سيف قطر
07-02-2007, 12:48 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ان الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور انفسنا و سيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له . اما بعد ..
مدى خطورة اهل الاهواء والبدع
افساد اهل الاهوى والبدع اعظم من افساد العدو من اهل الحرب :
قال شيخ الاسلام ابن تيميه في (( مجموع الفتاوي )) ( 28/231-232 ) ( وقال بعضهم لاحمد بن حنبل : إنه يثقل علي ان اقول : فلان كذا , وفلان كذا ! فقال : اذا سكت انت وسكت انا ؛ فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم ؟!).
وقال: ( ومثل أئمة البدع من اهل المخالفه للكتاب والسنه او العبادات المخالفه للكتاب والسنه , فإن بيان حالهم وتحذير الامه منهم واجب باتفاق المسلمين , حتى قيل لاحمد بن حنبل : الرجل يصوم ويصلي ويعتكف ؛ احب اليك , او يتكلم في اهل البدع ؟ فقال اذا قام وصلى واعتكف , فانما هو لنفسه , واذا تكلم في اهل البدع فانها هو للمسلمين , وهذا افضل .
فتبين ان نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله ودينه ومنهاجه وشريعته , ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفايه باتفاق المسلمين , ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين , وكان فساده اعظم من فساد استيلاء العدو من اهل الحرب , فان هؤلاء اذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين الا تبعا , واما اولئك فهم يفسدون ابتداء ).
ثم قال – رحمه الله - : (( واعداء الدين نوعان : الكفار , والمنافقون , وقد امر الله نبيه بجهاد الطائفتين في قوله –تعالى – في سورة التوبه : (( يا ايها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم )) الآيه , في آيتين من القرآن .(1).
فاذا كان اقوام منافقون يبتدعون بدعا تخالف الكتاب , ويلبسونها على الناس , ولم تبين للناس : فسد امر الكتاب , وبدل الدين ؛ كما فسد دين اهل الكتاب قبلنا بما وقع فيه من التبديل الذي ينكر على اهله .
واذا كان اقوام ليسوا منافقين , لكنهم سماعون للمنافقين : قد التبس عليهم امرهم ؛ حتى ظنوا قولهم حقا ؛ وهو مخالف للكتاب , وصاروا دعاة الى بدع المنافقين , كما قال تعالى في سورةالتوبه : ( لو خرجوا فيكم ما زادوكم الا خبلا ولأوضعوا خلالكم يبعونكم الفتنه وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين ).
فلا بد ايضا من بيان حال هؤلاء ؛ بل الفتنه بحال هؤلاء اعظم , فان فيهم ايمانا يوجب موالاتهم , وقد دخلوا في بدع من بدع المنافقين التي تفسد الدين , فلا بد من التحذير من تلك البدع , وان اقتضى ذلك ذكرهم وتعيينهم ؛ بل ولو لم يكن قد تلقوا تلك البدعه عن منافق ؛ لكن قالوها ظانين انها هدى , وانها خير , وانها دين ؛ ولو لم تكن كذلك لوجب بيان حالها ).
وقال – رحمه الله – في (( نقض المنطق)) ص (12) , و (( مجموع الفتاوى )) ( 4/13) – في ذم اهل البدع , وبيان فضل من تصدى لهم بالحجه والبرهان , فافحمهم بقوة البيان , وقطع جهيزتهم بالسنه والقرآن -: (( الردود على المعتزله والقدريه وبيان تناقضهم ؛ فيها قهر المخالف , واظهار فساد قوله , وهي من جنس المجاهد المنتصر , فالراد على اهل البدع مجاهد , حتى كان يحيى بن يحيى (2) يقول : الذب عن السنه افضل من الجهاد )).
قلت : وكذلك الردود على الخوارج , والرافضه , والجبريه , والاشاعره , والماتريديه , والصوفيه , وغيرهم من اهل الاهواء والبدع والخرافات والضلالات , واظهار فساد معتقدهم من اعلى درجات الجهد في سبيل الله .
واعلم – ياخي المسلم – ان هذا ليس داخلا في باب الغيبه بالكليه , ويقول ابن رجب الحنبلي – رحمه الله – في رسالته (( الفرق بين النصيحه والتعبير )) :
( فاما اهل البدع والضلاله ومن تشبه بالعلماء وليس منهم ؛ فيجوز بيان جهلهم واظهار عيوبهم , تحذيرا من الاقتداء بهم ) .
يقول محمد كرد علي ( المتوفى : 1372) –رحمه الله – في ترجمته لشيخ الاسلام ابن تيميه في كتابه ( المذكرات ) :
(( لو لمعت دعوة ابن تيميه ؛ لسلم هذا الدين من تخريف المخرفين على الدهر , ولما سمعنا احدا في الديار الاسلاميه يدعو لغير الله , ولا ضريحا تشد اليه الرحال بما يخالف الشرع , ولا يعتقد بالكرامات على ما ينكره , اتى بالتوحيد لا للشرك والخيال )) .
قلت : ولما سمعنا احدا في الديار الاسلاميه يدعو الى التكفير والخروج , ويتهم اهل الحق بالارجاء , ويهمز ويلمز العلماء الافاضل .
وقال ايضا –رحمه الله -: (( كان ابن تيميه في النصف الثاني من عمره سراجا وهاجا , أطفأ بعلمه وعمله شهرة ارباب المظاهر من القضاة والعلماء , وكان الصدر المقدم كلما دخل في موضوع ديني او سياسي , وعبثا حاول بعض الشافعيه والمالكيه ان يسلموه للعامه يقتلونه ؛ فما استطاعوا اكثر من حجر حريته اشهرا في سجنه , وكان الملوك يحمونه من تعصب خصومه , ويعرفون قدره )).
وقال : (( كان يهتم لنشر الدين , والقضاء على البدع بقلبه ولسانه وقلمه , وهمهم ان يرضى عنهم السلطان , فيبقيهم في مناصبهم , ويستميلوا العامه ؛ فيقبلوا ايديهم .
وراح مره في ثلة من اصحابه ومعهم حجارون , وامرهم بقطع صخره كانت بنهر قلوط بدمشق تزار وينذر لها , فقطعها وأراح المسلمين منها ومن الشرك بها , فازاح عن المسلمين شبهة كان شرها عظيما )) (3).
شر الناس من تشبه باهل الحق يوهم انه منهموليس منهم :
قال ابن القيم – رحمه الله – ينقل عن شيخه شيخ الاسلام ابن تيميه – رحمه الله – في كتابه (( الداء والدواء )) ( صفحة : 55) :
(( كما ان خير الناس الانبياء , فشر الناس من تشبه بهم من الكذابين ؛ وادعى انه منهم وليس منهم , فخير الناس بعدهم : العلماء, والشهداء , والمتصدقون , والمخلصون, وشر الناس من تشبه بهم , يوهم انه منهم وليس منهم )).
وقال ابو ناصر السجزي ( المتوفى : 444هـ ) في رسالته الى اهل زبيد – بعد ان كشف خفايا الكلابيه والاشعريه , وانهم غير مثبتين لصفات الله – عز وجل -:
(( والمعتزله – مع سوء مذهبهم – اقل ضرار على عوام اهل السنه من هؤلاء , لان المعتزله قد اظهرت مذهبها ؛ ولم تستخفِ ولم تموه ؛ بل قالت : ان الله بذاته في كل مكان , وانه غير مرئي, وانه لا سمع له ولا بصر .... والكلابيه والاشعريه قد اظهروا الرد على المعتزله , والذب عن السنه واهلها .. والضرر بهم اكثر من المعتزله ؛ لإظهار أولئك – يعني : المعتزله – ومجانبتهم اهل السنه , وإخفاء هؤلاء – يعني: الاشعريه – ومخالطتهم اهل الحق )) .
وقال ايضا -: (( والذين بلي كثير من اهل العلم فيهم : المعتزله , وهم اعداء الاثر واهله , وكبراؤهم : ابو الهذيل العلاف , وجعفر بن مبشر , والنظام , والجاحظ , وابو علي الجبائي , وابنه ابو هاشم , وابو القاسم الكعبي البلخي , وقبل هؤلاء : عمرو بن عبيد , وواصل بن عطاء , وبعدهم : ابو عبدالله البصري , وابو القاسم الواسطي .
وبعدهما : الصاحب اسماعيل بن عباد , وعبدالجبار الأسدابادي , كل هؤلاء دعاة الى الضلاله .
ثم بلي اهل السنه بعد هؤلاء بقوم يدعون أنهم من اهل الاتباع , وضررهم اكثر من ضرر المعتزله وغيرهم )).
اهل البدع شر من أهل المعاصي الشهوانيه – بالسنه والاجماع - :
قال شيخ الاسلام ابن تيميه – رحمه الله – في (( المجموع )) (11/471) – في منظارته لاتباع احمد الرفاعي -:
" وذكرت ذم ( المبتدعه ) فقلت : روى مسلم في (( صحيحه )) عن جعفر بن محمد الصادق عن ابيه ابي جعفر الباقر عن جابر بن عبدالله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته : (( ان اصدق الكلام كلام الله , وخير الهدي هدي محمد , وشر الامور محدثاتها , وكل بدعه ضلاله )) .
وفي (( السنن )) عن العرباض بن ساريه قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة , ذرفت منها العيون , ووجلت منها القوب , فقال قائل : يا رسول الله ! كأن هذه موعظة مودع ؛ فماذا تعهد الينا ؟ فقال : (( اوصيكم بالسمع والطاعه , فانه من يعيش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا , فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي و تمسكوا بها , وعضوا عليها بالنواجذ , واياكم ومحدثات الامور ؛ فان كل محدثة بدعه , وكل بدعه ضلاله )) ؛ وفي روايه : (( وكل ضلاله في النار )) .
فقال لي : البدعه مثل الزنى , وروى حديثا في الزنى . فقلت : هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم , والزنى معصيه , والبدعه شر من المعيصه , كما قال سفيان الثوري – رحمه الله – فيما اخرجه اللالكائي في (( شرح اصول اعتقاد اهل السنه والجماعه )) (238) , يقول : البدعه احب الى ابليس من المعصيه , والمعصيه يتاب منها , والبدعه لا يتاب منها ".
وقال شيخ الاسلام ابن تيميه : (( وكان قد قال بعضهم : نحن نتوب الناس , فقلت : مماذا تتوبونهم ؟ قال : من قطع الطريق , والسرقه , ونحو ذلك . فقلت : حالهم قبل تتويبكم خير من حالهم بعد تتويبكم ، فانهم كانوا فساقا يعتقدون تحريم ما هم عليه , ويرجون رحمة الله , ويتوبون اليه , او ينوون التوبه ؛ فجعلتموهم بتتويبكم ضالين مشركين خارجين عن شريعة الاسلام , يحبون ما يبغضه الله , ويبغضون ما يحبه الله، وبينت ان هذه البدع التي هم وغيرهم عليها شر من المعاصي)).
ويقول ابن تيميه – رحمه الله - : (( اما المعاصي فمثل ما روى البخاري في ( صحيحه ) عن عمر بن الخطاب : ان رجلا كان يدعى حمارا , وكان يشرب الخمر, وكان يضحك النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فجلده الحد , فلعنه رجل مره , وقال : لعنة الله ما اكثر ما يؤتى به الى النبي صلى الله عليه وسلم ؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا تلعنه ؛ فانه يحب الله ورسوله)) .
قلت: فهذا رجل كثير الشرب للخمر , ومع هذا فلما كان صحيح الاعتقاد يحب الله ورسوله ؛ شهد له النبي بذلك ونهى عن لعنه .
واما المبتدع ؛ فمثل ما اخرجا في ((الصحيحين )) عن علي بن ابي طالب وعن ابي سعد الخدري وغيرهما – دخل حديث بعضهم في بعض -: ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم , فجاءه رجل ناتئ الجبين , كث اللحيه , محلوق الراس , بين عينيه اثر السجود , وقال ما قال , فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( يخرج من ضئضئ هذا قوم يحقر احدكم صلاته مع صلاتهم , وصيامه مع صيامهم , وقرائته مع قراءتهم , يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم, يمرقون الاسلام كما يمرق السهم من الرميه ؛ لئن ادركتهم لاقتلنهم قتل عاد )) ؛ وفي روايه : (( لو يعلم الذين يقاتلونهم ماذا لهم على لسان محمد ؛ لنكلوا عن العمل ))؛ وفي روايه: (( شر قتلى تحت اديم السماء , خير قتلى من قتلوه )).
قلت [ والكلام لابن تيميه ]: فهؤلاء – مع كثرة صلاتهم , وصيامهم , وقرائتهم , وما هم عليه من العباده والزهاده – امر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهم , وقتلهم علي بن ابي طالب ومن معه من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم , وذلك لخروجهم عن سنة النبي وشريعته )) (4) .
وقال رحمه الله -:
(( واظن اني ذكرت قول الشافعي : لأن يبتلى العبد بكل ذنب – ما خلا الشرك بالله – خير من ان يبتلى بشيئ من هذه الاهواء )) . اهـ
ائمة اهل البدع اضر على الامه من اهل الذنوب :
قال ابن تيميه – رحمه الله – بشان ائمة اهل البدع -:
(( وائمة اهل البدع اضر على الامه من اهل الذنوب , ولهذا امر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الخوارج , ونهى عن قتال الولاة الظلمه , واولئك لهم نهمه في العلم والعباده , فصار يعرض لهم من الوساوس التي تضلهم – وهم يظنونها هدى فيطيعونها – ما لا يعرض لغيرهم )) .اهـ
لذلك تجده – رحمه الله – يقول في (( المجموع )) (20/103) :
(( ان اهل البدع شر من اهل المعاصي الشهوانيه – بالسنه والاجماع - ؛ اذ اهل المعاصي ؛ ذنوبهم فعل بعض ما نهوا عنه , من سرقه , او زنى , او شرب خمر , او اكل مال بالباطل . واهل البدع ؛ ذنوبهم ترك ما امروا به من اتباع السنه وجماعة المؤمنين )).
ويا اخي المسلم اقرا ما نقله ابن بطه في ( الابانه الكبرى ) ( صفحة : 132) عن سعيد بن جبير قوله : (( لان يصحب ابني فاسقا شاطرا سنيا , احب الي من ان يصحب عابدا مبتدعا )).
(( وهكذا يتضح ويظهر قبح البدع في الاسلام , وانها اظلم من المعاصي ؛ لان البدع زيغ في العقيده , وانحراف في التصور , وفساد في الايمان , بينما المعاصي انحراف في عمل الجوارح ))(5).
معنى قولهم : ان البدعه لا يتاب منها :
ويفسر شيخ الاسلام ابن تيميه كلام سفيان الثوري المتقدم بقوله في (( المجموع )) (10/9) :
(( ومعنى قولهم : ان البدعه لا يتاب منها )) : ان المبتدع الذي يتخذ دينا لم يشرعه الله ولا رسوله , قد زين له سوء عمله , فرآه حسنا , لان اول التوبه العلم بان فعله سيئ ليتوب منه , او بانه ترك حسنا مامورا به امر ايجاب او استحباب , ليتوب ويفعله , فما دام يرى فعله حسنا وهو سيئ في نفس الامر, فانه لا يتوب .
ولكن التوبه منه ممكنه وواقعه , بان يهديه الله ويرشده , حتى يتبين له الحق , كما هدى سبحانه وتعالى من الكفار والمنافقين وطوائف من اهل البدع والضلال , وهذا يكون بان يتبع الحق ما علمه (6).
فمن عمل بما علم اورثه الله علم ما لم يعلم كما قال –تعالى – في سورة النساء : ( ولو انهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم واشد تثبيتا واذا لآتيناهم من لدنا اجرا عظيما ولهديناهم صراطا مستقيما ) [ الايات :66-68].
وقال – تعالى – في سورة الحديد : ( يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وامنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم ).[الايه: 28].
وقال – تعالى – في سورة البقره : ( الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الى النور ).[ الايه 257].
وقال تعالى – في سورة المائده: ( قد جائكم من الله نور وكتاب مبين يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الى النور باذنه ويهديهم الى صراط مستقيم ) .[ الايتان : 15-16].
وشواهد هذا كثيره في الكتب والسنه .
وكذلك من اعرض عن اتباع الحق الذي يعلمه – تبعا لهواه - ؛ فان ذلك يورثه الجهل والضلال , حتى يعمى قلبه عن الحق الواضح , كما قال تعالى – في سورة الصف: ( فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين ) .[ الايه :5].
وقال – تعالى- في سورة البقره ( في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ) [ الايه :10].
ان الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور انفسنا و سيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له . اما بعد ..
مدى خطورة اهل الاهواء والبدع
افساد اهل الاهوى والبدع اعظم من افساد العدو من اهل الحرب :
قال شيخ الاسلام ابن تيميه في (( مجموع الفتاوي )) ( 28/231-232 ) ( وقال بعضهم لاحمد بن حنبل : إنه يثقل علي ان اقول : فلان كذا , وفلان كذا ! فقال : اذا سكت انت وسكت انا ؛ فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم ؟!).
وقال: ( ومثل أئمة البدع من اهل المخالفه للكتاب والسنه او العبادات المخالفه للكتاب والسنه , فإن بيان حالهم وتحذير الامه منهم واجب باتفاق المسلمين , حتى قيل لاحمد بن حنبل : الرجل يصوم ويصلي ويعتكف ؛ احب اليك , او يتكلم في اهل البدع ؟ فقال اذا قام وصلى واعتكف , فانما هو لنفسه , واذا تكلم في اهل البدع فانها هو للمسلمين , وهذا افضل .
فتبين ان نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله ودينه ومنهاجه وشريعته , ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفايه باتفاق المسلمين , ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين , وكان فساده اعظم من فساد استيلاء العدو من اهل الحرب , فان هؤلاء اذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين الا تبعا , واما اولئك فهم يفسدون ابتداء ).
ثم قال – رحمه الله - : (( واعداء الدين نوعان : الكفار , والمنافقون , وقد امر الله نبيه بجهاد الطائفتين في قوله –تعالى – في سورة التوبه : (( يا ايها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم )) الآيه , في آيتين من القرآن .(1).
فاذا كان اقوام منافقون يبتدعون بدعا تخالف الكتاب , ويلبسونها على الناس , ولم تبين للناس : فسد امر الكتاب , وبدل الدين ؛ كما فسد دين اهل الكتاب قبلنا بما وقع فيه من التبديل الذي ينكر على اهله .
واذا كان اقوام ليسوا منافقين , لكنهم سماعون للمنافقين : قد التبس عليهم امرهم ؛ حتى ظنوا قولهم حقا ؛ وهو مخالف للكتاب , وصاروا دعاة الى بدع المنافقين , كما قال تعالى في سورةالتوبه : ( لو خرجوا فيكم ما زادوكم الا خبلا ولأوضعوا خلالكم يبعونكم الفتنه وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين ).
فلا بد ايضا من بيان حال هؤلاء ؛ بل الفتنه بحال هؤلاء اعظم , فان فيهم ايمانا يوجب موالاتهم , وقد دخلوا في بدع من بدع المنافقين التي تفسد الدين , فلا بد من التحذير من تلك البدع , وان اقتضى ذلك ذكرهم وتعيينهم ؛ بل ولو لم يكن قد تلقوا تلك البدعه عن منافق ؛ لكن قالوها ظانين انها هدى , وانها خير , وانها دين ؛ ولو لم تكن كذلك لوجب بيان حالها ).
وقال – رحمه الله – في (( نقض المنطق)) ص (12) , و (( مجموع الفتاوى )) ( 4/13) – في ذم اهل البدع , وبيان فضل من تصدى لهم بالحجه والبرهان , فافحمهم بقوة البيان , وقطع جهيزتهم بالسنه والقرآن -: (( الردود على المعتزله والقدريه وبيان تناقضهم ؛ فيها قهر المخالف , واظهار فساد قوله , وهي من جنس المجاهد المنتصر , فالراد على اهل البدع مجاهد , حتى كان يحيى بن يحيى (2) يقول : الذب عن السنه افضل من الجهاد )).
قلت : وكذلك الردود على الخوارج , والرافضه , والجبريه , والاشاعره , والماتريديه , والصوفيه , وغيرهم من اهل الاهواء والبدع والخرافات والضلالات , واظهار فساد معتقدهم من اعلى درجات الجهد في سبيل الله .
واعلم – ياخي المسلم – ان هذا ليس داخلا في باب الغيبه بالكليه , ويقول ابن رجب الحنبلي – رحمه الله – في رسالته (( الفرق بين النصيحه والتعبير )) :
( فاما اهل البدع والضلاله ومن تشبه بالعلماء وليس منهم ؛ فيجوز بيان جهلهم واظهار عيوبهم , تحذيرا من الاقتداء بهم ) .
يقول محمد كرد علي ( المتوفى : 1372) –رحمه الله – في ترجمته لشيخ الاسلام ابن تيميه في كتابه ( المذكرات ) :
(( لو لمعت دعوة ابن تيميه ؛ لسلم هذا الدين من تخريف المخرفين على الدهر , ولما سمعنا احدا في الديار الاسلاميه يدعو لغير الله , ولا ضريحا تشد اليه الرحال بما يخالف الشرع , ولا يعتقد بالكرامات على ما ينكره , اتى بالتوحيد لا للشرك والخيال )) .
قلت : ولما سمعنا احدا في الديار الاسلاميه يدعو الى التكفير والخروج , ويتهم اهل الحق بالارجاء , ويهمز ويلمز العلماء الافاضل .
وقال ايضا –رحمه الله -: (( كان ابن تيميه في النصف الثاني من عمره سراجا وهاجا , أطفأ بعلمه وعمله شهرة ارباب المظاهر من القضاة والعلماء , وكان الصدر المقدم كلما دخل في موضوع ديني او سياسي , وعبثا حاول بعض الشافعيه والمالكيه ان يسلموه للعامه يقتلونه ؛ فما استطاعوا اكثر من حجر حريته اشهرا في سجنه , وكان الملوك يحمونه من تعصب خصومه , ويعرفون قدره )).
وقال : (( كان يهتم لنشر الدين , والقضاء على البدع بقلبه ولسانه وقلمه , وهمهم ان يرضى عنهم السلطان , فيبقيهم في مناصبهم , ويستميلوا العامه ؛ فيقبلوا ايديهم .
وراح مره في ثلة من اصحابه ومعهم حجارون , وامرهم بقطع صخره كانت بنهر قلوط بدمشق تزار وينذر لها , فقطعها وأراح المسلمين منها ومن الشرك بها , فازاح عن المسلمين شبهة كان شرها عظيما )) (3).
شر الناس من تشبه باهل الحق يوهم انه منهموليس منهم :
قال ابن القيم – رحمه الله – ينقل عن شيخه شيخ الاسلام ابن تيميه – رحمه الله – في كتابه (( الداء والدواء )) ( صفحة : 55) :
(( كما ان خير الناس الانبياء , فشر الناس من تشبه بهم من الكذابين ؛ وادعى انه منهم وليس منهم , فخير الناس بعدهم : العلماء, والشهداء , والمتصدقون , والمخلصون, وشر الناس من تشبه بهم , يوهم انه منهم وليس منهم )).
وقال ابو ناصر السجزي ( المتوفى : 444هـ ) في رسالته الى اهل زبيد – بعد ان كشف خفايا الكلابيه والاشعريه , وانهم غير مثبتين لصفات الله – عز وجل -:
(( والمعتزله – مع سوء مذهبهم – اقل ضرار على عوام اهل السنه من هؤلاء , لان المعتزله قد اظهرت مذهبها ؛ ولم تستخفِ ولم تموه ؛ بل قالت : ان الله بذاته في كل مكان , وانه غير مرئي, وانه لا سمع له ولا بصر .... والكلابيه والاشعريه قد اظهروا الرد على المعتزله , والذب عن السنه واهلها .. والضرر بهم اكثر من المعتزله ؛ لإظهار أولئك – يعني : المعتزله – ومجانبتهم اهل السنه , وإخفاء هؤلاء – يعني: الاشعريه – ومخالطتهم اهل الحق )) .
وقال ايضا -: (( والذين بلي كثير من اهل العلم فيهم : المعتزله , وهم اعداء الاثر واهله , وكبراؤهم : ابو الهذيل العلاف , وجعفر بن مبشر , والنظام , والجاحظ , وابو علي الجبائي , وابنه ابو هاشم , وابو القاسم الكعبي البلخي , وقبل هؤلاء : عمرو بن عبيد , وواصل بن عطاء , وبعدهم : ابو عبدالله البصري , وابو القاسم الواسطي .
وبعدهما : الصاحب اسماعيل بن عباد , وعبدالجبار الأسدابادي , كل هؤلاء دعاة الى الضلاله .
ثم بلي اهل السنه بعد هؤلاء بقوم يدعون أنهم من اهل الاتباع , وضررهم اكثر من ضرر المعتزله وغيرهم )).
اهل البدع شر من أهل المعاصي الشهوانيه – بالسنه والاجماع - :
قال شيخ الاسلام ابن تيميه – رحمه الله – في (( المجموع )) (11/471) – في منظارته لاتباع احمد الرفاعي -:
" وذكرت ذم ( المبتدعه ) فقلت : روى مسلم في (( صحيحه )) عن جعفر بن محمد الصادق عن ابيه ابي جعفر الباقر عن جابر بن عبدالله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته : (( ان اصدق الكلام كلام الله , وخير الهدي هدي محمد , وشر الامور محدثاتها , وكل بدعه ضلاله )) .
وفي (( السنن )) عن العرباض بن ساريه قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة , ذرفت منها العيون , ووجلت منها القوب , فقال قائل : يا رسول الله ! كأن هذه موعظة مودع ؛ فماذا تعهد الينا ؟ فقال : (( اوصيكم بالسمع والطاعه , فانه من يعيش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا , فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي و تمسكوا بها , وعضوا عليها بالنواجذ , واياكم ومحدثات الامور ؛ فان كل محدثة بدعه , وكل بدعه ضلاله )) ؛ وفي روايه : (( وكل ضلاله في النار )) .
فقال لي : البدعه مثل الزنى , وروى حديثا في الزنى . فقلت : هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم , والزنى معصيه , والبدعه شر من المعيصه , كما قال سفيان الثوري – رحمه الله – فيما اخرجه اللالكائي في (( شرح اصول اعتقاد اهل السنه والجماعه )) (238) , يقول : البدعه احب الى ابليس من المعصيه , والمعصيه يتاب منها , والبدعه لا يتاب منها ".
وقال شيخ الاسلام ابن تيميه : (( وكان قد قال بعضهم : نحن نتوب الناس , فقلت : مماذا تتوبونهم ؟ قال : من قطع الطريق , والسرقه , ونحو ذلك . فقلت : حالهم قبل تتويبكم خير من حالهم بعد تتويبكم ، فانهم كانوا فساقا يعتقدون تحريم ما هم عليه , ويرجون رحمة الله , ويتوبون اليه , او ينوون التوبه ؛ فجعلتموهم بتتويبكم ضالين مشركين خارجين عن شريعة الاسلام , يحبون ما يبغضه الله , ويبغضون ما يحبه الله، وبينت ان هذه البدع التي هم وغيرهم عليها شر من المعاصي)).
ويقول ابن تيميه – رحمه الله - : (( اما المعاصي فمثل ما روى البخاري في ( صحيحه ) عن عمر بن الخطاب : ان رجلا كان يدعى حمارا , وكان يشرب الخمر, وكان يضحك النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فجلده الحد , فلعنه رجل مره , وقال : لعنة الله ما اكثر ما يؤتى به الى النبي صلى الله عليه وسلم ؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا تلعنه ؛ فانه يحب الله ورسوله)) .
قلت: فهذا رجل كثير الشرب للخمر , ومع هذا فلما كان صحيح الاعتقاد يحب الله ورسوله ؛ شهد له النبي بذلك ونهى عن لعنه .
واما المبتدع ؛ فمثل ما اخرجا في ((الصحيحين )) عن علي بن ابي طالب وعن ابي سعد الخدري وغيرهما – دخل حديث بعضهم في بعض -: ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم , فجاءه رجل ناتئ الجبين , كث اللحيه , محلوق الراس , بين عينيه اثر السجود , وقال ما قال , فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( يخرج من ضئضئ هذا قوم يحقر احدكم صلاته مع صلاتهم , وصيامه مع صيامهم , وقرائته مع قراءتهم , يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم, يمرقون الاسلام كما يمرق السهم من الرميه ؛ لئن ادركتهم لاقتلنهم قتل عاد )) ؛ وفي روايه : (( لو يعلم الذين يقاتلونهم ماذا لهم على لسان محمد ؛ لنكلوا عن العمل ))؛ وفي روايه: (( شر قتلى تحت اديم السماء , خير قتلى من قتلوه )).
قلت [ والكلام لابن تيميه ]: فهؤلاء – مع كثرة صلاتهم , وصيامهم , وقرائتهم , وما هم عليه من العباده والزهاده – امر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهم , وقتلهم علي بن ابي طالب ومن معه من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم , وذلك لخروجهم عن سنة النبي وشريعته )) (4) .
وقال رحمه الله -:
(( واظن اني ذكرت قول الشافعي : لأن يبتلى العبد بكل ذنب – ما خلا الشرك بالله – خير من ان يبتلى بشيئ من هذه الاهواء )) . اهـ
ائمة اهل البدع اضر على الامه من اهل الذنوب :
قال ابن تيميه – رحمه الله – بشان ائمة اهل البدع -:
(( وائمة اهل البدع اضر على الامه من اهل الذنوب , ولهذا امر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الخوارج , ونهى عن قتال الولاة الظلمه , واولئك لهم نهمه في العلم والعباده , فصار يعرض لهم من الوساوس التي تضلهم – وهم يظنونها هدى فيطيعونها – ما لا يعرض لغيرهم )) .اهـ
لذلك تجده – رحمه الله – يقول في (( المجموع )) (20/103) :
(( ان اهل البدع شر من اهل المعاصي الشهوانيه – بالسنه والاجماع - ؛ اذ اهل المعاصي ؛ ذنوبهم فعل بعض ما نهوا عنه , من سرقه , او زنى , او شرب خمر , او اكل مال بالباطل . واهل البدع ؛ ذنوبهم ترك ما امروا به من اتباع السنه وجماعة المؤمنين )).
ويا اخي المسلم اقرا ما نقله ابن بطه في ( الابانه الكبرى ) ( صفحة : 132) عن سعيد بن جبير قوله : (( لان يصحب ابني فاسقا شاطرا سنيا , احب الي من ان يصحب عابدا مبتدعا )).
(( وهكذا يتضح ويظهر قبح البدع في الاسلام , وانها اظلم من المعاصي ؛ لان البدع زيغ في العقيده , وانحراف في التصور , وفساد في الايمان , بينما المعاصي انحراف في عمل الجوارح ))(5).
معنى قولهم : ان البدعه لا يتاب منها :
ويفسر شيخ الاسلام ابن تيميه كلام سفيان الثوري المتقدم بقوله في (( المجموع )) (10/9) :
(( ومعنى قولهم : ان البدعه لا يتاب منها )) : ان المبتدع الذي يتخذ دينا لم يشرعه الله ولا رسوله , قد زين له سوء عمله , فرآه حسنا , لان اول التوبه العلم بان فعله سيئ ليتوب منه , او بانه ترك حسنا مامورا به امر ايجاب او استحباب , ليتوب ويفعله , فما دام يرى فعله حسنا وهو سيئ في نفس الامر, فانه لا يتوب .
ولكن التوبه منه ممكنه وواقعه , بان يهديه الله ويرشده , حتى يتبين له الحق , كما هدى سبحانه وتعالى من الكفار والمنافقين وطوائف من اهل البدع والضلال , وهذا يكون بان يتبع الحق ما علمه (6).
فمن عمل بما علم اورثه الله علم ما لم يعلم كما قال –تعالى – في سورة النساء : ( ولو انهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم واشد تثبيتا واذا لآتيناهم من لدنا اجرا عظيما ولهديناهم صراطا مستقيما ) [ الايات :66-68].
وقال – تعالى – في سورة الحديد : ( يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وامنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم ).[الايه: 28].
وقال – تعالى – في سورة البقره : ( الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الى النور ).[ الايه 257].
وقال تعالى – في سورة المائده: ( قد جائكم من الله نور وكتاب مبين يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الى النور باذنه ويهديهم الى صراط مستقيم ) .[ الايتان : 15-16].
وشواهد هذا كثيره في الكتب والسنه .
وكذلك من اعرض عن اتباع الحق الذي يعلمه – تبعا لهواه - ؛ فان ذلك يورثه الجهل والضلال , حتى يعمى قلبه عن الحق الواضح , كما قال تعالى – في سورة الصف: ( فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين ) .[ الايه :5].
وقال – تعالى- في سورة البقره ( في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ) [ الايه :10].