المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : انسحابات متوقعة من الوحدة النقدية تدفع العملة الخليجية نحو الأزمة



أبوتركي
01-02-2007, 06:31 PM
تصريحات المسؤولين النقديين عززت أجواء عدم اليقين
انسحابات متوقعة من الوحدة النقدية تدفع العملة الخليجية نحو الأزمة



واصلت أسوق العملات أحاديثها عن أوجه النقاش الدائر بشأن العملة الخليجية الموحدة، واتجهت نحو فحص التصريحات الصادرة عن المسؤولين الماليين الخليجيين بالتحليل والبحث العميقين، في محاولة منها لاستشفاف ما سيؤول إليه الوضع في المستقبل، وتحديد أوجه المخاطر التي تحف إطلاق العملة الخليجية الموحدة، ورسم سيناريوهات لردود أفعال أعضاء مجلس التعاون الخليجي، وفي قلب هذه الأحاديث، نبهت تحليلات إلى أن قيام دول أخرى باقتفاء أثر سلطنة عمان بإعلانها الانسحاب من الوحدة النقدية، من شأنه أن يضع العملة الخليجية الموحدة في خانة «الأزمة»، لاسيما إذا كانت هذه الدول من العيار الثقيل، وفي التوقيت ذاته، حذر محللون من أي تمديد للجدول الزمني لإطلاق هذه العملة المحدد في عام 2010، من شأنه أن يضع ضغوطا على العملات الخليجية، إلى جانب الضغوط الناشئة عن تراجع سعر صرف العملة الأميركية في مواجهة العملات الرئيسية.

وعلى الرغم من إعلان سلطنة عمان أن سبب انسحابها من الوحدة النقدية يعود إلى عدم قدرتها على الوفاء بمعايير التقارب الاقتصادي، إلا أن هناك محللين يرون بأن سلطنة عمان في الواقع أحرزت نجاحا في تطبيق معايير التقارب الاقتصادي بشكل أفضل من بعض دول مجلس التعاون الخليجي.

ووفقا لدراسة أعدها بنك دويتشة، تفوق أداء سلطنة عمان في تطبيق معايير التقارب الاقتصادي على أداء كل من قطر والإمارات اللتين تجاوزتا المعايير الموضوعة للتضخم بحكم تسارع وتيرة ارتفاع الإيجارات.

تطبيق المعايير

أكثر من ذلك ـ وحسبما ورد في التقرير ـ أن هذه المعايير ليست شروطا للدخول في الوحدة النقدية كما هو الحال بالنسبة لمعاهدة ماستريخت التي أسست منطقة اليورو، وإنما هي مجرد خطوط سياسية إرشادية، وهو ما أغرى البعض على التكهن بأن الانسحاب العماني هو تعبير عن موقف سياسي أكثر من كونه تعبيرا عن وجود قيود اقتصادية.

وعلى هذه الأرضية، طرح بعض المحللين الإشكالية النظرية التي تواجه التكتلات الاقتصادية والخاصة بطبيعة العلاقات بين الدول الصغرى والكبرى في التكتل الواحد، حيث لمح بعض المحللين إلى أنه ربما لا تريد سلطنة عمان التخلي عن سيطرتها الكاملة على شؤونها المالية والنقدية لصالح مؤسسات نقدية إقليمية، إذ أن الاقتصاد العماني ما زال يتسم بالصغر.

كما تتراجع إنتاجيتها من النفط، وذلك على خلاف الاقتصادات الخليجية الأخرى التي تشهد طفرة اقتصادية ناتجة عن ارتفاع أسعار النفط، كما أن بعض الاقتصادات نجحت في تطوير قطاعا معينا على نحو يعزز من موقفها كالبحرين التي تمكنت من تطوير قاعدة قوية من المؤسسات المالية.

ويذكر في هذا السياق أن معالي سلطان بن ناصر السويدي محافظ المصرف المركزي قد توقع في أكتوبر الماضي أن ينخفض مستوى التضخم في الدولة إلى ما يتراوح بين 4 و5 %مطلع عام 2007 مقابل ما يتراوح بين 6 و7 % وفق تقديرات العام الحالي مشيرا إلى ان هذه التوقعات تستند إلى احتمالات اتجاه الإيجارات بالدولة إلى الانخفاض بالإضافة للعوامل الاقتصادية الايجابية الأخرى. وأشار معاليه إلى أن احتياطيات المصرف المركزي من العملات الأجنبية ارتفع بنسبة 20% في نهاية عام 2005.

وفي السياق ذاته، سرت مؤخرا أنباء تتحدث عن أن الجهات المختصة في الإمارات تدرس اقتراحا لرفع رأسمال مصرف الإمارات المركزي إلى 10 مليارات درهم تدفعه الحكومة بالكامل مقابل 300 مليون درهم واحتياطيات تبلغ 2,1 مليار درهم حاليا. وذلك ضمن التعديلات المقترحة على بعض مواد القانون الاتحادي رقم 10 لسنة 1980 شأن المصرف المركزي والنظام النقدي وتنظيم المهنة المصرفية التي يجري مناقشتها حاليا من قبل الدوائر المختصة في المصرف المركزي والجهات التشريعية والمالية الأخرى بالدولة.

وذلك على اعتبار انه أصبح من غير الممكن للمصرف المركزي أن يغطي متطلباته برأسماله الحالي في ظل زيادة رؤوس أموال واحتياطيات العديد من البنوك العاملة في الدولة لذلك فإن الزيادة المطلوبة في رأسمال المصرف المركزي تهدف إلى مواجهة المتطلبات الجديدة والمخاطر المحتملة.

وأفادت الأنباء انه من المقترح تعديل المادة السادسة بالفصل الثالث من القانون الاتحادي رقم 10 لسنة 1980 المتعلق برأسمال المصرف واحتياطياته لتصبح في بندها الأول ان يكون رأسمال المصرف المركزي عشرة آلاف مليون درهم تدفعه الحكومة بالكامل على ان يتبقى البند الثاني والثالث بالمادة دون تعديل واللذان ينصان على انه يجوز زيادة رأس المال من وقت لآخر بمرسوم اتحادي يصدر بناء على اقتراح مجلس الإدارة وعرض وزير المالية والصناعة وموافقة مجلس الوزراء وفي هذه الحالة تقوم الحكومة بدفع الزيادة المقررة.

ولا يجوز إنقاص رأسمال المصرف إلا بقانون، كما انه من المقترح أيضا إجراء تعديل على المادة السابعة من القانون الحالي في البند (ب) لينص على ان يرحل 30% من الأرباح الصافية للمصرف المركزي إلى حساب الاحتياطي العام حتى يبلغ ما يساوي رأس المال المدفوع في حين النص الحالي لهذا البند ينص على أن يرحل صافي الأرباح إلى حساب الاحتياطي العام حتى يبلغ أربعة أضعاف رأس المال على أن يبقى البند (أ) من هذه المادة دون تعديل وتنص على ان يقرر مجلس إدارة المصرف المركزي في نهاية كل سنة مقدار الأرباح السنوية الصافية وذلك بعد تنزيل نفقات الإدارة وتخصيص المبالغ اللازمة لاستهلاك الموجودات والاحتياطيات لمواجهة الديون الهالكة أو المشكوك فيها والإسهام في صندوق التقاعد وتعويضات نهاية الخدمة وبوجه عام مختلف الأعباء المالية التي تقتطعها المصارف عادة من أرباحها.

تداعيات القرار العماني

ومن الناحية الرسمية، أعلنت سلطنة عمان في يناير الجاري عدم انضمامها إلى العملة الخليجية الموحدة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية المخطط تنفيذها عام 2010، ونقلت وسائل الإعلام عن أحمد أحمد بن عبدالنبي مكي وزير الاقتصاد الوطني والمشرف على وزارة المالية نائب رئيس مجلس الشؤون المالية وموارد الطاقة قوله بأن قرار السلطنة نهائي ويرجع لأسباب عدة منها مجموعة الاشتراطات والآليات التي يصعب الوفاء بها للدخول في هذه العملة، مضيفا بان دخول العملة الخليجية يتطلب معايير اقتصادية ومالية عديدة.

وهذه المعايير تحد من حرية اتخاذ القرار الاقتصادي وان الاتحاد النقدي سابق لأوانه في الظروف الراهنة بسبب المعايير الاقتصادية التي يتطلبها هذا الاتحاد ومنها التضخم والعجز والاقتراض وغيرها من الشروط الاقتصادية.. ونحن مازلنا دولة نامية ومازلنا نسير في عملية البناء والتنمية ونحتاج لاستثمارات فاعلة وهذه الأمور وغيرها من معايير الدخول في العملة الخليجية تمنعنا من العمل في هذا الإطار.

وسبق هذا الإعلان الرسمي، إصدار سلطنة عمان تلميحات بشأن موقفها من الوحدة النقدية الخليجية، إذ صرح حمود بن سنجور الزدجالي الرئيس التنفيذي للبنك المركزي العماني في نوفمبر الماضي بأن البنك أرسل خطاباً إلى أمانة مجلس التعاون الخليجي ما يفيد بأن الوحدة النقدية في المنطقة قد يتعذر تحقيقها بحلول عام 2010، مضيفاً أن بعض محافظي البنوك المركزية الأخرى في دول المجلس الست يشاركون أيضا سلطنة عمان القلق إزاء الجدول الزمني للوحدة النقدية.

وقد صبت القمة الخليجية «ماء باردا» على التفاؤل الذي أبداه البعض بشأن قدرة دول مجلس التعاون على الوفاء باستحقاق إتمام الوحدة النقدية الخليجية بحلول الأول من يناير عام 2010. فإلى جانب التحفظات العمانية التي وردت في المذكرة المطولة لوزير الاقتصاد العماني حمد بن عبد النبي مكي التي رفعها إلى الأمانة العامة لمجلس التعاون قبيل انعقاد قمة الرياض، أعطت السعودية مؤشرات على أن إصدار «العملة الخليجية الموحدة في التاريخ المشار إليه هو طموح كبير» مما ساهم في خلق توقعات لدى المحللين بأن المعطيات المتوفرة إلى الآن ليست كافية للقول بأن مسألة العملة الموحدة يحكمها الجدول الزمني الموضوع وان الموعد المحدد لإصدار العملة هو موعد نهائي لا رجعة عنه، وفي الخطاب الافتتاحي للقمة، أقر الملك عبدالله بن عبد العزيز خادم الحرمين الشريفين في خطابه الافتتاحي لأعمال القمة بأن عملية التكامل الاقتصادي بين دول المجلس تواجه العديد من العقبات.

ورغم تقليل سلطنة عمان من أثر قرارها على عملية نجاح الوحدة النقدية الخليجية، وهو ما استشفه المحللون من تصريحات أحمد احمد بن عبد النبي مكي وزير الاقتصاد الوطني والمشرف على وزارة المالية نائب رئيس مجلس الشؤون المالية وموارد الطاقة، لدى إعرابه عن اعتقاده بأن خروج سلطنة عمان لن يؤدي إي إجهاض مشروع الوحدة النقدية، ولن يؤدي إلى الدول الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي باتخاذ قرارا مماثلا، إلا أن هذا الموقف لم يحل دون بروز تكهنات بأنه ربما تقوم دول أخرى باحتذاء حذو سلطنة عمان.

وعليه، خلص محللون إلى أنه إذا ما سارت الأمور على النحو المخطط له، فإنه لن يكون لقرار الانسحاب العماني من الوحدة النقدية انعكاسات على الوحدة ككل، وذلك لأن سلطنة عمان تسهم بنسبة 7 % فقط من مؤشر« تعادل القوة الشرائية » لدول مجلس التعاون الخليجي ككل، ولكن من شأن إقدام دول أخرى على الانسحاب من الوحدة النقدية أن يضع العملة الخليجية الموحدة في خانة الأزمة، وهو ما سيلقي بظلال من الشكوك حول ما إذا كانت الدول الخليجية ستنجح في تحقيق الوحدة النقدية.

وما ساهم في تغذية التكهنات التي تتوقع انسحابات أخرى من الوحدة النقدية، صدور تصريحات من مسؤولين خليجيين تنم عن وجود حالة من عدم اليقين بشأن إمكانية تطبيق مشروع الوحدة النقدية وفقا للجدول الموضوع، من بينها تصريحات إبراهيم العساف وزير المالية السعودي التي قال فيها إن خطط دول الخليج العربية لتبني عملة موحدة بحلول 2010 تحتاج إلى تفكير دقيق وان إصدار «العملة الخليجية الموحدة في التاريخ المشار إليه هو طموح كبير».

كما صرح وزير المالية السعودي في ديسمبر الماضي أن دول الخليج العربية قد تراجع موعد 2010 المستهدف لطرح عملة موحدة بعدما قالت سلطنة عمان في الآونة الأخيرة إنها لن تلتزم بالموعد النهائي، مضيفاً أن كل الخيارات مطروحة بما فيها تعديل الموعد النهائي في 2010، وانه من الأفضل قطع خطوات أبطأ يجري تنفيذها بدلا من خطوات أكبر لا تقبلها بعض الدول وربما تؤدي إلى الفشل، لكنه استدرك قائلاً: إن السعودية التي تشكل 60 % من الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي العربية لا تزال تسعى للحاق بموعد 2010. وفي شهر نوفمبر ألقى الشيخ إبراهيم بن خليفة آل خليفة وكيل وزارة المالية والاقتصاد في البحرين بشكوكه أيضا حول الإطار الزمني بقوله « نحن ندعم موعد 2010 ولكن ربما تكون هناك بعض الصعوبات والعقبات».

التحديات الراهنة

ويعود اتفاق دول مجلس التعاون الخليجي على إقامة الوحدة النقدية إلى عقد الثمانينات، ولكن مازال هناك الكثير من القضايا التي مازالت بحاجة إلى الوصول إلى اتفاق بشأنها بين دول المجلس، من بينها التوصل إلى اتفاق بما إذا كانت العملة الجديدة سترتبط بالدولار أم بسلة من العملات أم ترتبط بالذهب، حيث تشهد الاقتصاديات الخليجية فائضا في حسابها الجاري بنسبة 30% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يتجاوز الصين بنسبة 8%، وفي رأي بعض المحللين أنه ربما خدم الربط مع الدولار العملات الخليجية بشكل جيد في الماضي.

وربما لا تكون الدول الخليجية مستعدة لفض ارتباطها مع العملة الأميركية، ولكن التراجع المستمر لعملة الدولار في مواجهة اليورو والجنيه الإسترليني والعملات الآسيوية والعالمية الأخرى، يعني أن دروس التجربة الصينية ماثلة في الأذهان.

حيث برهنت الصين على نجاحها في فك ربط عملتها بالدولار، كما أظهرت نجاحا في إعادة تقييم سعر صرف عملتها، وبالنظر إلى أن معظم أصول المصارف المركزية الخليجية مقومة بالدولار، فإن أي تراجع في أسعار الصرف العملة الأميركية، يؤدي إلى تآكل قيمة هذه الأصول، ويتوقع الكثير من المراقبين بأن تستمر الدول الخليجية في التحرك بعيدا عن الدولار في اتجاه اليورو، ولكن السؤال الكبير المطروح هو ما إذا كانت هذه الدول سوف تقوم بفض علاقة عملاتها بالدولار الأميركي.

بوادر تفاؤل

ومع ذلك، مازالت هناك إشارات تعزز التفاؤل بإمكانية إطلاق العملة الخليجية وفقا للجدول الزمني المتفق عليه، وتبرز هنا تصريحات إبراهيم العساف وزير المالية السعودي والتي قال فيها بأنه ما زالت كل من المملكة السعودية وقطر والإمارات والكويت والبحرين ملتزمة بتاريخ 2010، وفي السياق ذاته، تبرز تصريحات عبد الرحمن العطية الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي التي قال فيها بأنه مازالت الجهود مستمرة من اجل إقامة الوحدة النقدية في موعدها المستهدف هو عام 2010.

أيضا تبرز تصريحات محمد عبيد المزروعي الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية لمجلس التعاون الخليجي والتي نفي فيها وجود خلافات قائمة حالياً بين دول المجلس بشأن معايير التقارب الاقتصادي التي تمهد لقيام الوحدة النقدية وإطلاق العملة الخليجية الموحدة ووصف هذه الأنباء بأنها عارية عن الصحة ولا تستند إلى أي أساس وأكد المزروعي أن وزراء المال في دول المجلس اتفقوا في وقت سابق على أسلوب احتساب هذه المعايير وتم اعتمادها بشكل رسمي من قبل القادة.

ومع الأخذ في الاعتبار، مدى ما تمثله المملكة السعودية من ثقل في البنيان الاقتصادي الخليجي، فإنه من وجهة نظر المحللين، يعد تمسك السعودية بالوحدة النقدية شرطا ضروريا لنجاحها.

وفي هذا السياق، قيم محللون على غرار ستيف برايس الرئيس الإقليمي للبحوث في بنك ستاندراد شارترد بدبي بأنه مازال هناك وقت كاف لتلبية معايير التقارب الاقتصادي وفقا للسقف الزمني الموضوع، إذا ما أظهرت الدول الخليجية إرادة سياسية كافية للتخلي عن جزء من سيادتها فيما يتعلق بوضع سياسات الموازنة، وأنه من المتعين انتظار ما سوف تفعله الدول الكبرى في مجلس التعاون الخليجي.