المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقال أحمد علي : كيف أصبحت «حرية الصحافة» مهددة بتدخلات أقسام «العلاقات العامة»



أبوتركي
13-02-2007, 09:30 AM
حتى لو كان «الموضوع المنشور» يتحدث عن «إشارات المرور»!

كيف أصبحت «حرية الصحافة» مهددة بتدخلات أقسام «العلاقات العامة»

أكتب اليوم عن قضية غاية في الأهمية، ولا أعلم هل سيتم «استجوابي» بعدها خلال الساعات المقبلة، أم سأحقق نصراً لـ «حرية الصحافة» في بلادنا، بعد أن أصبحت هذه «الحرية» مهددة من تدخلات المسؤولين في أقسام ودوائر «العلاقات العامة»، في بعض الوزارات الحكومية والهيئات الرسمية!

فهذه الجهات لا تريد من صحافتنا أن تنشر إلا ما يروق لها، ولعل ما دفعني لإثارة هذه القضية، ذلك الكتاب الصادر بتاريخ 6/2/2007 الذي وصل قبل أيام إلى الوطن من «العلاقات العامة» بوزارة الداخلية والذي ينص على ما يلي:

«بالإشارة إلى ما نشرته صحيفتكم الغراء بعددها رقم «4160» الصادر بتاريخ 23/1/2007، يرجى التكرم بالإفادة عن ملابسات نشر الموضوع من دون التنسيق مع إدارة العلاقات العامة.

ولو علمتم أن الموضوع المطلوب كشف «ملابسات» نشره، يتعلق بتقرير إخباري نشر في الوطن تحت عنوان «المرور تدرس تطبيق تجربة إشارات التضامن في دوّارات أخرى»، لعرفتم أن هذا المثال يعكس واقع الحال الذي تعيشه صحافتنا التي يريدونها أن تتطور.

فهل هذا الموضوع «المروري» يستحق أن «ننسق» مع الإدارة المعنية «لتسمح» لنا بنشره؟

وربما يبدو الأمر عادياً من وجهة نظر الإدارة المختصة في «وزارة الداخلية»، فتعتبر ذلك حقاً من حقوقها، ولكن الشيء غير العادي هو أن «قانون المطبوعات والنشر» لا يعطي أية جهة الحق في الطلب من المؤسسات الصحفية ضرورة موافاتها بـ «ملابسات» نشر أي موضوع.

فنحن صُحف مستقلة، ولسنا نشرات خاصة، أو مطبوعات دورية، تصدر عن وزارات أو مؤسسات الدولة، ولا توجد «قوة» أو «سلطة»، أو «وزارة» أو «إدارة» تملك الحق في إجبار الصحفي ــ أي صحفي ــ على شرح «ملابسات» تغطيته الصحفية، أو كشف مصادر معلوماته، فهذا «حق مقدس» يملكه الكاتب وحده ولا تملك أي جهة «رسمية» أو «أهلية» انتهاكه أو المساس به.

وعندما تتصفح أية إدارة من إدارات «العلاقات العامة» قانون المطبوعات، وتدرسه جيداً، وتقرأ مواده وبنوده فقرة تلو أخرى، فإن أقصى ما يمنحه هذا القانون لأية مؤسسة هو، «حق الرد» إذا كان ما نشر غير صحيح.

وغير ذلك فلا توجد أية مادة قانونية تجبر المؤسسة الصحفية على كشف مصادر أخبارها، أو الكشف عن «ملابسات» نشر موادها الصحفية.

وإنني عبر هذا المقال أرفع الشكوى إلى سعادة الأخ والصديق الشيخ «عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثاني» وزير الدولة للشؤون الداخلية، بسبب «التدخلات» أو «الإجراءات المعقدة» التي نلمسها في كثير من الأحيان، عند تغطية الفعاليات المتعلقة بالوزارة وتؤثر في صميم أعمالنا الصحفية، وبالتالي تهدد مبدأ «حرية الصحافة» الذي أصبح من مرتكزات مسيرتنا الوطنية.

فمثلاً عندما نتقدم بطلب لإجراء حوار صحفي مع مسؤول في الوزارة، يصبح الأمر معقداً جداً، ويحتاج إلى إجراءات مطولة على النحو التالي:

أولاً: توجيه طلب رسمي إلى مدير إدارة «العلاقات العامة»، ويرفق مع الطلب الأسئلة، ثم الانتظار بالموافقة.

ثانياً: بعد فترة قد تطول أياماً أو أسابيع أو شهورا تتصل الإدارة المعنية لإبلاغ الصحفي بمواعيد إجراء الحديث مع المسؤول في الإدارة المختصة.

ثالثاً: بعد إجراء الحديث، تتم صياغته ورفعه مرة أخرى إلى الإدارة المختصة، حيث تتم مراجعته، والأصح تشطيبه أو «بتره»، ثم يتم إبلاغ الصحفي بالحضور لاستلام الموضوع «المشطور»، ويتفاجأ الصحفيون دائماً بأن موضوعاتهم تم اختصارها إلى النصف، وفي بعض الأحيان لا يبقى منها سوى «الربع»، ولا أريد أن اقول إن «الموضوع الصحفي» المراد نشره، بعد هذه الإجراءات يستحق أن نسميه الموضوع «المبتور» بدلاً من «المنشور»!

رابعاً: تستغرق العملية بين إعداد الأسئلة وإجراء الحوار وكتابة الأجوبة وردها إلى الإدارة المعنية، واستلامها مرة أخرى بعد «التشطيب النهائي» بين شهرين ــ وليس أسبوعين ــ وثلاثة شهور!

وإذا كان هذا «النظام البوليسي الصارم» مناسباً في «الأنظمة الشمولية» التي كانت سائدة في دول أوروبا الشرقية ، عندما كان مجرد ذكر اسم «وزارة الداخلية» يثير «الرعب» على لسان المواطن، فإنه لا يصلح للتعامل مع الصحافة اليومية هذه الأيام، في زمن «الانفتاح الإعلامي»، الذي يشهد تدفق المعلومات من كل مكان مع التطور الهائل الذي طرأ على تكنولوجيا الاتصالات.

وما من شك في أن هذه المسألة تحتاج إلى شيء من المرونة، وشيء من الثقة في الصحافة، لأننا نقوم بدور مكمل لدور «العيون الساهرة» في الوزارة.

فنحن لا يمكن أن ننشر شيئاً مسيئاً يضر بالأمن الوطني، لأننا كلنا «جنود أوفياء» لهذا الوطن.

ولا يمكن أن نسمح بنشر معلومات كاذبة، أو مغلوطة، تسبب البلبلة في صفوف المجتمع.

هذا ما يتعلق بآلية نشر الحوارات أو المقابلات مع المسؤولين في وزارة الداخلية، أما التغطيات الصحفية المطلوبة لفعاليات الوزارة، ففي كثير من الأحيان يتم إبلاغ الصحفي المكلف بالموعد والمكان المحدد، وعندما يحضر ويقوم بواجبه ــ على أكمل وجه ــ نفاجأ بمكالة هاتفية من الإدارة المعنية، تطالب بعدم النشر!

ويقولون لنا إن «سعادة الوزير» أمر بذلك، مما يضيّع فرصة الحصول على السبق الصحفي، خصوصاً عندما تكون الصحيفة موجودة في ذلك الحدث بمفردها.

وسأعطيكم الأمثلة على ذلك:

قبل أسابيع، تم الاتصال بـ الوطن من قبل الإدارة المعنية، وقالوا إن سعادة وزير الدولة للشؤون الداخلية، سيقوم بجولات تفقدية في الدوائر الانتخابية المخصصة لانتخابات المجلس البلدي.

وكعادة الوطن تواجدت هناك، وأستطيع القول إنها كانت الصحيفة الوحيدة التي حضرت الجولة الوزارية، وتشرفت الصحيفة بالانفراد بتصريح خاص، أدلى به سعادة الوزير حول المناسبة، وبعد وصول مندوب الوطن إلى مقر عمله، تم الاتصال به و«أمروه» ألا ينشر التصريح الذي حصل عليه من سعادة الوزير!

وبعد ساعة فوجئنا بأن «العلاقات العامة»، أرسلت تصريح الوزير نفسه لـ الوطن وإلى الصحف الأخرى، عبر نشرتها الصحفية التي ترسل عن طريق جهاز «الفاكس»!

أما المثال الآخر، فقد تم إبلاغ الوطن، قبل أيام، بأن سعادة الوزير سيزور مركز «الدفاع المدني» بالعزيزية، وأيضا كانت الوطن ـ كعادتها ـ الصحيفة الوحيدة الحاضرة والموجودة، وبادر الزميل المكلف بالتغطية، بطرح الأسئلة على سعادة الوزير، حول «تدريب رجال الدفاع المدني في سنغافورة» وتقييم المستوى التدريبي الذي وصلوا إليه بعد أن حصلوا هناك على دورات نظرية وعملية في هذا المجال، وتفضل سعادته ــ كعادته ــ وأجاب مشكوراً عن الأسئلة بكل ترحيب ورحابة صدر، مما يؤكد إيمانه العميق بدور الصحافة وحقها في ممارسة رسالتها النبيلة.

وبعد ساعات تم الاتصال من الإدارة المعنية، بالمسؤول في قسم المحليات في الوطن وطلبوا منه عدم نشر التصريح بأمر سعادة الوزير!

ولكن بعد نصف ساعة، وصلنا على الفاكس نفس «التصريح الوزاري»، في نشرة الإدارة المختصة، مع الفارق أن هذه النشرة موزعة على جميع الصحف، مع أن الوطن، هي الصحيفة الوحيدة التي حضرت المناسبة.

وإذا كانت الأمور تسير كذلك، وفقا لنظام داخلي معمول به في إدارة العلاقات العامة، نحترمه ونلتزم به، فالسؤال الذي يطرح نفسه..

لماذا تتم دعوة الصحيفة وغيرها لحضور هذه الفعاليات، ما دامت مسألة النشر في النهاية ستقتصر على ذلك الخبر الذي سيتم إرساله من الإدارة المعنية لجميع الصحف عبر جهاز الفاكس؟

وإذا كان سعادة الوزير لا يريد حقاً من الصحافة أن تقترب منه، أو تحضر المناسبات أو تغطي الفعاليات التي يحضرها، كما يقولون لنا دائماً في «العلاقات العامة»، فإننا عبر سطور هذا المقال نقول لسعادته:

«سمعاً وطاعة» يا «طويل العمر»، فنحن رهن إشارتك، وما تراه مناسباً سنحترمه، وما تأمرنا به سنلتزم بتنفيذه، لأنه يهمنا نجاح كل إدارة من إدارات الوزارة في القيام بعملها على أكمل وجه.

أما إذا كان الأمر غير ذلك، فإننا نأمل بل نرجو سعادته، أن يعطي توجيهاته للإدارة المعنية، بأن تتعامل مع الصحافة بشيء من المرونة.

فإذا كنا نجد العذر ــ كل العذر ــ في «تحفظ» الوزارة على نشر بعض «القضايا الحساسة» لاعتبارات أمنية نحترمها ونلتزم بها ونسخر كل امكانياتنا الصحفية لترسيخها وعدم التشويش عليها، ولكن أن تصل الأمور إلى حد قيام «العلاقات العامة» بمساءلتنا على نشر تقرير عن «الإشارات المرورية»، ومخاطبتنا رسمياً بضرورة كشف «ملابسات النشر»، فهذا شيء لا يصدق في زمن «الحرية الإعلامية» التي أصبحت من مرتكزات عهد أمير الحرية حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البلاد المفدى.

ولا أخفي عليكم أنني أعرف «سعادة الوزير» على الصعيد الشخصي، وأعرف أنه مسؤول يتميز بالثقافة العالية، والتفكير الواعي، وهو نموذج رائع للمسؤول القطري، الذي يؤمن بـ «حرية الصحافة»، وحق الصحف في الوصول إلى مصادر المعلومات، وفتح الأبواب المغلقة في «وجهها» لتقوم بأداء رسالتها في تنوير المجتمع.

ولا أنسى عندما تحدث سعادته لبرنامج «وطني الحبيب صباح الخير» في حلقة يوم الخميس الثالث والعشرين من نوفمبر الماضي التي خصصت للحديث عن قضية «التجنيس» وحقوق الجنسية وقانون حماية المجتمع والكفالات.

وكان حريصاً على تلقي شكاوى المواطنين في جميع المسائل المعلقة المتعلقة بهذه القضايا الهامة، مما يعكس فهمه وتفهمه للدور الذي يلعبه الإعلام في تنوير الرأي العام.

وما من شك في أن الطريقة «البوليسية» الصارمة المتبعة حاليا، والإجراءات المعقدة التي يتم تطبيقها في «وزارة الداخلية» مع الصحافة، تنتمي إلى القرن الماضي البعيد، ونحن نعيش الآن في قرن جديد، وزمن جديد، وعهد جديد.. عنوانه «حرية الصحافة».

وبصراحة ـ بل بمنتهى الصراحة ـ وفقاً للإجراءات الحالية المتبعة في إدارة «العلاقات العامة»، لا يمكن للصحفي ـ أي صحفي ـ أن يقوم بواجبه المهني في التغطية الصحفية للأنشطة المتعلقة بوزارة الداخلية، حيث درجت الإدارة المعنية على ما يمكن وصفه بـ «استجواب» الصحفيين عند قيامهم بنشر الموضوعات الخاصة بالوزارة، وتكون الأسئلة حول اسباب النشر، ولماذا تم النشر، ومن أعطاكم حق النشر، وعلى أي أساس «تجاوزتم» في النشر، ولماذا تحدث الصحفي مع المسؤول دون علم «العلاقات العامة»، حتى لو كان «الموضوع المنشور» يتحدث عن «إشارات المرور»؟!

وتخطىء «الإدارة المختصة» إذا اعتبرتنا منافسين لها في عملها، فنحن مكملون لدورها ومتعاونون معها إلى أبعد الحدود.

ولهذا كله أتمنى من أعماق قلبي ألا يتم «استجوابي» اليوم، أو «التحقيق» معي، حول «ملابسات» هذا المقال الذي كتبته دون موافقة مسبقة من «الإدارة المعنية»!


أحمد علي


alwatan2@qatar.net.qa