المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وظيفة التلفزيون فى المجتمع العربي



فتى البورصة
07-03-2007, 01:03 AM
من البداهات الحالية القول إن الإعلام- بما فيه التلفزيوني- أصبح يلعب دورا رياديا وخطيرا فى حضارتنا الانسانية المعاصرة؛ إذ أن الإعلام أصبح أكثر من أى وقت مضى ذا قيمة استراتيجية، ليس فقط من أجل تنشيط المبادرات والنقاشات فى الفضاء الاجتماعي، بل أيضا من أجل تحديث المجتمعات وزيادة فعاليتها الاقتصادية. فتقنيات الاتصال نفسها تساهم اليوم بقوة فى تجديد تقنياتنا الثقافية والعقلية.
فهل التلفزيون العربى ينخرط بالفعل فى بلورة وتفعيل هذه المهام والوظائف الإعلامية السالفة، من أجل بناء وتكريس مشروع مجتمعى تنموى وحداثي، وذلك بالانتقال بالتلفزيون من ثقافة الفرجة التضبيعية وتكريس الأوضاع السلبية والمتخلفة القائمة، إلى ثقافة إعلامية تنويرية وإنتاجية تساهم فى رقى وتقدم الفرد والمجتمع العربيين بشكل عام؟ وما هى الوظائف المجتمعية، الكائنة والممكنة للتلفزيون العربي؟ موضوعيا من الصعب الحديث عن "التلفزيون" و"العربي" بصيغة الجمع، وعن نظام إعلامى عربى موحد "إلا إذا قبلنا تجاوزات عديدة واستثناءات شتى"، رغم ذلك سنحاول الإجابة عن الأسئلة السالفة من خلا مقاربتنا لبعض وظائف التلفزة فى المجتمع العربى من خلا ل أربعة وظائف أساسية على الأقل:الوظيفة الترفيهية، والوظيفة الإخبارية، والوظيفةالاشهارية، والوظيفة الإيديولوجية والسياسية.
الوظيفة الترفيهية للتلفزيون العربى
من بين الأسباب الرئيسية لاستقطاب التلفزيون لأعداد كثيرة من المتلقين، تقديمه لخدمات الترفيه الممركزة حول التسلية والمتعة والتشويق والإثارة...حيث يجد المتلقي/المشاهد ضالته فى الاستراحة من جدية أو هزلية الحياة اليومية الخاصة والعامة. وعليه فإن المشرفين على خريطة وهندسة البرمجة التلفزيونية يجتهدون ويتفننون فى توفير هذه الخدمات بكثرة، ولو اضطر الأمر إلى شرائها بأموال باهظة. المهم هو استقطاب أكبر عدد ممكن من المشاهدين لتحقيق غايات معينة، قد تكون ذات طبيعة تجارى أو إيديولوجية، كما سنرى لاحقا.وهكذا يجد المشاهد العربى نفسه أمام أطنان وأكوام من البرامج الغنائية والرياضية والمسابقات والأفلام والمسلسلات.نعم قد يخلق هذا النوع من البرامج بعض الترفيه والتسلية، ولكن بأى ثمن سيكولوجى ومعرفى وقيمى وحضاري؟ حيث يمكننا القول بأن جل هذه البرامج الترفيهية تكرس وتحدث لدى المشاهد العربى تمثلات وتوجهات سلوكية سلبية، نظرا لطغيان مرجعياتها الأجنبية الاستلابية، والإيديولوجية التسطيحية والتضبيعية، والتى يمكن إجمالها فيما يلي:
- تكريس العقلية والعلاقات الاستهلاكية والاستلابية، وتعويض القيمة الإنسانية للفرد بالقيم "التبضيعية" والتشييئية "سلعنة وتشييء الإنسان حسب نموذج الرأسمالية المتوحشة" - تكريس النزعة الفردية والعصبية والشوفينية على حساب النزعات الجماعية والوطنية والقومية.
- تكريس وإثارة الأبعاد الغريزية والإيروسية لدى الفرد "الجنسية أساسا بأشكالها القيمية السلبية".
- تكريس ثقافة العنف والقوة ومنطق الغاب.
- تكريس الفكر الخرافى والأسطورى والعامى فى أشكال معاصرة، وعلى حساب الفكر العلمى والعقلانى المتنور.
- تكريس مرجعية ثقافية وقيمية أحادية "الغربية أساسا، بالإضافة إلى النمط النخبوى السائد".
- تكريس الانبهارية والتبعية للآخر الأقوى والسائد، وإنتاج شخصية مستلبة وفضامية دون هوية محددة ودون استقلالية ذاتية وناضجة وفعالة.
الوظيفة الإخبارية للتلفزيون العربى
الإخبار من بين الوظائف التقليدية للتلفزيون؛ الإخبار بالمستجدات والأحداث الوطنية والإقليمية والدولية.

غير انه من الملاحظ عربيا،أن جل هذه الأخبار، على المستوى الوطني، يتمركز حول الأخبار الرسمية للدولة الحاكمةوالدعاية المبالغة لها،وأحيانا بشكل مضخم، وممل أحيانا أخرى. ويتم فى الغالب إغفال أنشطة وأحداث المجتمع المدنى أو السياسى المعارض والمخالف للتوجهات الرسمية على الخصوص.أما على مستوى الأخبار الدولية، فإن معظم هذه الأخبار تنقل عن مرجعيات غربية خاصة؛ وكما هو معروف، فإن هذه المرجعيات تتحكم فيها وكالات الأخبار الغربية، والتى تكيف وتخرج وتنشر الأخبار المتلفزة أو المكتوبة حسب المصالح الحيوية والاستراتيجية للدول الغربية وحلفائها "مثلا، لنلاحظ كيف يتم تقديمها للأخبار المتعلقة بالشرق الأوسط".والملاحظ كذلك بان المنهجية المعتمدة فى تقديم الأخبار الدولية من طرف التلفزيون العربى يطغى عليها الطابع ألاستنساخى والتقريري،دون إعمال للمقاربات التحليلية النقدية والمقارنة فى التعامل مع هذه الأخبار،من أجل إغناء وتصفية المعلومات الإخبارية وفق معايير المصداقية والموضوعية والحقيقة.وبالطبع هناك بعض الاستثناءات الإيجابية التى تتعامل مع الأخبار وفق الأخلاقيات الصحافية المعروفة، ويكفى أن نشير إلى التجربة الإعلامية الرائدة لقناة الجزيرة، كنموذج لإعلام موضوعى وحر.
الوظيفة الإشهارية
كما هو معروف يهدف الإشهار التلفزيونى إلى تعريف الجمهور العريض ببعض السلع والمنتجات الاستهلاكية.ويمكننا أن نقول بان اغلب الوصلات الإشهارية تقدم فى قوالب نفسية لا شعورية وغريزية،لا يهمها فى ذلك لا ثقافة المتلقى العربي، ولا شخصيته الإنسانية، ولا خصوصياته الأسرية...حيث تطغى على جل الوصلات الإشهارية تيمة الإغراءات الجنسية المشروطة بطريقة "بافلوفية" بالإنتاج موضوع الإشهار، وقد تكون فى بعض الأحيان بطريقة تششيئية سافرة؛ إذ تصبح المرأة، أو يصبح الرجل، أو الأطفال أحيانا، مجرد "أشياء" غريزية وحيوانات استهلاكية، تكسب قيمتها الشخصية، وتحصل على أحلامها وعلى موضوع رغبتها، انطلاقا من السلعة التى يجب عليها اقتناءها؛ والتالي، فإن أغلب هذه الوصلات الاشهاريةتقدم قيم ثقافية سلبية، تكرس الحيوانية والتبعية والاستيلاب الاستهلاكي.كما أن الإشهار فى تلفزيوناتنا العربية،لا تقتصر على إشهار السلع المادية، بل تغرقنا كذلك فى وصلات إشهارية "للسلع الرمزية والسياسية" للأنظمة الحاكمة.
الوظيفة الإيديولوجية والسياسية
يمكننا أن نجازف ونقول بأن التلفزيون العربي،وخصوصا الرسمي، تكاد تهيمن عليه الوظيفة الإيديو-سياسية على مضامين جل المنتجات التلفزية والإعلامية؛ إذ "تتشابه السياسات الاتصالية الفعلية فى الأقطار العربية، من حيث سعيها إلى دمج الإعلام فى مؤسسات رموز السلطة وتوظيف الإعلام سياسيا ودعائيا...على حساب وظائف الإعلام الأخرى". وربما هذا ما يفسر الاحتكار المستمر للتلفزيون الرسمى من طرف الأنظمة القائمة، وجعله مجرد مؤسسة حكومية محتكرة و تابعة للدولة الحاكمة، وعدم السماح بتعددية تلفزية، وبدمقرطة التلفزيون؛ بحيث نلاحظ غياب أو تغييبا شبه مطلق للمعارضات السياسية والأصوات المخالفة للسياسات الرسمية، عن لم نقل منعها مطلقا من الظهور على شاشات التلفزيون "ونحن نقصد بالمعارضة المواطنة والغيورة على مصالح الوطن، لا المعارضة الانتهازية العميلة والخائنة لبلدها". إن واقع التلفزيون العربى الذى يكرس ثقافة الطابوهات والمنع والتضليل وقمع الحريات والتعددية، تجعل المشاهد العربى فى وضعية سلبية تدفع به إلى "الهجرة البصرية" وإلى "لجوء بصري" نحو قنوات تلفزية خارجية أو أجنبية طلبا للحقيقة وللحرية، ولتثقيف إعلامى أكثر استقلالية وفائدة. ولتجاوز سلبيات وظائف المشهد التلفزى العربي، نقترح بعض المبادئ والتوجهات التى يمكن تفعيلها من اجل من أجل استراتيجية نهضوية وديمقراطية للوظائف الإعلامية للتلفزيون: - سياسيا: جعل التلفزيون يساهم فى تكريس ونشر وعى سياسى حداثي، وذلك بترسيخ قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان و حقوق المواطنة، وحرية التعبير، والحق فى الاختلاف فى إطار قيم الوحدة الوطنية والقومية والإنسانية...وغيرها من القيم السياسية الإيجابية.
- ثقافيا: جعل التلفزيون يساهم فى نشر ثقافة الحداثة والنهضة الشاملة، وذلك بترسيخ فيم العقل والعلم والإبداع والرقى بالذوق الجمالى والفنى لدى المشاهد العربي، وتشجيع البرامج والمنتجات الإعلامية العربية، والانتقال بالتلفزيون من وظيفة الفرجة التضبيعية والتضليل الإيديولوجى والسياسي، إلى وظيفة التثقيف والتكوين العلمى المتين والإبداع الخلاق... - اجتماعيا وأخلاقيا :يجب على التلفزيون العربى أن يلعب دوره كاملا كمؤسسة للتربية والتنشئة الاجتماعية العمومية كذلك، وذلك بالعمل على تجاوز مظاهر الأنانية والطبقية والنخبوية والقبلية الشوفينية، والتعصب الأعمى و ترسيخ القيم الجماعية الإيجابية والوطنية والإنسانية عامة.
- سيكولوجيا: جعل التليفزيون يلعب دورا حاسما فى بناء شخصية سليمة ومتوازنة، عبر بناء الاتجاهات النفسية الإيجابية، وتصحيح انحرافاتها المعرفية والوجدانية المرضية والسلبية، وذلك من اجل بناء شخصية ناضجة و ذكية وواعية ومثقفة وقوية وفعالة..إن تلفزيوننا العربى يمكن له أن يقوم بوظائف طلائعية وريادية فى بناء مجتمع متقدم ومتحضر، ورفع التحديات و الأخطار المعاصرة التى تزداد حدة ، خصوصا وأننا فى زمن الإعلام والمعرفة، وفى زمن تطغى عليه قيم وسلطة العولمة فى أبعادها الصراعية السياسية والحضارية؛ وإن صانعى العولمة والمتحكمين فى هندستها وخيراتها، لم يتمكنوا من صناعتها كأداة وكسلاح للسيطرة على العالم من فراغ، بل "إن أصول "هذه" العولمة ترجع إلى تعميم تطبيقات العلوم على كافة الأنشطة البشرية، واكتساح التكنولوجيا الجديدة، والتى تثير عوامل ضبط تمس الاقتصاد والتوازنات البيئية، وتؤدى إلى تصورات أساسية فى الأخلاق، وتجر على قبول حدثنة ثقافية، وتطوير الفضاءات الاجتماعية، وتوجب إصلاحا لفكر يمارس أثرا واضحا على الأنساق التنظيمية والسياسية والتربوية. إن التلفزيون العربى "أستعمل العربى بالمعنى الجغرافى للكلمة" هو من بين أكثر الوسائل المجتمعية التى يمكن توظيفها لصناعة وتحقيق نهضة مجتمعية شاملة، خصوصا إذا علمنا بان التلفزيون كأداة تقنية، ستصبح له وظائف تقنية جديدة وإضافية؛ حيث بالإضافة إلى استخدامه فى البت الفضائى والرقمي، سيتم دمجه مع تكنولوجيا الحاسوب pc، ومن المتوقع كذلك استخدامه للإبحار عبر الانترنت، علاوة على الاستخدامات التفاعلية.

أبوتركي
19-03-2007, 12:37 AM
شكرا لك أخوي