سيف قطر
04-03-2007, 11:22 PM
هنــاك أناس
أتقياء ، أخفياء ، أولياء ، يعلم الله طيب سرائرهم ، ويعلم الله إخلاصهم ، ويعلم الله عن همتهم العالية كل شيء ، لذلك خصهم بشيء ، هؤلاء ليس لهم وجود قوي ، ولا سمعة متألقة ، إن حضروا لم يُعرفوا ، وإن غابوا لم يُفتقدوا . هذه منزلة ، ولعل هذه المنزلة تغطي كل إنسان في التعتيم ، لا أحد ينتبه له ، لا أحد يأبه له ، لعله في الدرجة الدنيا الاجتماعية ، لعله في وظيفة بسيطة جداً ، لعله يعيش على كفاف هؤلاء أصحاب منزلة رفيعة عند الله عز وجل ، هذا الدين لكل الخلق قويهم وضعيفهم ، من كان تحت الأضواء متألقاً ، ومن كان في التعتيم هذه المنزلة يختص بها ربنا عز وجل من يشاء ، الانطلاق من هذه الآية
(ربكم اعلم بما في نفوسكم )
(سورة الإسراء(
ولقد قال عنهم بعض العلماء : أصحاب السر هم الأخفياء .
هناك مصطلح نقول نجـوم المجتمع ، يعني بالعلم هناك أشخاص يُشار إليهم بالبنان ، في التجارة ، في الصناعة ، في الزراعة في القيادة، في العلم الجـامعي ، في التأليف ،هؤلاء يسمونهم أعلام المجتمع ، ميول المجتمع ، وهناك أشخاص لا أحد يعـرفهم ، يعملون عملاً طيباً فيمـا بينهم وبين ربهم ، لهم إخلاصهم ، ولهم محبتهم ، ولعل أصدق شاهد على ذلك أويس القرني . النبي عليه الصلاة والسلام قال :
" إذا لقيتم أويس فاطلبوا منه الدعاء ".
سيدنا عمر عشر سنوات يدعو أهل اليمن لعل فيهم أويساً ، في السنة العاشرة سأل رئيس وفد اليمن أبقي أحد من جماعتك ، قال : لا لم يبق أحد ، قال : أبداً . قال : راعي إبل وأجير قوم تركناه مع الإبل . فانطلق إليــه سيدنا عمر . رجل فقير .. هذا أويس القرني ، من يعرفه؟.. لضآلة شأنه ترك مع الإبل ، وكان تابعياً ، وكان من أصحاب المقام الرفيع عند الله عز وجل .
قال : هؤلاء الذين اتبعوا الرسل في ساعة الشدة ، الذين صدقوا الرسل وآثروا الله والدار الآخرة على قومهم وأصحابهم ، أودع الله في قلوبهم سراً من أسرار معرفته ومحتبـه ، والإيمان به ، هذا السر خفي على أعداء الرسل ، فنظروا إلى ظواهرهم .
والآن هناك شخص غني قوي ، بيت ، مكانة ، مركبة ، يلتقي صدفةً مع شخص قد يكون حاجباً ، قد يكون آذناً ، قد يكون يبيع بضاعة على الطريق ، يحتقره ، يزدريه ، لو علم ما في قلبه من أسرار ، ومن إقبال ومن إخلاص ، ومن أشواق لصغر هذا القوي الغني أمام هذا الفقير الضعيف .
ليس كل إنسان فقير عنده سر ، ما كل إنسان يبدو أنه أقل من طبيعي عنده سر ، يجب أن يكون متصلاً بالله ، مقيماً على أمره ، مطيعاً له ، مقبلاً عليه
المقياس عند الله مقياس الطاعة لا مقياس الغنى ، مقياس الإقبال لا مقياس القوة ، مقياس الإخلاص لا مقياس الجمال ، مقياس التوحيد لا مقياس الأتباع ، هذه مقاييس دنيوية لم يعترف القرآن بها إطلاقاً .
هذا الكلام أيها الإخوة من أجل أن لا تحتقر أحداً ، قد تكون رفيع الشأن في الدنيا وعندك خادم ، ومن يدري أن الخادم له عند الله مكانة تعلو على مكانتك . وقد تكون غنياً في الدنيا وعندك موظف بسيط يتقاضى أجراً محدوداً ، ومن يدري أن يكون هذا الموظف البسيط له عند الله مكانة تسمو على مكانتك . لا تزدري أحداً ، لا تنظر إلى الناس بمقياس المال ، هذا مقياس شيطاني ، ولا تنظر إلى الناس بمقياس الجمال هذا مقياس شيطاني.
الإنسان إذا أراد الله تراه يبحث عن علم ، عن عمل صالح ، عن فهم لكتاب الله ، عن فهم لسنة رسول الله ، يبحث عن طريق للدعوة إلى الله يبحث عن شيء يقربه إلى الله ، يحب المؤمنين ، يكره الفسقة والكافرين ولاؤه للمؤمنين ، براءته من أهل الفجور والمعصية . هذا الإنسان تيسر له سبل الإيمان ، وسبل التقوى ، وسبل الرقي ، وسبل العمل الصالح .
هؤلاء من أصحاب السر ، الذين علم الله ما في قلوبهم فأهلهم لمرتبة تتناسب مع طلبهم
وقد ورد في صحيح مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
" رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره".
الحقيقة هؤلاء الأتقياء الأنقياء على طبقتين ، قال : الطبقة الأولى طائفة علت هممهم ، وصفت مقاصدهم ، وصح سلوكهم ، حتى سبقوا السائرين فلم يوقف لهم على رسم ، ولم ينسب إلى اسم ، ولم يُشر إليهم بالأصابع يريد الظل ، يريد أن لا يعرفه أحد .
الآن في أشخاص كثيرون يفعلون أجل الأعمال ولا ينطقون بكلمة يعملون بصمت ، ولكن والله قلوبهم مفعمة بمحبة الله ، قلوبهم عامرة بذكر الله ، هؤلاء أخلصوا .
قال : هؤلاء لهم ثلاث صفات إيجاب ، وثلاث صفات سلب ، ثلاث صفات ثبوتية ، وثلاث صفات سلبية ، هؤلاء الأتقياء الأنقياء أصحاب السر الذين علم الله ما في قلوبهم .
الصفة الأولى : علو هممهم ، أهل الدنيا يميلون إلى الدعة ، يخمدون إلى الأرض .
هؤلاء الأتقياء الأخفياء أصحاب همم عالية ، لا يفترون عن العمل الصالح ، ليلهم ذكر ، ونهارهم ذكر ، وعملهم خدمة ، ومتواضعون يبذلون من وقتهم ، وجهدهم ، وأموالهم الشيء الكثير ، قال : هؤلاء هممهم عالية ، علو همتهم لا تقف دون الله ، ولا تتعوض عنه بشيء سواه ولا ترضى بغيره بدلاً ، ولا تبيع حظها من الله ، وقربه ، والأنس به والفرح والسرور والابتهاج به بشيء من الحظوظ الخسيسة الدنيوية الفانية ، هؤلاء أولى صفاتهم علو هممهم ، الله عز وجل يبارك لهم في وقتهم ، في وقت قليل يفعلون الشيء الكثير ، يبارك لهم في أموالهم ، بمال قليل ينتفعون منه الشيء الكثير ، يبارك لهم في زوجاتهم ، تأتيهم زوجات على شاكلتهم ، معهم على طريق الإيمان ، يبارك لهم في أولادهم ، أولادهم عون لهم في الإيمان .
أول علامة : علو الهمة ، هذا الكسول يميل للاسترخاء ، والراحة والتأجيل ، يقول : ما عندي متسع من الوقت ، جسمي له حق ، أريد الراحته ، لا توقظني من النوم ، هذا وقت متأخر اعذرني ، قولوا ليس في الدار . الانسحاب من العمل الصالح سهل ، ولكن مع الانسحاب من العمل الصالح هناك انسحاب من رحمة الله .
العلامة الثانية : صفاء القصد ، يعني قصدهم خال من الشوائب قصدهم مجرد من حظوظ الدنيا ، والقصد له آفتان ، الآفة الأولى : أن يشترك في هذا القصد عمل للدنيا وعمل للآخرة ، والآفة الثانية : أن يكون لغير الله أن يكون مع قصده لله قصد آخر ، أو أن يكـون لغير الله.
يعني خلوص القصد من كل إرادة تزاحم مراد الله عز وجل ، بل يصير القصد مجرداً لمراده الديني الأمري فقط ، وعلامته انبذاج حظ العبد في حق الرب تعالى . صار ميلك وفق ما جاء به القرآن ، حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به .
العلامة الثالثة : صحة السلوك ، في انضباط ، يقف عند الحلال والحرام ، تجده حيث أمر الله ، تفتقده حيث نهى الله عز وجل ، فسلوكه سليم من الآفات والعوائق والقواطع والحجب ، وإنما يصح هذا السلوك بثلاثة أشياء ، أحدها أن يكون على الدرب الأعظم درب محمد صلى الله عليه وسلم ، عمله وفق السنة ، لا بدع ، لا خرافات ، لا إضافات ، لا حذف من السنة ، عمله وفق السنة ، هذه أول صفة صحة السلوك .
الصفـة الثانية : أن لا يجـب على الطريق داعي البطالة والوقوف والدعة ، وهو في الطريـق إلى الله هناك مغريات ، وسماها العلماء صوارف ، يعني جلسة ، نزهة ، دعة ، استرخاء ، إهمال العمل الصالح هو على السنة ولا يستجيب لأي صارخ ، ودائماً ينظر إلى مقصودة .
هذه الأشياء الثلاثة يصح بها السلوك . الأتقياء الأخفياء أول خصائصهم الهمة العالية ، وثاني خصائصهم صفاء قصدهم ، وثالث خصائصهم صحة سلوكهم ، هؤلاء أتقياء أخفياء ، ودعك من الأضواء والشهرة وما إلى ذلك . من هو أشهر مخلوق ؟ إبليس . ليست الشهرة مقياساً أبداً ، المقياس أن تكون على منهج الله .
أيها الإخوة ... من تمام إحسان الرب إلى عبده لهؤلاء الأتقياء الأصفياء الأخفياء أن يزيل من قلبه آفة الركون إلى نفسه ، أو عمله ، أو حاله ، لو كان حاله متألقاً ، ولو كان عمله عظيماً ، ولو كانت نفسه طاهرة ، لا يركن إلا إلى الله ، دائماً يتهم نفسه .. في الطـريق مزالق، أحد هذه المزالق أن تعجبه نفسه ، عملاً صالحاً ، فتألق فاكتفى به ، صار يمدح نفسه، يكيل المديح لنفسه بغير حساب .
لا تركن لا إلى قلبك ، ولا إلى مالك ، ولا إلى معرفتك ، ولا إلى حالك ، اركن إلى الله وحده .
مدارج السالكين ابن قيم الجوزية
أتقياء ، أخفياء ، أولياء ، يعلم الله طيب سرائرهم ، ويعلم الله إخلاصهم ، ويعلم الله عن همتهم العالية كل شيء ، لذلك خصهم بشيء ، هؤلاء ليس لهم وجود قوي ، ولا سمعة متألقة ، إن حضروا لم يُعرفوا ، وإن غابوا لم يُفتقدوا . هذه منزلة ، ولعل هذه المنزلة تغطي كل إنسان في التعتيم ، لا أحد ينتبه له ، لا أحد يأبه له ، لعله في الدرجة الدنيا الاجتماعية ، لعله في وظيفة بسيطة جداً ، لعله يعيش على كفاف هؤلاء أصحاب منزلة رفيعة عند الله عز وجل ، هذا الدين لكل الخلق قويهم وضعيفهم ، من كان تحت الأضواء متألقاً ، ومن كان في التعتيم هذه المنزلة يختص بها ربنا عز وجل من يشاء ، الانطلاق من هذه الآية
(ربكم اعلم بما في نفوسكم )
(سورة الإسراء(
ولقد قال عنهم بعض العلماء : أصحاب السر هم الأخفياء .
هناك مصطلح نقول نجـوم المجتمع ، يعني بالعلم هناك أشخاص يُشار إليهم بالبنان ، في التجارة ، في الصناعة ، في الزراعة في القيادة، في العلم الجـامعي ، في التأليف ،هؤلاء يسمونهم أعلام المجتمع ، ميول المجتمع ، وهناك أشخاص لا أحد يعـرفهم ، يعملون عملاً طيباً فيمـا بينهم وبين ربهم ، لهم إخلاصهم ، ولهم محبتهم ، ولعل أصدق شاهد على ذلك أويس القرني . النبي عليه الصلاة والسلام قال :
" إذا لقيتم أويس فاطلبوا منه الدعاء ".
سيدنا عمر عشر سنوات يدعو أهل اليمن لعل فيهم أويساً ، في السنة العاشرة سأل رئيس وفد اليمن أبقي أحد من جماعتك ، قال : لا لم يبق أحد ، قال : أبداً . قال : راعي إبل وأجير قوم تركناه مع الإبل . فانطلق إليــه سيدنا عمر . رجل فقير .. هذا أويس القرني ، من يعرفه؟.. لضآلة شأنه ترك مع الإبل ، وكان تابعياً ، وكان من أصحاب المقام الرفيع عند الله عز وجل .
قال : هؤلاء الذين اتبعوا الرسل في ساعة الشدة ، الذين صدقوا الرسل وآثروا الله والدار الآخرة على قومهم وأصحابهم ، أودع الله في قلوبهم سراً من أسرار معرفته ومحتبـه ، والإيمان به ، هذا السر خفي على أعداء الرسل ، فنظروا إلى ظواهرهم .
والآن هناك شخص غني قوي ، بيت ، مكانة ، مركبة ، يلتقي صدفةً مع شخص قد يكون حاجباً ، قد يكون آذناً ، قد يكون يبيع بضاعة على الطريق ، يحتقره ، يزدريه ، لو علم ما في قلبه من أسرار ، ومن إقبال ومن إخلاص ، ومن أشواق لصغر هذا القوي الغني أمام هذا الفقير الضعيف .
ليس كل إنسان فقير عنده سر ، ما كل إنسان يبدو أنه أقل من طبيعي عنده سر ، يجب أن يكون متصلاً بالله ، مقيماً على أمره ، مطيعاً له ، مقبلاً عليه
المقياس عند الله مقياس الطاعة لا مقياس الغنى ، مقياس الإقبال لا مقياس القوة ، مقياس الإخلاص لا مقياس الجمال ، مقياس التوحيد لا مقياس الأتباع ، هذه مقاييس دنيوية لم يعترف القرآن بها إطلاقاً .
هذا الكلام أيها الإخوة من أجل أن لا تحتقر أحداً ، قد تكون رفيع الشأن في الدنيا وعندك خادم ، ومن يدري أن الخادم له عند الله مكانة تعلو على مكانتك . وقد تكون غنياً في الدنيا وعندك موظف بسيط يتقاضى أجراً محدوداً ، ومن يدري أن يكون هذا الموظف البسيط له عند الله مكانة تسمو على مكانتك . لا تزدري أحداً ، لا تنظر إلى الناس بمقياس المال ، هذا مقياس شيطاني ، ولا تنظر إلى الناس بمقياس الجمال هذا مقياس شيطاني.
الإنسان إذا أراد الله تراه يبحث عن علم ، عن عمل صالح ، عن فهم لكتاب الله ، عن فهم لسنة رسول الله ، يبحث عن طريق للدعوة إلى الله يبحث عن شيء يقربه إلى الله ، يحب المؤمنين ، يكره الفسقة والكافرين ولاؤه للمؤمنين ، براءته من أهل الفجور والمعصية . هذا الإنسان تيسر له سبل الإيمان ، وسبل التقوى ، وسبل الرقي ، وسبل العمل الصالح .
هؤلاء من أصحاب السر ، الذين علم الله ما في قلوبهم فأهلهم لمرتبة تتناسب مع طلبهم
وقد ورد في صحيح مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
" رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره".
الحقيقة هؤلاء الأتقياء الأنقياء على طبقتين ، قال : الطبقة الأولى طائفة علت هممهم ، وصفت مقاصدهم ، وصح سلوكهم ، حتى سبقوا السائرين فلم يوقف لهم على رسم ، ولم ينسب إلى اسم ، ولم يُشر إليهم بالأصابع يريد الظل ، يريد أن لا يعرفه أحد .
الآن في أشخاص كثيرون يفعلون أجل الأعمال ولا ينطقون بكلمة يعملون بصمت ، ولكن والله قلوبهم مفعمة بمحبة الله ، قلوبهم عامرة بذكر الله ، هؤلاء أخلصوا .
قال : هؤلاء لهم ثلاث صفات إيجاب ، وثلاث صفات سلب ، ثلاث صفات ثبوتية ، وثلاث صفات سلبية ، هؤلاء الأتقياء الأنقياء أصحاب السر الذين علم الله ما في قلوبهم .
الصفة الأولى : علو هممهم ، أهل الدنيا يميلون إلى الدعة ، يخمدون إلى الأرض .
هؤلاء الأتقياء الأخفياء أصحاب همم عالية ، لا يفترون عن العمل الصالح ، ليلهم ذكر ، ونهارهم ذكر ، وعملهم خدمة ، ومتواضعون يبذلون من وقتهم ، وجهدهم ، وأموالهم الشيء الكثير ، قال : هؤلاء هممهم عالية ، علو همتهم لا تقف دون الله ، ولا تتعوض عنه بشيء سواه ولا ترضى بغيره بدلاً ، ولا تبيع حظها من الله ، وقربه ، والأنس به والفرح والسرور والابتهاج به بشيء من الحظوظ الخسيسة الدنيوية الفانية ، هؤلاء أولى صفاتهم علو هممهم ، الله عز وجل يبارك لهم في وقتهم ، في وقت قليل يفعلون الشيء الكثير ، يبارك لهم في أموالهم ، بمال قليل ينتفعون منه الشيء الكثير ، يبارك لهم في زوجاتهم ، تأتيهم زوجات على شاكلتهم ، معهم على طريق الإيمان ، يبارك لهم في أولادهم ، أولادهم عون لهم في الإيمان .
أول علامة : علو الهمة ، هذا الكسول يميل للاسترخاء ، والراحة والتأجيل ، يقول : ما عندي متسع من الوقت ، جسمي له حق ، أريد الراحته ، لا توقظني من النوم ، هذا وقت متأخر اعذرني ، قولوا ليس في الدار . الانسحاب من العمل الصالح سهل ، ولكن مع الانسحاب من العمل الصالح هناك انسحاب من رحمة الله .
العلامة الثانية : صفاء القصد ، يعني قصدهم خال من الشوائب قصدهم مجرد من حظوظ الدنيا ، والقصد له آفتان ، الآفة الأولى : أن يشترك في هذا القصد عمل للدنيا وعمل للآخرة ، والآفة الثانية : أن يكون لغير الله أن يكون مع قصده لله قصد آخر ، أو أن يكـون لغير الله.
يعني خلوص القصد من كل إرادة تزاحم مراد الله عز وجل ، بل يصير القصد مجرداً لمراده الديني الأمري فقط ، وعلامته انبذاج حظ العبد في حق الرب تعالى . صار ميلك وفق ما جاء به القرآن ، حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به .
العلامة الثالثة : صحة السلوك ، في انضباط ، يقف عند الحلال والحرام ، تجده حيث أمر الله ، تفتقده حيث نهى الله عز وجل ، فسلوكه سليم من الآفات والعوائق والقواطع والحجب ، وإنما يصح هذا السلوك بثلاثة أشياء ، أحدها أن يكون على الدرب الأعظم درب محمد صلى الله عليه وسلم ، عمله وفق السنة ، لا بدع ، لا خرافات ، لا إضافات ، لا حذف من السنة ، عمله وفق السنة ، هذه أول صفة صحة السلوك .
الصفـة الثانية : أن لا يجـب على الطريق داعي البطالة والوقوف والدعة ، وهو في الطريـق إلى الله هناك مغريات ، وسماها العلماء صوارف ، يعني جلسة ، نزهة ، دعة ، استرخاء ، إهمال العمل الصالح هو على السنة ولا يستجيب لأي صارخ ، ودائماً ينظر إلى مقصودة .
هذه الأشياء الثلاثة يصح بها السلوك . الأتقياء الأخفياء أول خصائصهم الهمة العالية ، وثاني خصائصهم صفاء قصدهم ، وثالث خصائصهم صحة سلوكهم ، هؤلاء أتقياء أخفياء ، ودعك من الأضواء والشهرة وما إلى ذلك . من هو أشهر مخلوق ؟ إبليس . ليست الشهرة مقياساً أبداً ، المقياس أن تكون على منهج الله .
أيها الإخوة ... من تمام إحسان الرب إلى عبده لهؤلاء الأتقياء الأصفياء الأخفياء أن يزيل من قلبه آفة الركون إلى نفسه ، أو عمله ، أو حاله ، لو كان حاله متألقاً ، ولو كان عمله عظيماً ، ولو كانت نفسه طاهرة ، لا يركن إلا إلى الله ، دائماً يتهم نفسه .. في الطـريق مزالق، أحد هذه المزالق أن تعجبه نفسه ، عملاً صالحاً ، فتألق فاكتفى به ، صار يمدح نفسه، يكيل المديح لنفسه بغير حساب .
لا تركن لا إلى قلبك ، ولا إلى مالك ، ولا إلى معرفتك ، ولا إلى حالك ، اركن إلى الله وحده .
مدارج السالكين ابن قيم الجوزية