخطأ في المسائل الخبرية القولية، والمسائل العملية، وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل، ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر، ولا بفسق، ولا بمعصية –إلى أن قال- وكنت أبين أن ما نقل عن السلف والأئمة من إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا فهو أيضاً حق لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين –إلى أن قال- والتكفير هو من الوعيد فإنه وإن كان القول تكذيباً لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن الرجل قد يكون حديث عهد بإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص أو سمعها ولم تثبت عنده، أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها وإن كان مخطئاً)) أ.هـ. وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب 1/56 من الدرر السنية: ((وأما التكفير فأنا أكفر من عرف دين الرسول، ثم بعدما عرفه سبه، ونهى الناس عنه، وعادى من فعله فهذا هو الذي أكفره)) . ((وأما الكذب والبهتان فقولهم إنا نكفر بالعموم ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله، وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على عبد القادر، والصنم الذي على أحمد البدوي وأمثالهما لأجل جهلهم، وعدم من ينبههم، فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا ولم يكفر ويقاتل)) أ.هـ.

وإذا كان هذا مقتضى نصوص الكتاب، والسنة، وكلام أهل العلم فهو مقتضى حكمة الله –تعالى- ولطفه، ورأفته، فلن يعذب أحداً حتى يعذر إليه، والعقول لا تستقل بمعرفة ما يجب لله –تعالى- من الحقوق، ولو كانت تستقل بذلك لم تتوقف الحجة على إرسال الرسل .

فالأصل فيمن ينتسب للإسلام بقاء اسمه حتى يتحقق زوال ذلك عنه بمقتضى الدليل الشرعي، ولا يجوز التساهل في تكفيره لأن في ذلك محذورين عظيمين:

أحدهما: افتراء الكذب على الله –تعالى- في الحكم، وعلى المحكوم عليه في الوصف الذي نبزه به .

أما الأول فواضح حيث حكم بالكفر على من لم يكفره الله –تعالى- فهو كمن حرم ما أحل الله، لأن الحكم بالتكفير أو عدمه إلى الله وحده كالحكم بالتحريم أو عدمه .

وأما الثاني فلأنه وصف المسلم بوصف مضاد، فقال: إنه كافر، مع أنه برئ من ذلك، وحري به أن يعود وصف الكفر عليه لما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا فكر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما))81 وفي رواية: "إن كان كما قال وإلا رجعت عليه82 وله من حديث أبي ذر –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((ومن دعا رجلاً بالكفر، أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه))83 يعني رجع عليه وقوله في حديث ابن عمر: ((إن كان كما قال" يعني في حكم الله –تعالى- وكذلك قوله في حديث أبي ذر: ((وليس كذلك))يعني حكم الله –تعالى- .

وهذا هو المحذور الثاني أعني عود وصف الكفر عليه إن كان أخوه بريئاً منه، وهو محذور عظيم يوشك أن يقع به، لأن الغالب أن من تسرع بوصف المسلم بالكفر كان معجباً بعمله محتقراً لغيره فيكون جامعاً بين الإعجاب بعمله الذي قد يؤدي إلى حبوطه، وبين الكبر الموجب لعذاب الله –تعالى- في النار كما جاء في الحديث الذي أخرجه أحمد وأبو داود عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((قال الله عز وجل الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار))84 .

فالواجب قبل الحكم بالتكفير أن ينظر في أمرين:

الأمر الأول: دلالة الكتاب، والسنة على أن هذا مكفر لئلا يفتري على الله الكذب .

الثاني: انطباق الحكم على الشخص المعين بحيث تتم شروط التكفير في حقه، وتنتفي الموانع .

ومن أهم الشروط أن يكون عالماً بمخالفته التي أوجبت كفره لقوله –تعالى-: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) (النساء:115) فاشترط للعقوبة بالنار أن تكون المشاقة للرسول من بعد أن يتبين الهدى له .

ولكن هل يشترط أن يكون عالماً بما يترتب على مخالفته من كفر أو غيره، أو يكفي أن يكون عالماً بالمخالفة وإن كان جاهلاً بما يترتب عليها؟

الجواب: الظاهر الثاني، أي أن مجرد علمه بالمخالفة كاف في الحكم بما تقتضيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم، أوجب الكفارة على المجامع في نهار رمضان لعلمه بالمخالفة مع جهله بالكفارة، ولأن الزاني المحصن العالم بتحريم الزنى يرجم وإن كان جاهلاً بما يترتب على زناه، وربما لو كان عالماً ما زنى .

ومن الموانع أن يكره على المكفر لقوله –تعالى-: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النحل:106) ومن الموانع أن يغلق عليه فكره وقصده بحيث لا يدري ما يقول لشدة فرح، أو حزن، أو غضب، أو خوف، ونحو ذلك . لقوله –تعالى-: ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)(الأحزاب: من الآية5) وفي صحيح مسلم 2104 عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي، وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح))85 .

سيف قطر
25-12-2006, 12:40 PM
ومن الموانع أيضاً أن يكون له شبهة تأويل في المكفر بحيث يظن أنه على حق، لأن هذا لم يتعمد الإثم والمخالفة فيكون داخلاً في قوله –تعالى-: ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ)(الأحزاب: من الآية5) ولأن هذا غاية جهده فيكون داخلاً في قوله –تعالى-: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا)(البقرة: من الآية286) قال في المغني 8/131: "وإن استحل قتل المعصومين وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل فكذلك –يعني يكون كافراً- وإن كان بتأويل كالخوارج فقد ذكرنا أن أكثر الفقهاء لم يحكموا بكفرهم مع استحلالهم دماء المسلمين وأموالهم، وفعلهم ذلك متقربين إلى الله –تعالى- إلى أن قال: وقد عرف من مذهب الخوارج تكفير كثير من الصحابة ومن بعدهم واستحلال دمائهم، وأموالهم، واعتقادهم التقرب بقتلهم إلى ربهم، ومع هذا لم يحكم الفقهاء بكفرهم لتأويلهم، وكذلك يخرج في كل محرم استحل بتأويل مثل هذا)) . وفي فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 13/30 مجموع ابن القاسم: ((وبدعة الخوارج إنما هي من سوء فهمهم للقرآن، لم يقصدوا معارضته، لكن فهموا منه ما لم يدل عليه، فظنوا أنه يوجب تكفير أرباب الذنوب)) وفي ص210 منه ((فإن الخوارج خالفوا السنة التي أمر القرآن باتباعها، وكفروا المؤمنين الذين أمر القرآن بموالاتهم .. وصاروا يتبعون المتشابه من القرآن فيتأولونه على غير تأويله من غير معرفة منهم بمعناه ولا رسوخ في العلم، ولا اتباع للسنة، ولا مراجعة لجماعة المسلمين الذين يفهمون القرآن)) . وقال أيضاً 28/518 من المجموع المذكور: "فإن الأئمة متفقون على ذم الخوارج وتضليلهم، وإنما تنازعوا في تكفيرهم على قولين مشهورين" . لكنه ذكر في 7/217 ((أنه لم يكن في الصحابة من يكفرهم لا علي بن أبي طالب ولا غيره، بل حكموا فيهم بحكمهم في المسلمين الظالمين المعتدين كما ذكرت الآثار عنهم بذلك في غير هذا الموضع)) . وفي 28/518 ((أن هذا هو المنصوص عن الأئمة كأحمد وغيره)) . وفي 3/282 قال: (( والخوارج المارقون الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم، بقتالهم قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أحد الخلفاء الراشدين، واتفق على قتالهم أئمة الدين من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم، ولم يكفرهم علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وغيرهما من الصحابة، بل جعلوهم مسلمين مع قتالهم، ولم يقاتلهم علي حتى سفكوا الدم الحرام، وأغاروا على أموال المسلمين فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم، لا لأنهم كفار . ولهذا لم يسب حريمهم ولم يغنم أموالهم، وإذا كان هؤلاء الذين ثبت ضلالهم بالنص، والإجماع، لم يكفروا مع أمر الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، بقتالهم فكيف بالطوائف المختلفين الذين اشتبه عليهم الحق في مسائل غلط فيها من هو أعلم منهم؟! فلا يحل لأحد من هذه الطوائف أن يكفر الأخرى، ولا تستحل دمها ومالها، وإن كانت فيها بدعة محققة، فكيف إذا كانت المكفرة لها مبتدعة أيضاً، وقد تكون بدعة هؤلاء أغلظ، والغالب أنهم جميعاً جهال بحقائق ما يختلفون فيه)) . إلى أن قال: ((وإذا كان المسلم متأولاً في القتال، أو التكفير لم يكفر بذلك" . إلى أن قال :((وقد اختلف العلماء في خطاب الله ورسوله هل يثبت حكمه في حق العبيد قبل البلاغ على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره . والصحيح ما دل عليه القرآن في قوله –تعالى-: ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(الإسراء: من الآية15) وقوله: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ )(النساء: من الآية165) وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين منذرين)) .

والحاصل أن الجاهل معذور بما يقوله أو يفعله مما يكون كفراً، كما يكون معذوراً بما يقوله أو يفعله مما يكون فسقاً، وذلك بالأدلة من الكتاب والسنة، والاعتبار، وأقوال أهل العلم .

س68: ما حكم من حكم بغير ما أنزل الله؟

الجواب: أقول وبالله –تعالى- التوفيق، أقول وأسأله الهداية والصواب: إن الحكم بما أنزل الله –تعالى- من توحيد الربوبية، لأنه تنفيذ لحكم الله الذي هو مقتضى ربوبيته، وكمال ملكه وتصرفه، ولهذا سمى الله –تعالى- المتبوعين في ما أنزل الله –تعالى- أرباباً لمتبعيهم فقال –سبحانه-: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ). (التوبة:31) فسمى الله –تعالى- المتبوعين أرباباً حيث جعلوا مشرعين مع الله –تعالى- وسمى المتبعين عباداً حيث إنهم ذلوا لهم وأطاعوهم في مخالفة حكم الله –سبحانه وتعالى- .

وقد قال عدي بن حاتم لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنهم لم يعبدوهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بل إنهم حرموا عليهم الحلال، وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم))86 .

إذا فهمت ذلك فاعلم أن من لم يحكم بما أنزل الله، وأراد أن يكون التحاكم إلى غير الله ورسوله وردت فيه آيات بنفي الإيمان عنه، وآيات بكفره وظلمه، وفسقه .

فأما القسم الأول:

فمثل قوله –تعالى-: ( تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) (60) (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً) (61) (فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً) (62) (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) (63) (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً) (64)(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:60،65) .

فوصف الله –تعالى- هؤلاء المدعين للإيمان وهم منافقون بصفات:

الأولى: أنهم يريدون أن يكون التحاكم إلى الطاغوت، وه وكل ما خالف حكم الله –تعالى- ورسوله صلى الله عليه وسلم، لأن ما خالف حكم الله ورسوله فهو طغيان واعتداء على حكم من له الحكم وإليه يرجع الأمر كله وهو الله قال الله –تعالى-: ( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)(لأعراف: من الآية54) .

الثانية: أنهم إذا دعوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول صدوا وأعرضوا .

الثالثة: أنهم إذا أصيبوا بمصيبة بما قدمت أيديهم، ومنها أن يعثر على صنيعهم جاءوا يحلفون أنهم ما أرادوا إلا الإحسان والتوفيق، كحال من يرفض اليوم أحكام الإسلام ويحكم بالقوانين المخالفة لها زعماً منه أن ذلك هو الإحسان الموافق لأحوال العصر .

ثم حذر –سبحانه- هؤلاء المدعين للإيمان المتصفين بتلك الصفات بأنه –سبحانه- يعلم ما في قلوبهم وما يكنونه من أمور تخالف ما يقولون، وأمر نبيه أن يعظهم ويقول لهم في أنفسهم قولاً بليغاً، ثم بين أن الحكمة من إرسال الرسول أن يكون هو المطاع المتبوع لا غيره من الناس مهما قويت أفكارهم واتسعت مداركهم، ثم أقسم –تعالى- بربوبيته لرسوله التي هي أخص أنواع الربوبية والتي تتضمن الإشارة إلى صحة رسالته، صلى الله عليه وسلم، أقسم بها قسماً مؤكداً أنه لا يصلح الإيمان إلا بثلاثة أمور:

الأول: أن يكون التحاكم في كل نزاع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

الثاني: أن تنشرح الصدور بحكمه، ولا يكون في النفوس حرج وضيق منه .

الثالث: أن يحصل التسليم التام بقبول ما حكم به وتنفيذه بدون توان أو انحراف .

وأما القسم الثاني: فمثل قوله –تعالى-: ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)(44) وقوله: ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(45) وقوله: ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)(المائدة: 45،47) وهل هذه الأوصاف الثلاثة تتنزل على موصوف واحد؟ بمعنى أن كل من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر، ظالم، فاسق، لأن الله –تعالى- وصف الكافرين بالظلم والفسق فقال –تعالى-: ( وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(البقرة: من الآية254) وقال –تعالى-: ( إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ)(التوبة: من الآية84) فكل كافر ظالم فاسق، أو هذه الأوصاف تتنزل على موصوفين بحسب الحامل لهم على عدم الحكم بما أنزل الله؟ هذا هو الأقرب عندي والله أعلم .

فنقول: من لم يحكم بما أنزل اله استخفافاً به، أو احتقاراً له، أو اعتقاداً أن غيره أصلح منه، وأنفع للخلق فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة، ومن هؤلاء من يضعون للناس تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهاجاً يسير الناس عليه، فإنهم لم يضعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق، إذ من المعلوم بالضرورة العقلية، والجبلة الفطرية أن الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى منهاج يخالفه إلا وه ويعتقد فضل ما عدل إليه ونقص ما عدل عنه .

ومن لم يحكم بما أنزل الله وهو لم يستخف به، ولم يحتقره، ولم يعتقد أن غيره أصلح منه، وأنفع للخلق، وإنما حكم بغيره تسلطاً على المحكوم عليه، أو انتقاماً منه لنفسه أو نحو ذلك، فهذا ظالم وليس بكافر وتختلف مراتب ظلمه بحسب المحكوم به ووسائل الحكم .

ومن لم يحكم بما أنزل الله لا استخفافاً بحكم الله، ولا احتقاراً، ولا اعتقاداً أن غيره أصلح، وأنفع للخلق، وإنما حكم بغيره محاباة للمحكوم له، أو مراعاة لرشوة أو غيرها من عرض الدنيا فهذا فاسق، وليس بكافر وتختلف مراتب فسقه بحسب المحكوم ه ووسائل الحكم .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- فيمن اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله أنهم على وجهين:

أحدهما: أن يعلموا أنهم بدلوا دين الله فيتبعونهم على التبديل ويعتقدون تحليل ما حرم، وتحريم ما أحل الله اتباعاً لرؤسائهم مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل فهذا كفر، وقد جعله الله ورسوله شركاً .

الثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحليل الحرام، وتحريم الحلال –كذا العبارة المنقولة عنه- ثابتاً لكنهم أطاعوهم في معصية الله كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاصي فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب .

***

سيف قطر
25-12-2006, 12:41 PM
س69: ما حكم الذبح تقرباً لغير الله؟ وهل يجوز الأكل من تلك الذبيحة؟

الجواب: الذبح لغير الله شرك أكبر لأن الذبح عبادة كما أمر به في قوله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر:2) وقوله سبحانه: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:162) (لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام:163) فمن ذبح لغير الله فهو مشرك شركاً مخرجاً عن الملة –والعياذ بالله- سواء ذبح ذلك لملك من الملائكة، أو لرسول من الرسل، أو لنبي من الأنبياء، أو لخليفة من الخلفاء، أو لولي من الأولياء، أو لعالم من العلماء فكل ذلك شرك بالله –عز وجل- ومخرج عن الملة والواجب على المرء أن يتقي الله في نفسه، وأن لا يوقع نفسه في ذلك الشرك الذي قال الله فيه: ( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)(المائدة: من الآية72) .

وأما الأكل من لحوم هذه الذبائح فإنه محرم لأنها أهل لغير الله بها وكل شيء أهل لغير الله به، أو ذبح على النصب فإنه محرم كما ذكر الله ذلك في سورة المائدة في قوله –تعالى-: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ)(المائدة: من الآية3) فهذه الذبائح التي ذبحت لغير الله من قسم المحرمات لا يحل أكلها .

***

س70: ما حكم من يمزح بكلام فيه استهزاء بالله أو الرسول صلى الله عليه وسلم، أو الدين؟

الجواب: هذا العمل وهو الاستهزاء بالله أو رسوله صلى الله عليه وسلم، أو كتابه أو دينه ولو كان على سبيل المزح، ولو كان على سبيل إضحاك القوم كفر ونفاق، وهو نفس الذي وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم،في الذين قالوا: ((ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء)) . يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه القراء فنزلت فيهم: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ)(التوبة: من الآية65) لأنهم جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يقولون إنما كنا نتحدث حديث الركب نقطع به عناء الطريق، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول لهم ما أمره الله به: (ْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُون)(65) (لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ )(التوبة: 65،66) فجانب الربوبية، والرسالة والوحي، والدين جانب محترم، لا يجوز لأحد أن يعبث فيه لا باستهزاء بإضحاك، ولا بسخرية فإن فعل فإنه كافر، لأنه يدل على استهانته بالله –عز وجل- ورسله وكتبه، وشرعه، وعلى من فعل هذا أن يتوب إلى الله –عز وجل- مما صنع، لأن هذا من النفاق فعليه أن يتوب إلى الله ويستغفر، ويصلح عمله، ويجعل في قلبه خشية الله –عز وجل- وتعظيمه وخوفه ومحبته . والله ولي التوفيق .

***

س71: ما حكم دعاء أصحاب القبور؟

الجواب: الدعاء ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: دعاء عبادة، ومثاله الصلاة، والصوم وغير ذلك من العبادات، فإذا صلى الإنسان، أو صام فقد دعا ربه بلسان الحال أن يغفر له، وأن يجيره من عذابه، وأن يعطيه من نواله، ويدل لهذا قوله –تعالى-: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر:60) فجعل الدعاء عبادة، فمن صرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله فقد كفر كفراً مخرجاً عن الملة، فلو ركع الإنسان أو سجد لشيء يعظمه كتعظيم الله في هذا الركوع أو السجود لكان مشركاً خارجاً عن الإسلام، ولهذا منع النبي صلى الله عليه وسلم، من الانحناء عند الملاقاة سداً لذريعة الشرك فسئل عن الرجل يلقى أخاه أينحني له؟ قال: ((لا)) . وما يفعله بعض الجهال إذا سلم عليك انحنى لك خطأ ويجب عليك أن تبين له ذلك وتنهاه عنه .

القسم الثاني: دعاء المسألة، وهذا ليس كله شركاً بل فيه تفصيل:

أولاً: إن كان المدعو حياً قادراً على ذلك فليس بشرك، كقولك اسقني ماء لمن يستطيع ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: ((من دعاكم فأجيبوه))87 قال –تعالى-: (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ)(النساء: من الآية8) فإن مد الفقير يده وقال ارزقني أي: أعطني فهو جائز كما قال –تعالى-: (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) .

ثانياً: إن كان المدعو ميتاً فإن دعاءه شرك مخرج عن الملة .

ومع الأسف أن في بعض البلاد الإسلامية من يعتقد أن فلاناً لمقبور الذي بقي جثة أو أكلته الأرض ينفع أو يضر، أو يأتي بالنسل لمن لا يولد له، وهذا –والعياذ بالله- شرك أكبر مخرج عن الملة، وإقرار هذا أشد من إقرار شرب الخمر، والزنا، واللواط، لأنه إقرار على كفر، وليس إقراراً على فسوق فقط فنسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين .

***

س:72: رجل يستغيث بغير الله ويزعم أنه ولي الله فما علامات الولاية؟

الجواب: علامات الولاية بينها الله –عز وجل- في قوله: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (62) (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) (يونس:62،63) فهذه علامات الولاية: الإيمان بالله، وتقوى الله –عز وجل- "فمن كان مؤمناً تقياً، كان لله ولياً" . أما من أشرك به فليس بولي لله بل هو عدو لله كما قال تعالى: (مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) (البقرة:98) فأي إنسان يدعو غير الله، أو يستغيث بغير الله بما لا يقدر عليه إلا الله –عز وجل- فإنه مشرك كافر، وليس بواي لله ولو ادعى ذلك، بل دعواه أنه ولي مع عدم توحيده وإيمانه وتقواه دعوى كاذبة تنافي الولاية .

ونصيحتي لإخواني المسلمين في هذه الأمور أن لا يغتروا بهؤلاء، وأن يكون مرجعهم في ذلك إلى كتاب الله، وإلى ما صح من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يكون رجاؤهم، وتوكلهم، واعتمادهم على الله وحده، وحتى يؤمنوا بذلك لأنفسهم استقراراً وطمأنينة، وحتى يحفظوا بذلك أموالهم أن يبتزها هؤلاء المخرفون، كما أن في لزوم ما دل عليه الكتاب والسنة في مثل هذه الأمور في ذلك إبعاد لهؤلاء عن الاغترار بأنفسهم، هؤلاء الذين يدعون أنفسهم أحياناً أسياداً، وأحياناً أولياء، ولو فكرت أو تأملت ما هم عليه لوجدت فيهم بعداً عن الولاية والسيادة، ولكنك تجد الولي حقيقة أبعد الناس أن يدعو لنفسه وأن يحيطها بهالة من التعظيم والتبجيل وما أشبه ذلك، تجده مؤمناً، تقياً، خفياً لا يظهر نفسه، ولا يحب الإشهار، ولا يحب لأن يتجه الناس إليه، أو أن يتعلقوا به خوفاً أو رجاءً . فمجرد كون الإنسان يريد من الناس أن يعظموه، ويحترموه، ويبجلوه، ويكون مرجعاً لهم، ومتعلقاً لهم، هذا في الحقيقة ينافي التقوى وينافي الولاية، ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيمن طلب العلم ليماري به السفهاء، أو يجاري به العلماء، أو ليصرف وجوه الناس إليه فعليه كذا وكذا من الوعيد، فالشاهد في قوله: (( ليصرف وجوه الناس إليه))88 فهؤلاء الذي يدعون الولاية ويحاولون أن يصرفوا وجوه الناس إليهم هم أبعد الناس عن الولاية .

فنصيحتي لإخواني المسلمين أن لا يغتروا بهؤلاء وأمثالهم وأن يرجعوا إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يعلقوا آمالهم ورجاءهم بالله وحده .

***

س73: ما هو السحر وما حكم تعلمه؟

الجواب: السحر قال العلماء هو في اللغة ((عبارة عن كل ما لطف وخفي سببه)) بحيث يكون له تأثير خفي لا يطلع عليه الناس، وهو بهذا المعنى يشمل التنجيم، والكهانة، بل إنه يشمل التأثير بالبيان والفصاحة كما قال عليه الصلاة والسلام: ((إن من البيان لسحراً))89 فكل شيء له أثر بطريق خفي فهو من السحر .

وأما في الاصطلاح فعرفه بعضهم بأنه: ((عزائم ورقى وعقد تؤثر في القلوب، والعقول، والأبدان، فتسلب العقل، وتوجد الحب والبغض فتفرق بين المرء وزوجه، وتمرض البدن، وتسلب تفكيره)) .

وتعلم السحر محرم بل هو كفر إذا كانت وسيلته الإشراك بالشياطين قال الله –تبارك وتعالى-: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ)(البقرة: من الآية102) فتعلم هذا النوع من السحر –وهو الذي يكون بواسطة الإشراك بالشياطين- كفر، واستعماله أيضاً كفر وظلم وعدوان على الخلق، ولهذا يقتل الساحر إما ردة وإما حداً، فإن كان سحره على وجه يكفر به فإنه يقتل ردة وكفراً، وإن كان سحره لا يصل إلى درجة الكفر فإنه يقتل حداً دفعاً لشره وأذاه على المسلمين .

***

س74: ما حكم التوفيق بين الزوجين بالسحر؟

الجواب: هذا محرم ولا يجوز، وهذا يسمى بالعطف، وما يحصل به التفريق يسمى بالصرف وهو أيضاً محرم، وقد يكون كفراً وشركاً، قال الله تعالى: ( وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ )(البقرة: من الآية102) .

***

سيف قطر
25-12-2006, 12:42 PM
س75: ما هي الكهانة؟ وما حكم إتيان الكهان؟

الجواب: الكهانة فعالة مأخوذة من التكهن، وهو التخرص والتماس الحقيقة بأمور لا أساس لها، وكانت في الجاهلية صنعة لأقوام تتصل بهم الشياطين وتسترق السمع من السماء وتحدثهم به، ثم يأخذون الكلمة التي نقلت إليهم من السماء بواسطة هؤلاء الشياطين ويضيفون إليها ما يضيفون من القول، ثم يحدثون بها الناس، فإذا وقع الشيء مطابقاً لما قالوا اغتر بهم الناس واتخذوهم مرجعاً في الحكم بينهم، وفي استنتاج ما يكون في المستقبل، ولهذا نقول: الكاهن هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل .

والذي يأتي إلى الكاهن ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله من غير أن يصدقه، فهذا محرم، وعقوبة فاعله أن لا تقبل له صلاة أربعين يوماً، كما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((من أتى عرافاً فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يوماً، أو أربعين ليلة))90 .

القسم الثاني: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ويصدقه بما أخبر به، فهذا كفر بالله –عز وجل- لأنه صدقه في دعوى علمه الغيب، وتصديق البشر في دعوى علم الغيب تكذيب لقول الله –تعالى-: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) (النمل: من الآية 65) ولهذا جاء في الحديث الصحيح: ((من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم))91 .

القسم الثالث: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ليبين حاله للناس، وأنها كهانة وتمويه وتضليل، فهذا لا بأس به، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه ابن صياد، فأضمر له النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً في نفسه فسأله النبي صلى الله عليه وسلم، ماذا خبأ له؟ فقال: الدخ –يريد الدخان- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اخسأ فلن تعدو قدرك))92 هذه أحوال من يأتي إلى الكاهن ثلاثة .

الأولى: أن يأتي فيسأله بدون أن يصدقه، وبدون أن يقصد بيان حاله فهذا محرم، وعقوبة فاعله أن لا تقبل له صلاة أربعين ليلة .

الثانية: أن يسأله فيصدقه وهذا كفر بالله –عز وجل- على الإنسان أن يتوب منه ويرجع إلى الله –عز وجل- وإلا مات على الكفر .

الثالثة: أن يأتيه فيسأله ليمتحنه ويبين حاله للناس فهذا لا بأس به .

***

س76: ما حكم العبادة إذا اتصل بها الرياء؟

الجواب: حكم العبادة إذا اتصل بها الرياء أن يقال اتصال الرياء على ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: أن يكون الباعث على العبادة مراءاة الناس من الأصل كمن قام يصلي لله مراءاة الناس من أجل أن يمدحه الناس على صلاته فهذا مبطل للعبادة .

الوجه الثاني: أن يكون مشاركاً للعبادة في أثنائها: بمعنى أن يكون الحامل له في أول أمره الإخلاص لله، ثم طرأ الرياء في أثناء العبادة، فهذه العبادة لا تخلو من حالين:

الحال الأولى: أن لا يرتبط أول العبادة بآخرها فأولها صحيح بكل حال، وآخرها باطل .

مثال ذلك: رجل عنده مائة ريال يريد أن يتصدق بها فتصدق بخمسين منها صدقة خالصة، ثم طرأ عليه الرياء في الخمسين الباقية فالأولى صدقة صحيحة مقبولة، والخمسون الباقية صدقة باطلة لاختلاط الرياء فيها بالإخلاص .

الحال الثانية: أن يرتبط أول العبادة بآخرها فلا يخلو الإنسان حينئذ من أمرين:

الأمر الأول: أن يدافع الرياء ولا يسكن إليه بل يعرض عنه ويكرهه، فإنه لا يؤثر شيئاً لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم))93 .

الأمر الثاني: أن يطمئن إلى هذا الرياء ولا يدافعه، فحينئذ تبطل جميع العبادة لأن أولها مرتبط بآخرها . مثال ذلك أن يبتدئ الصلاة مخلصاً بها لله –تعالى- ثم يطرأ عليها الرياء في الركعة الثانية فتبطل الصلاة كلها لارتباط أولها بآخرها .

الوجه الثالث: أن يطرأ الرياء بعد انتهاء العبادة فإنه لا يؤثر عليها ولا يبطلها لأنها تمت صحيحة فلا تفسد بحدوث الرياء بعد ذلك .

وليس من الرياء أن يفرح الإنسان بعلم الناس بعبادته، لأن هذا إنما طرأ بعد الفراغ من العبادة، وليس من الرياء أن يسر الإنسان بفعل الطاعة، لأن ذلك دليل إيمانه قال النبي –عليه الصلاة والسلام-: ((من سرته حسنته وساءته سيئته فذلك مؤمن))94 وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم، عن ذلك فقال: "تلك عاجل بشرى المؤمن95 .

***

س77: ما حكم الحلف بالمصحف؟

الجواب: هذا السؤال ينبغي أن نبسط الجواب فيه وذلك أن القسم بالشيء يدل على تعظيم ذلك المقسم به تعظيماً خاصاً لدى المقسم، ولهذا لا يجوز لأحد أن يحلف إلا بالله –تعالى- بأحد أسمائه، أو بصفة من صفاته، مثل أن يقول والله لأفعلن، ورب الكعبة لأفعلن، وعزة الله لأفعلن، وما أشبه ذلك من صفات الله –تعالى- .

والمصحف يتضمن كلام الله، وكلام الله –تعالى- من صفاته وهو –أعني بكلام الله- صفة ذاتية فعلية، لأنه بالنظر إلى أصله وأن الله لم يزل ولا يزال موصوفاً به لأن الكلام كمال فهو من هذه الناحية من صفات الله الذاتية إذ لم يزل ولا يزال متكلماً فعالاً لما يريده، وبالنظر إلى آحاده يكون من الصفات الفعلية لأنه يتكلم متى شاء قال الله –تعالى-: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يّـس:82) فقرن القول بالإرادة وهو دليل على أن كلام الله يتعلق بإرادته ومشيئته –سبحانه وتعالى- والنصوص في هذا متضافرة كثيرة، وأن كلام الله تحدث آحاده حسب ما تقتضيه حكمته، وبهذا نعرف بطلان قول من يقول إن كلام الله أزلي، ولا يمكن أن يكون تابعاً لمشيئته، وأنه هو المعنى القائم بنفسه، وليس هو الشيء المسموع الذي يسمعه من يكلمه الله –عز وجل- فإن هذا قول باطل، حقيقته أن قائله جعل كلام الله المسموع مخلوقاً .

وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- كتاباً يعرف باسم "التسعينية" بين فيه بطلان هذا القول من تسعين وجهاً .

فإذا كان المصحف يتضمن كلام الله، وكلام الله –تعالى- من صفاته فإنه يجوز الحلف بالمصحف، بأن يقول الإنسان والمصحف ويقصد ما فيه من كلام الله –عز وجل- وقد نص على ذلك كفقهاء الحنابلة –رحمهم الله- ومع هذا فإن الأولى للإنسان أن يحلف بما لا يشوش على السامعين بأن يحلف باسم الله –عز وجل- فيقول والله ورب الكعبة، أو والذي نفسي بيده وما أشبه ذلك من الأشياء التي لا تستنكرها العامة، ولا يحصل لديهم فيها تشويش، فإن تحديث الناس بما يعرفون وتطمئن إليه قلوبهم خير وأولى، وإذا كان الحلف إنما يكون بالله وأسمائه وصفاته فإنه لا يجوز أن يحلف أحد بغير الله لا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا بجبريل، ولا بالكعبة، ولا بغير ذلك من المخلوقات، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت))96 وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( من خلف بغير الله فقد كفر أو أشرك))97 . فإذا سمع الإنسان شخصاً يحلف بالنبي، أو بحياة النبي، أو بحياة شخص آخر فلينهه عن ذلك، وليبين له أن هذا حرام ولا يجوز، ولكن ليكن نهيه وبيانه على وفق الحكمة حيث يكون باللطف واللين والإقبال على الشخص وهو يريد نصحه وانتشاله من هذا المحرم، لأن بعض الناس تأخذه الغيرة عند الأمر والنهي فيغضب ويحمر وجهه وتنتفخ أوداجه، وربما يشعر في هذه الحال أنه ينهاه انتقاماً لنفسه فيلقي الشيطان في نفسه هذه العلة، ولو أن الإنسان أنزل الناس منازلهم ودعا إلى الله بالحكمة واللين والرفق لكان ذلك أقرب إلى القبول وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف))98 ولا يخفى على الكثير ما حصل من النبي صلى الله عليه وسلم، في قصة الأعرابي الذي جاء إلى المسجد فبال في طائفة منه فزجره الناس، وصاحوا به، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، عن ذلك فلما قضى بوله دعاه النبي –عليه الصلاة والسلام- وقال: ((إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى أو الذر، وإنما هي للتكبير والتسبيح وقراءة القرآن))99 أو كما قال صلى الله عليه وسلم، ثم أمر أصحابه أن يصبوا على البول ذنوباً من ماء، فبهذا زالت المفسدة وطهر المكان، وحصل المقصود بالنسبة لنصيحة الأعرابي الجاهل، وهكذا ينبغي لنا نحن في دعوة عباد الله إلى دين الله أن نكون داعين إلى الله –سبحانه وتعالى- فنسلك الطريق التي تكون أقرب إلى إيصال الحق إلى قلوب الخلق وإصلاحهم، والله الموفق .

***

س78: ما حكم الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، والكعبة؟ والشرف والذمة؟ وقول الإنسان ((بذمتي))؟

الجواب: الحلف بالنبي –عليه الصلاة والسلام- لا يجوز بل هو نوع من الشرك، وكذلك الحلف بالكعبة لا يجوز بل نوع من الشرك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، والكعبة كلاهما مخلوقان، والحلف بأي مخلوق نوع من الشرك .

وكذلك الحلف بالشرف لا يجوز، وكذلك الحلف بالذمة لا يجوز، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك))100 وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا تحلفوا بآبائكم من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت))101 .

لكن يجب أن نعلم أن قول الإنسان ((بذمتي))لا يراد به الحلف ولا القسم بالذمة، وإنما يراد بالذمة العهد، يعني هذا على عهدي ومسئوليتي هذا هو المراد بها، أما إذا أراد بها القسم فهي قسم بغير الله فلا يجوز، لكن الذي يظهر لي أن الناس لا يريدون بها القسم إنما يريدون بالذمة العهد، والذمة بمعنى العهد .

***

سيف قطر
25-12-2006, 12:43 PM
س79: ما حكم من يعبد القبور بالطواف حولها ودعاء أصحابها والنذر لهم إلى غير ذلك من أنواع العبادة؟

الجواب: هذا السؤال سؤال عظيم، وجوابه يحتاج إلى بسط بعون الله –عز وجل- فنقول: إن أصحاب القبور ينقسمون إلى قسمين:

القسم الأول: قسم توفي على الإسلام ويثني الناس عليه خيراً فهذا يرجى له الخير، ولكنه مفتقر إلى إخوانه المسلمين يدعون الله له بالمغفرة والرحمة، وهو داخل في عموم قوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (الحشر:10) وهو بنفسه لا ينفع أحداً إذ أنه ميت جثة لا يستطيع أن يدفع عن نفسه الضر ولا عن غيره، ولا أن يجلب لنفسه النفع ولا لغيره فهو محتاج إلى نفع إخوانه غير نافع لهم .

القسم الثاني من أصحاب القبور: من أفعاله تؤدي إلى فسقه الفسق المخرج من الملة كأولئك الذين يدعون أنهم أولياء، ويعلمون الغيب ويشفون من المرض، ويجلبون الخير والنفع بأسباب غير معلومة حساً ولا شرعاً، فهؤلاء الذين ماتوا على الكفر، لا يجوز الدعاء لهم ولا الترحم عليهم لقول الله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) (113) (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) (التوبة:113،114) وهم لا ينفعون أحداً ولا يضرونه ولا يجوز لأحد أن يتعلق بهم، وإن قدر أن أحداً رأى كرامات لهم مثل أن يتراءى له أن في قبورهم نوراً أو أنه يخرج منها رائحة طيبة، أو ما أشبه ذلك، وهم معروفون بأنهم ماتوا على الكفر فإن هذا من خداع إبليس وغروره، ليفتن هؤلاء بأصحاب هذه القبور .

وإنني أحذر إخواني المسلمين من أن يتعلقوا بأحد سوى الله –عز وجل- فإنه –سبحانه وتعالى- هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، وإليه يرجع الأمر كله، ولا يجيب دعوة المضطر إلا الله، ولا يكشف السوء إلا الله، قال تعالى: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) (النحل:53) ونصيحتي لهم أيضاً أن لا يقلدوا في دينهم ولا يتبعوا أحداً إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقول الله تعالى:(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب:21) ولقوله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ).(آل عمران: من الآية31) .

ويجب على جميع المسلمين أن يزنوا أعمال من يدعي الولاية بما جاء في الكتاب والسنة فإن وافق الكتاب والسنة فإنه يرجى أن يكون من أولياء الله، وإن خالف الكتاب والسنة فليس من أولياء الله وقد ذكر الله في كتابه ميزاناً قسطاً عدلاً في معرفة أولياء الله حيث قال: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (يونس:62) فمن كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً، ومن لم يكن كذلك فليس بولي لله، وإن كان معه بعض الإيمان والتقوى كان فيه شيء من الولاية، ومع ذلك فإننا لا نجزم لشخص بعينه بشيء، ولكننا نقول على سبيل العموم كل من كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً .

وليعلم أن الله –عز وجل- قد يفتن الإنسان بشيء من مثل هذه الأمور فقد يتعلق الإنسان بالقبر فيدعو صاحبه، أو يأخذ من ترابه يتبرك به فيحصل مطلوبه ويكون ذلك فتنة من الله –عز وجل- لهذا الرجل لأننا نعلم أن هذا القبر لا يجيب الدعاء وأن هذا التراب لا يكون سبباً لزوال ضرر أو جلب نفع، نعم ذلك لقول الله تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) (الاحقاف:5) (وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) (الاحقاف:6) وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) .(النحل:20) (أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (النحل:21) والآيات في هذا المعنى كثيرة تدل على أن كل من دعي من دون الله فلن يستجيب الدعاء ولن ينفع الداعي، ولكن قد يحصل المطلوب المدعو به عند دعاء غير الله فتنة وامتحاناً ونقول: إنه حصل هذا الشيء عند الدعاء –أي عند دعاء هذا الذي دعي من دون الله –لا بدعائه وفرق بين حصول الشيء بالشيء، وبين حصول الشيء عند الشيء، فإننا نعلم علم اليقين أن دعاء غير الله ليس سبباً لجلب النفع، أو دفع الضرر، بالآيات الكثيرة التي ذكرها الله –عز وجل- في كتابه ولكن قد يحصل الشيء عند هذا الدعاء فتنة وامتحاناً، والله تعالى قد يبتلي الإنسان بأسباب المعصية ليعلم –سبحانه وتعالى- من كان عبداً لله، ومن كان عبداً لهواه، ألا ترى إلى أصحاب السبت من اليهود حيث حرم الله عليهم أن يصطادوا الحيتان في يوم السبت فابتلاهم الله –عز وجل- فكانت الحيتان تأتي يوم السبت بكثرة عظيمة، وفي غير يوم السبت تختفي، فطال عليهم الأمد، وقالوا كيف نحرم أنفسنا هذه الحيتان، ثم فكروا وقدروا ونظروا فقالوا: نجعل شبكة ونضعها يوم الجمعة، ونأخذ الحيتان منها يوم الأحد، فأقدموا على هذا الفعل الذي هو حيلة على محارم الله فقلبهم الله قردة خاسئين قال الله تعالى: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) (لأعراف:163) وقال -عز وجل-: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) (البقرة:65) (فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) (البقرة:66) فانظر كيف يسر الله لهم هذه الحيتان في اليوم الذي منعوا من صيدها فيه، ولكنهم –والعياذ بالله- لم يصبروا فقاموا بهذه الحيلة على محارم الله .

ثم انظر إلى ما حصل لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، حيث ابتلاهم الله وهم محرمون بالصيود المحرمة على المحرم فكانت في متناول أيديهم ولكنهم –رضي الله عنهم- لم يجرؤوا على شيء منها، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (المائدة:94) كانت الصيود في متناول أيديهم يمسكون الصيد العادي باليد، وينالون الصيد الطائر بالرماح فيسهل عليهم جداً، ولكنهم –رضي الله عنهم- خافوا الله –عز وجل- فلم يقدموا على أخذ شيء من الصيود .

وهكذا يجب على المرء إذا هيئت له أسباب الفعل المحرم أن يتقي الله –عز وجل- وأن لا يقدم على فعل هذا المحرم، وأن يعلم أن تيسير أسبابه من باب الابتلاء والامتحان فليحجم وليصبر فإن العاقبة للمتقين .

***

س80: كيف نجيب عباد القبور الذين يحتجون بدفن النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوي؟

الجواب عن ذلك من وجوه:

الوجه الأول: أن المسجد لم يبن على القبر بل بنبي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم .

الوجه الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدفن في المسجد حتى يقال إن هذا من دفن الصالحين في المسجد، بل دفن صلى الله عليه وسلم في بيته .

الوجه الثالث: أن إدخال بيوت الرسول صلى الله عليه وسلم ومنها بيت عائشة مع المسجد ليس باتفاق الصحابة، بل بعد أن انقرض أكثرهم، وذلك في عام أربعة وتسعين هجرية تقريباً فليس مما أجازه الصحابة، بل إن بعضهم خالف في ذلك، وممن خالف أيضاً سعيد بن المسيب .

الوجه الرابع: أن القبر ليس في المسجد حتى بعد إدخاله، لأنه في حجرة مستقلة عن المسجد فليس المسجد مبنياً عليه، ولهذا جعل هذا المكان محفوظاً ومحوطاً بثلاثة جدران، وجعل الجدار في زاوية منحرفة عن القبلة أي أنه مثلث، والركن في الزاوية الشمالية حيث لا يستقبله الإنسان إذا صلى لأنه منحرف، وبهذا يبطل احتجاج أهل القبور بهذه الشبهة .

***

س81: ما حكم البناء على القبور؟

الجواب: البناء على القبور محرم وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، لما فيه من تعظيم أهل القبور، وكونه وسيلة وذريعة إلى أن تعبد هذه القبور وتتخذ آلهة مع الله، كما هو الشأن في كثير من الأبنية التي بنيت على القبور، فأصبح الناس يشركون بأصحاب هذه القبور، ويدعونها مع الله تعالى، ودعاء أصحاب القبور والاستغاثة بهم لكشف الكربات شرك أكبر وردة عن الإسلام . والله المستعان .

***

س82: ما حكم دفن الموتى في المساجد؟

الجواب: الدفن في المساجد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ونهى عن اتخاذ المساجد على القبور، ولعن من اتخذ ذلك وهو في سياق الموت يحذر أمته ويذكر صلى الله عليه وسلم أن هذا من فعل اليهود والنصارى102 ، ولأن هذا وسيلة إلى الشرك بالله –عز وجل- لأن إقامة المساجد على القبور ودفن الموتى فيها وسيلة إلى الشرك بالله –عز وجل- في أصحاب هذه القبور فيعتقد الناس أن أصحاب هذه القبور المدفونين في المساجد ينفعون أو يضرون، أو أن لهم خاصية تستوجب أن يتقرب إليهم بالطاعات من دون الله –سبحانه وتعالى- فيجب على المسلمين أن يحذروا من هذه الظاهرة الخطيرة وأن تكون المساجد خالية من القبور مؤسسة على التوحيد والعقيدة الصحيحة قال الله –تعالى-: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً) (الجـن:18) فيجب أن تكون المساجد لله –سبحانه وتعالى- خالية من مظاهر الشرك تؤدى فيها عبادة الله وحده لا شريك له هذا هو واجب المسلمين . والله الموفق .

***

س83: ما حكم السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟

الجواب: شد الرحال إلى زيارة القبور أياً كانت هذه القبور لا يجوز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى))103 والمقصود بهذا أنه لا تشد الرحال إلى أي مكان في الأرض لقصد العبادة بهذا الشد، لأن الأمكنة التي تخصص بشد الرحال هي المساجد الثلاثة فقط، وما عداها من الأمكنة لا تشد إليها الرحال، فقبر النبي صلى الله عليه وسلم، لا تشد الرحال إليه وإنما تشد الرحال إلى مسجده فإذا وصل المسجد فإن الرجال يسن لهم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأما النساء فلا يسن لهن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، والله الموفق .

سيف قطر
25-12-2006, 12:44 PM
س84: ما حكم التبرك بالقبور والطواف حولها بقصد قضاء حاجة أو تقرب وعن حكم الحلف بغير الله؟

الجواب: التبرك بالقبور حرام ونوع من الشرك، وذلك لأنه إثبات تأثير شيء لم ينزل الله به سلطانأً، ولم يكن من عادة السلف الصالح أن يفعلوا مثل هذا التبرك، فيكون من هذه الناحية بدعة أيضاً، وإذا اعتقد المتبرك أن لصاحب القبر تأثيراً أو قدرة على دفع الضرر أو جلب النفع كان ذلك شركاً أكبر إذا دعاه لجلب المنفعة أو دفع المضرة . وكذلك يكون من الشرك الأكبر إذا تعبد لصاحب القبر بركوع أو سجود، أو ذبح تقرباً له وتعظيماً له، قال الله –تعالى-: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) (المؤمنون:117) وقال تعالى: ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)(الكهف: من الآية110) والمشرك شركاً أكبر كافر مخلد في النار، والجنة عليه حرام لقوله تعالى: ( مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)(المائدة: من الآية72) .

وأما الحلف بغير الله فإن كان الحالف يعتقد أن للمحلوف به منزلة مثل الله تعالى فهو مشرك شركاً أكبر، وإن كان لا يعتقد ذلك ولكن كان في قلبه من تعظيم المحلوف به ما حمله على أن يحلف به دون أن يعتقد أن له منزلة مثل منزلة الله فهو مشرك شركاً أصغر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك))104 .

ويجب الإنكار على من تبرك بالقبور، أو دعا المقبور، أو حلف بغير الله، وأن يبين له أنه لن ينجيه من عذاب الله قوله:((هذا شيء أخذنا عليه)) فإن هذه الحجة هي حجة المشركين الذين كذبوا الرسل وقالوا: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ)(الزخرف: من الآية23) فقال لهم الرسول:( أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ)(الزخرف: من الآية24) قال الله –تعالى-: (فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (الزخرف:25) .

ولا يحل لأحد أن يحتج لباطله بكونه وجد عليه آباءه، أو بكونه عادة له ونحو ذلك، ولو احتج بهذا فحجته داحضة عند الله تعالى لا تنفعه ولا تغني عنه شيئاً . وعلى الذين ابتلوا بمثل هذا أن يتوبوا إلى الله، وأن يتبعوا الحق أينما كان، وممن كان، ومتى كان، وأن لا يمنعهم من قبوله عادات قومهم، أو لوم عوامهم، فإن المؤمن حقاً هو الذي لا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يصده عن دين الله عائق .

وفق الله الجميع لما فيه رضاه، وحمانا عما فيه سخطه وعقوبته .

***

س85: ما حكم لبس الثياب التي فيها صورة حيوان أو إنسان؟

الجواب لا يجوز للإنسان أن يلبس ثياباً فيها صورة حيوان أو إنسان، ولا يجوز أيضاً أن يلبس غترة أو شماغاً أو ما أشبه ذلك وفيه صورة إنسان أو حيوان، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أن قال: ((إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة))105 .

ولهذا لا نرى لأحد أن يقتني الصور للذكرى كما يقولون، وأن من عنده صور للذكرى فإن الواجب عليه أن يتلفها، سواء كان قد وضعها على الجدار، أو وضعها في ألبوم، أو في غير ذلك، لأن بقاءها يقضي حرمان أهل البيت من دخول الملائكة بيتهم . وهذا الحديث الذي أشرت إليه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم .

***

س86: ما حكم تعليق الصور على الجدران؟

الجواب: تعليق الصور على الجدران ولا سيما الكبيرة منها حرام، حتى وإن لم يخرج إلا بعض الجسم والرأس، وقصد التعظيم فيها ظاهر، وأصل الشرك هو هذا الغلو كما جاء ذلك عن ابن عباس –رضي الله عنه- أنه قال في أصنام قوم نوح التي يعبدونها إنها كانت أسماء رجال صالحين صوروا صورهم ليتذكروا العبادة، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم106 .

***

س87: ما حكم التصوير بالآلة الفوتوغرافية الفورية؟

الجواب: التقاط الصور بالآلة الفوتوغرافية الفورية التي لا تحتاج إلى عمل بيد فإن هذا لا بأس به، لأنه لا يدخل في التصوير، ولكن يبقى النظر، ما هو الغرض من هذا الالتقاط؟ إذا كان الغرض من هذا الالتقاط هو أن يقتنيها الإنسان ولو للذكرى صار ذلك الالتقاط حراماً، وذلك لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، واقتناء الصور للذكرى محرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم، أخبر أن ((الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة))107 وهذا يدل على تحريم اقتناء الصور في البيوت، وأما تعليق الصور على الجدران فإنه محرم ولا يجوز والملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة .

***

س88: كيف نرد على أهل البدع الذين يستدلون على بدعهم بحديث ((من سن في الإسلام سنة حسنة ...))108 إلخ؟

الجواب: نرد على هؤلاء فنقول إن الذي قال: ((من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها)) هو الذي قال: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار))109 وعلى هذا يكون قوله: ((من سن في الإسلام سنة حسنة)) منزلاً على سبب هذا الحديث، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على الصدقة للقوم الذين جاءوا من مضر في حاجة وفاقة، فجاء رجل بصرة من فضة فوضعها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة)) وإذا عرفنا سبب الحديث وتنزل المعنى عليه تبين أن المراد بسن السنة سن العمل بها، وليس سن التشريع، لأن التشريع لا يكون إلا لله ورسوله، وأن معنى الحديث من سن سنة أي ابتدأ العمل بها واقتدى الناس به فيها، كان له أجرها وأجر من عمل بها، هذا هو معنى الحديث المتعين، أو يحمل على أن المراد "من سن سنة حسنة" من فعل وسيلة يتوصل بها إلى العبادة واقتدى الناس به فيها، كتأليف الكتب، وتبويب العلم، وبناء المدارس، وما أشبه هذا مما يكون وسيلة لأمر مطلوب شرعاً . فإذا ابتدأ الإنسان هذه الوسيلة المؤدية للمطلوب الشرعي وهي لم ينه عنها بعينها، كان داخلاً في هذا الحديث .

ولو كان معنى الحديث أن الإنسان له أن يشرع ما شاء، لكان الدين الإسلامي لم يكمل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكان لكل أمة شرعة ومنهاجاً، وإذا ظن هذا الذي فعل هذه البدعة أنها حسنة فظنه خاطئ، لأن هذا الظن يكذبه قول الرسول –عليه الصلاة والسلام- ((كل بدعة ضلالة)) .

***

سيف قطر
25-12-2006, 12:45 PM
س89: ما حكم الاحتفال بالمولد النبوي؟

الجواب: أولاً: ليلة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ليست معلومة على الوجه القطعي، بل إن بعض العصريين حقق أنها ليلة التاسع من ربيع الأول، وليست ليلة الثاني عشر منه، وحينئذ فجعل الاحتفال ليلة الثاني عشر منه لا أصل له من الناحية التاريخية .

ثانياً: من الناحية الشرعية فالاحتفال لا أصل له أيضاً لأنه لو كان من شرع الله لفعله النبي صلى الله عليه وسلم، أو بلغه لأمته، ولو فعله أو بلغه لوجب أن يكون محفوظاً لأن الله تعالى يقول: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9) فلما لم يكن شيء من ذلك أن نتعبد به لله –عز وجل- ونتقرب به إليه، فإذا كان الله تعالى قد وضع للوصول إليه طريقاً معيناً وهو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فكيف يسوغ لنا ونحن عباد أن نأتي بطريق من عند أنفسنا يوصلنا إلى الله؟ هذا من الجناية في حق الله –عز وجل- أن نشرع فيدينه ما ليس منه، كما أنه يتضمن تكذيب قول الله –عز وجل-: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي)(المائدة: من الآية3) فنقول هذا الاحتفال إن كان من كمال الدين فلا بد أن يكون موجوداً قبل موت الرسول عليه الصلاة والسلام، وإن لم يكن من كمال الدين فإنه لا يمكن أن يكون من الدين لأن الله تعالى يقول: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)(المائدة: من الآية3) ومن زعم أنه من كمال الدين وقد حدث بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن قوله يتضمن تكذيب هذه الآية الكريمة، ولا ريب أن الذين يحتفلون بمولد الرسول عليه الصلاة والسلام إنما يريدون بذلك تعظيم الرسول عليه الصلاة والسلام، وإظهار محبته وتنشيط الهمم على أن يوجد منهم عاطفة في ذلك الاحتفال للنبي صلى الله عليه وسلم، وكل هذا من العبادات، محبة الرسول عليه الصلاة والسلام عبادة، بل لا يتم الإيمان حتى يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إلى الإنسان من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين، وتعظيم الرسول عليه الصلاة والسلام من العبادة، كذلك إلهاب العواطف نحو النبي صلى الله عليه وسلم من الدين أيضاً، لما فيه من الميل إلى شريعته، إذن فالاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم من أجل التقرب على الله وتعظيم رسوله صلى الله عليه وسلم عبادة، وإذا كن عبادة فإنه لا يجوز أبداً أن يحدث في دين الله ما ليس منه، فالاحتفال بالمولد بدعة ومحرم، ثم إننا نسمع أنه يوجد في هذا الاحتفال من المنكرات العظيمة ما لا يقره شرع، ولا حس، ولا عقل، فهم يتغنون بالقصائد التي فيها الغلو في الرسول عليه الصلة والسلام، حتى جعلوه أكبر من الله –والعياذ بالله- ومن ذلك أيضاً أننا نسمع من سفاهة بعض المحتفلين أنه إذا تلى التالي قصة المولد ثم وصل إلى قوله ((ولد المصطفى)) قاموا جميعاً قيام رجل واحد يقولون إن روح الرسول صلى الله عليه وسلم حضرت فنقوم إجلالاً لها وهذا سفه، ثم إنه ليس من الأدب أن يقوموا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يكره القيام له، وأصحابه وهم أشد الناس حباً له وأشد منا تعظيماً للرسول صلى الله عليه وسلم، لا يقومون له لما يرون من كراهيته لذلك وهو حي فكيف بهذه الخيالات؟

وهذه البدعة –أعني بدعة المولد- حصلت بعد مضي القرون الثلاثة المفضلة، وحصل فيها ما يصحبها من هذه الأمور المنكرة التي تخل بأصل الدين، فضلاً عما يحصل فيها من الاختلاط بين الرجال والنساء وغير ذلك من المنكرات .

***

س90: ما حكم الاحتفال بما يسمى عيد الأم؟

الجواب: إن كل الأعياد التي تخالف الأعياد الشرعية كلها أعيد بدع حادثة، لم تكن معروفة في عهد السلف الصالح، وربما يكون منشؤها من غير المسلمين أيضاً، فيكون فيها من البدعة مشابهة أعداء الله –سبحانه وتعالى-، والأعياد الشرعية معروفة عند أهل الإسلام، وهي عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع ((يوم الجمعة)) وليس في الإسلام أعياد سوى هذه الأعياد الثلاثة، وكل أعياد أحدثت سوى ذلك فإنها مردودة على محدثيها وباطلة في شريعة الله –سبحانه وتعالى- لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌ))110 أي مردود عليه غير مقبول عند الله، وفي لفظ: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))111 وإذا تبين ذلك فإنه لا يجوز في العيد الذي ذكر في السؤال والمسمى عيد الأم، لا يجوز فيه إحداث شيء من شعائر العيد، كإظهار الفرح والسرور، وتقديم الهدايا وما أشبه ذلك، والواجب على المسلم أن يعتز بدينه ويفتخر به وأن يقتصر على ما حده الله –تعالى- ورسوله، صلى الله عليه وسلم، في هذا الدين القيم الذي ارتضاه الله –تعالى- لعباده فلا يزيد فيه ولا ينقص منه، والذي ينبغي للمسلم أيضاً ألا يكون إمعة يتبع كل ناعق بل ينبغي أن يكون شخصيته بمقتضى شريعة الله –تعالى- حتى يكون متبوعاً لا تابعاً، وحتى يكون أسوة لا متأسياً، لأن شريعة الله –والحمد لله- كاملة من جميع الوجوه كما قال الله –تعالى-: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُم الإسلَامَ دِينَا)(المائدة:الآية3) والأم أحق من أن يحتفى بها يومأً واحداً في السنة، بل الأم لها الحق على أولادها أن يرعوها، وأن يعتنوا بها، وأن يقوموا بطاعتها في غير معصية الله –عز وجل- في كل زمان ومكان .

***

س91: ما حكم إقامة أعياد الميلاد للأولاد أو بمناسبة الزواج؟

الجواب: ليس في الإسلام أعياد سوى يوم الجمعة عيد الأسبوع، وأول يوم من شوال عيد الفطر من رمضان، والعاشر من شهر ذي الحجة عيد الأضحى وقد يسمى يوم عرفة عيد لأهل عرفة وأيام التشريق أيام عيد تبعاً لعيد الأضحى .

وأما أعياد الميلاد للشخص أو أولاده، أو مناسبة زواج ونحوها فكلها غير مشروعة وهي للبدعة أقرب من الإباحة .

***

س92: شخص سكن في دار فأصابته الأمراض وكثير من المصائب مما جعله يتشاءم هو وأهله من هذه الدار فهل يجوز له تركها لهذا السبب؟

الجواب: ربما يكون بعض المنازل، أو بعض المركوبات، أو بعض الزوجات مشئوماً يجعل الله بحكمته مع مصاحبته، إما ضرراً، أو فوات منفعة، أو نحو ذلك، وعلى هذا فلا بأس ببيع هذا البيت والانتقال إلى بيت غيره، ولعل الله أن يجعل الخير فيما ينتقل إليه، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((الشؤم في ثلاث: الدار، والمرأة، والفرس))112 ، فبعض المركوبات يكون فيها شؤم، وبعض الزوجات يكون فيهن شؤم، وبعض البيوت يكون فيها شؤم، فإذا رأى الإنسان ذلك فليعلم أنه بتقدير الله –عز وجل- وأن الله –سبحانه وتعالى- بحكمه قدر ذلك، لينتقل الإنسان إلى محل آخر . والله أعلم .

سيف قطر
25-12-2006, 12:45 PM
س93: ما حكم التوسل؟

الجواب: هذا سؤال مهم فنحب أن نبسط الجواب فيه فأقول:

التوسل: مصدر توسل يتوسل، أي اتخذ وسيلة توصله إلى مقصوده، فأصله طلب الوصول إلى الغاية المقصودة

وينقسم التوسل إلى قسمين:

القسم الأول: قسم صحيح، وهو التوسل بالوسيلة الصحيحة الموصلة إلى المطلوب وهو على أنواع نذكر منها:

النوع الأول: التوسل بأسماء الله –تعالى- وذلك على وجهين:

الوجه الأول: أن يكون ذلك على سبيل العموم ومثاله ما جاء في حديث عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- في دعاء الهم والغم قال: ((اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، مضٍ في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ...))113 الخ . فهنا توسل بأسماء الله –تعالى- على سبيل العموم ((أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك)) .

الوجه الثاني: أن يكون ذلك على سبيل الخصوص بأن يتوسل الإنسان باسم خاص لحاجة خاصة تناسب هذا الاسم، مثل ما جاء في حديث أبي بكر –رضي الله عنه- حيث طلب من النبي صلى الله عليه وسلم، دعاءً يدعو به في صلاته فقال: ((قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم))114 فطلب المغفرة والرحمة وتوسل إلى الله –تعالى- باسمين من أسمائه مناسبين للمطلوب وهما ((الغفور)) و((الرحيم)) .

وهذا النوع من التوسل داخل في قوله –تعالى-: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا )(لأعراف: من الآية180) فإن الدعاء هنا يشمل دعاء المسألة، ودعاء العبادة .

النوع الثاني: التوسل إلى الله –تعالى- بصفاته، وهو أيضاً كالتوسل بأسمائه على وجهين:

الوجه الأول: أن يكون عاماً كأن تقول ((اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا)) ثم تذكر مطلوبك .

الوجه الثاني: أن يكون خاصاً كأن تتوسل إلى الله تعالى بصفة معينة خاصة، لمطلوب خاص، مثل ما جاء في الحديث: "اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي))115 ، فهنا توسل لله –تعالى- بصفة ((العلم)) و((القدرة)) وهما مناسبان للمطلوب .

ومن ذلك أن يتوسل بصفة فعلية مثل: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم .

النوع الثالث: أن يتوسل الإنسان إلى الله –عز وجل- بالإيمان به، وبرسوله صلى الله عليه وسلم، فيقول: ((اللهم إني آمنت بك، وبرسولك فاغفر لي أو وفقني))، أو يقول: ((اللهم بإيماني بك وبرسولك أسألك كذا وكذا)) ومنه قوله –تعالى-: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) (190) (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ)(191) إلى قوله: (رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) (192) )رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ) (آل عمران:190،193) فتوسلوا إلى الله –تعالى- بالإيمان به أن يغفر لهم الذنوب، ويكفر عنهم السيئات ويتوفاهم مع الأبرار .

النوع الرابع: أن يتوسل إلى الله –سبحانه وتعالى- بالعمل الصالح، ومنه قصة النفر الثلاثة الذين أووا إلى غار ليبيتوا فيه فانطبق عليهم الغار بصخرة لا يستطيعون زحزحتها، فتوسل كل منهم إلى الله بعمل صالح فعله، فأحدهم توسل إلى الله –تعالى- ببره بوالديه، والثاني بعفته التامة، والثالث بوفاءه لأجيره، قال كل منهم: ((اللهم إن كنت فعلت ذلك من أجلك فافرج عنا ما نحن فيه)) فانفرجت الصخرة، فهذا توسل إلى الله بالعمل الصالح .

النوع الخامس: أن يتوسل إلى الله –تعالى- بذكر حاله، يعني أن الداعي يتوسل إلى الله –تعالى- بذكر حاله وما هو عليه من الحاجة، ومنه قول موسى –عليه الصلاة والسلام-: ( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)(القصص: من الآية24) يتوسل إلى الله –تعالى- بذكر حاله أن ينزل إليه الخير . ويقرب من ذلك قول زكريا –عليه الصلاة والسلام-: (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً) (مريم:4) فهذه أنواع من التوسل كلها جائزة لأنها أسباب صالحة لحصول المقصود بالتوسل بها .

النوع السادس: التوسل إلى الله –عز وجل- بدعاء الرجل الصالح الذي ترجى إجابته، فإن الصحابة –رضي الله عنهم- كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم، أن يدعو الله لهم بدعاء عام، ودعاء خاص ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك –رضي الله عنه- أن رجلاً دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: ((اللهم أغثنا)) ثلاث مرات فما نزل من منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته، وبقي المطر أسبوعاً كاملاً . وفي الجمعة الأخرى جاء ذلك الرجل أو غيره والنبي صلى الله عليه وسلم، يخطب الناس فقال: يا رسول الله غرق الماء، وتهدم البناء فادع الله أن يمسكها عنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: ((اللهم حوالينا لا علينا)) فما يشير إلى ناحية من السماء إلا انفرجت، حتى خرج الناس يمشون في الشمس116 . وهناك عدة وقائع سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم على وجه الخصوص، ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم، ذكر أن في أمته سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب وهم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون ،ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون، فقام عكاشة بن محصن وقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال: ((أنت منهم))117 فهذا أيضاً من التوسل الجائز وهو أن يطلب الإنسان من شخص ترجى إجابته أن يدعو الله –تعالى- له، إلا أن الذي ينبغي أن يكون السائل يريد بذلك نفع نفسه، ونفع أخيه الذي طلب منه الدعاء، حتى لا يتمحض السؤال لنفسه خاصة، لأنك إذا أردت نفع أخيك ونفع نفسك صار في هذا إحسان إليه، فإن الإنسان إذا دعا لأخيه في ظهر الغيب قال الملك: "آمين ولك بمثل" وهو كذلك يكون من المحسنين بهذا الدعاء والله يحب المحسنين .

القسم الثاني:- التوسل غير الصحيح وهو:

أن يتوسل الإنسان إلى الله –تعالى- بما ليس بوسيلة، أي بما لم يثبت في الشرع أنه وسيلة،لأن التوسل بمثل ذلك من اللغو والباطل المخالف للمعقول، والمنقول، ومن ذلك أن يتوسل الإنسان إلى الله –تعالى- بدعاء ميت يطلب من هذا الميت أن يدعو الله له، لأن هذا ليس وسيلة شرعية صحيحة، بل من سفه الإنسان أن يطلب من الميت أن يدعو الله له، لأن الميت إذا مات انقطع عمله، ولا يمكن لأحد أن يدعو لأحد بعد موته، حتى النبي صلى الله عليه وسلم، لا يمكن أن يدعو لأحد بعد موته، ولهذا لم يتوسل الصحابة –رضي الله عنهم- إلى الله بطلب الدعاء من رسوله صلى الله عليه وسلم، بعد موته، فإن الناس لما أصابهم الجدب في عهد عمر –رضي الله عنه- قال: ((اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا))118 فقام العباس –رضي الله عنه- فدعا الله –تعالى- . ولو كان طلب الدعاء من الميت سائغاً ووسيلة صحيحة لكان عمر ومن معه من الصحابة يطلبون ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن إجابة دعاءه صلى الله عليه وسلم، أقرب من إجابة دعاء العباس –رضي الله عنه- فالمهم أن التوسل إلى الله –تعالى- بطلب الدعاء من ميت توسل باطل لا يحل ولا يجوز .

ومن التوسل الذي ليس بصحيح: أن يتوسل الإنسان بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن جاه الرسول صلى الله عليه وسلم، ليس مفيداً بالنسبة إلى الداعي، لأنه لا يفيد إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، أما بالنسبة للداعي فليس بمفيد حتى يتوسل إلى الله به، وقد تقدم أن التوسل اتخاذ الوسيلة الصالحة التي تثمر . فما فائدتك أنت من كون الرسول صلى الله عليه وسلم، له جاه عند الله؟! وإذا أردت أن تتوسل إلى الله على وجه صحيح فقل اللهم بإيماني بك وبرسولك، أو بمحبتي لرسولك وما أشبه ذلك فإن هذا الوسيلة الصحيحة النافعة .

***

س94: ما هو الولاء والبراء؟

الجواب: البراء والولاء لله –سبحانه- أن يتبرأ الإنسان من كل ما تبرأ الله منه كما قال –سبحانه وتعالى-: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُؤا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً)(الممتحنة: من الآية4) وهذا مع القوم المشركين كما قال –سبحانه-: (وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ)(التوبة: من الآية3) فيجب على كل مؤمن أن يتبرأ من كل مشرك وكافر . فهذا في الأشخاص .

وكذلك يجب على المسلم أن يتبرأ من كل عمل لا يرضي الله ورسوله وإن لم يكن كفراً، كالفسوق والعصيان، كما قال – سبحانه-: ( وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ)(الحجرات: من الآية7) .

وإذا كان مؤمن عنده إيمان وعنده معصية، فنواليه على إيمانه، ونكرهه على معاصيه، وهذا يجري في حياتنا، فقد تأخذ الدواء كريه الطعم وأنت كاره لطعمه، وأنت مع ذلك راغب فيه لأن فيه شفاء من المرض .

وبعض الناس يكره المؤمن العاصي أكثر مما يكره الكافر، وهذا من العجب وهو قلب للحقائق، فالكافر عدو لله ولرسوله وللمؤمنين ويجب علينا أن نكرهه من كل قلوبنا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) (الممتحنة:1) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة:51) .

هؤلاء الكفار لن يرضوا منك إلا إتباع ملتهم وبيع دينك (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)(البقرة: من الآية120) (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً)(البقرة: من الآية109) وهذا في كل أنواع الكفر: الجحود، والإنكار، والتكذيب، والشرك، الإلحاد .

أما الأعمال فنتبرأ من كل عمل محرم، ولا يجوز لنا أن نألف الأعمال المحرمة ولا أن نأخذ بها، والمؤمن العاصي نتبرأ من عمله بالمعصية، ولكننا نواليه ونحبه على ما معه من الإيمان .

سيف قطر
25-12-2006, 12:46 PM
س95: ما حكم السفر إلى بلاد الكفار؟ وحكم السفر للسياحة؟

الجواب: السفر إلى بلاد الكفار لا يجوز إلا بثلاثة شروط:

الشرط الأول: أن يكون عند الإنسان علم يدفع به الشبهات .

الشرط الثاني: أن يكون عنده دين يمنعه من الشهوات .

الشرط الثالث: أن يكون محتاجاً إلى ذلك .

فإن لم تتم هذه الشروط فإنه لا يجوز السفر إلى بلاد الكفار لما في ذلك من الفتنة أو خوف الفتنة، وفيه إضاعة المال لأن الإنسان ينفق أموالاً كثيرة في هذه الأسفار .

أما إذا دعت الحاجة إلى ذلك لعلاج، أو تلقي علم لا يوجد في بلده وكان عنده علم ودين على ما وصفنا فهذا لا بأس به.

وأما السفر للسياحة في بلاد الكفار فهذا ليس بحاجة وبإمكانه أن يذهب إلى بلاد إسلامية يحافظ أهلها على شعائر الإسلام، وبلادنا الآن والحمد لله أصبحت بلاداً سياحية في بعض المناطق فبإمكانه أن يذهب إليها ويقضي زمن إجازته فيها .

***

س96: فضيلة الشيخ: شخص يعمل مع الكفار فبماذا تنصحونه؟

الجواب: ننصح هذا الأخ الذي يعمل مع الكفار، أن يطلب عملاً ليس فيه أحد من أعداء الله ورسوله ممن يدينون بغير الإسلام، فإذا تيسر فهذا هو الذي ينبغي، وإن لم يتيسر فلا حرج عليه لأنه في عمله وهم في عملهم، ولكن بشرط أن لا يكون في قلبه مودة لهم ومحبة وموالاة، وأن يلتزم ما جاء به الشرع فيما يتعلق بالسلام عليهم ورد السلام ونحو هذا، وكذلك أيضاً لا يشيع جنائزهم، ولا يحضرها،ولا يشهد أعيادهم، ولا يهنئهم بها مع بذل الاستطاعة في دعوتهم إلى الإسلام .

***

س97: كيف نستفيد مما عند الكفار دون الوقوع في المحظور؟ وهل للمصالح المرسلة دخل في ذلك؟

الجواب: الذي يفعله أعداء الله وأعداؤنا وهم الكفار ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: عبادات .

القسم الثاني: عادات .

القسم الثالث: صناعات وأعمال .

أما العبادات: فمن المعلوم أنه لا يجوز لأي مسلم أن يتشبه بهم في عباداتهم، ومن تشبه بهم في عباداتهم فإنه على خطر عظيم فقد يكون ذلك مؤدياً إلى كفره وخروجه من الإسلام .

وأما العادات: كاللباس وغيره فإنه يحرم أن يتشبه بهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من تشبه بقوم فهو منهم))119 .

وأما الصناعات والحرف: التي فيها مصالح عامة فلا حرج أن نتعلم مما صنعوه ونستفيد منه، وليس هذا من باب التشبه، ولكنه من باب المشاركة في الأعمال النافعة التي لا يعد من قام بها متشبهاً بهم .

وأما قول السائل: ((وهل للمصالح المرسلة دخل في ذلك؟))منقول إن المصالح المرسلة ، لا ينبغي أن تجعل دليلاً مستقلاً بل نقول هذه المصالح المرسلة إن تحققنا أنها مصلحة فقد شهد لها الشرع بالصحة والقبول وتكون من الشرع، وإن شهد لها بالبطلان فإنها ليست مصالح مرسلة ولو زعم فاعلها أنها مصالح مرسلة . وإن كان لا هذا ولا هذا فإنها ترجع إلى الأصل، إن كانت من العبادات فالأصل في العبادات الحظر، وإن كانت من غير العبادات فالأصل فيها الحل، وبذا يتبين أن المصالح المرسلة ليست دليلاً مستقلاً .

***

س98: ما حكم استقدام غير المسلمين إلى الجزيرة العربية؟

الجواب: استقدام غير المسلمين إلى الجزيرة العربية أخشى أن يكون من المشاقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث صح عنه كما في صحيح البخاري أنه قال في مرض موته: ((أخرجوا المشركين من جزيرة العرب))120 وفي صحيح مسلم أنه قال: ((لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً))121 .

لكن استقدامهم للحاجة إليهم بحيث لا نجد مسلماً يقوم بتلك الحاجة جائز بشرط أن لا يمنحوا إقامة مطلقة .

وحيث قلنا جائز فإنه إن ترتب على استقدامهم مفاسد دينية في العقيدة أو الأخلاق صار حراماً، لأن الجائز إذا ترتب عليه مفسدة صار محرماً تحريم الوسائل كما هو معلوم . ومن المفاسد المترتبة على ذلك ما يخشى من محبتهم والرضا بما هم عليه من الكفر، وذهاب الغيرة الدينية بمخالطتهم . وفي المسلمين –ولله الحمد- خير وكفاية، نسأل الله الهداية والتوفيق .

***

س99: فضيلة الشيخ: يدعي بعض الناس، أن سبب تخلف المسلمين هو تمسكهم بدينهم . وشبهتهم في ذلك، أن الغرب لما تخلوا عن جميع الديانات وتحرروا منها، وصولا إلى وصلوا إليه من التقدم الحضاري، وربما أيدوا شبهتهم بما عند الغرب من الأمطار الكثيرة والزروع فما رأي فضيلتكم؟

الجواب: هذا الكلام لا يصدر إلا من ضعيف الإيمان، أو مفقود الإيمان، جاهل بالتاريخ، غير عالم بأسباب النصر، فالأمة الإسلامية لكما كانت متمسكة بدينها في صدر الإسلام كان لها العزة والتمكين، والقوة، والسيطرة في جميع نواحي الحياة، بل إن بعض الناس يقول: إن الغرب لم يستفيدوا ما استفادوه من العلوم إلا ما نقوله عن المسلمين في صدر الإسلام، ولكن الأمة الإسلامية تخلفت كثيراً عن دينها، وابتدعت في دين الله ما ليس منه، عقيدة، وقولاً، وفعلاً، وحصل بذلك التأخر الكبير، والتخلف الكبير، ونحن نعلم علم اليقين ونشهد الله –عز وجل- إننا لو رجعنا إلى ما كان عليه أسلافنا في ديننا، لكانت لنا العزة، والكرامة، والظهور على جميع الناس . ولهذا لما حدث ((أبو سفيان)) ((هرقل)) ملك الروم –والروم في ذلك الوقت تعتبر دولة عظمى- بما عليه الرسول –عليه الصلاة والسلام- وأصحابه .قال: ((إن كان ما تقول حقاً فسيملك ما تحت قدمي هاتين)) . ولما اخرج أبو سفيان وأصحابه من عند ((هرقل))، قال: ((لقد أمر أمر ابن أبي كبشة إنه ليخافه ملك بني الأصفر)).

وأما ما حصل في الدول الغربية الكافرة الملحدة من التقدم في الصناعات وغيرها، فإن ديننا لا يمنع منه، لو أننا التفتنا إليه، لكن مع الأسف ضيعنا هذا وهذا، ضيعنا ديننا، وضيعنا دنيانا، وإلا فإن الدين الإسلامي لا يعارض هذا التقدم، بل قال الله –تعالى-: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ)(لأنفال: من الآية60) وقال –تعالى-: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ)(الملك: من الآية15) وقال –تعالى-: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً)(البقرة: من الآية29) إلى غير ذلك من الآيات التي تعلم إعلاناً ظاهراً للإنسان أن يكتسب ويعمل وينتفع، لكن لا على حساب الدين، فهذه الأمم الكافرة هي كافرة من الأصل، دينها الذي كانت تدعيه دينٌ باطلٌ، فهو وإلحادها على حد سواء، لا فرق .فالله –سبحانه وتعالى- يقول: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ)(آل عمران: من الآية85). وإن كان أهل الكتاب من اليهود والنصارى لهم بعض المزايا التي يخالفون غيرهم فيها، لكن بالنسبة للآخرة هم وغيرهم سواء، ولهذا أقسم النبي صلى الله عليه وسلم، أنه لا يسمع به من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يتبع ما جاء به إلا كان من أصحاب النار، فهم في الأصل كافرون، سواء انتسبوا إلى اليهودية، أو النصرانية، أم لم ينتسبوا إليها .

وأما ما يحصل لهم من الأمطار وغيرها فهم يصابون بهذا ابتلاء من الله –تعالى- وامتحاناً، وتعجل لهم طيباتهم في الحياة الدنيا، كما قال النبي –عليه الصلاة والسلام- لعمر بن الخطاب، وقد رآه قد أثر في جنبه حصير، فبكى عمر . فقال: يا رسول الله فارس والروم يعيشون فيما يعيشون فيه من النعيم، وأنت على هذه الحال . فقال: ((يا عمر هؤلاء قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، أما ترضى أن تكون لهم الدنيا، ولنا الآخرة))122 . ثم إنهم يأتيهم من القحط، والبلايا، والزلازل، والعواصف المدمرة ما هو معلوم، وينشر دائماً في الإذاعات، وفي الصحف، وفي غيرها، ولكن من وقع السؤال عنه أعمى، أعمى الله بصيرته فلم يعرف الواقع، ولم يعرف حقيقة الأمر، ونصيحتي له أن يتوب إلى الله –عز وجل- عن هذه التصورات قبل أن يفاجئه الموت، وأن يرجع إلى ربه، وأن يعلم أنه لا عزة لنا، ولا كرامة، ولا ظهور، ولا سيادة إلا إذا رجعنا إلى دين الإسلام، رجوعاً حقيقياً يصدقه القول والفعل، وأن يعلم أن ما عليه هؤلاء الكفار باطل ليس بحق، وأن مأواهم النار، كما أخبر الله بذلك في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن هذا الإمداد الذي أمدهم الله به من النعم ما هو إلا ابتلاء وامتحان وتعجيل طيبات، حتى إذا هلكوا وفارقوا هذا النعيم إلى الجحيم ازدادت عليهم الحسرة والألم والحزن، وهذا من حكمة الله –عز وجل- بتنعيم هؤلاء، على أنهم كما قلت لم يسلموا من الكوارث التي تصيبهم من الزلازل، والقحط، والعواصف، والفيضانات وغيرها، فأسأل الله لمن وقع عنه السؤال الهداية والتوفيق، وأن يرده إلى الحق وأن يبصرنا جميعاً في ديننا إنه جواد كريم .

***

س100 يقول بعض الناس إن تصحيح الألفاظ غير مهم مع سلامة القلب، فما توجيه فضيلتكم؟

الجواب: إن أراد بتصحيح الألفاظ إجراءها على اللغة العربية فهذا صحيح فإنه لا يهم –من جهة سلامة العقيدة- أن تكون الألفاظ غير جارية على اللغة العربية ما دام المعنى مفهوماً وسليماً .

أما إذا أراد بتصحيح الألفاظ ترك الألفاظ التي تدل على الكفر والشرك فكلامه غير صحيح بل تصحيحها مهم ولا يمكن أن نقول للإنسان أطلق لسانك في قول كل شيء ما دامت النية صحيحة، بل نقول الكلمات مقيدة بما جاءت به الشريعة الإسلا

سيف قطر
25-12-2006, 12:47 PM
س101: ما حكم عبارة ((أدام الله أيامك)) ؟

الجواب: قول ((أدام الله أيامك)) من الاعتداء في الدعاء لأن دوام الأيام محال مناف لقوله –تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ) (الرحمن:26) (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ والإكرام) (الرحمن:27) وقوله –تعالى-: (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ) (الأنبياء:34) .

***

س102: بعض الناس يسأل بوجه الله فيقول: أسألك بوجه الله كذا وكذا فما الحكم في هذا القول؟

الجواب: وجه الله أعظم من أن يسأل به الإنسان شيئاً من الدنيا ويجعل سؤاله بوجه الله –عز وجل- كالوسيلة التي يتوسل بها إلى حصول مقصوده من هذا الرجل الذي توسل إليه بذلك، فلا يقدمن أحد على مثل هذا السؤال، أي لا يقل وجه الله عليك، أو أسألك بوجه الله أو ما أشبه ذلك .

***

س103: ما حكم قول ((أطال الله بقاءك)) ((طال عمرك))؟

الجواب: لا ينبغي أن يطلق القول بطول البقاء، لأن طول البقاء قد يكون خيراً وقد يكون شراً، فإن شر الناس من طال عمره وساء عمله، وعلى هذا فلو قال أطال الله بقاءك على طاعته ونحوه فلا بأس بذلك .

***

س104: كثيراً ما نرى على الجدران كتابة لفظ الجلالة ((الله)) . وبجانبها لفظة محمد، صلى الله عليه وسلم، أو نجد ذلك على الرقاع، أو على الكتب، أو على بعض المصاحف، فهل موضعها هذا صحيح؟

الجواب: موضعها ليس بصحيح، لأن هذا يجعل النبي صلى الله عليه وسلم، نداً لله مساوياً له، ولو أن أحداً رأى هذه الكتابة وهو لا يدري من المسمى بهما لأيقن يقيناً أنهما متساويان متماثلان، فيجب إزالة اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبقى النظر في كتابة: ((الله)) وحدها، فإنها كلمة يقولها الصوفية، ويجعلونها بدلاً عن الذكر، يقولون: ((الله الله الله))، وعلى هذا فتلغى أيضاً، فلا يكتب ((الله))، ولا ((محمد)) على الجدران، ولا في الرقاع ولا في غيره .

***

س105: ما حكم هذه العبارة ((الله يسأل عن حالك))؟

الجواب: هذه العبارة: ((الله يسأل عن حالك))، لا تجوز لأنها توهم أن الله –تعالى- يجهل الأمر فيحتاج إلى أن يسأل، وهذا من المعلوم أنه أمر منكر عظيم، والقائل لا يريد هذا في الواقع لا يريد أن الله يخفى عليه شيء، ويحتاج إلى سؤال، لكن هذه العبارة قد تقيد هذا المعنى، أو توهم هذا المعنى، فالواجب العدول عنها، واستبدالها بأن تقول: ((اسأل الله أن يحتفي بك))، و((أن يلطف بك))، وما أشبهها .

***

س106: ما حكم قول ((فلان المرحوم)) . و((تغمده الله برحمته)) و((انتقل إلى رحمه الله))؟

الجواب: قول ((فلان المرحوم))، أو ((تغمده الله برحمته)) لا بأس بها، لأن قولهم ((المرحوم)) من باب التفاؤل والرجاء، وليس من باب الخبر، وإذا كان من باب التفاؤل والرجاء فلا بأس به .

وأما ((انتقل إلى رحمه الله)) فهو كذلك فيما يظهر لي أنه من باب التفاؤل، وليس من باب الخبر، لأن مثل هذا من أمور الغيب ولا يمكن الجزم به، وكذلك لا يقال ((انتقل إلى الرفيق الأعلى)) .

***

س107: ما حكم هذه العبارات: ((بسم الوطن، بسم الشعب، بسم العروبة))؟

الجواب: هذه العبارات إذا كان الإنسان يقصد بذلك أنه يعبر عن العرب أو يعبر عن أهل البلد فهذا لا بأس به، وإن قصد التبرك والاستعانة فهو نوع من الشرك، وقد يكون شركاً أكبر بحسب ما يقوم في قلب صاحبه من التعظيم بما استعان به .

***

س108: ما حكم قول العامة ((تباركت علينا؟)) ((زارتنا البركة؟)) .

الجواب: قول العامة "تباركت علينا" لا يريدون بهذا ما يريدونه بالنسبة إلى الله –عز وجل- وإنما يريدون أصابنا بركة من مجيئك، والبركة يصح إضافتها إلى الإنسان، قال أسيد بن حضير لما نزلت آية التيمم بسبب عقد عائشة الذي ضاع منها قال: ((ما هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر))123 .

وطلب البركة لا يخلو من أمرين:

الأمر الأول: أن يكون طلب البركة بأمر شرعي معلوم مثل القرآن الكريم قال الله –تعالى-: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَك)(الأنعام: من الآية92) فمن بركته أن من أخذ به وجاهد به حصل له الفتح، فأنقذ الله به أمماً كثيرة من الشرك، ومن بركته أن الحرف الواحد بعشر حسنات وهذا يوفر للإنسان الجهد والوقت .

الأمر الثاني: أن يكون طلب البركة بأمر حسي معلوم، مثل العلم فهذا الرجل يتبرك به بعلمه ودعوته إلى الخير، قال أسيد بن حضير ((ما هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر)) فإن الله قد يجري على أيدي بعض الناس من أمور الخير ما لا يجريه على يد الآخر .

وهناك بركات موهومة باطلة مثل ما يزعمه الدجالون أن فلاناً الميت الذي يزعمون أنه ولي أنزل عليكم من بركته وما أشبه ذلك، فهذه بركة باطلة لا أثر لها، وقد يكون للشيطان أثر في هذا الأمر لكنها لا تعدو أن تكون آثاراً حسية بحيث أن الشيطان يخدم هذا الشيخ فيكون في ذلك فتنة .

أما كيفية معرفة هل هذه من البركات الباطلة أو الصحيحة؟ فيعرف ذلك بحال الشخص، فإن كان من أولياء الله المتقين المتبعين للسنة المبتعدين عن البدعة فإن الله قد يجعل على يديه من الخير والبركة ما لا يحصل لغيره، أما إن كان مخالفاً للكتاب والسنة، أو يدعو إلى باطل فإن بركته موهومة، وقد تضعها الشياطين له مساعدة على باطله .

***

س109: ما حكم قولهم: تدخل القدر؟ وتدخل عناية الله؟

الجواب: قولهم ((تدخل القدر)) لا تصلح لأنها تعني أن القدر اعتدى بالتدخل وأنه كالمتطفل على الأمر، مع أنه –أي القدر- هو الأصل فكيف يقال تدخل؟! والأصح أن يقال: ولكن نزل القضاء والقدر أو غلب القدر ونحو ذلك، ومثل ذلك "تدخلت عناية الله" الأولى إبدالها بكلمة حصلت عناية الله، أو اقتضت عناية الله .

***

سيف قطر
25-12-2006, 12:47 PM
س110: نسمع ونقرأ كلمة، ((حرية الفكر))، وهي دعوة إلى حرية الاعتقاد، فما تعليقكم على ذلك؟

الجواب: تعليقنا على ذلك أن الذي يجيز أن يكون الإنسان حر الاعتقاد، يعتقد ما شاء من الأديان فإنه كافر، لأن كل من اعتقد أن أحداً يسوغ له أن يتدين بغير دين محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه كافر بالله –عز وجل- يستتاب، فإن تاب وإلا وجب قتله .

والأديان ليست أفكاراً، ولكنها وحي من الله –عز وجل- ينزله على رسله، ليسير عباده عليه، وهذه الكلمة –أعني كلمة فكر- التي يقصد بها الدين . يجب أن تحذف من قواميس الكتب الإسلامية لأنها تؤدي إلى هذا المعنى الفاسد، وهو أن يقال عن الإسلام: فكر، والنصرانية فكر، واليهودية فكر –وأعني بالنصرانية التي يسميها أهلها بالمسيحية- فيؤدي إلى أن تكون هذه الشرائع مجرد أفكار أرضية يعتنقها من شاء من الناس، والواقع أن الأديان السماوية أديان سماوية من عند الله –عز وجل- يعتقدها الإنسان على أنها وحي من الله تعبد بها عباده، ولا يجوز أن يطلق عليها ((فكر)) .

وخلاصة الجواب: أن من اعتقد أنه يجوز لأحد أن يتدين بما شاء وأنه حر فيما يتدين به فإنه كافر بالله –عز وجل- لأن الله –تعالى- يقول: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ )(آل عمران: من الآية85) ويقول: )إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام)(آل عمران: من الآية19) فلا يجوز لأحد أن يعتقد أن ديناً سوى الإسلام جائز يجوز للإنسان أن يتعبد به، بل إذا اعتقد هذا فقد صرح أهل العلم بأنه كافر كفراً مخرجاً عن الملة .

***

س111: هل يجوز أن يقول الإنسان للمفتي ما حكم الإسلام في كذا وكذا؟ أو ما رأي الإسلام؟

الجواب: لا ينبغي أن يقال (( ما حكم الإسلام في كذا))، أو ((ما رأي الإسلام في كذا)) فإنه يقد يخطئ فلا يكون ما قاله حكم الإسلام، لكن لو كان الحكم نصاً صريحاً فلا بأس مثل أن يقول: ما حكم الإسلام في أكل الميتة؟ فنقول: حكم الإسلام في أكل الميتة أنها حرام .



س112: ما حكم قول: ((شاءت الظروف أن يحصل كذا وكذا))، و((شاءت الأقدار كذا وكذا))؟

الجواب: قول: ((شاءت الأقدار))، و(شاءت الظروف)) ألفاظ منكرة، لأن الظروف جمع ظرف وهو الأزمان، والزمن لا مشيئة له، وكذلك الأقدار جمع قد، والقدر لا مشيئة له، وإنما الذي يشاء هو الله –عز وجل- ولو قال الإنسان: ((اقتضى قدر الله كذا وكذا)) . فلا بأس به . أما المشيئة فلا يجوز أن تضاف للأقدار لأن المشيئة هي الإرادة، ولا إرادة للوصف، إنما الإرادة للموصوف .



س113: ما حكم قول فلان شهيد؟

الجواب: الجواب على ذلك أن الشهادة لأحد بأنه شهيد تكون على وجهين:

أحدهما: أن تقيد بوصف مثل أن يقال كل من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن مات بالطاعون فهو شهيد ونحو ذلك، فهذا جائز كما جاءت به النصوص، لأنك تشهد بما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونعني بقولنا – جائز- أنه غير ممنوع، وإن كانت الشهادة بذلك واجبة تصديقاً لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم .

الثاني: أن تقيد الشهادة بشخص معين مثل أن تقول لشخص بعينه إنه شهيد، فهذا لا يجوز إلا من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم، أو اتفقت الأمة على الشهادة له بذلك، وقد ترجم البخاري –رحمه الله- لهذا قوله "باب لا يقال فلا شهيد" قال في الفتح 90/6 ((أي على سبيل القطع بذلك إلا إن كان بالوحي)) وكأنه أشار إلى حديث عمر أنه خطب فقال: تقولون في مغازيكم فلان شهيد، ومات فلان شهيداً ولعله قد يكون قد أوقر راحلته، ألا لا تقولوا ذلكم ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ((من مات في سبيل الله، أو قتل فهو شهيد)) وهو حديث حسن أخرجه أحمد وسعيد بن منصور وغيرهما من طريق محمد بن سيرين عن أبي العجفاء عن عمر" أ.هـ. كلامه .

ولأن الشهادة بالشيء لا تكون إلا عن علم به، وشرط كون الإنسان شهيداً أن يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا وهي نية باطنة لا سبيل إلى العلم بها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم، مشيراً إلى ذلك: ((مثل المجاهد في سبيل الله والله أعلم بمن يجاهد في سبيله))124 . وقال: ((والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يثعب دماً، اللون لون الدم، والريح ريح المسك))125 رواهما البخاري من حديث أبي هريرة .

ولكن من كان ظاهره الصلاح فإننا نرجو له ذلك، ولا نشهد له به ولا نسيء به الظن . والرجاء مرتبة بين المرتبتين، ولكننا نعامله في الدنيا بأحكام الشهداء فإذا كان مقتولاً في الجهاد في سبيل الله دفن بدمه في ثيابه من غير صلاة عليه، وإن كان من الشهداء الآخرين فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه .

ولأننا لو شهدن الأحد بعينه أنه شهيد لزم من تلك الشهادة أن نشهد له بالجنة وهذا خلاف ما كان عليه أهل السنة فإنهم لا يشهدون بالجنة إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم، بالوصف أو بالشخص، وذهب آخرون منهم إلى جواز الشهادة بذلك لمن اتفقت الأمة على الثناء عليه وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- .

وبهذا تبين أنه لا يجوز أن نشهد لشخص بعينه أنه شهيد إلا بنص أو اتفاق، لكن من كان ظاهره الصلاح فإننا نرجو له ذلك كما سبق، وهذا كاف في منقبته، وعلمه عند خالقه –سبحانه وتعالى- .

***

س114: ما رأي فضيلتكم في استعمال كلمة ((صدفة))؟

الجواب: رأينا في هذا القول أنه لا بأس به وهذا أمر متعارف وأظن أن فيه أحاديث بهذا التعبير صادفنا رسول الله ((لكن لا يحضرني الآن حديث معين في هذا الخصوص))126 .

والمصادفة والصدفة بالنسبة لفعل الإنسان أمر واقع، لأن الإنسان لا يعلم الغيب فقد يصادفه الشيء من غير شعور به، ومن غير مقدمات له ولا توقع له، لكن بالنسبة لفعل الله لا يقع هذا، فإن كل شيء عند الله معلوم، وكل شيء عنده بمقدار وهو –سبحانه وتعالى- لا تقع الأشياء بالنسبة إليه صدفة أبداً، لكن بالنسبة لي أنا وأنت نتقابل بدون ميعاد وبدون شعور وبدون مقدمات فهذا يقال له صدفة، ولا حرج فيه، وأما بالنسبة لفعل الله فهذا أمر ممتنع ولا يجوز .

***

س115: ما رأي فضيلة الشيخ –جزاه الله خيراً في مصطلح_ ((فكر إسلامي)) و((مفكر إسلامي))؟

الجواب: كلمة ((فكر إسلامي)) من الألفاظ التي يحذر منها، إذ مقتضاها أننا جعلنا الإسلام عبارة عن أفكار قابلة للأخذ والرد، وهذا خطر عظيم أدخله علينا أعداء الإسلام من حيث لا نشعر .

أما "مفكر إسلامي" فلا أعلم فيه بأساً لأنه وصف للرجل المسلم والرجل المسلم، يكون مفكرا

سيف قطر
25-12-2006, 12:48 PM
س116: تقسيم الدين إلى قشور ولب، (مثل اللحية)، هل هو صحيح؟

الجواب: تقسيم الدين إلى قشور ولب، تقسيم خاطئ، وباطل، فالدين كله لب، وكله نافع للعبد، وكله يقربه لله –عز وجل-وكله يثاب عليه المرء، وكله ينتفع به المر، بزيادة إيمانه وإخباته لربه- عز وجل- حتى المسائل المتعلقة باللباس والهيئات، وما أشبهها، كلها إذا فعلها الإنسان تقرباً إلى الله –عز وجل- واتباعاً لرسوله صلى الله عليه وسلم، فإنه يثاب على ذلك، والقشور كما نعلم لا ينتفع بها، بل ترمى، وليس في الدين الإسلامي والشريعة الإسلامية ما هذا شأنه، بل كل الشريعة الإسلامية لب ينتفع به المرء إذا أخلص النية لله، وأحسن في اتباعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى الذين يروجون هذه المقالة، أن يفكروا في الأمر تفكيراً جدياً، حتى يعرفوا الحق والصواب، ثم عليهم أن يتبعوه، وأن يدعوا مثل هذه التعبيرات، صحيح أن الدين الإسلامي فيه أمور مهمة كبيرة عظيمة، كأركان الإسلام الخمسة، التي بينها الرسول صلى الله عليه وسلم، بقوله: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام))127 وفيه أشياء دون ذلك، لكنه ليس فيه قشور لا ينتفع بها الإنسان ،بل يرميها ويطرحها .

وأما بالنسبة لمسألة اللحية: فلا ريب أن إعفاءها عبادة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، أمر به، وكل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، فهو عبادة يتقرب بها الإنسان إلى ربه، بامتثاله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم، بل إنها من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وسائر إخوانه المرسلين، كما قال الله –تعالى- عن هارون: أنه قال لموسى: ( يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي)(طـه: من الآية94) .وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن إعفاء اللحية من الفطرة التي فطر الناس عليها، فإعفاؤها من العبادة، وليس من العادة، وليس من القشور كما يزعمه من يزعمه .

***

س117: ما حكم قولهم ((دفن في مثواه الأخير))؟

الجواب: قول القائل ((دفن في مثواه الأخير)) حرام ولا يجوز، لأنك إذا قلت في مثواه الأخير فمقتضاه أن القبر آخر شيء له، وهذا يتضمن إنكار البعث، ومن المعلوم لعامة المسلمين أن القبر ليس آخر شيء، إلا عند الذين لا يؤمنون باليوم الآخر، فالقبر آخر شيء عندهم، أما المسلم فليس آخر شيء عنده القبر، وقد سمع أعرابي رجلاً يقرأ قوله –تعالى-: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) (1) (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ) (التكاثر:1،2) فقال ((والله ما الزائر بمقيم)) لأن الذي يزور يمشي فلا بد من بعث وهذا صحيح .

لهذا يجب تجنب هذه العبارة فلا يقال عن القبر إنه المثوى الأخير، لأن المثوى الأخير إما الجنة، وإما النار في يوم القيامة .

***

س118: إطلاق المسيحية على النصرانية، والمسيحي على النصراني، هل هو صحيح؟

الجواب: لا شك أن انتساب النصارى إلى المسيح بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، انتساب غير صحيح، لأنه لو كان صحيحاً لآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فإن إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، إيمان بالمسيح عيسى ابن مريم –عليه الصلاة والسلام- لأن الله –تعالى- قال: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) (الصف:6) ولم يبشرهم المسيح عيسى ابن مريم بمحمد صلى الله عليه وسلم، إلا من أجل أن يقبلوا ما جاء به، لأن البشارة بما لا ينفع لغو من القول لا يمكن أن تأتي من أدنى الناس عقلاً، فضلاً عن أن تكون صدرت من عند أحد الرسل الكرام أولو العزم عيسى ابن مريم –عليه الصلاة والسلام- وهذا الذي بشر به عيسى بن مريم بني إسرائيل هو محمد صلى الله عليه وسلم، وقوله: ( فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) وهذا يدل على أن الرسول الذي بشر به قد جاء ولكنهم كفروا به وقالوا هذا سحرٌ مبين، فإذا كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فإن هذا كفر بعيسى ابن مريم الذي بشرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، وحينئذٍ لا يصح أن ينتسبوا إليه فيقولوا إنهم مسيحيون، إذ لو كانوا حقيقة لآمنوا بما بشر به المسيح ابن مريم، لأن عيسى ابن مريم وغيره من الرسل قد أخذ الله عليهم العهد والميثاق أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، كما قال الله –تعالى- (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (آل عمران:81) والذي جاء مصدقاً لما معهم هو محمد صلى الله عليه وسلم، لقوله –تعالى- (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقّ)(المائدة: من الآية48) .

وخلاصة القول أن نسبة النصارى إلى المسيح عيسى ابن مريم نسبة يكذبها الواقع، لأنهم كفروا ببشارة المسيح عيسى ابن مريم –عليه الصلاة والسلام- وهو محمد صلى الله عليه وسلم، وكفرهم به كفر بعيسى ابن مريم –عليه الصلاة والسلام- .

***

س119: ما رأيكم في هذه العبارة ((لا سمح الله))؟

الجواب: أكره أن يقول القائل ((لا سمح الله)) لأن قوله ((لا سمح الله)) ربما توهم أن أحداً يجبر الله على شيء فيقول (( لا سمح الله)) والله –عز وجل- كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا مكره له)) . قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا يقول أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ولكن ليعزم المسألة، وليعظم الرغبة فإن الله لا مكره له، ولايتعاظمه شيء أعطاه))128 والأولى أن يقول: ((لا قدر الله)) بدلاً من قوله: ((لا سمح الله)) لأنه أبعد عن توهم ما لا يجوز في حق الله –تعالى- .

***

س120: بعض الناس إذا مات شخص قال: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) (ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً) (الفجر:27،28) فما حكم ذلك؟

الجواب: هذا لا يجوز أن يطلق على شخص بعينه، لأن هذه شهادة بأنه من هذا الصنف .

***

سوبرقطري
28-12-2006, 04:16 PM
شكرا لك اخوي

سيف قطر
03-01-2007, 11:30 AM
شكرا لك اخوي

الله يسلمك اخوي..........