المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : 500 مليار دولار فوائض مالية في دول الخليج بفضل ارتفاع عائدات الطاقة



أبوتركي
17-02-2007, 03:59 AM
خبراء يطالبون بتعزيز الدور التخطيطي للميزانيات العامة
500 مليار دولار فوائض مالية في دول الخليج بفضل ارتفاع عائدات الطاقة




قدر خبراء اقتصاديون أن تكون الفوائض المالية الخليجية المتراكمة قد وصلت إلى مستويات مرتفعة في حدود 500 مليار دولار نتيجة لادخارها جانباً كبيراً من عائداتها النفطية المحققة خلال السنوات الثلاث الماضية، كما طالبوا الحكومات الخليجية بالتخلي عن مخاوفها بعودة أسعار النفط إلى الانخفاض سريعاً نظراً لقناعة الصناعة العالمية ببقاء هذه الأسعار عند مستويات مرتفعة فترة طويلة مقبلة يستوجب إنفاق نسبة متزايدة من عائداتها النفطية بدلاً من ادخارها.


كما طالبوا أيضاً بتعزيز الدور التخطيطي للميزانيات المالية لكي تعلب دوراً أكبر في تعزيز معدلات النمو الاقتصادي. وطبقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي، قامت حكومات دول المنطقة بإنفاق أقل من 50 في المئة حتى الآن من عائداتها النفطية المتحققة منذ عام 2004، مقارنة مع 75 في المئة تم إنفاقها في سنوات الطفرة النفطية في السبعينات والثمانينات.


فخلال الطفرات الماضية، أسرفت الحكومات في إنفاق معظم الفوائض النفطية على التسلح والمشاريع الإنشائية الكبرى التي تتطلب وجود عمالة أجنبية ضخمة وزيادة كبيرة في الاستيراد وعلى تكريس نهج اقتصاد ريعي في البلاد. ويشير تقرير لصندوق النقد الدولي أن الأسعار المرتفعة للنفط قد رفعت معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بما يفوق نسبة 75% تقريباً خلال السنوات الثلاث الماضية.


كما يتوقع أن تسجل هذه المعدلات مزيداً من الصعود هذه السنة. وفقاً للأرقام المعطاة فإن الناتج المحلي الإجمالي الخليجي سيصل إلى حوالي 725 مليار دولار عام 2007 ما يجعل دول التعاون تتفوق على الاقتصاد الهولندي وتحتل المركز السادس عشر بين الاقتصادات الأكبر في العالم.


كما أن النمو القوي للاقتصاد قد زاد من ضغوط التضخم في بعض الدول بالمنطقة. وبلغ قياس التضخم لأسعار المستهلك 8 ,8% في قطر عام 2005 . فيما ظل المتوسط الخليجي للتضخم خلال الأربعة عشر عاماً الماضية حوالي 4, 3 %. وتوقع تقرير صندوق النقد أن تدفع عائدات النفط العالية الفوائض المالية في دول التعاون إلى مستويات قياسية.


وقدر أن تصل أسعار خام برنت إلى 68 دولاراً للبرميل لهذا العام ويرتفع معدل الإنتاج العام 2007 إلى حوالي 16, 7 ملايين برميل في اليوم. ويقول التقرير إن متوسط الدين الخارجي لدول التعاون قد انخفض عام 2005 بنسبة 30% ليصل إلى 124 مليار دولار وهو ما يعادل 20% من مجمل الناتج المحلي الإجمالي.


وتبرز عدة تساؤلات تتركز بمجملها على مقدرة الإيرادات النفطية على تحويل وضعها الإيجابي إلى قطاعات الاقتصاد الأخرى، أي إحداث روابط تفاعلية في آليات عمل القطاعات الاقتصادية ككل. والإجابة عن التساؤل الرئيسي وما يتفرع عنه من أسئلة جانبية - كما يرى الخبراء - يصطدم في الواقع الاقتصادي الخليجي بعدة حقائق لا مجال إلا التعامل معها في الوقت الحاضر.


والحقيقة الأولى والأبرز أن الاقتصادات الخليجية لا تزال تعتبر من الاقتصادات التي يمكن وصفها - وفقاً للأدبيات الاقتصادية، بأنها مجزأة، وهي ظاهرة عموماً معروفة خاصة في اقتصادات الدول النامية حيث يطلق على عدد كبيرً منها مصطلح «الاقتصاد المجزأ». وبالنسبة للحالة التي تعيشها بعض الاقتصادات الخليجية، فإننا نعتقد أن هناك سببين أساسيين يدفعان لبروز حالة «الاقتصاد المجزأ».


والسبب الأول هو أن الإنفاق الحكومي وحتى في حالة ارتفاعه مع ارتفاع إيرادات النفط، فإنه يذهب بشكل أساسي إلى أوجه الصرف المتكررة أي الإنفاق الاستهلاكي (رواتب الموظفين، الإنفاق على المرافق الخدمية كالصحة والتعليم، وصيانة المرافق القائمة) ، أكثر مما يذهب إلى الإنفاق الاستثماري. أي أن زيادة الإيرادات النفطية تصب في تقليص العجز في الموازنة الحكومية.


وصحيح أنها تتيح تمويل عدد من المشروعات الجديدة إلا أن حجمها وديمومتها لا كفيان لوحدهما لتحريك النشاط في القطاعات الأخرى. أما السبب الثاني، فإنه حتى في حالة حصول القطاع الخاص على إيرادات أعلى من مشروعاته الممولة حكومياً، فإن معظم هذه الإيرادات ليعاد تدويرها ضمن عجلة الاقتصاد الوطني وهنا نواجه قصور القطاع الخاص عن أداء دوره التنموي والمفترض.


فمعظم الإيرادات التي يحصل عليها إما أن تذهب على شكل ودائع مجمدة لدى البنوك أو استثمارات خارج البلاد. كما أن جزءاً كبيراً من إنفاق القطاع الخاص يذهب على شكل رواتب وأجور للعمالة الأجنبية التي تقوم بتحويل الجزء الأعظم منها إلى بلدانها في الخارج. وبالتالي فإن هناك ما يشبه الثقوب الكبيرة في خارطة الاقتصاد الوطني الذي تحول قطاعاته إلى أشلاء غير متكاملة وغير متفاعلة مع بعضها.


إن حالة «الاقتصاد المجزأ» تسمح بتنمية قطاعات معينة دون غيرها، تلك القطاعات التي تؤدي خدمات وأغراضاً معينة وترتبط بأهداف وتوجهات محددة ، إلا ان هذا النمط من التنمية لا يساعد على تطور الاقتصاد بالصورة الصحيحة. واهم نقطة ضعف فيه هو أن القيمة المضافة المولدة ضمن الاقتصاد لا يعاد تدويرها فيه أي أن التراكم الرأسمالي يكون ضعيفاً فيه مما يقلل من فرص تحقيق معدلات جيدة للنمو الاقتصادي.


والحقيقة الثانية الهامة المرتبطة بإشكالية الدور الذي تلعبه الميزانيات المالية لدول المجلس تكمن في هيكلية هذه الميزانيات.، حيث يتضح وبشكل جلي أن الإيرادات النفطية تمثل في المعدل 80% من إجمالي الإيرادات الحكومية لهذه الدول. وتتراوح نسبة الإيرادات النفطية من إجمالي الإيرادات ما بين 56% للبحرين (وهي أدنى نسبة) و88% للكويت (وهي أعلى نسبة).


أما في جانب المصروفات ، فإن المصروفات المتكررة التي تذهب للمرافق العامة على هيئة رواتب ومصروفات صيانة ومدفوعات الديون المتراكمة فإنها تبلغ في المعدل 87% من أجمالي مصروفات الميزانيات الحكومية. وتتراوح هذه النسبة ما بين 78% لسلطنة عمان (وهي أدنى نسبة) و92% للكويت (وهي أعلى نسبة).


والحقيقة الثالثة الجديرة بالتنويه هنا، أن تأثير قطاع إنتاج النفط الخام غير المباشر، من خلال الدور الذي تقوم به الميزانيات العامة، المعتمدة بدورها على ريعه، أكبر كثيراً - كما سبقت الإشارة - من الدور الذي يقوم به قطاع إنتاج وتصدير النفط الخام مباشرة في تحريك الاقتصاد.


وبذلك فإن الميزانيات العامة في الدول التي طال اعتمادها على ريع النفط الخام، ليست مجرد أداة من أدوات السياسة المالية يعول عليها في ضبط الاقتصاد وتوجيه النشاطات ، وإنما هي المرتكز الذي تبدأ منه حركة النشاطات الاقتصادية وتعتمد عليه الدورة الاقتصادية.


إن الميزانيات العامة في دول المنطقة هي الوعاء الذي تصب فيه عائدات النفط، ثم يتم من خلالها إعادة توزيع عائدات النفط. وقد زاد عبر الزمن اعتماد الاقتصاد والمجتمع على حجم ونمط الإنفاق الذي وفرته الميزانية العامة، من خلال قنوات وسياسات الإنفاق العام بفضل استمرار تدفق ريع النفط الخام وتصاعد عائدات الحكومة من النفط.


وقد قامت الميزانيات العامة بالدور الذي كان يجب أن تقوم به مشروعات الإنتاج المباشر، بل إن معظم مشروعات الإنتاج السلعي والخدمي، باستثناء إنتاج النفط قد اعتمد على دعم مباشر وغير مباشر من ميزانية الدولة. ولولا هذا الدعم لما قامت لأغلب المشروعات الصناعية الصغيرة والمقاولات والمشروعات الزراعية والصيد والمشروعات التجارية والخدمية قائمة،


بل إن استمرار أغلب هذه المشروعات اليوم مرهون باستمرار تدفق الدعم المباشر وغير المباشر من خلال الميزانية العامة.من هنا يتبين - كما يقر الخبراء - اختلاف وظائف الميزانية العامة في دول المنطقة، عن وظائف الميزانية العامة التخطيطية والرقابية المتعارف عليها في غيرها من الدول غير الريعية.


فالميزانية العامة في الدول النفطية مسؤولة بشكل مباشر عن استمرار توفير فرص العمل لقوة العمل المواطنة، وهي مسؤولة عن توليد الدخول وتوفير فائض للاستثمار. وهي المسؤولة أيضاً عن المحافظة على حجم الإنفاق الذي يتطلبه قيام آلة الدولة بوظائفها.


هذا إلى جانب المسؤولية التي ترتبت عليها تجاه المحافظة على مستويات المعيشة ، والتي لا تعتمد على ارتفاع الإنتاجية في المجتمع وإنما تمكنت الميزانية من توفيرها بفضل تدفق ريع الزيت الخام.ويخلص هؤلاء إلى القول إن الميزانية العامة في دول المنطقة التي طال اعتمادها على ريع النفط الخام تواجه إشكاليات حقيقية معقدة في تحقيق وظائفها التخطيطية والرقابية،


وليس مجرد مشكلة إدارية أو فنية، أو أزمة من الممكن حلها ضمن إطار الواقع الاقتصادي والاجتماعي الراهن ومعطياته. ولعل وجود تلك الإشكاليات قد حد من خيارات الدولة في إعادة هيكلة هذه الميزانيات وتوظيفها توظيفاً عقلانياً يمكنها من تحقيق أهدافها المرجوة.


كما قيد من حركتها لمواجهة العجز المستمر في الميزانيات العامة، مرجئة بذلك القرارات الصعبة المتعلقة بإصلاح الميزانية وإخضاع النفقات لمعايير الجدوى إلى أجل - يرى الكثير من الخبراء والمسؤولين - أنه حان أجله - نظراً لتوقعات استمرار ارتفاع أسعار النفط لعدة سنوات قادمة.