المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من كتاب كليله ودمنه ... إقرأ واتعظ



mounir7874
28-01-2007, 03:35 PM
العدالة المطلقة
شق زئير الأسد فضاء الغابة معلناً لجميع ساكنيها هيمنته المطلقة على مقاليد الحكم وتفرده في تسيير "النظام الغابي الجديد" بعدما أصيب الدب بحادث مذهل وقع له في الطرف الشرقي من الغابة حيث تقطن مجموعات كبيرة من الأرانب الوادعة، ففيما هو يطارد بعضها بعد توغله في مناطقهم الوعرة إذ به يسقط على رأسه وتندق فقرات عنقه ليصاب بشلل تام يقعده عن منافسة الأسد على مقدرات الغابة..
كانت مجموعة من القردة والخنازير البرية تحيط بالأسد في كافة تحركاته وجولاته في أنحاء الغابة، ومن خلال توجيهاتها لـه كانت توعز لـه بالإغارة على التجمعات الهانئة لحيوانات الغابة ليتحول نهارها ليلاً وأمنها خوفاً وأفراحها أتراحاً وسرورها حزناً. لم تبق فصيلة و عائلة تعيش في الغابة إلا وذاقت الويل من ذلك الأسد المغرور المتكبر وبطانته الخبيثة السيئة التي زينت لـه أعماله الشريرة.. وبسبب ذلك فقد تكررت المحاولات من الكثير من الحيوانات المنكوبة المقهورة للنيل من الأسد وحاشيته، إلا أن تلك المحاولات لم تفلح في ثنيهم عن غيهم وبغيهم وما زادتهم إلا إصراراً على المضي قدماً في سبيل الاستعلاء والاستكبار في الأرض. وهو ما حدا بمجموعة من الطيور لابتكار وسيلة عجيبة لمقاومة القردة التي تسلطت على أعشاشها وأوكارها واستوطنت الأشجار التي كانت مأوى لها ولسالف أجدادها من قبل، فقد عمدت تلك الطيور الصغيرة إلى التقاط قطع الحجارة بمناقيرها وإلقائها على قطعان القردة بكل ما تمتلكه من قوة لتصيبهم بها إصابات بليغة!!
استمر ذلك زمناً والإصابات تزداد في القرود المغتصبة لأشجار التين والزيتون التي أبعدوا عنها بلابلها الصادحة المغردة وعصافيرها الحلوة المبتهجة وأسراب الحمام الذاكرة المسبحة، وأحلوا محلها أعداداً هائلة من غربان الشؤم الناعقة التي غطت بسوادها الحالك على الأغصان الخضراء الزاهية والأوراق الرقيقة الوارفة.. لم تكتف الطيور بمهاجمة القرود بالحجارة فقد شجعها النجاح الذي حققته في انتفاضتها على القرود أن تطور من أساليبها لتشكل مجموعات خاصة تقوم بشن هجمات قاتلة تضحي فيها تلك الطيور بنفسها من خلال الانقضاض بسرعة فائقة بمناقيرها على أعين تلك القرود ليتسبب ذلك في موت محقق لها، وهو ما أثار الذعر والهلع ونشر الرعب في أوصال القردة جميعاً ودفع بعضها إلى ترك المنطقة التي استوطنتها دهراً لتهاجر إلى المناطق البعيدة التي جاءت منها..
لم تتصور تلك القرود الباغية في يوم من الأيام أن العصافير الضعيفة الرقيقة يمكن أن تشكل خطراً على حياتها وهلاكاً محدقاً بكيانها، خاصة وأن ذلك الأمر بدأ يغري سكان الغابة الآخرين بالتجرؤ على القرود وبات وشيكاً جداً قيام تلك الحيوانات المضطهدة بالاقتصاص منها على الرغم من كونها مقربة من ملك الغابة المتغطرس بل إن ذلك كان محفزاً لها على توجيه رسالة لـه أنه ليس بمنأى عن الغضب العارم الذي يسود أوساط حيوانات الغابة على سياسته الظالمة.
كان لابد للقردة من تدبير مكيدة ترد لها اعتبارها وتوجه الأنظار عما يجري لها، خاصة بعد تفاقم الأوضاع ومرور قرابة العام على ذلك، ولجوئها إلى ارتكاب مجازر بشعة بحق أفراخ الطيور أثارت غضب واستنكار كافة سكان الغابة على حد سواء وألبت الجميع ضدها، واتفق كبراؤهم وساستهم على تنفيذ خطة تهتز لها جنبات الغابة وتعود لهم معها السطوة والنفوذ من جديد ويتم من خلالها تأديب "المشاغبين" الخارجين عن فلكهم وهيمنتهم.
كان الأسد يمشي متبختراً فوق أوراق الخريف الصفراء ومن حوله مجموعة من القرود تتقافز يميناً وشمالاً عندما توقفت قليلاً وأخذت بالصراخ والإشارة للأسد نحو أرنب مختبئ بين كومة من الأوراق محرضة إياه على التهامه، فما كان من الأسد الساذج إلا أن انقض عليه فاغراً فاه وشاهراً أنيابه دون أن يحرك ذلك من الأرنب ساكناً !! الأمر الذي أغاظ الأسد وجعله يطبق عليه بكل ما أوتي من قوة ليفرمه بين أنيابه، وهنا حدث أمر عظيم وحادث خطير فقد تكسر ناب ملك الغابة حالما ضغط به على ذلك الأرنب الذي لم يكن سوى قطعة حديدية صلبة مغطاة بفروة أرنب!! وقبل أن يفيق الأسد من صدمته إذ بأرنب آخر يعرض لـه في طريقه فينقض عليه انتقاماً لما حدث لـه من الأرنب الأول ويتكرر الأمر معه ليفقد نابه الثاني وهو في حالة من الذهول والصدمة لما جرى لـه، وفي تلك الأثناء استغل أحد القرود الفرصة وصعد على ظهر الأسد دون علمه وأشعل النار في ذؤابة الشعر خماسية الشكل التي تزين مؤخرة ذيله والتي تشكل ما يشبه الصولجان الذي يتباهى به الأسد على عظماء الحيوانات في الغابة.
كان المصاب عظيماً وعجيباً في آن واحد فكيف يجرؤ أحد على إهانة ملك الغابة والتطاول عليه بل وتحطيم أغلى ما يملك والاستخفاف بقوته وقدراته، ولذلك فلم يكف الأسد الجريح عن الزئير بغضب شديد مهدداً متوعداً مرتكبي الحادث بالويل والثبور وعظائم الأمور، وسارعت القرود والخنازير المحيطة به في إبداء حزنها وأسفها لما حدث وكذلك فعلت أكثر حيوانات الغابة أمام الأسد بمجرد مروره عليها محاولة إخفاء شماتتها به وقد سال دمه على شدقيه وبدت فجوتين كبيرتين في فمه مكان النابين المتهدمين، وزالت عنه تلك الهالة التي كانت تضفيها لـه أنيابه الطويلة اللامعة وذؤابة الشعر في ذيله المحترق.
من جديد قامت القردة بتوجيه الأسد نحو طرف الغابة الشرقي لمعاقبة الأرانب التي حاول الأسد وحاشيته إقناع حيوانات الغابة بأنها المتهم الرئيسي في الحادث على الرغم من عدم وجود أي دليل على ذلك، اضطرت أكثر الحيوانات لمرافقة الأسد الهائج وهو في طريقه للانتقام من الأرانب، وحاولت بعض الخيول اللحاق بهم وتنبيه الأسد لما فعلته القردة، ولكن صغر أعين الأسد وحجم الغبار الهائل الذي أحدثته حوافر الخنازير البرية المحيطة به حال دون التفاته إليها، فمضى في طريقه مزمجراً متوعداً.
وصل الخبر للأرانب أن الأسد قد قصد قصدها واتجه صوبها وأنه في طريقه إليها يرافقه عدد هائل من حيوانات الغابة المتحالفة معه، فما كان من تلك الأرانب المسكينة إلا أن لجأت لحفر جحور تحت الأرض للاختباء من ذلك الأسد الضاري، ولما كانت المواجهة وشيكة جداً فقد عمدت الأرانب إلى زيادة عدد الجحور والحفر تحت الأرض وزيادة مخارج الطوارئ لها، حتى إذا شارف الأسد ومن معه على وادي الأرانب خاطبه الدب القعيد ناصحاً لـه عدم خوض تلك المغامرة الخطيرة التي أودت به إلى ذلك المصير البائس، لكن الأسد امتعض من لهجة الدب المحذرة لـه ولم يعبأ بقوله ظاناً أنه يستخف به وبقدراته، خاصة وأنه يواجه أضعف حيوانات الغابة على الإطلاق وأن معه جيشاً عرمرماً جمعه بالقوة والتهديد من كل أنحاء الغابة، وهذا ما جعل الأسد يزأر طويلاً ويحث الخطى باتجاه فرائسه المختبئة.
في ذلك الوادي الموحش لم يكن هناك أي أثر للأرانب وهو ما جعل الأسد يضرب بقوائمه ورجليه ظهر الأرض من شدة الغيظ عله يخرجها من جحورها، وفيما هو يكرر ذلك مراراً إذ بالأرض الرخوة المملوءة بالحفر والجحور تسيخ من تحته فيسقط هو ومن معه وتبتلعهم جميعاً في باطنها دون أن يبقى أي أثر لهم عليها.
من بعيد كانت الأرانب ترقب المشهد بغبطة وسرور، ودنت إحداها على الأخرى هامسة :"حقاً إنها العدالة المطلقة!!"، فيما قالت عصفورة لأختها :" الآن أصبح الخلاص من القرود أسهل وأيسر".. ومضتا تحلقان بعيداً نحو أرضهما المقدسة!!

زمان
29-01-2007, 12:52 PM
روعة في الطرح والأسلوب وقمة في الإبداع أخي منير... أختيارك موفق

هذه قصة معبره من كتاب كليله ودمنه تشكر على سردها لما تحتويه على الكثير من العبر والمعاني

لك كل التوفيق

mounir7874
29-01-2007, 02:37 PM
روعة في الطرح والأسلوب وقمة في الإبداع أخي منير... أختيارك موفق

هذه قصة معبره من كتاب كليله ودمنه تشكر على سردها لما تحتويه على الكثير من العبر والمعاني

لك كل التوفيق

يسلمووووو على المرور والتعليق
هذه القصه كتبت منذ مئات السنين ومؤلفها كان يقصد من ورائها السخريه من الملك الطاغيه الذي يتصور أنه يستطيع حكم العالم كله
ما أشبه الليلة بالبارحه ويبدو أن قانون الطغيان واحد في كل زمان

زمان
29-01-2007, 02:44 PM
من مئات السنين وهم نفسهم القرده والخنازير الي يأثرون على اصحاب القرار لاهداف ومصالح شخصيه تهمهم فقط لاغير .. كلام كبير كبير جداً ...!

البطانه الفاسده ايش تنتظر منها غير الخراب والدمار ...؟....!!!!



دمت على خير اخي الفاضل

السيالى
04-02-2007, 07:37 PM
هذه قصة معبره

alshobaki7
17-02-2007, 05:57 PM
بصراحـة القصـة قويـة ومعبرة ..بس للأسف في الزمن هذا البطانة الفاسدة كثيرة ويبيلنا 1000000 سنة لأنتقام الارانب عشان تشود عدالة السمااااء... بس انا متفاءل