المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الصورة النمطية عن الآخر Stereotype



مطيع الله
02-02-2007, 02:02 PM
إليكم بعض المقالات في موضوع الصورة النمطية عن الآخر
وتعريف الصورة النمطية في ابسط تعريفاتها هي اعتقادات وأفكار مسبقة عن أمة أخرى أو فئة من الناس و إسباق صفات محددة عليهم وعزو تصرفات الفرد منهم إلى مجموع فئته وتصرفاتهم.
مثلاً:
السودانيون كسالى
الألمان أذكياء
الهنود أغبياء
البدو كذا والحضر كذا والقبيلة الفلانية كذا وتلك الأخرى كذا الخ.


المقالات
الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية(دراسة ميدانية)
فارس كمال نظمي

(الصورة النمطية) Stereotype هي مجموعة من التعميمات المتحيزة والمبالغ بها، يكوّنها الفرد عن خصائص
جماعة معينة من الناس، تتخذ شكل فكرة ثابتة يصعب تعديلها، حتى إذا توافرت الأدلة على خطئها. وعلى الرغم
من أن الصور النمطية يمكن أن تساعد الفرد في التعامل مع تعقيدات البيئة الاجتماعية، إلا أن معظم المنظـّرين ف
ي العلوم الاجتماعية يرون أن لها تأثيراً ضاراً على الشخص الذي يحملها وعلى المجتمع عامة، ذلك أن منظورها
المتحيّـز يجعلها تحرّف الواقع الاجتماعي، فضلاً عن أنها لا تولـّد أخطاءاً إدراكية فحسب،بل يمكن، وبسبب تصلبها،
أن تمنع التغيرات الاجتماعية البنـّـاءة. ولذلك فإنها توصف في حالات كثيرة، بالمكوّن المعرفي للتعصب prejudice.
وقد أسهمت الحضارة الغربية جزئياً في تشكيل بعض هذه الاعتقادات الجامدة لدى أبناء الشعوب النامية عن أنفسهم،
إذ اتجه بعض العلماء الغربيين لإبراز الصفات الدموية العدوانية في بعض المجتمعات المتخلفة التي احتكوا بها ولاحظوها.
وقد مالوا انطلاقاً من تحيزات وأحكام مسبقة إلى تعميم هذه الصفة على سكان تلك المجتمعات، حتى وصلوا حد الزعم
بأنها خاصية أنثروبولوجية عند الأقل تحيزاً منهم، وبأنها خاصية إحيائية عند الأشد تحيزاً منهم، غافلين بذلك عن ربط
العدوانية ببنية المجتمع والشرط الوجودي للإنسان فيه.
ولا يقع المجتمع العراقي خارج تأثيرات هذا الإطار، إذ تشير الملاحظات اليومية إلى أن هناك اعتقاداً متداولاً بين الأفراد،
مضمونه: ((إن القسوة والانتقام والعدوانية والتطرف والأنانية والتعصب، هي خصائص سائدة في سلوكنا نحن العراقيين)).
وبعيداً عن مدى موضوعية هذا الاعتقاد من عدمها، فإنه اتخذ من الناحية الإدراكية شكل صورة نمطية في أذهان أفراد ينتمون
إلى فئات متنوعة في مستوياتها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية في العراق، وأصبحت (أي هذه الصورة) تعبّر عن
مضمونها النفسي من خلال عدد غير محدود من الألفاظ اليومية المتداولة، والتي تشترك جميعاً في توصيف الشخصية
العراقية بخصائص تنتمي إلى مفهوم ((العنف)).
وإذا كانت الاستدلالات النمطية تشتق في العادة من مصدرين رئيسين هما: خبرات الفرد الخاصة، والمعلومات
التي تصله من الآخرين، فيمكن الافتراض إذن أن جزءاً مهماً من الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية
العراقية، قد نتج عن مصدر أساسي يومي للمعلومات هو وسائل الإعلام، من تلفاز ومذياع وصحافة إلكترونية
وتقليدية، فضلاً عن مصدر لا يقل عنه أهمية وتأثيراً هو آراء وتحليلات المفكرين والباحثين والمؤرخين والكتـّاب
العراقيين أنفسهم، إذ تعج الأدبيات الآثارية والتأريخية والسوسيولوجية والنفسية المتخصصة بهذا الشأن، بوقائع
عيانية واستنتاجات فكرية، أسهمت خلال السنوات الخمسين الماضية (بصرف النظر عن مدى نجاحها أو فشلها
في استقراء الحقائق الموضوعية) في تعزيز هذا الاعتقاد الجامد في أذهان عامة الناس في المجتمع العراقي.
وفيما يأتي نماذج موجزة من هذه الإسهامات، على سبيل المثال لا الحصر:
* تمتاز البيئة التي نشأت فيها حضارة وادي الرافدين بالعنف والشدة من ناحية تبدلات مواسمها وطغيان أنهارها،
مما جعلها تمتاز بالحدة والتوتر وتوقع المفاجآت والفواجع: (طه باقر)(1).
* مشكلة الكبت مشكلة
عويصة يعاني منها الفرد العراقي، ومنها كبته لدافع القوة بسبب سيادة الاستعباد في العراق لمئات السنين.
فينشأ الطفل العراقي وقد نمت فيه شخصيتان: شخصية مؤدبة خاضعة، وشخصية ثائرة معتدية. كما أن انتشار القي
م البدوية في المجتمع العراقي، أدى بالفرد العراقي إلى أن يصبح شديد التمجيد للقوة كثير التباهي بها: (علي الوردي) (2).
* العراقيون أكثر الشعوب قسوة في ممارسة العنف، إذ ترسب العنف في لاشعورهم الجمعي: (قاسم حسين صالح) (3).
* قد يكون من النادر أن يُذكر العراق وأهل العراق في حديث، دون أن تـُذكر ظاهرة العنف الدموية اللصيقة بهذا الشعب.
والغريب أن العراقيين لم يجدوا في وصفهم بالعنف والقسوة والدموية أي غضاضة أو منقصة أو إحراج: (باقر ياسين)(4) .
* تتصف سيكولوجية المجتمع العراقي بأنها ما زالت عنيفة الروح والسلوك، دموية البطش، متطرفة الانتقام، عالية الأنا، شديدة الغرور،
عظيمة الكبرياء، وحساسة المزاج والتطبع: (علاء الدين القبانجي)(5).
إن اجتماع هذه التصورات النمطية الشائعة عن عدوانية الشخصية العراقية، مع ما استجد خلال الحقبة التي أعقبت نيسان 2003م من
ولادة أنماط إضافية من العنف في المجتمع العراقي، تمثلت بأعمال السلب والنهب والحرق للممتلكات العامة، وبتصاعد شديد
في معدلات الجريمة المنظمة والعشوائية، وبتفشي ظاهرة العنف السياسي الدموي بكل أشكاله، يمكن أن يرسّخ لدى الفرد العراقي
بمرور الزمن صورة نمطية شديدة السلبية عن الشخصية الاجتماعية السائدة في مجتمعه، مما قد يدفعه إلى تبني هذه الصورة
في سلوكه الشخصي؛ بمعنى إنه قد يتجه لممارسة العنف ضد الآخرين، ليس بتأثير دوافع عدوانية متأصلة أو مكتسبة في شخصيته،
إنما بفعل رغبته الوقائية بالتصدي للعنف الذي يفترض ((نمطياً)) وجوده في شخصيات الآخرين.
إن هذه المشكلة ذات الأبعاد المهدِّدة
لتماسك المجتمع وتطوره، يمكن أن تتضح بشكل خاص في شخصيات الشباب، بسبب معايشتهم لواقع الحروب والعنف الاجتماعي
منذ ولادتهم وحتى اليوم، إذ يوجد افتراض مفاده أن الجيل الحالي من الشباب العراقيين ((تشكلت لديه صورة عن أن
العالم عدواني وظالم، وأن العنف وسيلة مطلوبة من أجل البقاء)).
ولغرض التحقق من مدى صواب أو خطأ هذه الافتراض، ارتأينا أن نعيد صياغته، ونختبره بدراسة ميدانية عبر السؤال
الآتي: ((ما هي طبيعة الصورة النمطية التي يحملها طلبة الجامعة العراقيون عن خصائص العنف في الشخصية العراقية؟))، بعد اشتقاقنا للتعريفات الأساسية الآتية:
* الصورة النمطية: ((اعتقاد جامد، يكوّنه الفرد عن الخصائص الشخصية لأفراد جماعته أو جماعة أخرى من الناس.
ويتسم هذا الاعتقاد بعدم الدقة،وبمقاومة المعلومات الجديدة، ويجري تعميمه على شخصيات جميع أفراد الجماعة المنَمّطة،
دون الالتفات إلى وجود فروق فردية بينهم. ويمكن لهذا الاعتقاد أن يعمل بوصفه آلية دفاعية تـنتج عن حاجات لا شعورية غايتها تحقيق الحماية النفسية للفرد)).
* العنف: ((ضغط نفسي أو لفظي أو بدني، ذو طابع فردي أو جماعي، يتسم بالقسوة والفظاظة، يصدر فعلياً أو رمزياً أو على
شكل محاولة أو تهديد، مما يتسبب في إحداث أضرار معنوية ومادية لدى طرف آخر فردي أو جماعي، نتيجة التنكيل النفسي
أو البدني به، أو استغلاله، أو إخضاعه، أو التأثير في إرادته، أو تخويفه، أو انتهاك حقوقه الأساسية أو القانونية، أو تعويق نموه الإنساني الطبيعي)).
* الشخصية العراقية: ((تنظيم نفسي جوهري، يمكن تعميمه على معظم أفراد المجتمع العراقي، يتألف من مجموعة من السمات
والاتجاهات والقيم والخصائص النفسية التي نشأت وتطورت بتأثير أساليب التنشئة الاجتماعية السائدة، والتجارب الرئيسة
المشتركة، ونمط الحياة المشترك بينهم)).
منهج الدراسة:
لغرض تحقيق هدف الدراسة المتمثل بـ(قياس الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية، من وجهة نظر طلبة
الجامعة، وتقويم دلالتها الإحصائية)، جرى تصميم مقياس لهذا الغرض بطريقة ((التمايز الدلالي)) مستوفي لكافة شروط
القياس النفسي الموضوعي، يتألف من (13) بعداً لمفهوم العنف، جرى تطبيقه على عينة طبقية عشوائية مؤلفة من (153) فرداً من
طلبة جامعة بغداد من الجنسين، من حملة الجنسية العراقية حصراً، والملتحقين بالدراسات الأولية الصباحية بكافة مراحلها
ومن الاختصاصين العلمي والانساني، للعام الدراسي 2004 – 2005م ، أي ممن يتراوح متوسط أعمارهم بين (18) الى (24) سنة.
نتائج واستنتاجات:
أسفرت التحليلات الاحصائية عن نتيجتين رئيستين من بين سلسة من النتائج:
1- إن لطلبة الجامعة اعتقاداً بأن الشخصية العراقية ((غير عنيفة))، ذلك أن صورتهم النمطية عن هذه الشخصية تنحو
(في مجملها) إلى تغليب الخصائص المناقضة للعنف.
2- أما عن الصور النمطية الفرعية،فإن الشخصية العراقية من وجهة نظر هؤلاء الطلبة لها ثلاث خصائص عنيفة: (متعصبة، ومتوترة، وانفعالية)،
وثلاث خصائص محايدة: (بين التطرف والاعتدال، وبين الرقة والقسوة، وبين الأنانية والايثار). أما بقية الخصائص
السبعة فكلها نقيضة للعنف: (مسالمة، ومجاملة، ومتسامحة، ومحبة، ومستبشرة، وبنّاءة، وعطوفة).
وبتوظيف المنظور (الدافعي–المعرفي) في سيكولوجية الصورة النمطية لتفسير هذه النتائج، أمكن التوصل الى الاستنتاجات الآتية:
* للشاب العراقي حاجة لاشعورية لامتلاك صورة ايجابية عن هويته الاجتماعية، يحمي بها مكانته في المجتمع، ويديم تواصله معه.
وهذه الصورة النمطية تعمل بوصفها ((آلية دفاعية)) وظيفتها تحريف بعض الوقائع، لخفض القلق الناجم عن الصورة السلبية
الشائعة عن عنفية الشخصية العراقية. وفي الوقت نفسه، يمكن النظر الى هذه الصورة النمطية بوصفها ((اعتقاداً)) متحيزاً يحمله
الشاب العراقي لصالح شخصيته الاجتماعية، هو امتداد لتصورات نمطية ايجابية حملتها أجيال سابقة من العراقيين عن هويتهم
الوطنية في مراحل تأريخية معينة، مما يؤشر قوة البناء المعرفي لهذه التصورات، وقدرتها على مقاومة المعلومات الجديدة.
* يلاحظ أن خصائص العنف الثلاثة (متعصبة/ متوترة/ انفعالية) التي يعتقد طلبة الجامعة بوجودها في الشخصية العراقية،
يغلب عليها الطابع الوقتي والعَرَضي بسبب الشحنة الانفعالية الشديدة التي تحملها، فيما يلاحظ أن الخصائص السبعة المناقضة للعنف (مسالمة/ مجاملة/ متسامحة/ محبة/ مستبشرة/ بنّاءة/ عطوفة) التي يعتقد الطلبة بوجودها في الشخصية العراقية، تتصف بالاستقرار والثبات والديمومة، مما يعد مؤشراً إضافياً على إيجابية العلاقة النفسية بين الفرد والمجتمع في العراق.
إن مجمل ما تقدم يقودنا الى القول:
إن الوظيفة (الدفاعية) للصورة النمطية لدى طلبة الجامعة، قد تكاملت مع محتواها (الادراكي)، في وحدة مفهومية، بلورت لديهم
اتجاهاً إيجابياً نحو خصائص الشخصية الاجتماعية في بلادهم، بالرغم من كل التشويهات و الأضرار التي لحقت بهذه الصورة،
سواء في الأدبيات المقروءة أو في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة أو في وقائع الحياة اليومية خلال عقود من الحروب
والعنف السياسي والاجتماعي. وكل ذلك يقدم مؤشرات ملموسة على إيجابية بعض العناصر التي تتكون منها العلاقة النفسية بين الشاب العراقي ومجتمعه في الوقت الحاضر، الأمر الذي يقود للاستنتاج بعدم إمكانية الجزم بصحة الافتراض الذي أشير إليه في مطلع الدراسة، والقائل بأن الجيل الحالي من الشباب العراقيين يؤمن ((إن العنف وسيلة مطلوبة من أجل البقاء))، مادام قد اتضح من النتائج الحالية أن شريحة مهمة من هذا الجيل لا تفترض طغيان العنف في شخصيات الناس حولها، مما قد يجعل سلوكها المستقبلي ينحو إلى التسامح ونبذ العنف والتمسك بالسلم الاجتماعي.
ولذلك، نطالب الباحثين والمؤرخين والإعلاميين والكتـّاب، ممن يتصدون لموضوعة الشخصية العراقية، بالتوقف عند نتائج الدراسة الحالية واستنتاجاتها، والتمعن بها، وملاقحتها بمضامين مؤلفاتهم، سعياً لتحاشي الانبهار بالتصورات النمطية المسبقة عن سيادة خصائص العنف لدى الفرد العراقي، والمباشرة بمشروع فكري ريادي يخص الهوية العراقية، لا يؤمن إلا بالوقائع المقاسة ميدانياً، وبضرورة استنباط كل الطرائق العلمية الممكنة لتأطيرها موضوعياً، ويبتعد ما أمكنه عن تبني الصور النمطية الجامدة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
هوامش:
(1) باقر ، طه (1955) . مقدمة في تأريخ الحضارات القديمة – القسم الأول (تأريخ العراق القديم) . بغداد : شركة التجارة والطباعة المحدودة .
(2) الوردي ، علي (2001) . شخصية الفرد العراقي . لندن : دار الوردي .
(3) صالح ، قاسم حسين (2004) . العنف في المجتمع العراقي : قراءة نفستحليلية للأسباب التراكمية والمحتملة . المجلة الإلكترونية لشبكة العلوم النفسية العربية ، م 1،ع 4، ص 7– 13 . في : www.arabpsynet.com
(4) ياسين ، باقر (1999) . تأريخ العنف الدموي في العراق:الوقائع – الدوافع – الحلول . بيروت : دار الكنوز الأدبية.
(5) القبانجي، علاء الدين (2000 أ ).سايكولوجية العنف في العراق.مجلة النبأ،ع 48 .في: www.annabaa.org

مطيع الله
02-02-2007, 02:05 PM
المقالة الثانية
التعصب والصور النمطية في المجتمع العراقي مدخل لثقافة السلام والصحة النفسية (1-2)
أ.د. قاسم حسين صالح
ما سنتطرق اليه ليس بحثاُ اكتملت مقوماته العلمية، إنما هو أقرب الى مقالة أو ورقة تحمل أفكاراً قد تفضي، بعد مناقشتها واغنائها، الى مشروع انساني أو برنامج عمل وطني يؤسس لثقافة جديدة تنعكس في سلوك مهذب يعتمد الحوار وسيلة للتعامل في تسوية الخلافات وحل النزاعات، والحد من التعصب الذي كان السبب في معاناة مئات الملايين من الناس، وقتل عشرات الملايين غيرهم من البشر.
والتعصب ظاهرة عالمية موجودة في كل المجتمعات، متعددة الأسباب والمصادر والصور التي تظهر فيها. فقد تكون أسبابها دينية أو طائفية أو عرقية، وقد تكون مصادرها سياسية أو إقتصادية أو اجتماعية. وقد تحدث بصور بسيطة تأخذ شكل تجنب الاختلاط أو عدم الزواج، الى صور قاتمة ومرعبة، في إبادة بشرية جماعية.
وفي تاريخ البشرية، وتاريخ الشرق الأوسط، كان السبب الرئيس للكثير من الحروب والنزاعات، هو التعصب. فعلى سبيل المثال، كان مجتمع الهنود في شمال أميركا قد انخفض من ثلاثة ملايين في القرن السابع عشر الى حوالي ستمائة الف في القرن العشرين، بسبب القتل الذي تعرضوا اليه. وتشير كتب التاريخ الى أن أكثر من ستة ملايين يهودي قتلوا من قبل النازيين في الأربعينيات بحجة (تنظيف أو تنقية) العرق الأوربي. ويعلق أحد الباحثين(هيرش) 1995، أنه بالرغم من مرور أكثر من نصف قرن على إستئصال النازية، وبعد تحرير معسكرات الإعتقال فإن السلوك المتعصب((مازال مستمراً من دون أن تنكسر له شوكة، ومن دون ان يلقى العقاب او يتم تداركه. ففي ما كان يعرف بيوغسلافيا، ظل التعذيب والقتل والاغتصاب والتجويع يجري كممارسة يومية)).
وفي زمن من تأريخها، استوردت أمريكا أفارقة وجرى التعامل معهم بوصفهم عبيداُ، وجزءاً من الملكية الشخصية. وحتى النصف الأول من القرن العشرين، كان معظم الأفارقة الأمريكيين يتم عزلهم، بموجب القانون، عن المطاعم ودور السينما وحافلات نقل الركاب، وظلوا حتى بعد الغاء قانون العزل، يعيش معظمهم تحت خط الفقر. وليس الأفارقة الأمريكان الأصليون هم الذين تعرضوا للتعصب العنصري في الولايات المتحدة فحسب، انما أيضاً من أعراق أخرى، يعيشون تحت خط الفقر وليس أمامهم سوى العمل الخدمي.
وفي التسعينيات (1995) شهدت رواندا و بورندي نزاعاً أخذ شكل الابادة البشرية (Genocide) بين جماعتين هما التوتسي والهوتو. وكان الفرق أو الاختلاف بين التوتسي (وهم الأقلية العددية، ولكنهم الطبقة الاقتصادية العليا) والهوتو، هو في المستوى الاجتماعي وليس فرقاً في اللغة أو العرق أو الثقافة. وقد حدثت حرب أهلية بين رواندا وبورندي، بالرغم من أن أجيالاً منهم كانوا يتزاوجون فيما بينهما، لدرجة أن الاختلاف في الشكل والبنية الجسدية ما عاد ملحوظاً بين أفراد الجماعتين.
وفي السبعينيات(1975) شهدت لبنان حرباً أهلية بسبب التعصب الديني والطائفي. ويوجد التعصب(والتحيزوالتمييز) في كل المجتمعات العربية بلا إستثناء، وإن اختلفت أسبابه وصوره أوحالاته.
وفي العراق، أخذ التعصب ثلاث صور واضحة، هي:
الأولى: التعصب الإجتماعي، ويحصل هذا في محدودية التزاوج القائم على أساس العرق أو الدين أو الطائفة، فبعض العشائر الكوردية لا تعطي إمرأة لعربي(إلا إستثناء) وقليل من الاسر العربية تعطي إمرأة لكوردي. وغير مقبول أن يتزوج المسيحي من مسلمة. والأسرة المسيحية لا تعطي لمسلم. وقد حصل أن يتزوج مسلم من إمرأة مسيحية، ولكن بعد أن تترك دينها وتدخل في الإسلام، إلا في حالات نادرة يكون فيها النضج الثقافي في أعلى درجاته. وقل الشئ نفسه فيما يتعلق بالأديان الأخرى، وإن حصلت فهي من النوادر. وإذا تحدثنا بصراحة أكثر فان هناك مدناً ذات طابع سني لا تعطي إمرأة لشيعي. ومدناً ذات طابع شيعي لا تعطي إمرأة لسني. وهنالك أسر في العراق يطلق عليها إسم (السادة) - أي الذين يرجعون بنسبهم الى النبي محمد(ص)- لا تعطي إمرأة إلا لمن كان ((سيداً)). بل أن هناك اسراً من (السادة) في عشيرة معينة، تحصر زواج بناتها في داخل نسبها أو عشيرتها، ولاتعطي امرأة لشخص آخر حتى لو كان من(السادة)، ولن تعطيها بالمطلق حتى لو (تبور!).
وبالرغم من أن هذا النوع من التعصب ليس فيه أذى عام، إلا أن آثاراً نفسية سلبية تتعلق بتفضيل إجتماعي وإعتباري لـ(الأنا) على (الآخر) قد لا يكون صحيحاً، وليس مبرراً، فضلاً عن أنه غير منطقي.
الثانية: التعصب المؤسسي. ويقصد به احتكار مواقع إتخاذ القرار في السلطة والمراكز الحساسة والمؤثرة في مؤسسات الدولة لطائفة معينة. ويشير واقع الحال الى أن أكثر من (90%) من هذه المواقع والمراكز شغلها أشخاص من طائفة معينة، منذ تأسيس الدولة العراقية في عام1921 لغاية سقوط النظام في عام 2003. وهذا النوع من التعصب مؤذ إقتصادياً وإعتبارياً.
والثالثة: التعصب السلطوي. وفيه يأخذ التعصب شكل الحروب التي تصل أحياناً إالى حد الإبادة البشرية. وأبرز حالاته، التعصب العرقي ضد الكورد، الذي مورس من قبل السلطات العربية التي توالت على حكم العراق في تاريخه الحديث، وانتهى بحرب الأنفال وبتراجيديا حلبجة. ثم التعصب الطائفي، الذي إنتهى بإبادة مئات الالاف من الشيعة وكشفت المقابر الجماعية حجم مأساتهم.
هذا، وهنالك حالات أخرى من التعصب بين القوميات العرقية في المجتمع العراقي بلغت حدّ التصفية والإبادة، فضلاً على التعصب العشائري(العربي-العربي، والكوردي-الكوردي، والتركماني- التركماني،...) والتعصب الأيديولوجي(العلمانية مقابل الإسلام) وما الى ذلك.
ولكي نفهم الأبعاد النفسية والإجتماعية والثقافية للتعصب والصورة النمطية وما يترتب عليها من نتائج، بهدف الوصول الى مبتغانا المتمثل بإقتراح أساليب أو وسائل لخفضها أو الحدّ منها، ينبغي تحديد مفهومي التعصب والصورة النمطية.
إن المعنى الحرفي لكلمة التعصب في اللغة الإنكليزية (Prejudice) هو الحكم المسبق، في حين ينظر علماء النفس الإجتماعي للتعصب على أنه اتجاه سلبي غير مبرر نحو فرد، قائم على أساس انتمائه الى جماعة لها دين أو طائفة أو عرق مختلف، أو اتجاه عدائي نحو جماعة معينة قائم على أساس الانتماء اليها. ويعني أيضاً النظرة المتدنية لجماعة أو خفض قيمتها أو قدراتها أو سلوكها أو صفاتها ليس لها أساس منطقي. كما يعني ايضاً إصدار حكم غير موضوعي بشأن جماعة معينة. وهو اتجاه مؤذ قائم على تعميمات غير دقيقة بخصوص جماعة على أساس اللون أو العرق أو الدين أو الجنس، أو أي فرق أو إختلاف آخر قابل للملاحظة، يتضمن أيضاً شيئاً سلبياً قائماً على اعتقاد الشخص بشأن جماعة أخرى غير جماعته.
والسؤال ، ما سبب نشوء هذا التعصب؟
والجواب يكمن في (الصور النمطية Stereotypes) بوصفها المكون المعرفي للإتجاه التعصبي، والتي تعني تحديداُ: تعميمات غير دقيقة يحملها الفرد بخصوص جماعة معينة، ولا تستثني أحداً منها، وقد تكون هذه التعميمات إيجابية وقد تكون سلبية. والتعميم الإيجابي يتضمن صفة جيدة أو مفضلة يضفيها الفرد على جماعته التي ينتمي اليها، ولنفترض أنها(س) فيقول: إن جميع المنتمين الى(س) أذكياء أو طيبون مثلاً. فيما يتضمن التعميم السلبي صفة سلبية أو غير مفضلة يضفيها الفرد على الجماعة الأخرى التي تختلف عن جماعته في العرق أو الدين أو الطائفة، ولنفترض أنها(ص) فيقول: إن جميع المنتمين إلى(ص) هم أغبياء وشريرون مثلاً. وهكذا يتبين لنا أن الصور النمطية (Stereotypes) وهي في الأصل مستعارة من عالم الطباعة التي تعني القالب الذي يصعب تغييره بعد صنعه- سواء كانت إيجابية أم سلبية هي أحكام خاطئة أو غير دقيقة، وأنها تكون مؤذية لثلاثة أسباب:
الأول: إن الصور النطمية تسلب قدرتنا على التعامل مع كل عضو في الجماعة على أنه فرد بحد ذاته. ذلك ان المضمون النفسي للصور النمطية الإجتماعية يعني تصورات مجردة بالغة التبسيط والتعميم يحملها الناس عن جماعتهم أو عن جماعة أخرى. فعندما نحمل صورة نمطية عن جماعة، فإننا نميل الى أن نتعامل مع كل عضو فيها كما لو كان شخصاً يحمل كل صفات الجماعة، بغض النظر عما إذا كان هذا الشخص يحمل تلك الصفات أم لا. وحتى لو كانت الصورة النمطية صحيحة جزئياً أو قائمةعلى حقيقة معينة، فإن الكثير من أفراد تلك الجماعة سوف يختلفون عن الصورة النمطية لجماعتهم بامور جوهرية. إن أحد أشكال الأذى الذي ينجم عن ذلك هو أننا إذا كانت لدينا صورة نمطية عن جماعة عرقية أو طائفية معينة بأنها قليلة الذكاء مثلاً، فإن النتيجة الخطرة المترتبة عليها أن الفرص التربوية والوظيفية لجميع أفراد تلك الجماعة ستكون قليلة إن لم تكن معدومة.
الثاني: إن الصور النمطية تقود الى توقعات ضيقة بشأن السلوك. فصورنا النمطية تقودنا الى أن نتوقع بأن أفراد جماعة معينة سيتصرفون جميعهم من دون إستثناء بطريقة معينة. فعلى سبيل المثال، نحن نتوقع من النساء أن يتصرفن جميعهن بطرائق مهذبة، وبتعاون وعطف وشفقة، فيما نتوقع من الرجال أن يتصرفوا جميعهم بأساليب خشنة وعدوانية وتنافسية. وما ينجم عن هذا أن الفرد، سواء كان رجلاً أم إمرأة، إذا تصرف بطريقة لا تتطابق مع الصورة النمطية التي نحملها عن الجنس الذي ينتمي اليه، فاننا سننظر إليه كما لو كان شاذاً وعليه فإن الصورة النمطية يمكن أن تكون قوة محددة للأشخاص الذين لا يتطابق سلوكهم مع توقعاتنا الضيقة.
الثالث: إن الصور النمطية تقود الى عزو خاطيء. فعلى وفق نظرية العزو القائمة على فكرة أن الناس يكونون مدفوعين لإكتشاف الأسباب الأساسية للسلوك كجزء من جهودهم لأن يجعلوا معنى لتصرفاتهم من خلال وصولنا الى تعليلات سببية لما يصدر عن الآخرين وعن أنفسنا من سلوك في المواقف الحياتية المختلفة، فإنه غالباً ما يعزى السبب الى مصدرين: داخلي أو ذاتي يخص الشخص القائم بالسلوك، وخارجي يخص الآخرين أو الموقف الذي نكون فيه.
وما يحصل لدى الفرد المتعصب أنه يعزو كل الصفات الإيجابية الى شخصه والى جماعته التي ينتمي اليها، ويعزو كل الصفات السلبية الى الجماعة التي يختلف عنها في القومية أو الطائفة أو الدين.
والمؤذي في ذلك، انه في حالة حصول خلاف أو نزاع بين جماعته والجماعة الاخرى فإنه يحّمل الجماعة الأخرى مسؤولية ما حدث من أذى وأضرار، ويبريء منها، حتى لو كانت جماعته شريكاً بنصيب أكبر في أسباب ما حدث.

مطيع الله
02-02-2007, 02:07 PM
الصورة النمطية والتنميط : من الطباعة إلى القانون
والممارسة السياسية

مقدمة :

سنستعرض في البداية تعريف المصطلح وتبلوره و انتقاله إلى بعض الحقول المعرفية ، ثم نحاول الإجابة عن إمكانية انتقاله واستخدامه في حقل القانون و نتطرق إلى استخدامه في الممارسة السياسية والنشاط العام .
وسيكون من باب التكرار والإعادة ، التأكيد على تعويلي على مداخلتكم / ن في إضاءة ما عتم علي أو ما مسسته دون الولوج ، سأنتظر منكن / م الكثير .


أولاً : تعريف الصورة النمطية والتنميط
لا توجد ترجمة عربية واحدة تقابل لـ " stereotype" لكن سنستخدم " الصورة النمطية " لوردها بهذا الشكل عند أوائل من كتب في هذا الموضوع كإدمون غريب ، هشام شرابي ، إدوارد سعيد ، مخائيل سليمان وغيرهم .

" يرجع استخدام الـ " stereotype" إلى عالم الطباعة ، إذ تعني الصفيحة المعدنية المطبوعة التي تصب في قالب أو آلة سباكة طباعية . ويتم استخدام القالب في إنتاج السطور المطبوعة التي يمكن استخدامها آلاف المرات من دون الحاجة إلى إعادتها " (1) .

ويعتبر الصحفي الأمريكي والتر ليبمان أول من استخدم هذا المصطلح بوصفه مفهوم يراد به القول ان الشعور الوحيد الذي يحمله أي شخص حول حدث لم يجربه هو شعور نابع من تصوره الذهني للحدث وأن ما يقوم به لا يعتمد على معرفة معينة أو مباشرة بل على صورة صنعها أو أعطيت له (2) .

يعرف الباحث غردون اليوت الصورة النمطية بأنها " اعتقاد مبالغ فيه يرتبط بفئة ، وظيفته تبرير السلوك إزاء تلك الفئة " (3) .

ويعرفها بعض الباحـثون بأنهـا " رأي ثابت ذو طبيعة تقيمية وتعميمية ، يشير إلى فئة من الناس ( سكان محليين أو عنصـر أو جماعة معينة .. الخ ) الذين يجـدهم متشابهين ضمــن اعتبار معين" (4).

والفرق بين التنميط والتصنيف يرتكز أساساً على خلو التصنيف من حكم القيمة ، فعندما نقول ألمان أو سودانيين فهذا تصنيف ، لكن بمجرد الانتقال إلى الأحكام القيمية نكون قد انتقلنا إلى التنميط كالقول بان الألمان أذكياء أو السودانيين كسالى..

ويسهم كل من التصنيف ( Categorization ) والعزو ( Attribution ) بشكل كبير في رسم الصورة النمطية أو عملية التنميط ، لحد ان بعض الباحثين /ات يرون فيه شكل من أشكال السلوك التصنيفي ، حيث تستخدم سمة أو صفات مفردة لاستنباط مجموعة من التوقعات أو الصفات المعزوة ، التي تكون بسيطة جداً إلى درجة يصعب معها وصف المجموعة المعينة ( أو عضو / ة من أعضاءها / عضواتها ) بدقة وفي ذات الوقت فهي معممة بصورة واسعة على الأفراد حد الافتقار إلى قدر من الصحة ؛ كعزو الذكاء إلى الألمان والكسل إلى السودانيين مثلاً . هذا إلى جانب ارتكاز عملية التنميط على التعميم ( Generalization) ، كتعميم الذكاء على كل الألمان والكسل على كل السودانيين .

يبدو أن ثمة تقارب بين مفهوم الصورة النمطية والأحكام المسبقة ، فالأحكام المسبقة هي مواقف سلبية أو إيجابية تتخذ تجاه شخص أو جماعة ويصعب تصحيحها بسبب الجمود والشحنات الانفعالية حسب تعريف الباحث الألماني أيريل ديفيس (5) ، وبذلك تدخل الأحكام المسبقة في نسيج وتكوين الصورة النمطية .

وعرفتها الأستاذة إرادة الجبوري بأنها " حكم قيمة ـ سلبي أو إيجابي ـ بالغ البساطة والتعميم يقترن بفئة من الناس ( قومية ، ديانة ، جنس ، جماعة معينة .. الخ ) متجاهلاً الفروق الفردية بين أعضاء تلك الفئة ويصعب تغييره في معظم الأحيان" (6) ، ويتضح ان تعريف الأستاذة إرادة الجبوري هو دمج وتلخيص لعدة تعريفات استعرضنا بعضها بعاليه .


ثانياً : الصورة النمطية والتنميط في حقول معرفية متنوعة
ولدت دراسات الصورة النمطية في الولايات المتحدة الأمريكية وتأثرت بظروف موطنها واهتماماته ، فوالتر ليبمان الذي يعد أول من طرح مفهوم الصورة النمطية ، كان صحفياً أمريكيا إلا انه اهتم بالفلسفة والسياسة ويعد كتابه الرأي العام الذي حاول فيه الإجابة على الأسئلة التي أثارتها الحرب العالمية الأولى من أشهر مؤلفاته .

كانت الدراسات الاجتماعية من أولى الحقول التي انتقل إليها المفهوم وكانت الدراسات والبحوث الاجتماعية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن المنصرم تنصب بشكل أساسي على الصورة النمطية العرقية (Racial Stereotype ) كاستجابة مباشرة للصراعات العرقية والتعصب العرقي الذي كان سائداً في تلك الفترة .

وفي أثناء الحرب العالمية الثانية دخلت الصورة النمطية إلى مجال البحث الاجتماعي ضمن الاهتمام بدراسة الشعوب الأخرى ، كما دخل مفهوم الصورة النمطية إلى حقل العلوم السياسية وخاصةً ما يعرف بدراسات السلوك الدولي ( International Behavior ) وذلك ضمن الاهتمام بما يسمى بالشخصية القومية فظهر مفهوم الصورة النمطية القومية التي توصف بأنها " السمات الشائعة الثابتة التي تسري على شعب ما من جانب شعب آخر ، والتي تأخذ شكل العقيدة العامة الجماعية والتي تصاغ على أساس غير عملي أو موضوعي ، تأثراً بأفكار متعصبة تتسم بالتبسيط في تصورها للآخر " (7)
وفي الستينيات شهدت الدراسات حول الصورة النمطية خاصة في مجال الإعلام ازدهاراً كبيراً نتيجة لإقرار الحقوق المدنية ومن ثم تم تنظيم الندوات والمؤتمرات وورش العمل من قبل وسائل الإعلام المختلفة لتقدم نقداً للكيفية التي عكست وروجت بها تلك الوسائل الصور النمطية للزنوج والأقليات الأخرى . وقد كانت هذه حقبة بمثابة التمهيد لدخول الصورة النمطية إلى ميدان علم الاجتماع الإعلامي من أوسع الأبواب في السبعينيات ، وظهرت ما عرف بالصورة النمطية الاجتماعية ( Social Stereotype) كمقابل للصورة النمطية الشخصية في علم النفس ( Person - Stereotype) .

برزت الدراسات الخاصة بالتنميط الجندري (Gender Stereotyping) في الثمانينات والتسعينات من القرن الفائت ضمن الاهتمام الكبير بهذا الحقل الجديد ، ونتيجة لتعاظم دور المنظمات الدولية العاملة في مجالات التنمية واهتمامها بهذه الدراسات التي تساعدها في وضع خططها. بل وامتد انتشار الاهتمام بالصورة النمطية ليصل إلى اللغة والآداب ، وظهرت كثير من الدراسات النقدية التي تهتم بدراسة الصورة النمطية في النصوص الأدبية من قصة ورواية ، وانتقل هذا الاهتمام إلى المسرح وغيره من الفنون .

نلاحظ من مما سبق ان مفهوم الصورة النمطية تطور منذ عشرينات القرن الماضي إلى يومنا هذا ، ودخل إلى حقول معرفية مختلفة كالفلسفة ، وعلم النفس ، وعلم الأعراق ، والسلوك الدولي ، وعلم الاجتماع ، وعلم النفس الاجتماعي ، والإعلام، والإعلام الاجتماعي والجندر ، وعلم اللغة والآداب والفنون .

ثالثاً : التنميط والقانون

بالرغم من ان التنميط وجد له موطئ قدم في بداية نظريات علم الإجرام والعقاب عندما قال لومبوروز Lombroso بأن المجرم يولد مجرم في كتابه الإنسان الإجرا&#1605 ، الذي نشره عام 1876، و ان لديه خصائص فيسيولوجية تجعله مجرماً ، وانتهى لومبروزو من ذلك إلى أن المجرم نمط من البشر يتميز بملامح عضوية خاصة، ومظاهر جسمانية شاذة يرتد بها إلى عصور ما قبل التاريخ أو أن الإنسان المجرم وحش بدائي يحتفظ عن طريق الوراثة بالصفات البيولوجية والخصائص الخلقية الخاصة بإنسان ما قبل التاريخ ومن بين هذه الخصائص صغر الجمجمة، وعدم انتظامها، وطول الذراعين، وكثرة غضون الوجه، واستعمال اليد اليسرى وضخامة الكفين والشذوذ في تركيب الأسنان إلى جانب عدم الحساسية في الشعور بالألم.

وبالإضافة إلى تلك الصفات العامة وقف لومبروزو على بعض الملامح الفسيولوجية التي تميز بين المجرمين. فالمجرم القاتل يتميز بضيق الجبهة، وبالنظرة العابسة الباردة، وطول الفكين وبروز الوجنتين، بينما يتميز المجرم السارق بحركة غير عادية لعينيه، وصغر غير عادي لحجمهما مع انخفاض الحاجبين وكثافة شعرهما وضخامة الأنف وغالباً ما يكون اعسراًً(9 (؛ مقدماً بذلك صورة نمطية لإنسان ما قبل التاريخ وجاعلاً منه مجرماً .

وقد راجت هذه الصورة النمطية للشخصية الإجرامية عبر المجلات المصورة ، والأفلام السينمائية ؛ إلا ان تصدي القانونين لهذه النظرية بقوة جعل صاحبها نفسه يتراجع عنها ، وبات من العسير إيجاد منفذ لتنسرب منه الصورة النمطية والتنميط إلى مجال الدراسات القانونية ، كما أن خصائص القواعد القانونية نفسها فيما يتعلق بالجريمة والعقاب وقواعد إثبات الجريمة والمسئولية الجنائية وانحصار التبعات القانونية على شخص أو أشخاص مرتكبيها ... الخ تجعلها بحكم تلك الخصائص غير قابلة للتنميط .

فالتحيز الناتج عن التنميط سواء كان سلباً أو إيجابا مرده الأحكام القيمية التي تدخل في نسيج الصورة النمطية وآلية التنميط ، وهو أمر ترفضه تماما ً وتسعى للعكس منه القواعد القانونية ، التي يحتم عليها سعيها لتحقيق العدالة الحياد التام ، منذ عملية صياغة القاعدة القانونية مروراً بإثبات مخالفتها أو عدمه ، وانتهاءً بتطبيق الجزاء الواجب عن تلك المخالفة . والتحيز أيضاً يأتي ناسفاً لقاعدة قانونية تقرها معظم الدساتير ، وهي المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات وأمام القانون دون تمييز بسبب الدين أو الجنس أو العرق أو اللون .

والأحكام المسبقة والتبسيط اللذان يشكلان إحدى عناصر الصورة النمطية ، أمران يناقضهما تماماً بنية القواعد القانونية ، فمن الصعب ان تجد للأحكام المسبقة والتبسيط وجود عند تطبيق القواعد القانونية ، إذ لابد ان تأتي الأحكام في خاتمة سلسلة طويلة من الإجراءات شديدة الدقة فيما يتعلق بقيام الجريمة وانطباق أركانها مثلاً ، وفي إثبات هذا الفعل المجرم إلى الجاني بوسائل إثبات مقرة قانوناً ، وبعد دراسة دقيقة لكل الوقائع تأتي الأحكام في الخاتمة لتتوج سلسلة الإجراءات التي ابسط ما يقال عنها بعدها عن التبسيط والذي يميز الصورة النمطية .

وبالرغم من كل الاختلافات التي حاولنا تبيانها بين الصورة النمطية والقواعد القانونية وصعوبة المواءمة بينهما ، إلا ان الممارسة السياسية لا تفتأ تحاول جر رجل الصورة النمطية لهذا الطريق الشائك ، في محاولة لبعث لومبروزو من قبره ، كما سنحاول إيضاحه في الفقرة رابعاً .

الكاتب peachdazzle