وجهة نظر
28-02-2007, 07:22 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد :
فالسبحة هي : الخرزات التي يعدّ بها المسبح تسبيحه وذِكرَه , ففي المصباح المنير 1/ 263 : ( السبحة : خرزات منظومة قال الفارابي وتبعه الجوهري : و ( السبحة ) التي ( يسبح ) بها , وهو يقتضي كونها عربية , وقال الأزهري : كلمة مولدة وجمعها ( سُبح ) مثل غرفة و غرف , و ( المسبِّحة ) اسم فاعل من ذلك مجازا وهي الإصبع التي بين الإبهام والوسطى ) اه
وهذا مقال في حكم اتخاذ السبحة في المذاهب الأربعة وغيرها وقد جعلته على مباحث :
المبحث الأول : في أقوال أهل العلم في ذلك من مجيزين وكارهين
والمبحث الثاني : في أدلة من أجاز ذلك وأدلة من كرهه
والمبحث الثالث : فوائد ولطائف متممة في السبحة
المبحث الأول :
في أقوال أهل العلم في ذلك
- اتفقت المذاهب الأربعة على جواز اتخاذ السبحة والذكر بها , وقال بعضهم : إن ذلك خلاف الأولى , وإن الأولى الذكر بالأنامل إلا لمن خشي عدم ضبط العد فالسبحة أولى وزاد بعضهم : إذا كانت ستذكره بذكر الله فهي أولى أيضا
- وكره ذلك بعض أهل العلم , وعدها بعضهم من البدع
وهذه بعض أقوال أهل العلم في ذلك :
أولا :
من أقوال المجيزين
المذهب الحنفي :
في البحر الرائق لابن نجيم 2/31 في حديث دخل النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصا تسبح به: ( فلم ينهها عن ذلك وإنما أرشدها إلى ما هو أيسر وأفضل ولو كان مكروها لبين لها ذلك
ثم هذا الحديث ونحوه مما يشهد بأنه لا بأس باتخاذ السبحة المعروفة لإحصاء عدد الأذكار إذ لا تزيد السبحة على مضمون هذا الحديث إلا بضم النوى ونحوه في خيط ومثل هذا لا يظهر تأثيره في المنع فلا جرم أن نقل اتخاذها والعمل بها عن جماعة من الصوفية الأخيار وغيرهم اللهم إلا إذا ترتب عليها رياء وسمعة فلا كلام لنا فيه ) اه
وفي حاشية ابن عابدين على البحر الرائق : ( قوله ثم هذا الحديث ونحوه مما يشهد إلخ ) قال الرملي : والظاهر أنها ليست ببدعة فقد قال ابن حجر الهيتمي في شرح الأربعين النواوية : السبحة ورد لها أصل أصيل عن بعض أمهات المؤمنين وأقرها النبي صلى الله تعالى عليه وسلم على ذلك ) اه
وفي حاشية ابن عابدين على شرح الحصكفي 1/650 : ( مطلب : الكلام على اتخاذ المسبحة :
قوله ( لا بأس باتخاذ المسبحة ) ... ودليل الجواز ما رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم وقال صحيح الإسناد عن سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع رسول الله على مرأة وبين يديها نوى أو حصا تسبح به ...
فلم ينهها عن ذلك وإنما أرشدها إلى ما هو أيسر وأفضل ولو كان مكروها لبين لها ذلك , ولا يزيد السبحة على مضمون هذا الحديث إلا بضم النوى في خيط ومثل ذلك لا يظهر تأثيره في المنع فلا جرم أن نقل اتخاذها والعمل بها عن جاعة من الصوفية الأخيار وغيرهم اللهم إلا إذا ترتب عليه رياء وسمعة فلا كلام لنا فيه ) اه
وفي موسوعة الفقه الكويتية 21 /259 : ( قال الشيخ محمد شمس الحق شارح السنن بعد أن أورد حديث سعد بن أبي وقاص السابق ذكره : الحديث دليل على جواز عد التسبيح بالنوى والحصى , وكذا بالسبحة ; لعدم الفارق , لتقريره صلى الله عليه وسلم للمرأة على ذلك وعدم إنكاره , والإرشاد إلى ما هو أفضل منه لا ينافي الجواز .
قال : وقد وردت في ذلك آثار , ولم يصب من قال إن ذلك بدعة . وجرى صاحب الحرز على أنها بدعة إلا أنه قال : إنها مستحبة .) اه
وفي مرقاة المفاتيح 5 /221 : ( وبين يديها نوى ) جمع نواة وهي عظم التمر ( أو حصى ) شك من الراوي ( تسبح ) أي المرأة ( به ) أي بما ذكر من النوى أو الحصى
وهذا أصل صحيح لتجويز السبحة بتقرير فإنه في معناها إذ لا فرق بين المنظومة والمنثورة فيما يعد به ولا يعتد بقول من عدها بدعة وقد قال المشايخ أنها سوط الشيطان ) اه
وفي حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح 1/121 : ( وصح أنه e كان يعقد التسبيح بيمينه وورد أنه قال واعقدوه بالأنامل فإنهن مسؤولات مستنطقات وجاء بسند ضعيف عن علي مرفوعا نعم المذكر السبحة
قال ابن حجر : والروايات بالتسبح بالنوى والحصا كثيرة عن الصحابة وبعض أمهات المؤمنين بل رآها e وأقرها عليه وعقد التسبيح بالأنامل أفضل من السبحة وقيل إن أمن من الغلط فهو أولى وإلا فهي أولى كذا في شرح المشكاة ) اه
وفي عون المعبود 4/ 257-258 : ( تسبح ) أي المرأة ( به ) أي بما ذكر من النوى أو الحصى وهذا أصل صحيح لتجويز السبحة بتقريره e فإنه في معناها إذ لا فرق بين المنظومة والمنثورة فيما بعد به ولا يعتد بقول من عدها بدعة ...
( يعقد التسبيح قال بن قدامة بيمينه ) وقد علل رسول الله e ذلك في الحديث السابق بأن الأنامل مسؤولات مستنطقات يعني أنهن يشهدن بذلك فكان عقدهن بالتسبيح من هذه الحيثية أولى من السبحة والحصى ) اه
وفي تحفة الأحوذي 9 /322 : ( يعقد التسبيح بيده ) ... وفي الحديث مشروعية عقد التسبيح بالأنامل وعلل ذلك رسول الله e في حديث يسيرة الذي أشار إليه الترمذي بأن الأنامل مسؤولات مستنطقات يعني أنهن يشهدن بذلك فكان عقدهن بالتسبيح من هذه الحيثية أولى من السبحة والحصى , ويدل على جواز عد التسبيح بالنوى والحصى حديث سعد بن أبي وقاص ...) اه
المذهب المالكي:
في منح الجليل 1/228 : ( ويجوز ستر السقف والحائط به [ أي الحرير ] بشرط أن لا يستند إليه رجل والخياطة به وراية الجهاد وعلم الثوب وسلك السبحة ) اه
وفي شرح الخرشي على خليل 3/233 : ( وبعضهم قاس السجاف على خط العلم فلذلك جزم الشيخ أحمد النفراوي بحرمة ما زاد على أربعة أصابع ونظر بعض الأشياخ في خيط السبحة ورأيت تقريرا بجوازه ) اه
وفي شرح الدردير على خليل 2/315 : ( فإنه يجوز كتعليقه ستورا من غير استناد وكذا البشخانة المعلقة بلا مس وخط العلم والخياطة به , ويلحق بذلك قيطان الجوخ والسبحة وتجوز الراية في الحرب ) اه
وفي حاشية الدسوقي على شرح الدردير على خليل 2/317 : (( قوله : قيطان الجوخ والسبحة ) أي وأما ما يفعل فيها من التسابيح فلا يجوز إذا كانت من الحرير . ) اه
وفي حاشية الصاوي 1/95 : ( ويجوز القيطان والزر لثوب أو سبحة ، والخياطة به .) اه
ولكن سيأتي عن ابن الحاج المالكي في المدخل أنه ذكر خصال مكروهة في السبحة مما قد يفهم منه أنه يكره اتخاذ السبحة أو أنه خلاف الأولى
المذهب الشافعي :
في فتاوى ابن الصلاح 1/400 : ( مسألة : هل يجوز للإنسان أن يسبح بسبحة خيطها حرير والخيط ثخين
فأجاب رضي الله عنه : لا يحرم ما ذكره في السبحة المذكورة والأولى إبداله بخيط آخر والله أعلم ) اه
وللإمام السيوطي رسالة في السبحة ضمن الحاوي لفتاويه ومما جاء فيها 2/3 : ( ثم رأيت في كتاب تحفة العباد ومصنفه متأخر عاصر الجلال البلقيني فصلا حسنا في السبحة قال فيه ما نصه: قال بعض العلماء عقد التسبيح بالأنامل أفضل من السبحة لحديث ابن عمرو [ واعقدن بالأنامل ... ] لكن يقال إن المسبح إن أمن من الغلط كان عقده بالأنامل أفضل وإلا فالسبحة أولى
وقد اتخذ السبحة سادات يشار إليهم ويؤخذ عنهم ويعتمد عليهم ... فلو لم يكن في اتخاذ السبحة غير موافقة هؤلاء السادة والدخول في سلكهم والتماس بركتهم لصارت بهذا الاعتبار من أهم الأمور وأكدها فكيف بها وهي مذكرة بالله تعالى لأن الإنسان قل أن يراها إلا ويذكر الله وهذا من أعظم فوائدها وبذلك كان يسميها بعض السلف : رحمة الله تعالى.
ومن فوائدها أيضا الاستعانة على دوام الذكر كلما رآها ذكر أنها آلة للذكر فقاده ذلك إلى الذكر فيا حبذا سبب موصل إلى دوام ذكر الله عز وجل
وكان بعضهم يسميها حبل الموصل وبعضهم رابطة القلوب. ... ولم ينقل عن أحد من السلف ولا من الخلف المنع من جواز عد الذكر بالسبحة بل كان أكثرهم يعدونه بها ولا يرون ذلك مكروها
وقد رؤي بعضهم يعد تسبيحا فقيل له أتعد على الله فقال لا ولكن أعد له والمقصود أن أكثر الذكر المعدود الذي جاءت به السنة الشريفة لا ينحصر بالأنامل غالبا ولو أمكن حصره لكان الاشتغال بذلك يذهب الخشوع وهو المراد والله أعلم. ) اه
فائدة :
مصنف تحفة العباد هو أبو بكر بن داود ففي شذرات الذهب 1/173 : (... أورد أبو بكر ابن داود في التحفة أن أبا الدرداء كان يسبح كل يوم مائة ألف تسبيحة أيضا ثم قال ما معناه : وهذا دليل أنه كان يستعمل السبحة إذ يبعد ويتعذر أن يضبط مثل هذا العدد بغيرها وجعله من جملة الأدلة على السبحة بعد أن ذكر أيضا أن أبا هريرة كان يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة وسلسل إليه حديثا بالسبحة والله أعلم ) اه
وفي فتاوي ابن حجر 1/152 : ( وسئل ) رضي الله عنه هل للسبحة أصل في السنة أو لا ؟
( فأجاب ) بقوله : نعم , وقد ألف في ذلك الحافظ السيوطي ; فمن ذلك ... وجاء التسبيح بالحصى والنوى والخيط المعقود فيه عقد عن جماعة من الصحابة ومن بعدهم وأخرج الديلمي مرفوعا : نعم المذكر السبحة .
وعن بعض العلماء : عقد التسبيح بالأنامل أفضل من السبحة لحديث ابن عمر . وفصل بعضهم فقال : إن أمن المسبح الغلط كان عقده بالأنامل أفضل وإلا فالسبحة أفضل ) اه
وفي شرح ابن علان على أذكار النووي 1/251 – 252 : ( ولهذا اتخذ أهل العبادة وغيرهم السبحة. وفي شرح المشكاة لابن حجر: ويستفاد من الأمر بالعقد المذكور في الحديث ندب اتخاذ السبحة، وزَعْمُ أنها بدعة غير صحيح، إلا أن يحمل على تلك الكيفيات التي اخترعها بعض السفهاء، مما يمحضها للزينة أو الرياء أو اللعب ... اهـ
وهذا أصل صحيح بتجويز السبحة بتقريره صلى الله عليه وسلم. ولا يُعتد بقول من عدها بدعة...وقد أفردتُ السبحة بجزء لطيف سميته :إيقاد المصابيح لمشروعية اتخاذ المسابيح وأوردت فيه ما يتعلق بها من الأخبار والآثار، والاختلاف في تفاضل الاشتغال بها أو بعقد الأصابع في الأذكار.
وحاصل ذلك أن استعمالها في أعداد الأذكار الكثيرة التي يلهي الاشتغال بها عن التوجه للذكر أفضل من العقد بالأنامل ونحوه ) اه
وفي فيض القدير4/355 : ( واعقدن بالأنامل فإنهن مسؤولات ... وهذا أصل في ندب السبحة المعروفة وكان ذلك معروفا بين الصحابة ...
لكن نقل المؤلف عن بعض معاصري الجلال البلقيني أنه نقل عن بعضهم أن عقد التسبيح بالأنامل أفضل لظاهر هذا الحديث لكن محله إن أمن الغلط وإلا فالسبحة أولى ,وقد اتخذ السبحة أولياء كثيرون ...ولم ينقل عن أحد من السلف ولا الخلف كراهتها ) اه
المذهب الحنبلي :
في شرح ابن علان على أذكار النووي 1/251 : ( قال ابن الجوزي : إن السبحة مستحبة، لما في حديث صفية أنها كانت تسبح بنوى أو حصى، وقد أقرها صلى الله عليه وسلم على فعلها، والسبحة في معناها؛ إذ لا يختلف الغرض عن كونها منظومة أو منثورة .) اه
وعقد أبو البركات ابن تيمية في المنتقى بابا في ذلك فقال 4/114 مع النيل : ( باب جواز عقد التسبيح باليد وعده بالنوى ونحوه : ثم ذكر حديث بسرة وحديث سعد وحديث صفية رضي الله عنهم الآتية ) اه
وفي مجموع فتاوى ابن تيمية 22 / 506 : ( وعد التسبيح بالأصابع سنة كما قال النبي للنساء سبحن واعقدن بالأصابع فإنهن مسؤولات مستنطقات
وأما عده بالنوى والحصى ونحو ذلك فحسن وكان من الصحابة رضي الله عنهم من يفعل ذلك وقد رأى النبي أم المؤمنين تسبح بالحصى واقرها على ذلك وروى أن أبا هريرة كان يسبح به
وأما التسبيح بما يجعل في نظام من الخرز ونحوه فمن الناس من كرهه ومنهم من لم يكرهه , وإذا أحسنت فيه النية فهو حسن غير مكروه ) اه
وفي مجموع الفتاوى أيضا 22/625 : ( سئل عما إذا قرأ القرآن يعد في الصلاة بسبحة هل تبطل صلاته أم لا ؟
فأجاب : إن كان المراد بهذا السؤال أن يعد الآيات أو يعد تكرار السورة الواحدة مثل قوله ( قل هو الله أحد ) بالسبحة فهذا لا بأس به وإن أريد بالسؤال شيء آخر فليبينه والله اعلم ) اه
وفي الوابل الصيب ص 222 : ( الفصل الثامن والستون : في عقد التسبيح بالأصابع وانه أفضل من السبحة ... ) اه ثم ذكر حديث :كان يعقد التسبيح بيمينه وحديث :واعقد بالأنامل فأنهن مسؤولات ومستنطقات الآتيين
ثانيا :
بعض أقوال من روى عنه الكراهة ونحوها
1-ابن مسعود رضي الله عنه :
قال ابن وضاح في كتابه البدع ص 23 : ( حدثنا أسد عن جرير بن حازم عن الصلت بن بهرام قال مر ابن مسعود بامرأة معها تسبح تبسبح به فقطعه وألقاها ثم مر برجل يُسبحُ بحصى فضربه بِرجلِهِ ثم قال لقد جئتم ببدعة ظلماً أو لقد غلبتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علماً ) اه
وقال ابن وضاح في كتابه البدع ص 18 : ( نا أسد ، عن عبد الله بن رجاء ، عن عبيد الله بن عمر ، عن يسار أبي الحكم ، أن عبد الله بن مسعود حدث أن أناسا بالكوفة يسبحون بالحصا في المسجد ، فأتاهم ، وقد كوم كل رجل منهم بين يديه كومة حصا ، قال : فلم يزل يحصبهم بالحصا حتى أخرجهم من المسجد ، ويقول : « لقد أحدثتم بدعة ظلما ، أو قد فضلتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علما » ) اه
وقبل الكلام عن مذهب ابن مسعود في المسألة لا بد من العلم بأن ابن وضاح المذكور وإن كان محدثا كبيرا إلا أنه متكلم فيه , فهو كثير الخطأ وكان يغلط ويصحف ففي سير أعلام النبلاء 13/445 في ترجمة ابن وضاح : ( قال ابن الفرضي : كان كثيرا ما يقول ليس هذا من كلام النبي e في شيء ويكون ثابتا من كلامه , قال : وله خطأ كثير محفوظ عنه ويغلط ويصحف ولا علم له بالعربية ولا بالفقه )اه
وفي تاريخ علماء الأندلس لأبي الوليد الأزدي 2/17 : ( قال أحمد بن خالد : لا يقدم على ابن وضاح أحدا ممن أدرك بالأندلس وكان يعظمه جدا ويصف فضله وعقله وورعه , غير أنه كان ينكر عليه كثرة رده فى كثرة من الأحاديث , وكان ابن وضاح كثيرا ما يقول ليس هذا من كلام النبى e فى شىء وهو ثابت من كلامه e ...) اه
أما مذهب ابن مسعود في المسألة :
فظاهر هاذين الأثرين أن ابن مسعود يكره السبحة ونحوها والأمر كذلك لكنه رضي الله عنه لا يكرهه لأجل أنها سبحة بل لأجل أنه كان ينهي عن عد الذكر بأي وسيلة فعد الذكر عنده بدعة ولو بالأصابع والأنامل , وعليه فلا يمكن أن يقال إن ابن مسعود يكره السبحة بل يقال إن ابن مسعود يكره العد
وهذه بعض الروايات التي تدل على أن ابن مسعود كان يكره عد الذكر بأي شيء كان :
قال ابن وضاح في كتابه البدع ص 18 : ( حدثني إبراهيم بن محمد ، عن حرملة ، عن ابن وهب قال : حدثني ابن سمعان قال : بلغنا عن عبد الله بن مسعود أنه رأى أناسا يسبحون بالحصا ، فقال : « على الله تحصون ، لقد سبقتم أصحاب محمد علما ، أو لقد أحدثتم بدعة ظلما » ) اه
وقال ابن وضاح في كتابه البدع ص 26 : وبلغني أن ابن مسعود مر على رجل وهو يقول لأصحابه : سبحوا كذا ، وكبروا كذا ، وهللوا كذا ، قال ابن مسعود : « على الله تعدون ، أو على الله تسمعون ، قد كفيتم الإحصاء والعدة » ) اه
وفي مصنف ابن أبي شيبة 2/162: ( [ فصل في ] من كره عقد التسبيح :
حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم قال : كان عبد الله يكره العدد ويقول أيمن على الله حسناته ) اه
وقد كان ابن عمر ينهى أيضا عن عد الذكر ففي مصنف ابن أبي شيبة 2/162: ( [ فصل في ] من كره عقد التسبيح :حدثنا أزهر السمان عن بن عون عن عقبة قال قال سألت بن عمر عن الرجل يذكر الله ويعقد فقال تحاسبون الله ؟!) اه
لكن مذهب ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما في ذلك مخالف لما لا يحصى من الأحاديث التي فيها عد الذكر وإحصائه , وتقديره بأعداد معينة , وهي أكثير من أن تحصر وأشهر من أن تذكر
2-عائشة رضي الله عنها :
في مصنف ابن أبي شيبة 2/160 : ( حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن التيمي عن أبي تميمة عن امرأة من بني كليب قالت رأتني عائشة أسبح بتسابيح معي فقالت اين الشواهد يعني الأصابع ) اه
قد يفهم من هذا الأثر كراهة عائشة رضي الله عنها للسبحة وقد يفهم منه أنه عندها خلاف الأولى فقط وهو الأقرب
وفي هذا الأثر امرأة مبهمة , ولكن الموقوفات يتساهل فيها في مثل ذلك عند أكثر أهل العلم من أهل الحديث والفقه والأصول والتواريخ والسير
3-الحسن البصري رحمه الله :
قال ابن وضاح في كتابه البدع ص 25 : ( قال نا زهير بن عباد ، عن يزيد بن عطاء ، عن أبان بن أبي عياش قال : « سألت الحسن عن النظام من الخرز والنوى ونحو ذلك ، يسبح به ؟ فقال : » لم يفعل ذلك أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا المهاجرات !!! ) اه
ثم قال ابن وضاح في كتابه البدع ص 27 : ( قال أبان : فقلت للحسن : فإن سبح الرجل وعقد بيده ، قال : « لا أرى بذلك بأسا » ) اه
قد يفهم من هذا الأثر كراهة الحسن للسبحة وقد يفهم منه أنه خلاف الأولى فقط وهو الأقرب
4-إبراهيم النخعي رحمه الله :
مصنف ابن أبي شيبة 2/162: ( [ فصل في ] من كره عقد التسبيح :
حدثنا حميد بن عبد الرحمن عن حسن عن إبراهيم بن المهاجر عن إبراهيم أنه كان ينهى ابنته أن تعين النساء على فتل خيوط التسابيح التي يسبح بها ) اه
قد يفهم من هذا الأثر كراهة النخعي للسبحة لكن إذا علمنا أن النخعي من خواص ابن مسعود تبين لك أن ذلك لأجل عد الذكر لا لأجل السبحة ولذا ذكره ابن أبي شيبة في فصل من كره عقد التسبيح
5-ابن الحاج المالكي رحمه الله :
قال في المدخل 2/218 : ( ثم نرجع الآن إلى بقية ما أحدثوه في بعض الجوامع فمن ذلك السبحة التي أحدثوها وعملوا لها صندوقا تكون فيه وجامكية لقيمها وحاملها والذاكرين عليها وهذا كله مخالف للسنة المطهرة ولما كان عليه السلف رضي الله عنهم وقد تقدم ذكر حالهم في الذكر كيف كان
ثم إن بعض من اقتدى بمن أحدثها زاد فيها حدثا آخر وهو أن جعل لها شيخا يعرف بشيخ السبحة وخادما يعرف بخادم السبحة إلى غير ذلك وهي بدعة قريبة العهد بالحدوث فينبغي لإمام المسجد أن يتقدم إلى إزالة كل ما تقدم ذكره على قدر استطاعته مع أن هذا متعين على سائر المسلمين لكن في حق الإمام آكد لأن المسجد من رعيته وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته والله الموفق ) اه
قد يفهم من قول ابن الحاج هذا كراهته للسبحة لكن قد يقال إنما ينهى عن تلك الملابسات في السبحة لا عن أصل السبحة فهو بنهى عن أن يكون لها صندوق خاص وله معلوم من النفقة للقيم عليه وللذاكرين بتلك السبح ... إلخ ما ذكر ومما يؤيد ذلك ما يأتي ذكره عن ابن الحاج من كراهة بعض الخصال في السبحة مما يدل على عدم نهيه عن أصلها
المبحث الثاني :
الأدلة
أولا :
أدلة من أجاز اتخاذ السبحة والذكر بها
ا-حديث صفية رضي الله عنها :
في سنن الترمذي 4 / 274 ومستدرك الحاكم 1 / 547 ومعجم الطبرانى 24/74 ومسند أبي يعلى 13/35 : ( عن صفية رضي الله عنها قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يدي أربعة آلاف نواة أسبح بهن ، فقال : « يا بنت حيي ما هذا ؟ » قلت : أسبح بهن ، قال : « قد سبحت منذ قمت على رأسك أكثر من هذا » قلت : علمني يا رسول الله ، قال : « قولي سبحان الله عدد ما خلق من شيء ) اه
قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه . وله شاهد من حديث المصريين بإسناد أصح من هذا [ ثم ذكر حديث سعد الآتي ], ووافقه الذهبي
2-حديث سعد ابن أي وقاص رضي الله عنه :
روى أبو داود 2/80 باب التسبيح بالحصى . والترمذي 5/562 وابن حبان 3/118 والحاكم 1/732 و البزار 4/39 : ( عن سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به فقال أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل فقال سبحان الله عدد ما خلق في السماء وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض وسبحان الله عدد ما خلق بين ذلك وسبحان الله عدد ما هو خالق والله أكبر مثل ذلك والحمد لله مثل ذلك ولا إله إلا الله مثل ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك ) اه
قال الترمذي 5/562 : حسن غريب . وصححه ابن حبان 3/118 , وقال السيوطي في الحاوي 2/ 2: صحيح وقد تقدم تصحيح الحاكم
3-حديث علي رضي الله عنه :
قال السيوطي في الحاوي 2/ 2 قال الديلمي في مسند الفردوس أنا عبدوس ابن عبد الله أنا أبو عبد الله الحسين بن فتحويه الثقفي ثنا علي بن محمد بن نصرويه ثنا محمد بن هرون بن عيسى بن المنصور الهاشمي حدثني محمد بن علي بن حمزة العلوي حدثني عبد الصمد بن موسى حدثتني زينب بنت سليمان بن علي حدثتنيأم الحسن بنت جعفر بن الحسين عن أبيها عن جدها عن علي مرفوعا نعم المذكر السبحة. ) اه وهو في مسند فردوس الديلمي 4/259
وهذا الحديث ضعيف قال الطحطاوي في حاشيته على مراقي الفلاح 1/121 : ( وجاء بسند ضعيف عن علي مرفوعا نعم المذكر السبحة ) اه وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة 1/116 , ولكن الحديث الضعيف يعمل به في الفضائل عند الجمهور كما هو معلوم وللفقير بحث حول العمل بالحديث الضعيف عند المحدثين والفقهاء
وقد استدل بهذا الحديث على السبحة مع ضعفه جمع من الأئمة كالسيوطي وابن حجر والمناوي والشوكاني وغيرهم , ومع ضعفه فإن معناه صحيح فإن السبحة إذا كانت بيد الشخص فإنه يتذكر الذكر وقد يغفل عن ذلك إذا لم تكن بيده كما هو حال الفقير
وحمل بعضهم هذا الحديث على سبحة الضحى ففي كشف الشبهتين للشيخ سيمان بن سحمان ص 117 : ( وأما استدلاله بحديث: "نعم المذكر السبحة" على المسباح المتخذ من الخرز ونحوه فهذا غلط بالاتفاق !!!، وخطأ على الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يمدح المسباح قط ولا رآه، بل هذا الحديث بعينه عند صاحب مسند الفردوس في سبحة الضحى لا غير !!!، وقد أورده السيوطي في باب مندوبات الصلاة في جمع الجوامع !!!، وكذا أورده في الثبت الشيخ العالم عبد القادر المصري الشهير بالأمير المالكي قال: لم يصح هذا إلا في سبحة الضحى. ) اه
4-الآثار الواردة في ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم ومنهم :
1-أبو ذر رضي الله عنه :
في الزهد لأحمد ص 141 : ( ثنا مسكين بن نكير أنا ثابت بن عجلان عن القاسم بن عبد الرحمن قال: كان لأبي الدرداء نوى من نوى العجوة ، حسبت عشراً أو نحوها في كيس ، وكان إذا صلى الغداة أقعى على فراشه ، فأخذ الكيس ، فأخرجهن واحدة واحدة يسبح بهن فإذا نفدن أعادهن واحدة ، كل ذلك يسبح بهن ) اه
2-أبو هريرة رضي الله عنه :
في سنن أبي داود 2/ الترمذي 8/71 مع التحفة وأحمد 2/540 339 ومصنف ابن أبي شيبة 2/160: ( عن شيخ من طفاوة أنه زار أبا هريرة قال : ( فبينا أن عنده يوماً ، وهو على سرير له ، معه كيس كبير في حصى أو نوى ، وأسفل منه جارية سوداء ، وهو يسبح بها ، حتى إذا أنفد ما في الكيس ألقاه إليها فجمعته فأعادته في الكيس فدفعته إليه ) اه
وفي الأثر رجل مبهم ولكن الموقوفات يتساهل فيها في مثل ذلك عند أكثر أهل العلم من أهل الحديث والفقه والأصول والتواريخ والسير كما تقدم
ومع ذلك فهناك آثار أخرى عن أبي هريرة ففي الحلية لأبي نعيم 1/383 : ( عن نعيم بن المحرر بن أبي هريرة ، عن جده ، أبي هريرة أنه كان له خيط فيه ألفا عقدة ، فلا ينام حتى يسبح به ) اه
وفي الحاوي للسيوطي 2/ 2: ( وأخرج عبد الله بن الإمام أحمد [ في زوائد الزهد ] من طريق نعيم بن محرر ... ) اه
وقال السيوطي في الحاوي 2/ 2: ( وأخرج ابن سعد عن أبي هريرة أنه كان يسبح بالنوى المجزع ) اه
3-سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه :
في الطبقات لابن سعد 3/143 : ( عن حكيم بن الدليمي : أن سعداً كان يسبح بالحصى ) اه
وفي مصنف ابن أبي شيبة 2/160: ( [ فصل ] في عقد التسبيح وعدد الحصى ) :
حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان عن حكيم بن الديلمي عن مولاة لسعد أن سعدا كان يسبح بالحصى والنوى
حدثنا بن مهدي عن سفيان عن حكيم بن الديلمي عن مولاة لسعد أن سعدا كان يسبح بالحصى والنوى ) اه
4-أبو صفية رضي الله عنه :
في طبقات ابن سعد 7/60 : ( أخبرنا عفان بن مسلم قال حدثنا عبد الواحد بن زياد قال حدثنا يونس بن عبيد عن أمه قالت رأيت أبا صفية رجلا من أصحاب النبي e قالت كان جارنا هاهنا فكان إذا أصبح يسبح بالحصى والنوى ولا أراه إلا بالحصى ) اه ورواه أحمد في الزهد بنفس الإسناد كما الحاوي للسيوطي 2/ 2
وفي معجم الصحابة للبغوي ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق 4/293 : (نا أحمد بن المقدام نا معتمر نا أبو كعب عن جده بقية عن أبي صفية مولى النبي e أنه كان يوضع له نطع ويجاء بزنبيل فيه حصى فيسبح به إلى نصف النهار ثم يرفع فإذا صلى الأولى سبح حتى يمسي ) اه
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد :
فالسبحة هي : الخرزات التي يعدّ بها المسبح تسبيحه وذِكرَه , ففي المصباح المنير 1/ 263 : ( السبحة : خرزات منظومة قال الفارابي وتبعه الجوهري : و ( السبحة ) التي ( يسبح ) بها , وهو يقتضي كونها عربية , وقال الأزهري : كلمة مولدة وجمعها ( سُبح ) مثل غرفة و غرف , و ( المسبِّحة ) اسم فاعل من ذلك مجازا وهي الإصبع التي بين الإبهام والوسطى ) اه
وهذا مقال في حكم اتخاذ السبحة في المذاهب الأربعة وغيرها وقد جعلته على مباحث :
المبحث الأول : في أقوال أهل العلم في ذلك من مجيزين وكارهين
والمبحث الثاني : في أدلة من أجاز ذلك وأدلة من كرهه
والمبحث الثالث : فوائد ولطائف متممة في السبحة
المبحث الأول :
في أقوال أهل العلم في ذلك
- اتفقت المذاهب الأربعة على جواز اتخاذ السبحة والذكر بها , وقال بعضهم : إن ذلك خلاف الأولى , وإن الأولى الذكر بالأنامل إلا لمن خشي عدم ضبط العد فالسبحة أولى وزاد بعضهم : إذا كانت ستذكره بذكر الله فهي أولى أيضا
- وكره ذلك بعض أهل العلم , وعدها بعضهم من البدع
وهذه بعض أقوال أهل العلم في ذلك :
أولا :
من أقوال المجيزين
المذهب الحنفي :
في البحر الرائق لابن نجيم 2/31 في حديث دخل النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصا تسبح به: ( فلم ينهها عن ذلك وإنما أرشدها إلى ما هو أيسر وأفضل ولو كان مكروها لبين لها ذلك
ثم هذا الحديث ونحوه مما يشهد بأنه لا بأس باتخاذ السبحة المعروفة لإحصاء عدد الأذكار إذ لا تزيد السبحة على مضمون هذا الحديث إلا بضم النوى ونحوه في خيط ومثل هذا لا يظهر تأثيره في المنع فلا جرم أن نقل اتخاذها والعمل بها عن جماعة من الصوفية الأخيار وغيرهم اللهم إلا إذا ترتب عليها رياء وسمعة فلا كلام لنا فيه ) اه
وفي حاشية ابن عابدين على البحر الرائق : ( قوله ثم هذا الحديث ونحوه مما يشهد إلخ ) قال الرملي : والظاهر أنها ليست ببدعة فقد قال ابن حجر الهيتمي في شرح الأربعين النواوية : السبحة ورد لها أصل أصيل عن بعض أمهات المؤمنين وأقرها النبي صلى الله تعالى عليه وسلم على ذلك ) اه
وفي حاشية ابن عابدين على شرح الحصكفي 1/650 : ( مطلب : الكلام على اتخاذ المسبحة :
قوله ( لا بأس باتخاذ المسبحة ) ... ودليل الجواز ما رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم وقال صحيح الإسناد عن سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع رسول الله على مرأة وبين يديها نوى أو حصا تسبح به ...
فلم ينهها عن ذلك وإنما أرشدها إلى ما هو أيسر وأفضل ولو كان مكروها لبين لها ذلك , ولا يزيد السبحة على مضمون هذا الحديث إلا بضم النوى في خيط ومثل ذلك لا يظهر تأثيره في المنع فلا جرم أن نقل اتخاذها والعمل بها عن جاعة من الصوفية الأخيار وغيرهم اللهم إلا إذا ترتب عليه رياء وسمعة فلا كلام لنا فيه ) اه
وفي موسوعة الفقه الكويتية 21 /259 : ( قال الشيخ محمد شمس الحق شارح السنن بعد أن أورد حديث سعد بن أبي وقاص السابق ذكره : الحديث دليل على جواز عد التسبيح بالنوى والحصى , وكذا بالسبحة ; لعدم الفارق , لتقريره صلى الله عليه وسلم للمرأة على ذلك وعدم إنكاره , والإرشاد إلى ما هو أفضل منه لا ينافي الجواز .
قال : وقد وردت في ذلك آثار , ولم يصب من قال إن ذلك بدعة . وجرى صاحب الحرز على أنها بدعة إلا أنه قال : إنها مستحبة .) اه
وفي مرقاة المفاتيح 5 /221 : ( وبين يديها نوى ) جمع نواة وهي عظم التمر ( أو حصى ) شك من الراوي ( تسبح ) أي المرأة ( به ) أي بما ذكر من النوى أو الحصى
وهذا أصل صحيح لتجويز السبحة بتقرير فإنه في معناها إذ لا فرق بين المنظومة والمنثورة فيما يعد به ولا يعتد بقول من عدها بدعة وقد قال المشايخ أنها سوط الشيطان ) اه
وفي حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح 1/121 : ( وصح أنه e كان يعقد التسبيح بيمينه وورد أنه قال واعقدوه بالأنامل فإنهن مسؤولات مستنطقات وجاء بسند ضعيف عن علي مرفوعا نعم المذكر السبحة
قال ابن حجر : والروايات بالتسبح بالنوى والحصا كثيرة عن الصحابة وبعض أمهات المؤمنين بل رآها e وأقرها عليه وعقد التسبيح بالأنامل أفضل من السبحة وقيل إن أمن من الغلط فهو أولى وإلا فهي أولى كذا في شرح المشكاة ) اه
وفي عون المعبود 4/ 257-258 : ( تسبح ) أي المرأة ( به ) أي بما ذكر من النوى أو الحصى وهذا أصل صحيح لتجويز السبحة بتقريره e فإنه في معناها إذ لا فرق بين المنظومة والمنثورة فيما بعد به ولا يعتد بقول من عدها بدعة ...
( يعقد التسبيح قال بن قدامة بيمينه ) وقد علل رسول الله e ذلك في الحديث السابق بأن الأنامل مسؤولات مستنطقات يعني أنهن يشهدن بذلك فكان عقدهن بالتسبيح من هذه الحيثية أولى من السبحة والحصى ) اه
وفي تحفة الأحوذي 9 /322 : ( يعقد التسبيح بيده ) ... وفي الحديث مشروعية عقد التسبيح بالأنامل وعلل ذلك رسول الله e في حديث يسيرة الذي أشار إليه الترمذي بأن الأنامل مسؤولات مستنطقات يعني أنهن يشهدن بذلك فكان عقدهن بالتسبيح من هذه الحيثية أولى من السبحة والحصى , ويدل على جواز عد التسبيح بالنوى والحصى حديث سعد بن أبي وقاص ...) اه
المذهب المالكي:
في منح الجليل 1/228 : ( ويجوز ستر السقف والحائط به [ أي الحرير ] بشرط أن لا يستند إليه رجل والخياطة به وراية الجهاد وعلم الثوب وسلك السبحة ) اه
وفي شرح الخرشي على خليل 3/233 : ( وبعضهم قاس السجاف على خط العلم فلذلك جزم الشيخ أحمد النفراوي بحرمة ما زاد على أربعة أصابع ونظر بعض الأشياخ في خيط السبحة ورأيت تقريرا بجوازه ) اه
وفي شرح الدردير على خليل 2/315 : ( فإنه يجوز كتعليقه ستورا من غير استناد وكذا البشخانة المعلقة بلا مس وخط العلم والخياطة به , ويلحق بذلك قيطان الجوخ والسبحة وتجوز الراية في الحرب ) اه
وفي حاشية الدسوقي على شرح الدردير على خليل 2/317 : (( قوله : قيطان الجوخ والسبحة ) أي وأما ما يفعل فيها من التسابيح فلا يجوز إذا كانت من الحرير . ) اه
وفي حاشية الصاوي 1/95 : ( ويجوز القيطان والزر لثوب أو سبحة ، والخياطة به .) اه
ولكن سيأتي عن ابن الحاج المالكي في المدخل أنه ذكر خصال مكروهة في السبحة مما قد يفهم منه أنه يكره اتخاذ السبحة أو أنه خلاف الأولى
المذهب الشافعي :
في فتاوى ابن الصلاح 1/400 : ( مسألة : هل يجوز للإنسان أن يسبح بسبحة خيطها حرير والخيط ثخين
فأجاب رضي الله عنه : لا يحرم ما ذكره في السبحة المذكورة والأولى إبداله بخيط آخر والله أعلم ) اه
وللإمام السيوطي رسالة في السبحة ضمن الحاوي لفتاويه ومما جاء فيها 2/3 : ( ثم رأيت في كتاب تحفة العباد ومصنفه متأخر عاصر الجلال البلقيني فصلا حسنا في السبحة قال فيه ما نصه: قال بعض العلماء عقد التسبيح بالأنامل أفضل من السبحة لحديث ابن عمرو [ واعقدن بالأنامل ... ] لكن يقال إن المسبح إن أمن من الغلط كان عقده بالأنامل أفضل وإلا فالسبحة أولى
وقد اتخذ السبحة سادات يشار إليهم ويؤخذ عنهم ويعتمد عليهم ... فلو لم يكن في اتخاذ السبحة غير موافقة هؤلاء السادة والدخول في سلكهم والتماس بركتهم لصارت بهذا الاعتبار من أهم الأمور وأكدها فكيف بها وهي مذكرة بالله تعالى لأن الإنسان قل أن يراها إلا ويذكر الله وهذا من أعظم فوائدها وبذلك كان يسميها بعض السلف : رحمة الله تعالى.
ومن فوائدها أيضا الاستعانة على دوام الذكر كلما رآها ذكر أنها آلة للذكر فقاده ذلك إلى الذكر فيا حبذا سبب موصل إلى دوام ذكر الله عز وجل
وكان بعضهم يسميها حبل الموصل وبعضهم رابطة القلوب. ... ولم ينقل عن أحد من السلف ولا من الخلف المنع من جواز عد الذكر بالسبحة بل كان أكثرهم يعدونه بها ولا يرون ذلك مكروها
وقد رؤي بعضهم يعد تسبيحا فقيل له أتعد على الله فقال لا ولكن أعد له والمقصود أن أكثر الذكر المعدود الذي جاءت به السنة الشريفة لا ينحصر بالأنامل غالبا ولو أمكن حصره لكان الاشتغال بذلك يذهب الخشوع وهو المراد والله أعلم. ) اه
فائدة :
مصنف تحفة العباد هو أبو بكر بن داود ففي شذرات الذهب 1/173 : (... أورد أبو بكر ابن داود في التحفة أن أبا الدرداء كان يسبح كل يوم مائة ألف تسبيحة أيضا ثم قال ما معناه : وهذا دليل أنه كان يستعمل السبحة إذ يبعد ويتعذر أن يضبط مثل هذا العدد بغيرها وجعله من جملة الأدلة على السبحة بعد أن ذكر أيضا أن أبا هريرة كان يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة وسلسل إليه حديثا بالسبحة والله أعلم ) اه
وفي فتاوي ابن حجر 1/152 : ( وسئل ) رضي الله عنه هل للسبحة أصل في السنة أو لا ؟
( فأجاب ) بقوله : نعم , وقد ألف في ذلك الحافظ السيوطي ; فمن ذلك ... وجاء التسبيح بالحصى والنوى والخيط المعقود فيه عقد عن جماعة من الصحابة ومن بعدهم وأخرج الديلمي مرفوعا : نعم المذكر السبحة .
وعن بعض العلماء : عقد التسبيح بالأنامل أفضل من السبحة لحديث ابن عمر . وفصل بعضهم فقال : إن أمن المسبح الغلط كان عقده بالأنامل أفضل وإلا فالسبحة أفضل ) اه
وفي شرح ابن علان على أذكار النووي 1/251 – 252 : ( ولهذا اتخذ أهل العبادة وغيرهم السبحة. وفي شرح المشكاة لابن حجر: ويستفاد من الأمر بالعقد المذكور في الحديث ندب اتخاذ السبحة، وزَعْمُ أنها بدعة غير صحيح، إلا أن يحمل على تلك الكيفيات التي اخترعها بعض السفهاء، مما يمحضها للزينة أو الرياء أو اللعب ... اهـ
وهذا أصل صحيح بتجويز السبحة بتقريره صلى الله عليه وسلم. ولا يُعتد بقول من عدها بدعة...وقد أفردتُ السبحة بجزء لطيف سميته :إيقاد المصابيح لمشروعية اتخاذ المسابيح وأوردت فيه ما يتعلق بها من الأخبار والآثار، والاختلاف في تفاضل الاشتغال بها أو بعقد الأصابع في الأذكار.
وحاصل ذلك أن استعمالها في أعداد الأذكار الكثيرة التي يلهي الاشتغال بها عن التوجه للذكر أفضل من العقد بالأنامل ونحوه ) اه
وفي فيض القدير4/355 : ( واعقدن بالأنامل فإنهن مسؤولات ... وهذا أصل في ندب السبحة المعروفة وكان ذلك معروفا بين الصحابة ...
لكن نقل المؤلف عن بعض معاصري الجلال البلقيني أنه نقل عن بعضهم أن عقد التسبيح بالأنامل أفضل لظاهر هذا الحديث لكن محله إن أمن الغلط وإلا فالسبحة أولى ,وقد اتخذ السبحة أولياء كثيرون ...ولم ينقل عن أحد من السلف ولا الخلف كراهتها ) اه
المذهب الحنبلي :
في شرح ابن علان على أذكار النووي 1/251 : ( قال ابن الجوزي : إن السبحة مستحبة، لما في حديث صفية أنها كانت تسبح بنوى أو حصى، وقد أقرها صلى الله عليه وسلم على فعلها، والسبحة في معناها؛ إذ لا يختلف الغرض عن كونها منظومة أو منثورة .) اه
وعقد أبو البركات ابن تيمية في المنتقى بابا في ذلك فقال 4/114 مع النيل : ( باب جواز عقد التسبيح باليد وعده بالنوى ونحوه : ثم ذكر حديث بسرة وحديث سعد وحديث صفية رضي الله عنهم الآتية ) اه
وفي مجموع فتاوى ابن تيمية 22 / 506 : ( وعد التسبيح بالأصابع سنة كما قال النبي للنساء سبحن واعقدن بالأصابع فإنهن مسؤولات مستنطقات
وأما عده بالنوى والحصى ونحو ذلك فحسن وكان من الصحابة رضي الله عنهم من يفعل ذلك وقد رأى النبي أم المؤمنين تسبح بالحصى واقرها على ذلك وروى أن أبا هريرة كان يسبح به
وأما التسبيح بما يجعل في نظام من الخرز ونحوه فمن الناس من كرهه ومنهم من لم يكرهه , وإذا أحسنت فيه النية فهو حسن غير مكروه ) اه
وفي مجموع الفتاوى أيضا 22/625 : ( سئل عما إذا قرأ القرآن يعد في الصلاة بسبحة هل تبطل صلاته أم لا ؟
فأجاب : إن كان المراد بهذا السؤال أن يعد الآيات أو يعد تكرار السورة الواحدة مثل قوله ( قل هو الله أحد ) بالسبحة فهذا لا بأس به وإن أريد بالسؤال شيء آخر فليبينه والله اعلم ) اه
وفي الوابل الصيب ص 222 : ( الفصل الثامن والستون : في عقد التسبيح بالأصابع وانه أفضل من السبحة ... ) اه ثم ذكر حديث :كان يعقد التسبيح بيمينه وحديث :واعقد بالأنامل فأنهن مسؤولات ومستنطقات الآتيين
ثانيا :
بعض أقوال من روى عنه الكراهة ونحوها
1-ابن مسعود رضي الله عنه :
قال ابن وضاح في كتابه البدع ص 23 : ( حدثنا أسد عن جرير بن حازم عن الصلت بن بهرام قال مر ابن مسعود بامرأة معها تسبح تبسبح به فقطعه وألقاها ثم مر برجل يُسبحُ بحصى فضربه بِرجلِهِ ثم قال لقد جئتم ببدعة ظلماً أو لقد غلبتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علماً ) اه
وقال ابن وضاح في كتابه البدع ص 18 : ( نا أسد ، عن عبد الله بن رجاء ، عن عبيد الله بن عمر ، عن يسار أبي الحكم ، أن عبد الله بن مسعود حدث أن أناسا بالكوفة يسبحون بالحصا في المسجد ، فأتاهم ، وقد كوم كل رجل منهم بين يديه كومة حصا ، قال : فلم يزل يحصبهم بالحصا حتى أخرجهم من المسجد ، ويقول : « لقد أحدثتم بدعة ظلما ، أو قد فضلتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علما » ) اه
وقبل الكلام عن مذهب ابن مسعود في المسألة لا بد من العلم بأن ابن وضاح المذكور وإن كان محدثا كبيرا إلا أنه متكلم فيه , فهو كثير الخطأ وكان يغلط ويصحف ففي سير أعلام النبلاء 13/445 في ترجمة ابن وضاح : ( قال ابن الفرضي : كان كثيرا ما يقول ليس هذا من كلام النبي e في شيء ويكون ثابتا من كلامه , قال : وله خطأ كثير محفوظ عنه ويغلط ويصحف ولا علم له بالعربية ولا بالفقه )اه
وفي تاريخ علماء الأندلس لأبي الوليد الأزدي 2/17 : ( قال أحمد بن خالد : لا يقدم على ابن وضاح أحدا ممن أدرك بالأندلس وكان يعظمه جدا ويصف فضله وعقله وورعه , غير أنه كان ينكر عليه كثرة رده فى كثرة من الأحاديث , وكان ابن وضاح كثيرا ما يقول ليس هذا من كلام النبى e فى شىء وهو ثابت من كلامه e ...) اه
أما مذهب ابن مسعود في المسألة :
فظاهر هاذين الأثرين أن ابن مسعود يكره السبحة ونحوها والأمر كذلك لكنه رضي الله عنه لا يكرهه لأجل أنها سبحة بل لأجل أنه كان ينهي عن عد الذكر بأي وسيلة فعد الذكر عنده بدعة ولو بالأصابع والأنامل , وعليه فلا يمكن أن يقال إن ابن مسعود يكره السبحة بل يقال إن ابن مسعود يكره العد
وهذه بعض الروايات التي تدل على أن ابن مسعود كان يكره عد الذكر بأي شيء كان :
قال ابن وضاح في كتابه البدع ص 18 : ( حدثني إبراهيم بن محمد ، عن حرملة ، عن ابن وهب قال : حدثني ابن سمعان قال : بلغنا عن عبد الله بن مسعود أنه رأى أناسا يسبحون بالحصا ، فقال : « على الله تحصون ، لقد سبقتم أصحاب محمد علما ، أو لقد أحدثتم بدعة ظلما » ) اه
وقال ابن وضاح في كتابه البدع ص 26 : وبلغني أن ابن مسعود مر على رجل وهو يقول لأصحابه : سبحوا كذا ، وكبروا كذا ، وهللوا كذا ، قال ابن مسعود : « على الله تعدون ، أو على الله تسمعون ، قد كفيتم الإحصاء والعدة » ) اه
وفي مصنف ابن أبي شيبة 2/162: ( [ فصل في ] من كره عقد التسبيح :
حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم قال : كان عبد الله يكره العدد ويقول أيمن على الله حسناته ) اه
وقد كان ابن عمر ينهى أيضا عن عد الذكر ففي مصنف ابن أبي شيبة 2/162: ( [ فصل في ] من كره عقد التسبيح :حدثنا أزهر السمان عن بن عون عن عقبة قال قال سألت بن عمر عن الرجل يذكر الله ويعقد فقال تحاسبون الله ؟!) اه
لكن مذهب ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما في ذلك مخالف لما لا يحصى من الأحاديث التي فيها عد الذكر وإحصائه , وتقديره بأعداد معينة , وهي أكثير من أن تحصر وأشهر من أن تذكر
2-عائشة رضي الله عنها :
في مصنف ابن أبي شيبة 2/160 : ( حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن التيمي عن أبي تميمة عن امرأة من بني كليب قالت رأتني عائشة أسبح بتسابيح معي فقالت اين الشواهد يعني الأصابع ) اه
قد يفهم من هذا الأثر كراهة عائشة رضي الله عنها للسبحة وقد يفهم منه أنه عندها خلاف الأولى فقط وهو الأقرب
وفي هذا الأثر امرأة مبهمة , ولكن الموقوفات يتساهل فيها في مثل ذلك عند أكثر أهل العلم من أهل الحديث والفقه والأصول والتواريخ والسير
3-الحسن البصري رحمه الله :
قال ابن وضاح في كتابه البدع ص 25 : ( قال نا زهير بن عباد ، عن يزيد بن عطاء ، عن أبان بن أبي عياش قال : « سألت الحسن عن النظام من الخرز والنوى ونحو ذلك ، يسبح به ؟ فقال : » لم يفعل ذلك أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا المهاجرات !!! ) اه
ثم قال ابن وضاح في كتابه البدع ص 27 : ( قال أبان : فقلت للحسن : فإن سبح الرجل وعقد بيده ، قال : « لا أرى بذلك بأسا » ) اه
قد يفهم من هذا الأثر كراهة الحسن للسبحة وقد يفهم منه أنه خلاف الأولى فقط وهو الأقرب
4-إبراهيم النخعي رحمه الله :
مصنف ابن أبي شيبة 2/162: ( [ فصل في ] من كره عقد التسبيح :
حدثنا حميد بن عبد الرحمن عن حسن عن إبراهيم بن المهاجر عن إبراهيم أنه كان ينهى ابنته أن تعين النساء على فتل خيوط التسابيح التي يسبح بها ) اه
قد يفهم من هذا الأثر كراهة النخعي للسبحة لكن إذا علمنا أن النخعي من خواص ابن مسعود تبين لك أن ذلك لأجل عد الذكر لا لأجل السبحة ولذا ذكره ابن أبي شيبة في فصل من كره عقد التسبيح
5-ابن الحاج المالكي رحمه الله :
قال في المدخل 2/218 : ( ثم نرجع الآن إلى بقية ما أحدثوه في بعض الجوامع فمن ذلك السبحة التي أحدثوها وعملوا لها صندوقا تكون فيه وجامكية لقيمها وحاملها والذاكرين عليها وهذا كله مخالف للسنة المطهرة ولما كان عليه السلف رضي الله عنهم وقد تقدم ذكر حالهم في الذكر كيف كان
ثم إن بعض من اقتدى بمن أحدثها زاد فيها حدثا آخر وهو أن جعل لها شيخا يعرف بشيخ السبحة وخادما يعرف بخادم السبحة إلى غير ذلك وهي بدعة قريبة العهد بالحدوث فينبغي لإمام المسجد أن يتقدم إلى إزالة كل ما تقدم ذكره على قدر استطاعته مع أن هذا متعين على سائر المسلمين لكن في حق الإمام آكد لأن المسجد من رعيته وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته والله الموفق ) اه
قد يفهم من قول ابن الحاج هذا كراهته للسبحة لكن قد يقال إنما ينهى عن تلك الملابسات في السبحة لا عن أصل السبحة فهو بنهى عن أن يكون لها صندوق خاص وله معلوم من النفقة للقيم عليه وللذاكرين بتلك السبح ... إلخ ما ذكر ومما يؤيد ذلك ما يأتي ذكره عن ابن الحاج من كراهة بعض الخصال في السبحة مما يدل على عدم نهيه عن أصلها
المبحث الثاني :
الأدلة
أولا :
أدلة من أجاز اتخاذ السبحة والذكر بها
ا-حديث صفية رضي الله عنها :
في سنن الترمذي 4 / 274 ومستدرك الحاكم 1 / 547 ومعجم الطبرانى 24/74 ومسند أبي يعلى 13/35 : ( عن صفية رضي الله عنها قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يدي أربعة آلاف نواة أسبح بهن ، فقال : « يا بنت حيي ما هذا ؟ » قلت : أسبح بهن ، قال : « قد سبحت منذ قمت على رأسك أكثر من هذا » قلت : علمني يا رسول الله ، قال : « قولي سبحان الله عدد ما خلق من شيء ) اه
قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه . وله شاهد من حديث المصريين بإسناد أصح من هذا [ ثم ذكر حديث سعد الآتي ], ووافقه الذهبي
2-حديث سعد ابن أي وقاص رضي الله عنه :
روى أبو داود 2/80 باب التسبيح بالحصى . والترمذي 5/562 وابن حبان 3/118 والحاكم 1/732 و البزار 4/39 : ( عن سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به فقال أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل فقال سبحان الله عدد ما خلق في السماء وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض وسبحان الله عدد ما خلق بين ذلك وسبحان الله عدد ما هو خالق والله أكبر مثل ذلك والحمد لله مثل ذلك ولا إله إلا الله مثل ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك ) اه
قال الترمذي 5/562 : حسن غريب . وصححه ابن حبان 3/118 , وقال السيوطي في الحاوي 2/ 2: صحيح وقد تقدم تصحيح الحاكم
3-حديث علي رضي الله عنه :
قال السيوطي في الحاوي 2/ 2 قال الديلمي في مسند الفردوس أنا عبدوس ابن عبد الله أنا أبو عبد الله الحسين بن فتحويه الثقفي ثنا علي بن محمد بن نصرويه ثنا محمد بن هرون بن عيسى بن المنصور الهاشمي حدثني محمد بن علي بن حمزة العلوي حدثني عبد الصمد بن موسى حدثتني زينب بنت سليمان بن علي حدثتنيأم الحسن بنت جعفر بن الحسين عن أبيها عن جدها عن علي مرفوعا نعم المذكر السبحة. ) اه وهو في مسند فردوس الديلمي 4/259
وهذا الحديث ضعيف قال الطحطاوي في حاشيته على مراقي الفلاح 1/121 : ( وجاء بسند ضعيف عن علي مرفوعا نعم المذكر السبحة ) اه وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة 1/116 , ولكن الحديث الضعيف يعمل به في الفضائل عند الجمهور كما هو معلوم وللفقير بحث حول العمل بالحديث الضعيف عند المحدثين والفقهاء
وقد استدل بهذا الحديث على السبحة مع ضعفه جمع من الأئمة كالسيوطي وابن حجر والمناوي والشوكاني وغيرهم , ومع ضعفه فإن معناه صحيح فإن السبحة إذا كانت بيد الشخص فإنه يتذكر الذكر وقد يغفل عن ذلك إذا لم تكن بيده كما هو حال الفقير
وحمل بعضهم هذا الحديث على سبحة الضحى ففي كشف الشبهتين للشيخ سيمان بن سحمان ص 117 : ( وأما استدلاله بحديث: "نعم المذكر السبحة" على المسباح المتخذ من الخرز ونحوه فهذا غلط بالاتفاق !!!، وخطأ على الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يمدح المسباح قط ولا رآه، بل هذا الحديث بعينه عند صاحب مسند الفردوس في سبحة الضحى لا غير !!!، وقد أورده السيوطي في باب مندوبات الصلاة في جمع الجوامع !!!، وكذا أورده في الثبت الشيخ العالم عبد القادر المصري الشهير بالأمير المالكي قال: لم يصح هذا إلا في سبحة الضحى. ) اه
4-الآثار الواردة في ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم ومنهم :
1-أبو ذر رضي الله عنه :
في الزهد لأحمد ص 141 : ( ثنا مسكين بن نكير أنا ثابت بن عجلان عن القاسم بن عبد الرحمن قال: كان لأبي الدرداء نوى من نوى العجوة ، حسبت عشراً أو نحوها في كيس ، وكان إذا صلى الغداة أقعى على فراشه ، فأخذ الكيس ، فأخرجهن واحدة واحدة يسبح بهن فإذا نفدن أعادهن واحدة ، كل ذلك يسبح بهن ) اه
2-أبو هريرة رضي الله عنه :
في سنن أبي داود 2/ الترمذي 8/71 مع التحفة وأحمد 2/540 339 ومصنف ابن أبي شيبة 2/160: ( عن شيخ من طفاوة أنه زار أبا هريرة قال : ( فبينا أن عنده يوماً ، وهو على سرير له ، معه كيس كبير في حصى أو نوى ، وأسفل منه جارية سوداء ، وهو يسبح بها ، حتى إذا أنفد ما في الكيس ألقاه إليها فجمعته فأعادته في الكيس فدفعته إليه ) اه
وفي الأثر رجل مبهم ولكن الموقوفات يتساهل فيها في مثل ذلك عند أكثر أهل العلم من أهل الحديث والفقه والأصول والتواريخ والسير كما تقدم
ومع ذلك فهناك آثار أخرى عن أبي هريرة ففي الحلية لأبي نعيم 1/383 : ( عن نعيم بن المحرر بن أبي هريرة ، عن جده ، أبي هريرة أنه كان له خيط فيه ألفا عقدة ، فلا ينام حتى يسبح به ) اه
وفي الحاوي للسيوطي 2/ 2: ( وأخرج عبد الله بن الإمام أحمد [ في زوائد الزهد ] من طريق نعيم بن محرر ... ) اه
وقال السيوطي في الحاوي 2/ 2: ( وأخرج ابن سعد عن أبي هريرة أنه كان يسبح بالنوى المجزع ) اه
3-سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه :
في الطبقات لابن سعد 3/143 : ( عن حكيم بن الدليمي : أن سعداً كان يسبح بالحصى ) اه
وفي مصنف ابن أبي شيبة 2/160: ( [ فصل ] في عقد التسبيح وعدد الحصى ) :
حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان عن حكيم بن الديلمي عن مولاة لسعد أن سعدا كان يسبح بالحصى والنوى
حدثنا بن مهدي عن سفيان عن حكيم بن الديلمي عن مولاة لسعد أن سعدا كان يسبح بالحصى والنوى ) اه
4-أبو صفية رضي الله عنه :
في طبقات ابن سعد 7/60 : ( أخبرنا عفان بن مسلم قال حدثنا عبد الواحد بن زياد قال حدثنا يونس بن عبيد عن أمه قالت رأيت أبا صفية رجلا من أصحاب النبي e قالت كان جارنا هاهنا فكان إذا أصبح يسبح بالحصى والنوى ولا أراه إلا بالحصى ) اه ورواه أحمد في الزهد بنفس الإسناد كما الحاوي للسيوطي 2/ 2
وفي معجم الصحابة للبغوي ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق 4/293 : (نا أحمد بن المقدام نا معتمر نا أبو كعب عن جده بقية عن أبي صفية مولى النبي e أنه كان يوضع له نطع ويجاء بزنبيل فيه حصى فيسبح به إلى نصف النهار ثم يرفع فإذا صلى الأولى سبح حتى يمسي ) اه