المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فكرة الانسان والابدية .. هل استقرت في اذهاننا ام لا ؟



جمال النعيمي
01-07-2005, 08:38 PM
فكرة الانسان والابدية .. هل استقرت في اذهاننا ام لا ؟

http://www.alather.com/0147.JPG


* د‏.‏ فتحي مرعي
هل فكرة الأبدية واضحة ومستقرة في ذهن الإنسان؟‏!‏ وأعني ـ بطبيعة الحال ـ الإنسان الذي يؤمن بالبعث والنشور والحياة الآخرة‏..‏ وان مصير الناس في الحياة الآخرة إما جنة أبدا أو نارا أبدا؟‏!‏

طبعا ذلك الإنسان غير المؤمن ينكر الآخرة أصلا‏,‏ وبالتالي لا يفكر فيما بعد حياته علي ظهر الأرض‏,‏ هو يظن أن موته هو النهاية التي ليس بعدها بداية أخري‏..‏ وهو يظن أنه بهذا يريح ويستريح‏..‏ يأخذ من الدنيا ما تعطيه إياه ثم ينصرف عنها إلي الفناء‏..‏ ولكن هل هذه فكرة مريحة؟‏!‏ لا اعتقد أنها كذلك أبدا‏..‏ فهو سيصادف في حياته مواقف حلوة حينا ومواقف مرة أحيانا‏..‏ لا هذه مريحة ولا تلك‏!!‏ فهو يعلم أن المواقف الحلوة في حياته لا تلبث أن تنتهي وأنها قصيرة علي أية حال والمواقف المرة ماذا يعوضه عنها؟‏!‏ إنها تمثل خسارة صافية بالنسبة لعمره المحدود علي وجه الأرض ثم في النهاية مواجهة الموت وما يمثله من الفناء هل الفناء أمر مستساغ لأي إنسان؟‏!‏ بعد أن ارتبط بعلاقات حميمة هنا وهناك‏..‏ فسيترك هذا كله وراءه‏,‏ ولن يلتقي أبدا مع من كان يحبهم ويحبونه‏..‏ لابد أنه سيشعر بمرارة شديدة وغصة في حلقه وهو يقترب من تلك النهاية‏..‏ والتضحية بأي شيء ولأي غرض لا معني لها لأنه لا عائد لها‏..‏ والقيم النبيلة ماذا تعني له؟‏!‏ لا شيء‏..‏ والشر؟‏!‏ إذا كان يجلب له غنيمة أو يحقق له متعة فأهلا به‏!!‏ فالعمر قصير‏..‏ فليعب إذن من اللذات المتاحة له حتي الثمالة‏..‏ مهما كانت تنطوي علي ماهو عيب‏,‏ فليس لديه وقت يضيعه في التفرقة بين ماهو أدني وماهو خير‏..

أما المؤمن فأمره يختلف عن ذلك اختلافا بينا في الجملة والتفاصيل‏..‏ المؤمن نزاع إلي الخير لأنه مأمور به من عند ربه الذي سيقف بين يديه يوم القيامة للحساب‏..‏ المؤمن يتجنب الشر لأنه منهي عنه من قبل عالم الغيب والشهادة‏..‏ وهو يخشي سوء الحساب‏..‏ المؤمن لايجزع إزاء الخطوب التي تلم به بل يصبر عليها ويحتسبها عند ربه ثوابا وخير عقبا‏,‏ المؤمن يقدم العون المادي والمعنوي للمحتاجين ابتغاء وجه ربه وطمعا في مرضاته المؤمن يقيم الصلاة لأنه يعلم أن الصلاة كانت علي المؤمنين كتابا موقوتا‏..‏ وهو يجد فيها راحة نفسه لأنها تعني التسليم لله عز وجل والامتثال لأمره‏..‏ المؤمن إذا اقترب أجله لا يبتئس لأنه موقن بأنه سيلقي الأحبة في جنة الخلد ولن يفترق عنهم بعدها أبدا‏..‏ وأهله الأقربون موقنون كذلك بأن موت من أحبهم وأحبوه لا يعني الفراق الأبدي‏..‏ بل سيلتئم الشمل في روضات الجنات لمن كان منهم مؤمنا يعمل الصالحات‏.

المؤمن إذا اصابه خير حمد الله وأثني عليه ولم يخالطه بطر النعمة ولا التكبر علي الناس‏..‏ لأن النعمة تستحق الحمد لمن أنعم بها عليه وهو رب العالمين‏..‏ وتتجافي عن الاستعلاء علي الناس لأن الذي وهبها ـ وهو الله ـ يستطيع أن ينزعها منه ان هو لم يحسن تلقيها إزاء واهبها بالبطر أو إزاء الناس بالاستعلاء عليهم‏.‏
والمؤمن إن إصابه شر صبر صبرا جميلا واحتسب ما أصابه عند الله عجبا لأمر المؤمن‏..‏ إن أمره كله له خير‏,‏ وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن‏..‏ إن إصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن إصابته ضراء صبر فكان خيرا له‏(‏ حديث شريف‏).

ولنقرأ معا الآيات الكريمة التي تحتوي المعاني المشار إليها آنفا والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم‏,‏ ويخافون سوء الحساب‏.‏ والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم واقاموا الصلاة وانفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبي الدار جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب‏.‏ سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبي الدار‏.‏ الرعد‏21‏ ـ‏24‏ ويدرءون بالحسنة السيئة أي إذا ارتكبوا ذنبا سارعوا إلي فعل الخيرات لعل الله يمحو الذنب الذي اقترفوه‏..‏ مثل اخراج صدقة أو تقديم معروف للناس بأي صورة من الصور كل معروف صدقة‏(‏ حديث شريف‏)..‏
المؤمن بمنجاة من آثار صروف الدهر‏..‏ فهو علي بينة من ربه ويثق بأن الله عون له في الملمات‏..‏ فلا يكتئب ولا ينهار‏..‏ وكيف ينهار وهو في معية الله إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون‏(‏ النحل‏128).‏

المؤمن لديه ما يمنع عنه الهم والحزن‏..‏ والعجز والفشل‏..‏ والجبن والبخل‏..‏ فالإيمان بالله واليوم الآخر يحميه من ناحية‏,‏ ويحفزه علي تجاوز الصعاب والعقبات من ناحية أخري‏..

أما غير المؤمن‏..‏ فليس لديه شيء يحميه من كل ذلك فهو نهب للقلق والهواجس‏,‏ والخوف والحزن‏,‏ والتردد والندم‏,‏ فهو كريشة في مهب الريح لا يثبت علي شيء ولا يرتاح إلي شيء‏..‏ حياته كلها عبثية لا معني لها ولا جدوي منها‏..

أما المؤمن فحياته كلها تصب في خانة إرضاء الله عز وجل ليرضي عنه ربه ويدخله جناته يخلد في نعيمها إلي مالا نهاية‏..‏ وإذن فقد رست سفينته علي بر الأمان واستقر به المقام في روضات الجنات مع من يحب‏,‏ رغباته مجابة بلا سعي ولا تكلف مشقة ودون انتظار‏.

المؤمن حركاته وسكناته‏..‏ أفعاله‏..‏ وأقواله‏..‏ حياته ومماته‏..‏ تتجه كلها إلي الله قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين‏(‏ الأنعام‏162)‏ فكل شئ يفعله في دنياه هو وسيلة إلي غاية هي إرضاء خالقه‏..‏ لا غاية بعدها ولا غاية دونها ترضيه أو تطرف عينه‏..‏ أما غير المؤمن فليست عنده بوصلة يتجه إليها أو أن بوصلته معطلة‏..‏ فهو لا يدري إلي أين يتجه بعلمه‏..‏ ولا كيف‏..‏ ولماذا‏..‏ هو لا يؤمن بالله واليوم الآخر وهو بهذا قد أسخط الله عليه‏..‏ وهو ملاق ربه حتما‏..‏ رضي ذلك أم كرهه‏..‏ ثم في جهنم مستقره إلي أبد الآبدين أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير‏(‏ آل عمران‏162)..