أبوتركي
13-02-2007, 07:50 PM
تحذير من ضغوط محتملة من الاتحاد الأوروبي بعد المصادقة على الإستراتيجية الجديدة
«الاقتصاد» تحث دول «التعاون» على توقيع اتفاقية التجارة الحرة مع الأوروبيين
قال مدير إدارة شؤون منظمة التجارة العالمية بوزارة الاقتصاد جمعة الكيت إن مصادقة حكومات دول الاتحاد الأوروبي مؤخرا على إستراتيجية تجارية خارجية جديدة ستلتزم بها المفوضية الأوروبية في برنامج المفاوضات التجارية الثنائية للاتحاد اعتبارا من العام 2006 يستدعي الإسراع في التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول الاتحاد الأوروبي.
ولفت الكيت إلى ان الإستراتيجية الأوروبية الجديدة تتميز بكونها أكثر طموحا «وتطلبا» من سابقتها وهي تؤسس لجيل جديد الجيل الثالث من اتفاقيات التجارة الحرة والتي سيحاول الاتحاد الأوروبي من خلاله فرض المزيد من الضغوط لفتح اكبر عدد ممكن من الأسواق والقطاعات.
وأكد الكيت ان كل إطالة جديدة في عمر المفاوضات بين الجانبين سوف يجعلها تقع ضمن نطاق هذه الإستراتيجية الجديدة للاتحاد الأوروبي ومن ثم يتعين استغلال الظروف الحالية للتوقيع على الاتفاقية خاصة وانه تتوفر لدى الرئاسة الحالية للاتحاد «ألمانيا التي تربطها علاقات متميزة مع الإمارات» كامل الإرادة السياسية لجعل هذا التوقيع احد الانجازات التي قامت بتحقيقها خلال رئاستها.
ذكر مدير إدارة شؤون التجارة العالمية واتفاقيات التجارة الحرة بوزارة الاقتصاد جمعة الكيت أنه تم الشروع في مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي منذ ما يزيد على 18 سنة أي سنة 1988، ويمكن عموماً اعتبارها فترة قياسية في تاريخ المفاوضات التجارية الدولية.
وقد يخال للمهتم بهذه المفاوضات في الوهلة الأولى بأن طول هذه الفترة يعود لكثرة المواضيع والقضايا التفاوضية العالقة بين الطرفين نظراً لتضارب وتناقض مصالح المجموعتين بشأن عدد من القطاعات الإستراتيجية. ولكن في واقع الأمر يتواجد عدد من المعطيات والحقائق الموضوعية التي تُفسر طول هذه المدة.
و يتجلى الهدف الأساسي من هذه المقالة في إلقاء الضوء على طبيعة هذه المعطيات وأبعادها وبالأخص ما تتضمنه من عوامل ومؤشرات تحفز كلها على الإسراع في إبرام هذه الاتفاقية وليس التريث في التوقيع عليها في المرحلة الحالية كما تُردد بذلك بعض الأوساط المهتمة بمسيرة هذه المفاوضات.
وقال وبالرجوع إلى المرحلة التاريخية، التي تم خلالها الشروع في المفاوضات التجارية بين دول مجلس التعاون والإتحاد الأوروبي (أي في بداية التسعينيات)، سنجد بأن المرجعية التي استندت إليها هذه المفاوضات مستقاة مما يطلق عليه مصطلح «الجيل الأول» - من الاتفاقيات التجارية التي كانت يسعى إلى إبرامها الاتحاد الأوروبي مع عدد من الدول الشريكة؛ وكانت اتفاقيات تعاون يلحق بها إعلان مشترك ينص على أن الطرفين سيدخلان في مفاوضات للوصول إلى اتفاقية تجارة حرة.
وقد كان نطاق تغطية هذه الاتفاقيات «محدوداً» في عدد من المواضيع ومستوى الالتزامات المتخذة في إطارها «متواضعاً» مقارنة مع الاتفاقيات التي يتفاوض بشأنها في الوقت الراهن. وأهم ما كان يميز هذه الاتفاقيات هو:
ـ التركيز على النفاذ للأسواق بالنسبة للسلع الصناعية والزراعية؛
ـ إعادة التأكيد على التزامات الأطراف المتفاوضة التي سبق التعهد بها في إطار منظمة التجارة العالمية وخاصة في مجال الخدمات.
وبطبيعة الحال، جاءت مسودة الاتفاقية التي كانت تجرى على أساسها المفاوضات بين دول مجلس التعاون والإتحاد الأوروبي متضمنة لهذه المعايير، والتي كانت تستجيب لواقع النظام الاقتصادي الدولي السائد آنذاك (إنشاء منظمة التجارة العالمية والتأكيد على أهمية النظام التجاري متعدد الأطراف. حيث كانت معظم الدول تعطي الأولوية سواء لاستكمال خطوات الانضمام لمنظمة التجارة العالمية أو تحسين التزاماتها السابقة .
لذلك كانت معظم الاتفاقيات التجارية الثناية أو الإقليمية التي تُبرم أو يتم التفاوض بشأنها تحاول أن لا تبتعد كثيراً عن اتفاقيات المنظمة باستثناء ما تعلق بالنفاذ للأسواق الذي كان المجال الوحيد الذي تشمله المعاملة التفضيلية). كما أن هذه المعايير كانت تستجيب لواقع البنية الداخلية لكل من التجمعين الاقتصاديين:
ـ فبالنسبة للاتحاد الأوروبي كان عدد الدول المشكلة له لا يتجاوز 15 دولة (1995).
ـ وبالنسبة لدول مجلس التعاون، كان يتحدد الإطار الاقتصادي الذي ينظم علاقاتها البينية في اتفاقية التعاون الاقتصادي الموقعة سنة 1981 (التي تعتبر وليدة الظروف الاقتصادية في ذلك الوقت) والتي تم تطويرها بشكل شامل سنة 2002، والتي كانت مجرد خطوة تمهيدية وتحضيرية لإقامة الإتحاد الجمركي والسوق المشتركة.
ولكن مع بداية الألفية الثالثة إلى حدود الوقت الراهن، عرفت كل من دول مجلس التعاون والإتحاد الأوروبي عدداً من التطورات الجوهرية في أنظمتها الاقتصادية والتجارية التي يمكن رصدها من خلال المحطات التاريخية التالية:
ـ في 1 يناير 2003 تم الإعلان عن قيام الاتحاد الجمركي الخليجي؛
ـ في 1 يناير 2004 ارتفع عدد دول الإتحاد الأوروبي إلى 25 دولة (و في 1 يناير 2007 صار هذا العدد 27 دولة بعد انضمام كل من بلغاريا ورومانيا)؛
ـ 11 ديسمبر 2005: انضمت المملكة العربية السعودية إلى منظمة التجارة العالمية وبذلك اكتملت عضوية كافة دول مجلس التعاون في المنظمة.
وبموازاة مع ذلك، عرفت الساحة الاقتصادية الدولية عدد من التحولات النوعية التي أثرت إلى حد بعيد على مسار تحرير التجارة الدولية، وكان من المنطقي أن يحث هذا المعطى المتجدد كافة الدول، بما فيها الدول الخليجية والأوروبية على حد سواء، إلى إعادة ترتيب أجندة أولوياتها في المجالين الاقتصادي والتجاري.
وأهم ما ميّز الساحة الدولية في هذه المرحلة هو رصد نوع من التباطؤ في أداء منظمة التجارة العالمية فيما يتعلق بتحقيق المزيد من تحرير التجارة الدولية، وذلك بفعل:
ـ وإخفاق مؤتمراتها الوزارية أولا في سياتل (1999) والثاني في كانكون (2003) في التوصل إلى تحقيق تسويات متوازية ومقبولة من قبل جميع الدول الأعضاء بشأن عدد من القطاعات الاقتصادية المهمة (الزراعة، الاستثمار، المنافسة، المشتريات الحكومية، الخدمات، الصناعة).
ـ وتواضع النتائج التي تم التوصل إليها في المؤتمر الوزاري للمنظمة المنعقد بهونغ كونغ (2005).
ـ قرار المدير العام للمنظمة بتعليق مفاوضات برنامج الدوحة في يوليو 2006 بسبب إصرار الدول الأعضاء الفاعلين في المنظمة على مواقفهم التفاوضية الأولية.
ويمكن شرح ذلك بتعقيد آلية منظمة التجارة العالمية التي يُفترض فيها التنسيق والإشراف على المفاوضات التي تتم بين أكثر من 150 دولة، وحتى عندما حاولت التخفيف من عبء هذا المشكل، عن طريق عقد اجتماعات تنسيقية مصغرة بين الدول النافذة، وُجّهت لها أقسى الانتقادات خاصة فيما يتعلق بافتقار آلية اتخاذ القرار فيها إلى الشفافية والديمقراطية.
كل هذه المعطيات شجعت الدول الأعضاء على التوجه المكثف نحو إبرام اتفاقات تجارة حرة ثنائية أو إقليمية، وحاولت ما أمكن أن تبتعد في هذا الإطار عن النموذج «الكلاسيكي» لاتفاقيات التجارة التي غالبا ما كانت تُركز على قضايا النفاذ للأسواق لكي تعتمد نموذجا متطورا ـ يدعى أيضا ب«الجيل الثاني Second Generation » - تتحدد أهم ملامحه في الآتي:
ـ بالإضافة إلى الإبقاء على مفهوم المعاملة التفضيلية بشأن النفاذ للأسواق بالنسبة للسلع الصناعية والزراعية، تم اعتماد مفهوم جديد هو «WTO Plus» أي تقديم التزامات إضافية تفوق تلك المقدمة في إطار منظمة التجارة العالمية وذلك في المجالات التالية: التجارة في الخدمات، الاستثمار والمشتريات الحكومية (مع العلم بأن الموضوعين الأخيرين غير مدرجين بتاتا في أجندة منظمة التجارة العالمية).
ـ إدراج أحكام أكثر تفصيلا وإلزامية في مختلف نصوص الاتفاقية مقارنة مع اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، وهذا ما يدل على اعتماد مفهوم «WTO Plus» حتى بالنسبة للقواعد والأحكام والضوابط وليس فقط النفاذ للأسواق مثال ذلك توسيع نطاق حماية حقوق الملكية الفكرية، وتدعيم آلية نظام تسوية النزاعات.
وأضاف على إثر هذه التحولات الاقتصادية سواءً على صعيد الدول الخليجية والأوروبية أو على صعيد النظام التجاري متعدد الأطراف، بادرت هذه الدول إلى تكييف برنامج مفاوضاتها على ضوء هذه التطورات والتحولات، فكان أن تم الاتفاق على مراجعة مشروع اتفاقية التجارة الحرة بينهما بما يجعلها مستجيبة للعناصر والشروط التي يتضمنها «الجيل الثاني» من اتفاقيات التجارة الحرة، كما يجعلها متشابهة مع واقع أن هذه المفاوضات سوف تجرى بين تكتلين اقتصاديين: الاتحاد الأوروبي من جهة، ودول مجلس التعاون من جهة أخرى. مع الإشارة إلى أن هذه المفاوضات تمثل أول تجربة للتفاوض الجماعي لكلا التكتلين.
وعلى ضوء ذلك، يتضح بشكل جلي بأن طول فترة المفاوضات مرده أسباب موضوعية نستشفها من التسلسل أعلاه سواء في استعراض الوقائع التاريخية أو التطورات الاقتصادية المحلية منها والعالمية. ولكن بتجاوز هذه الأسباب حان الوقت للدفع في المرحلة الحالية في اتجاه الإسراع على توقيع هذه الاتفاقية. فقد تم تحقيق تقدم كبير في جميع المواضيع الأساسية ولم يبق سوى القليل من النقاط العالقة التي من المفترض أن يتم البث فيها بشكل نهائي في أواخر الشهر الحالي.
ولكن ما يستدعي أكثر الإسراع في التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي هو مصادقة حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مؤخراً (نوفمبر 2006) على «إستراتيجية تجارية خارجية جديدة» ستلتزم بها المفوضية الأوروبية في برنامج المفاوضات التجارية الثنائية للاتحاد الأوروبي انطلاقا من السنة الحالية (2007).
وتتميز هذه الإستراتيجية بكونها أكثر «طموحاً و«تطلبا» من سابقتها. فهي تؤسس ل«جيل جديد» - «الجيل الثالث» - من اتفاقيات التجارة الحرة سيحاول الاتحاد الأوروبي من خلاله فرض المزيد من الضغوط لفتح أكبر عدد ممكن من الأسواق والقطاعات.
ومن الملامح الرئيسية لهذا الجيل الجديد من الاتفاقيات، يمكن ذكر الآتي:
ـ اعتماد معايير اقتصادية جديدة لاختيار الشركاء الجدد في إطار اتفاقيات التجارة الحرة، وتتمثل في: 1/- إمكانات السوق (Market potential أي الحجم والنمو)؛ و2/- مستوى الحماية المفروض على الصادرات الأوروبية الرئيسية.
ـ نطاق تغطية أكثر شمولية وطموحا، بحيث يكون الهدف منه هو تحقيق أقصى درجات التحرير التجاري في مجال الخدمات وبالنسبة لجميع طرق توريد الخدمات. هذا بالإضافة إلى الحصول على نفس الامتيازات التي سبق منحها للدول المنافسة للإتحاد الأوروبي من قبل الدول التي سيتفاوض معها (شرط الدولة الأولى بالرعاية) ان هناك أيضاً موضوعي إلغاء جميع القيود الكمية عند الاستيراد ومختلف الرسوم والقيود المطبقة على الصادرات.
ـ معالجة نهائية لموضوع «الحواجز غير الجمركية» من خلال إبرام المزيد من اتفاقيات الاعتراف المتبادل والشفافية في اعتماد المواصفات والمعايير TBTs وإدراج أحكام تخص تيسير التجارة وتقوية آلية تسوية المنازعات.
ـ توسيع إمكانات التعاون في مجال التقارب على مستوى الأنظمة واللوائح.
ـ إدراج أحكام جديدة في مجالات الاستثمار والملكية الفكرية والمشتريات الحكومية والمنافسة: أي اقتراح نموذج أوروبي جديد وأوسع لاتفاقية الاستثمار؛ وتطوير فصل حول إنفاذ حقوق الملكية الفكرية؛ وإدراج فصل حول المنافسة الهدف منه محاربة الممارسات المنافية للمنافسة؛ وأخيرا فصل حول المشتريات الحكومية يتضمن بالإضافة إلى الالتزامات في مجال للنفاذ للأسواق أحكاما جديدة فيما يتعلق بالشفافية.
ـ إدراج فصول حول القضايا البيئية والاجتماعية بالإضافة إلى إدراج أحكام حول الحوكمة في المجالات المالية والقضائية.
ـ إن القرار بالشروع في المفاوضات بشأن هذا الجيل الجديد من الاتفاقيات مع أية دولة سيتم اتخاذه بحسب ظروف كل حالة على حدة -« Case-by-case » بناء على المعايير الاقتصادية أعلاه وكذلك على أساس عدد من الاعتبارات السياسية ومدى الاستعداد الذي تبديه الدول التي سيتم التفاوض معها.
أعباء جديدة
بمجرد الإطلالة على هذه «العناصر ـ الأعباء» الجديدة التي سوف تُدمج في النموذج الأوروبي الجديد لاتفاقيات التجارة الحرة، تبرز أهمية الانتهاء من المفاوضات الحالية والتوقيع على الاتفاقية في أقرب وقت ممكن، حيث ان كل إطالة جديدة في عمر هذه المفاوضات سوف يجعلها تقع ضمن نطاق هذه الإستراتيجية الجديدة.
من ثم يتعين استغلال الظروف الحالية للتوقيع على الاتفاقية، خاصة وأنه تتوفر لدى الرئاسة الحالية للاتحاد الأوروبي ( ألمانيا التي تربطها علاقات متميزة جداً مع الإمارات) كامل الإرادة السياسية لجعل هذا التوقيع أحد الإنجازات التي قامت بتحقيقها خلال رئاستها.
«الاقتصاد» تحث دول «التعاون» على توقيع اتفاقية التجارة الحرة مع الأوروبيين
قال مدير إدارة شؤون منظمة التجارة العالمية بوزارة الاقتصاد جمعة الكيت إن مصادقة حكومات دول الاتحاد الأوروبي مؤخرا على إستراتيجية تجارية خارجية جديدة ستلتزم بها المفوضية الأوروبية في برنامج المفاوضات التجارية الثنائية للاتحاد اعتبارا من العام 2006 يستدعي الإسراع في التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول الاتحاد الأوروبي.
ولفت الكيت إلى ان الإستراتيجية الأوروبية الجديدة تتميز بكونها أكثر طموحا «وتطلبا» من سابقتها وهي تؤسس لجيل جديد الجيل الثالث من اتفاقيات التجارة الحرة والتي سيحاول الاتحاد الأوروبي من خلاله فرض المزيد من الضغوط لفتح اكبر عدد ممكن من الأسواق والقطاعات.
وأكد الكيت ان كل إطالة جديدة في عمر المفاوضات بين الجانبين سوف يجعلها تقع ضمن نطاق هذه الإستراتيجية الجديدة للاتحاد الأوروبي ومن ثم يتعين استغلال الظروف الحالية للتوقيع على الاتفاقية خاصة وانه تتوفر لدى الرئاسة الحالية للاتحاد «ألمانيا التي تربطها علاقات متميزة مع الإمارات» كامل الإرادة السياسية لجعل هذا التوقيع احد الانجازات التي قامت بتحقيقها خلال رئاستها.
ذكر مدير إدارة شؤون التجارة العالمية واتفاقيات التجارة الحرة بوزارة الاقتصاد جمعة الكيت أنه تم الشروع في مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي منذ ما يزيد على 18 سنة أي سنة 1988، ويمكن عموماً اعتبارها فترة قياسية في تاريخ المفاوضات التجارية الدولية.
وقد يخال للمهتم بهذه المفاوضات في الوهلة الأولى بأن طول هذه الفترة يعود لكثرة المواضيع والقضايا التفاوضية العالقة بين الطرفين نظراً لتضارب وتناقض مصالح المجموعتين بشأن عدد من القطاعات الإستراتيجية. ولكن في واقع الأمر يتواجد عدد من المعطيات والحقائق الموضوعية التي تُفسر طول هذه المدة.
و يتجلى الهدف الأساسي من هذه المقالة في إلقاء الضوء على طبيعة هذه المعطيات وأبعادها وبالأخص ما تتضمنه من عوامل ومؤشرات تحفز كلها على الإسراع في إبرام هذه الاتفاقية وليس التريث في التوقيع عليها في المرحلة الحالية كما تُردد بذلك بعض الأوساط المهتمة بمسيرة هذه المفاوضات.
وقال وبالرجوع إلى المرحلة التاريخية، التي تم خلالها الشروع في المفاوضات التجارية بين دول مجلس التعاون والإتحاد الأوروبي (أي في بداية التسعينيات)، سنجد بأن المرجعية التي استندت إليها هذه المفاوضات مستقاة مما يطلق عليه مصطلح «الجيل الأول» - من الاتفاقيات التجارية التي كانت يسعى إلى إبرامها الاتحاد الأوروبي مع عدد من الدول الشريكة؛ وكانت اتفاقيات تعاون يلحق بها إعلان مشترك ينص على أن الطرفين سيدخلان في مفاوضات للوصول إلى اتفاقية تجارة حرة.
وقد كان نطاق تغطية هذه الاتفاقيات «محدوداً» في عدد من المواضيع ومستوى الالتزامات المتخذة في إطارها «متواضعاً» مقارنة مع الاتفاقيات التي يتفاوض بشأنها في الوقت الراهن. وأهم ما كان يميز هذه الاتفاقيات هو:
ـ التركيز على النفاذ للأسواق بالنسبة للسلع الصناعية والزراعية؛
ـ إعادة التأكيد على التزامات الأطراف المتفاوضة التي سبق التعهد بها في إطار منظمة التجارة العالمية وخاصة في مجال الخدمات.
وبطبيعة الحال، جاءت مسودة الاتفاقية التي كانت تجرى على أساسها المفاوضات بين دول مجلس التعاون والإتحاد الأوروبي متضمنة لهذه المعايير، والتي كانت تستجيب لواقع النظام الاقتصادي الدولي السائد آنذاك (إنشاء منظمة التجارة العالمية والتأكيد على أهمية النظام التجاري متعدد الأطراف. حيث كانت معظم الدول تعطي الأولوية سواء لاستكمال خطوات الانضمام لمنظمة التجارة العالمية أو تحسين التزاماتها السابقة .
لذلك كانت معظم الاتفاقيات التجارية الثناية أو الإقليمية التي تُبرم أو يتم التفاوض بشأنها تحاول أن لا تبتعد كثيراً عن اتفاقيات المنظمة باستثناء ما تعلق بالنفاذ للأسواق الذي كان المجال الوحيد الذي تشمله المعاملة التفضيلية). كما أن هذه المعايير كانت تستجيب لواقع البنية الداخلية لكل من التجمعين الاقتصاديين:
ـ فبالنسبة للاتحاد الأوروبي كان عدد الدول المشكلة له لا يتجاوز 15 دولة (1995).
ـ وبالنسبة لدول مجلس التعاون، كان يتحدد الإطار الاقتصادي الذي ينظم علاقاتها البينية في اتفاقية التعاون الاقتصادي الموقعة سنة 1981 (التي تعتبر وليدة الظروف الاقتصادية في ذلك الوقت) والتي تم تطويرها بشكل شامل سنة 2002، والتي كانت مجرد خطوة تمهيدية وتحضيرية لإقامة الإتحاد الجمركي والسوق المشتركة.
ولكن مع بداية الألفية الثالثة إلى حدود الوقت الراهن، عرفت كل من دول مجلس التعاون والإتحاد الأوروبي عدداً من التطورات الجوهرية في أنظمتها الاقتصادية والتجارية التي يمكن رصدها من خلال المحطات التاريخية التالية:
ـ في 1 يناير 2003 تم الإعلان عن قيام الاتحاد الجمركي الخليجي؛
ـ في 1 يناير 2004 ارتفع عدد دول الإتحاد الأوروبي إلى 25 دولة (و في 1 يناير 2007 صار هذا العدد 27 دولة بعد انضمام كل من بلغاريا ورومانيا)؛
ـ 11 ديسمبر 2005: انضمت المملكة العربية السعودية إلى منظمة التجارة العالمية وبذلك اكتملت عضوية كافة دول مجلس التعاون في المنظمة.
وبموازاة مع ذلك، عرفت الساحة الاقتصادية الدولية عدد من التحولات النوعية التي أثرت إلى حد بعيد على مسار تحرير التجارة الدولية، وكان من المنطقي أن يحث هذا المعطى المتجدد كافة الدول، بما فيها الدول الخليجية والأوروبية على حد سواء، إلى إعادة ترتيب أجندة أولوياتها في المجالين الاقتصادي والتجاري.
وأهم ما ميّز الساحة الدولية في هذه المرحلة هو رصد نوع من التباطؤ في أداء منظمة التجارة العالمية فيما يتعلق بتحقيق المزيد من تحرير التجارة الدولية، وذلك بفعل:
ـ وإخفاق مؤتمراتها الوزارية أولا في سياتل (1999) والثاني في كانكون (2003) في التوصل إلى تحقيق تسويات متوازية ومقبولة من قبل جميع الدول الأعضاء بشأن عدد من القطاعات الاقتصادية المهمة (الزراعة، الاستثمار، المنافسة، المشتريات الحكومية، الخدمات، الصناعة).
ـ وتواضع النتائج التي تم التوصل إليها في المؤتمر الوزاري للمنظمة المنعقد بهونغ كونغ (2005).
ـ قرار المدير العام للمنظمة بتعليق مفاوضات برنامج الدوحة في يوليو 2006 بسبب إصرار الدول الأعضاء الفاعلين في المنظمة على مواقفهم التفاوضية الأولية.
ويمكن شرح ذلك بتعقيد آلية منظمة التجارة العالمية التي يُفترض فيها التنسيق والإشراف على المفاوضات التي تتم بين أكثر من 150 دولة، وحتى عندما حاولت التخفيف من عبء هذا المشكل، عن طريق عقد اجتماعات تنسيقية مصغرة بين الدول النافذة، وُجّهت لها أقسى الانتقادات خاصة فيما يتعلق بافتقار آلية اتخاذ القرار فيها إلى الشفافية والديمقراطية.
كل هذه المعطيات شجعت الدول الأعضاء على التوجه المكثف نحو إبرام اتفاقات تجارة حرة ثنائية أو إقليمية، وحاولت ما أمكن أن تبتعد في هذا الإطار عن النموذج «الكلاسيكي» لاتفاقيات التجارة التي غالبا ما كانت تُركز على قضايا النفاذ للأسواق لكي تعتمد نموذجا متطورا ـ يدعى أيضا ب«الجيل الثاني Second Generation » - تتحدد أهم ملامحه في الآتي:
ـ بالإضافة إلى الإبقاء على مفهوم المعاملة التفضيلية بشأن النفاذ للأسواق بالنسبة للسلع الصناعية والزراعية، تم اعتماد مفهوم جديد هو «WTO Plus» أي تقديم التزامات إضافية تفوق تلك المقدمة في إطار منظمة التجارة العالمية وذلك في المجالات التالية: التجارة في الخدمات، الاستثمار والمشتريات الحكومية (مع العلم بأن الموضوعين الأخيرين غير مدرجين بتاتا في أجندة منظمة التجارة العالمية).
ـ إدراج أحكام أكثر تفصيلا وإلزامية في مختلف نصوص الاتفاقية مقارنة مع اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، وهذا ما يدل على اعتماد مفهوم «WTO Plus» حتى بالنسبة للقواعد والأحكام والضوابط وليس فقط النفاذ للأسواق مثال ذلك توسيع نطاق حماية حقوق الملكية الفكرية، وتدعيم آلية نظام تسوية النزاعات.
وأضاف على إثر هذه التحولات الاقتصادية سواءً على صعيد الدول الخليجية والأوروبية أو على صعيد النظام التجاري متعدد الأطراف، بادرت هذه الدول إلى تكييف برنامج مفاوضاتها على ضوء هذه التطورات والتحولات، فكان أن تم الاتفاق على مراجعة مشروع اتفاقية التجارة الحرة بينهما بما يجعلها مستجيبة للعناصر والشروط التي يتضمنها «الجيل الثاني» من اتفاقيات التجارة الحرة، كما يجعلها متشابهة مع واقع أن هذه المفاوضات سوف تجرى بين تكتلين اقتصاديين: الاتحاد الأوروبي من جهة، ودول مجلس التعاون من جهة أخرى. مع الإشارة إلى أن هذه المفاوضات تمثل أول تجربة للتفاوض الجماعي لكلا التكتلين.
وعلى ضوء ذلك، يتضح بشكل جلي بأن طول فترة المفاوضات مرده أسباب موضوعية نستشفها من التسلسل أعلاه سواء في استعراض الوقائع التاريخية أو التطورات الاقتصادية المحلية منها والعالمية. ولكن بتجاوز هذه الأسباب حان الوقت للدفع في المرحلة الحالية في اتجاه الإسراع على توقيع هذه الاتفاقية. فقد تم تحقيق تقدم كبير في جميع المواضيع الأساسية ولم يبق سوى القليل من النقاط العالقة التي من المفترض أن يتم البث فيها بشكل نهائي في أواخر الشهر الحالي.
ولكن ما يستدعي أكثر الإسراع في التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي هو مصادقة حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مؤخراً (نوفمبر 2006) على «إستراتيجية تجارية خارجية جديدة» ستلتزم بها المفوضية الأوروبية في برنامج المفاوضات التجارية الثنائية للاتحاد الأوروبي انطلاقا من السنة الحالية (2007).
وتتميز هذه الإستراتيجية بكونها أكثر «طموحاً و«تطلبا» من سابقتها. فهي تؤسس ل«جيل جديد» - «الجيل الثالث» - من اتفاقيات التجارة الحرة سيحاول الاتحاد الأوروبي من خلاله فرض المزيد من الضغوط لفتح أكبر عدد ممكن من الأسواق والقطاعات.
ومن الملامح الرئيسية لهذا الجيل الجديد من الاتفاقيات، يمكن ذكر الآتي:
ـ اعتماد معايير اقتصادية جديدة لاختيار الشركاء الجدد في إطار اتفاقيات التجارة الحرة، وتتمثل في: 1/- إمكانات السوق (Market potential أي الحجم والنمو)؛ و2/- مستوى الحماية المفروض على الصادرات الأوروبية الرئيسية.
ـ نطاق تغطية أكثر شمولية وطموحا، بحيث يكون الهدف منه هو تحقيق أقصى درجات التحرير التجاري في مجال الخدمات وبالنسبة لجميع طرق توريد الخدمات. هذا بالإضافة إلى الحصول على نفس الامتيازات التي سبق منحها للدول المنافسة للإتحاد الأوروبي من قبل الدول التي سيتفاوض معها (شرط الدولة الأولى بالرعاية) ان هناك أيضاً موضوعي إلغاء جميع القيود الكمية عند الاستيراد ومختلف الرسوم والقيود المطبقة على الصادرات.
ـ معالجة نهائية لموضوع «الحواجز غير الجمركية» من خلال إبرام المزيد من اتفاقيات الاعتراف المتبادل والشفافية في اعتماد المواصفات والمعايير TBTs وإدراج أحكام تخص تيسير التجارة وتقوية آلية تسوية المنازعات.
ـ توسيع إمكانات التعاون في مجال التقارب على مستوى الأنظمة واللوائح.
ـ إدراج أحكام جديدة في مجالات الاستثمار والملكية الفكرية والمشتريات الحكومية والمنافسة: أي اقتراح نموذج أوروبي جديد وأوسع لاتفاقية الاستثمار؛ وتطوير فصل حول إنفاذ حقوق الملكية الفكرية؛ وإدراج فصل حول المنافسة الهدف منه محاربة الممارسات المنافية للمنافسة؛ وأخيرا فصل حول المشتريات الحكومية يتضمن بالإضافة إلى الالتزامات في مجال للنفاذ للأسواق أحكاما جديدة فيما يتعلق بالشفافية.
ـ إدراج فصول حول القضايا البيئية والاجتماعية بالإضافة إلى إدراج أحكام حول الحوكمة في المجالات المالية والقضائية.
ـ إن القرار بالشروع في المفاوضات بشأن هذا الجيل الجديد من الاتفاقيات مع أية دولة سيتم اتخاذه بحسب ظروف كل حالة على حدة -« Case-by-case » بناء على المعايير الاقتصادية أعلاه وكذلك على أساس عدد من الاعتبارات السياسية ومدى الاستعداد الذي تبديه الدول التي سيتم التفاوض معها.
أعباء جديدة
بمجرد الإطلالة على هذه «العناصر ـ الأعباء» الجديدة التي سوف تُدمج في النموذج الأوروبي الجديد لاتفاقيات التجارة الحرة، تبرز أهمية الانتهاء من المفاوضات الحالية والتوقيع على الاتفاقية في أقرب وقت ممكن، حيث ان كل إطالة جديدة في عمر هذه المفاوضات سوف يجعلها تقع ضمن نطاق هذه الإستراتيجية الجديدة.
من ثم يتعين استغلال الظروف الحالية للتوقيع على الاتفاقية، خاصة وأنه تتوفر لدى الرئاسة الحالية للاتحاد الأوروبي ( ألمانيا التي تربطها علاقات متميزة جداً مع الإمارات) كامل الإرادة السياسية لجعل هذا التوقيع أحد الإنجازات التي قامت بتحقيقها خلال رئاستها.