المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كارثة غابت أو غُـيبت تفاصيلها عمدا عن الرأي العام



مطيع الله
25-02-2007, 04:02 PM
حاضر بوش ذات مرة عن الديمقراطية في روسيا وبوجود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قائلا: " لقد تحدثت عن رغبتي في الترويج لتغييرات مؤسسية في أماكن من العالم مثل العراق، حيث توجد حرية إعلام وحرية دينية. وقلت لبوتين إن العديد من الناس في بلادنا يأملون في أن تفعل روسيا نفس الشيء. إلا أنني افهم تماما وجود أسلوب روسي للديموقراطية". ورد بوتين مبتسما: "سأكون أمينا معك، إننا لا نريد ديموقراطية مثل العراق". وأدى رد بوتين إلى ضحكات من الإعلاميين الذين حضروا المؤتمر الصحافي الذي جمع الرئيسين في 15 يوليو 2006.

لقد تسببت ديمقراطية هتك الأعراض، والقتل، والتطهير العرقي، والتهجير، والسطو، والتجويع، وترويع الآمنين دون حسيب أو رقيب في العديد من الكوارث، ليس على العراق فحسب، بل تعداه ليشمل حتى دول الجوار. لقد هرب من جحيم الديمقراطية الذي يستعر في العراق منذ عام 2003 حوالي 2.5 مليون عراقي إلى دول الجوار. لا طلبا للرزق كما جرت العادة، ولكن بحثا عن مكان فيه لا تستحل أموالهم، ولا تنتهك أعراضهم ولا تسفك دماؤهم.

جاري العراق الغربيين هما من تحمل عبء هذه الكارثة الأكبر، فقد لجأ إلى سوريا 1.5 مليون عراقي، وإلى الأردن حوالي مليون عراقي. إن اقتصاد هاتين الدولتين يمر بأزمات حادة حتى قبل وصول هذه الأعداد الغفيرة إليهما، حيث يعاني البلدان من ارتفاع كبير في أسعار السلع والعقارات مقارنة بمتوسط دخل الفرد فيهما. كما أنها تعاني من شح الموارد، التي لا تكاد تسد رمق مواطنيها الأصليين. إذا كيف سيكون الحال في ظل هذه الزيادة الهائلة التي لم تكن في الحسبان؟ ... لقد تضاعفت الأسعار المرتفعة أصلا، وبلغت قيمة العقار أرقاما فلكية لم يتوقعها حتى فطاحلة علماء الاقتصاد. ولكن يبقى حال المواطنين الأصليين مهما ساء خير من حال اللاجئين الذين يعيش معظمهم في العراء بدون أية موارد توفر لهم الحد الأدنى من الحياة الكريمة، في ظل تجاهل كامل من المجموعة الدولية.

اتفاقية جنيف الرابعة والموقعة بتاريخ 12 أغسطس 1949 بشأن حماية المدنيين وقت الحرب، وبالذات المادة (55) تقول بأن " من واجب دولة الاحتلال أن تعمل، بأقصى ما تسمح به وسائلها، على تزويد السكان بالمؤن الغذائية والإمدادات الطبية، ومن واجبها أن تستورد ما يلزم من الأغذية والمهمات الطبية وغيرها إذا كانت موارد الأراضي المحتلة غير كافية". ومع ذلك فإن ما نراه هو تجاهل كامل للأزمة من قبل المتسبب الأول فيها "الولايات المتحدة" سواء للمهجرين في الخارج أو النازحين طوعا أو كرها في الداخل والمقدر عددهم بحوالي 1.7 مليون عراقي.

حكومة المنطقة الخضراء لها أيادي بيضاء في مواطن كثيرة لصالح الاحتلال بالطبع، وليس موضوع اللاجئين والنازحين آخرها. لقد كان لها دور كبير شجع الولايات المتحدة على التنكر لهؤلاء اللاجئين وتجاهل معاناتهم الإنسانية، وجعلها تتملص من المسؤولية أمام المجتمع والقانون الدولي والذي يلزمها بهم بموجب الاتفاقية الآنفة الذكر كقوة احتلال، وذلك عندما تسلمت سيادة لا تتجاوز في حقيقتها منطقة صغيرة جدا تسمى المنطقة الخضراء وظنت واهمة أنها بذلك تحكم كامل الأراضي العراقية.

ولكي لا نتجنى على الولايات المتحدة ونجحد جهودها، لابد أن نذكر أنها قامت وخلال الأربع سنوات الماضية باستقبال 466 لاجئ عراقي من أصل 4.2 مليون مشرد. كذلك تفضلت وزيرة الخارجية الأميركية السيدة كوندوليزا رايس وسمحت بإجراء محادثات دبلوماسية مع سوريا حول أزمة اللاجئين العراقيين رغم استمرار جمود الاتصالات مع دمشق على مستوى عال. وما كان هذا ومع قلته ليتم لولا الانتقادات اللاذعة التي وجهها الكونجرس للبيت الأبيض لتجاهله التام لأزمة اللاجئين العراقيين.

هناك فئة تختلف معاملتها تماما عن بقية العراقيين، ومن أجلهم قررت وزارة الخارجية تشكيل فريق يبحث عن كيفية تطبيق برنامج وزارة الدفاع الذي يمنح لهم معاملة تفضيلية. إنهم كما يسميهم البرنامج "العراقيين الذين يتعرضون للتهديد بسبب عملهم مع وزارة الدفاع". وسماهم السناتور تد كنيدي الشجعان حين قال "المسؤوليات الأخلاقية الملقاة على عاتق الولايات المتحدة تقتضي مساعدة أولئك الشجعان الذين قدموا خدمات للجيش الأميركي ويخشون على حياتهم". أما نحن فنسميهم الخونة من عملاء الاحتلال والمتعاونين، الذين باعوا أوطانهم بحفنة من الدولارات. لقد هجر عراق الديمقراطية مثلا رئيس الحكومة السابق إبراهيم الجعفري وذهب إلى ويمبلي شمال لندن، وإياد علاوي إلى كينغستون أبون تيمز، وأحمد الجلبي وعدنان الباجه جي إلى مي فير، وليث كبه إلى كينسال رايس، وكلها أحياء لندنية راقية. أما العميل الأقل وزنا فملجأه أحياء أقل رقيا.

أما المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، فبدل أن تطالب الولايات المتحدة التي أنفقت ما يقارب 600 مليار دولار على المجهود الحربي في العراق، بتحمل أعباء كارثة هي من تسبب فيها، فقد أعلنت على لسان مفوضها الأعلى أنطونيو غوتيريس، وبعد زيارة قام بها إلى المنطقة، أن مبلغا قدره "تسعة إلى عشرة ملايين دولار" سيقدم إلى سوريا لمساعدتها على إدارة شؤون اللاجئين العراقيين على أراضيها. المضحك في هذا العرض إن صدق، هو أننا إذا ما قسمنا هذا المبلغ على عدد اللاجئين في سوريا، فإن نصيب اللاجئ الواحد هو 8 دولارات. وإذا ما قسمناه على 4 سنوات هو عمر هذه الأزمة، فإن كل لاجئ سيحصل على تعويض قدره دولارين عن كل سنه.

الجدير بالذكر أن هذه المفوضية كانت قد أعلنت أن مؤتمرا دوليا لمصلحة نحو أربعة ملايين لاجئ ونازح عراقي سيعقد في جنيف في 17 و18 إبريل المقبل. وقال المتحدث باسمها رون ريدموند للصحافيين أن المفوضية ترغب في أن يلتزم المجتمع الدولي بتقاسم عبء اللاجئين العراقيين بشكل أفضل. ولكن هل العرب بحاجة لانتظار مثل هذه المؤتمرات لمساعدة أخوة لهم في الدين والعرق واللغة، يعيشون في العراء ويفترشون الشوارع والأرصفة. ومن كان ذا حظ منهم، فإنه قد يحصل على خيمة لا تكاد تقيه برد الشتاء القارص ولا أشعة شمس الصيف الحارقة.

تقول الإحصائيات بأن هذا النزيف البشري المستمر من العراق هربا من الموت والبالغ معدله خمسين ألف لاجئ شهيرا، هو من أبناء الطبقة الوسطى من أصحاب الكفاءات العلمية والخبرات الفنية، التي تشكل عماد المجتمع. وهذا الأمر الخطير إن صح فإنه يمثل هدما للبنية الأساسية للمجتمع العراقي، ستبقى آثاره السلبية لعدة عقود قادمة، وستدفع ثمنه باهظا الأجيال القادمة التي لا ذنب لها سوى أنها ولدت عراقية.

ثمة أمر أخير يجب أن نشير إليه، وهو أن مما ساعد على تغييب هذه الكارثة الإنسانية عن الرأي العام العربي والعالمي، وعدم أخذها ما تستحق من اهتمام، هو أن الإعلام بشتى أنواعه عندما يغطي الحرب في العراق فإنه يركز على الجانب السياسي والعسكري فقط، مسقطا من عناوينه الرئيسية ضحايا السياسة والعسكرية، ألا وهم المدنيون من لاجئين ونازحين. لذا فإن على الإعلام العربي بالذات التركيز على هذه القضية وتطوراتها، وجعلها قضية رأي عام تقام من أجلها حملات تبرعات من المحيط إلى الخليج، حتى يشعر هؤلاء أن هناك إخوانا لهم يشعرون بمعاناتهم ويحاولون جاهدين التخفيف من آلامهم.

سعود بن عبد الله المعيقلي - الساحات