مغروور قطر
07-03-2007, 06:03 AM
الشيخ أحمد بزيع الياسين ل القبس:
العمل المالي الإسلامي ليس للتجربة بل للتنفيذ
الشيخ أحمد بزيع الياسين
07/03/2007 أجرت الحوار: غدير جرار
عندما نريد التحدث عن تجربة العمل المالي الاسلامي او تراودنا استفسارات نبحث عن اجوبة واقعية وعملية عنها، فنحن امام خيارات محدودة في هذا المجال. غير اننا سرعان ما نجد ضالتنا في احد ابرز الذين عايشوا التجربة في بدايتها الاولية وهي في المهد الا وهو الشيخ احمد بزيع الياسين الذي يعد احد رموز العمل المالي الاسلامي المصرفي ليس على المستوى المحلي وحسب بل على المستويين العربي بعامة والخليجي بخاصة.
فالرجل كانت له اسهاماته الواضحة في توجيه التجربة نحو الطريق الصحيح، ولا يزال مع اقرانه من العلماء والمعنيين بصناعة المال الاسلامية في جهد مستمر، لتوفيق الادوات المالية المصرفية مع احكام الشريعة الاسلامية، وارساء قواعد التجربة وغرس جذورها.
حمل عبء الدفاع عن تجربة العمل المالي الاسلامي في وجه منتقديه، ليكون احد المراجع 'الدسمة' وصاحب آراء معتدلة في معالجة قضايا وأوجه الاختلاف.. وهكذا، فعندما نتحدث عن المصارف الاسلامية والهيئات الشرعية، لا بد لنا من تذكر الياسين، لتعدد اسهاماته وبروز بصماته الواضحة في مسيرتها.
الكل يعلم كم هو نادر ظهوره الإعلامي وكم هي قليلة تصريحاته وحواراته الصحفية، لكنه في المقابل جاد وواضح وحاد البصيرة في اجاباته التي تتعلق بحكمة الشريعة والإسلام أو في ما يتعلق بمختلف القضايا التي يتم طرحها عليه.
وفي حواره مع 'القبس' أكد الشيخ ان العمل الإسلامي المصرفي والاستثماري ليس للتجربة بل للتنفيذ، وعلى المشككين فيه الاقتناع بالتجربة التي نجحت والا فليبقوا كما هم حتى يفتح الله بصيرتهم، متمنيا ان تعم المعاملات المشروعة المعمورة كلها لإنهاء حالة الفتن والحروب في العالم التي باعتقاده ناشئة عن معاملات الربا المنتشرة في كل زاوية وركن.
ورأى الياسين انه ليس كل اعمال البنوك التجارية التقليدية محرمة، بل هناك ما هو حلال ويتم التعامل به من دون وجل، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن حوالي 400 مليار دولار تدار حاليا حسب الشريعة الإسلامية في الأسواق المحلية والاقليمية والاسلامية والعالمية، داعيا أصحاب البنوك التقليدية لتطبيق الشريعة وإدارة عملياتهم وفقها.
وقال ان الفتاوى واحدة، لأن الدين واحد، واختلافها بين مكان وآخر يعود في رأيه ليس على صاحب الفتوى، بل بتوضيح العملية وحقيقة السؤال كما ينبغي، مشددا على ان النظام الإسلامي والمالي بفقه المعاملات واحد وليس فكرا بل عقيدة، والاجتهادات هي ما تسبب بعض الفروقات والاختلافات السطحية.
ويرى الشيخ الياسين ان العمل المالي الإسلامي في تقدم لا نظير له، بينما التقليدي أخذ مكانه بالانحسار، داعيا الى زيادة أعداد المصارف والشركات الإسلامية، خاصة مع قدرة الكويت واستيعابها لان تصبح مركزا في هذا المجال.. وهنا نص الحوار:
بداية، حدثنا عن تجربة العمل المالي الإسلامي في الكويت؟
في الأربعينات كان يوجد في الكويت بنك تقليدي واحد، وكنت قد تخرجت في المدرسة المباركية عام 1942 من الثاني الثانوي الذي لم يكن يوجد أعلى منه في ذلك الوقت، وانخرطت في العمل الإداري عند احد أعمامي في السوق التجاري ككاتب حسابات، لأدرك من خلال ممارسة هذا العمل حاجة الوطن الى بنوك لا تتعامل بالفائدة. وفي اوائل الخمسينات ذهبت إلى مدير هذا البنك وكان أجنبيا لأطلب منه فتح حساب استثماري لمشروع إسلامي، ولم يجبني الا بابتسامة صفراء، وهذا البنك الآن، والحمد لله، يحاول ممارسة أعماله المصرفية والاستثمارية نحو فتح منفذ إسلامي له بعد حوالي 54 عاما من هذا الحادث.
وفي عام 1977 صدر مرسوم أميري لإنشاء بيت التمويل الكويتي ليمارس العمل في بداية عام 1978 برأسمال 10 ملايين دينار، حيث كنت اعتقد انه اذا أتى عملاء لا يتجاوز عددهم الألفين في السنة الأولى فسيكون منهجا ناجحا ومرغوبا، ولكن هذا العدد جاء في الأسبوع الأول وتوالت الزيادة.
معوقات البداية
وككل الأعمال لا بد في البداية من مواجهة شيء من المعوقات وكان من أهمها الثقافة المالية الإسلامية المخزونة في الكتب لتأتي البنوك الإسلامية لتخرجها حية في سوق التعامل بعد نزعها محور الربا منها، والآن وصل عدد المحاور الشرعية الى ما يزيد على 40 بدلا من الربا، علما بأن الكويت كانت سباقة في نشر البنود الاسلامية لما لها من صدى في عقيدة المجتمع.
والمحاور الشرعية اهمها محور البيع بجميع انواعه المشروعة والاجارة والشركات المشروعة، مع الوكالة والخدمات والصرف المشروع، وكمثال قام بيت التمويل الكويتي بممارسة هذه المحاور وبدأ عمله بمليونين ونصف المليون من اصل الملايين العشرة وبعد مرور ثلاثين عاما وصل عمود الميزانية للموجودات الى 5 مليارات دينار حتى نهاية العام الماضي ،2006 لتوزع النتائج الربحية على الوديعة الاستثمارية المستمرة المطلقة بنسبة 8.458% ربح المساهمين في الاسهم، 15% منحة و57 فلسا نقديا، ليصل بيت التمويل الكويتي الى الدرجة الاولى في السوق المصرفي بناء على هذه التوزيعات.
نضوج التجربة
برأيك هل نضجت التجربة بالكامل؟
- اولا اريد التأكيد على ان العمل الاسلامي المصرفي والاستثماري ليس للتجربة بل للتنفيذ، والتجربة هي لمزاولي العمل ومحاولة تعتيم مدى كفاءتهم لتحقيق النجاح في الاستثمار وفق الشريعة الاسلامية، والحمد لله وبعد هذه المسيرة التي ستتواصل يظهر انهم قد اثبتوا نجاحهم وتفوقهم.
أمنية.. لو تتحقق
ما الطموح الذي كنت ترغب او تتمنى ان يتحقق ولم يحدث حتى الآن؟
- كنت ارجو واتمنى ان تعم المعاملات المشروعة المعمورة كلها لأنني اعتقد واؤمن بأن الفتن الموجودة في العالم والحروب وسفك الدماء نتيجة للربا المنتشر في كل زاوية وكل ركن، والله سبحانه وتعالى اعلن الحرب في القرآن على المتعاملين بالربا، والرسول عليه الصلاة والسلام لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، لما فيه من ظلم فادح على البشرية، حيث ان المدين الذي حصل له عسر تتراكم عليه الفائدة حتى يفي بدينه او يعلن افلاسه، وهذا الاعلان فيه خدش لكرامة الانسان.
رد على المشككين
بماذا ترد على المشككين في ان العمل المالي الاسلامي ليس خالصا؟
- المشكك الذي يريد ان يفهم اقتنع من التجربة والعمل خلال ثلاثين عاما مضت، اما الآخرون فسيظلون كما هم حتى يفتح الله بصيرتهم، ونحن نرد عليهم بالافعال لا بالاقوال.
بين التقليدي والشرعي
بنوك محلية تقليدية تقول ان عمليات وحسابات الشركات الاسلامية تتم لديها، كيف ذلك؟ وما حدود التعامل مع المؤسسات التقليدية في تلك الجوانب؟
البنوك التقليدية سواء في الكويت او غيرها تتعامل مع المؤسسات والشركات الاسلامية حسب المنهج الشرعي وليس بحسب المعاملات التقليدية الربوية، وهو امر جائز لا خلاف فيه.
نريد رأيا قاطعا وصريحا: هل العمل المالي التقليدي حرام؟
العمل التقليدي في البنوك فيه ما هو حلال وما هو حرام، فالخدمات المصرفية والاجور عليها والصرف الفوري (تحويل العملات الفوري) جائز، بينما الزيادة في الاقراض على رأس المال لفترة معينة فهذا الربا بعينه وهو الممنوع شرعا. والان يوجد ما يقارب من 400 مليار دولار في السوق المحلي والاقليمي والاسلامي والعالمي تدار حسب الشريعة الاسلامية، ومن الملاحظ في المؤتمرات ان اصحاب البنوك التقليدية يحرصون على حضورها للاستفادة من اسباب نجاحات البنوك الاسلامية في استقطاب هذا المبلغ الكبير، واعتقد انهم وجدوا المنهج الذي في صالح البشرية كلها لو تم تطبيقه لكونه يعالج كثيرا من الامراض الاجتماعية والنفسية والمالية.
الفتاوى
لاحظ مراقبون ان هناك اختلافا في الفتاوى بين بنوك ومؤسسات مالية واخرى.. كيف ذلك والدين واحد؟
الفتوى هي استنباط الاحكام من الكتاب والسنة، وهنا في مجال المال نتحدث عن الاستثمار، والمفتي يدلي برأيه حسب فقهه واجتهاده وتصوره للسؤال، فقد يكون السائل لا يأتي بالحقيقة العملية كما ينبغي، لذا العلة ليست بالفتوى وانما في توضيح صورة السؤال، وفي فهم السائل بمنطق الصورة الحقيقية، اما المفتون فتختارهم المؤسسات من الفقهاء المعروفين بعلمهم ونزاهتهم واجتهادهم.
يقال ان العمولات والعائد الذي تحصل عليه البنوك والمؤسسات الاسلامية اعلى من التقليدية.. لماذا؟
كلام غير صحيح، ولو كان حقيقيا لما كثر متعاملو البنوك الاسلامية وزاد اقبالهم، وانا شخصيا دققت في هذا الامر ووجدت ان العكس هو الصحيح، فالمصارف الاسلامية اقل تكلفة من التقليدية وارباحها مقبولة، وتحقيق الارباح ينتج اولا من توفيق الله ومن الجدية في العمل والزيادة في النشاط.
عقيدة
هل من خطورة على ان يدار العمل المالي والاسلامي بفكر واحد؟
النظام الاسلامي والمالي بفقه المعاملات واحد فكرا بل عقيدة وتطبيق ذلك عن طريق المعاملة هو الذي تم ويتم، والاسلام واحد والاجتهادات في فهم النصوص من الكتاب والسنة هو ما يسبب بعض الفروقات والاختلافات السطحية ولكن لا علاقة لها بالجوهر.
كثيرا ما نسمع عن اتهام اللجان الشرعية كما مدققي الحسابات بانهم واجهة لتنفيذ مطالب ادارات الشركات والبنوك الاسلامية.. بماذا ترد؟
هذا هراء، وانا في اكثر من هيئة شرعية ولم أجد لمثل هذه التهم نصيبا من الصحة.
كيف ترى مستقبل العمل المالي الاسلامي مقابل التقليدي؟
حسبما تبين بوضوح، فإن العمل الاسلامي في تقدم لا نظير له، بينما التقليدي في انكماش وانحسار والدليل على ذلك ان كثيرا من البنوك التقليدية تحولت الى اسلامية، وهو امر اصبح معروفا محليا وعربيا واسلاميا.
البنك العقاري
ما رأيك باتهام القائمين على البنك العقاري بأنه اصبح محسوبا على طائفة بعينها؟
- البنك العقاري كويتي للجميع وليس محسوبا على طائفة دون الاخرى، ونحن هنا شعب واحد نتعامل معا بخلق رفيع وعال دون نظر الى المذاهب، وبيننا كمواطنين على اختلاف اجتهاداتنا محبة وتعاون والفة، ومن يدرس تاريخ الكويت القديم ويتابع الحديث منه يعلم ويتأكد من ذلك.
الى اي مدى يستوعب السوق الكويتي بنوكا اسلامية اخرى؟
- تحرص الكويت حكومة وشعبا ان تكون مركزا ماليا مرموقا في العالم، ولذلك يستطيع الوطن استيعاب الاعداد الكثيرة من المصارف والشركات الاسلامية، حيث ان اعمالها ممتدة حول العالم كله وليس محليا فقط.
كلمة أخيرة
هل من كلمة أخيرة توجهها؟
- الكلمة الاخيرة التي اوجهها للعالم كله شرقه وغربه وبالاخص العالم الاسلامي ان يتقوا الله بأنفسهم ويلتزموا الحق والعدل والاحسان وينتهوا عن الفحشاء والمنكر والبغي.
من هو؟
الشيخ ياسين من مواليد عام 1928 (1346 ه)، دخل الكتاب وعمره اربع سنوات، ليتخرج منه في التاسعة من عمره، دخل المدرسة المباركية عام 1937 بحصيلة جيدة من التعليم الابتدائي استقاها من مدرسة الكتاب، حتى انه حين دخل المرحلة الابتدائية واختبره ناظر المدرسة قام بنقله الى الصف الرابع متوسط/ج مباشرة، ليبدأ الدراسة من ذلك الصف، وبقي الياسين حتى عام 1942 ليتخرج بعده من الصف الثاني الثانوي.
رحلته الاولى الى الحج كانت في عام 1946 عاد بعدها ليعمل لحسابه الخاص متنقلا ما بين الكويت والهند لمدة سنتين ثم عمل في عام 1948 مع عبدالعزيز علي المطوع حتى عام 1972 متنقلا في الوظيفة ليصبح مديرا لاعماله في الكويت والسعودية، كما انضم الى غرفة التجارة والصناعة عام ،1970 واصبح عضوا في مجلس ادارة بنك الكويت المركزي منذ تأسيسه، حين لم تكن الفائدة البنكية من اختصاصه في ذلك الوقت لكنه عندما تم اسناد تحديد سعرها اليه اعتزل العمل.
وفي سبعينات القرن الماضي عمل الياسين في جمعيات النفع العام رئيسا في بعضها وعضوا في البعض الاخر، وفي تلك الفترة سعى الى تأسيس شركة او بنك على النهج الاسلامي.
'الياسين' وبيت التمويل الكويتي
حين كان الشيخ عضوا في مجلس ادارة بنك الكويت المركزي قام في احدى جلسات الادارة بطرح موضوع ضرورة انشاء مصارف اسلامية في ذلك الوقت، ليوافقوا على ذلك على ان يتم تأجيلها لجلسة مقبلة، ولكنه عاد في بداية السبعينات وطرح فكرة تأسيس بيت تمويل اسلامي ليستحسن وزير المالية آنذاك عبدالرحمن سالم العتيقي الفكرة ليتم تأسيس بيت التمويل الكويتي ويكلف بالعمل فيه عقب مشاركة بعض الكويتيين ووزارة المالية في تأسيس بنك دبي الاسلامي بالتعاون مع الشيخ سعيد احمد لوتاه.
وتم التأسيس عام 1977 وبدأ العمل في بيت التمويل الكويتي يوم 1978/8/28 حيث ساهم الياسين الذي شغل منصب رئيس مجلس الادارة فيه منذ انشائه وحتى عام 1993 في دعم الاقتصاد الوطني والخليجي وزيادة رأس مال عدد من الشركات التابعة والزميلة بهدف التوسع بقوة في الاستثمارات عامة وتحديدا القطاع العقاري.
مشاركات سياسية
السياسة في حياة الشيخ كان لها دور كبير من خلال خوضه انتخابات مجلس الامة ثلاث مرات، الاولى كانت عام 1963 حصل فيها على المركز العاشر، والثانية حصل فيها على المركز الرابع عشر عام ،1967 بينما كان من نصيب المركز السادس في المرة الثالثة عام 1975.
نكتة لا تستحق الرد
تعليقا على من يصف العمل المالي الاسلامي بأنه عمل تقليدي بعمامة لا اكثر، قال الشيخ احمد بزيع الياسين: هذه نكتة يجاوب عليها صاحبها، ولا اريد الرد على هؤلاء فهم أعلم بنياتهم واستهزائهم بالشريعة ومعاملاتها.
القوي.. والأمين
سألنا الشيخ الياسين عن المؤهلات الواجب توافرها في الموظفين الذين يعملون في البنوك الاسلامية، فقال:
تعتمد البنوك الاسلامية على الموظف الذي يتصف بالعفة والامان وفي الحفظ والعلم، انطلاقا من مفهوم الاية الكريمة 'ان خير من استأجرت القوي الامين' والآية الثانية 'اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ عليم' والذي يتصف بالقيم الفاضلة والاخلاق النبيلة العالية علاوة على المفهوم الفني لكل وظيفة يحسبها وهناك دروس ومؤتمرات وندوات تعمق المفاهيم الاخلاقية للموظفين بشكل مستمر ودوري، ويجب ان يكون الموظف مؤمنا بالعمل الذي يقوم به كعقيدة وهذا من الاسباب التي وفق الله الموظفين بها وتكللت مساعيهم بالنجاح، والنجاحات التي مرت في المقدمة تعزى اولا واخيرا لسلامة المنهج الرباني، وحسن الادارة من قبل الموظفين على اختلاف مواقعهم من العمل. وهذا الذي يبشر بالخير. والان اود القول من ناحية اجتماعية عالجت البنوك الاسلامية البطالة، حيث ان هناك عشرات الالوف من الموظفين يعملون فيها، فمثلا في بنغلادش فتح بنكا اسلاميا ولهذا البنك 150 ـ 160 فرعا وفي تركيا فتحت بنوك اسلامية، وللبنك الكويتي التركي ما يقارب 60 فرعا، علاوة على البنوك الاسلامية الاخرى وفروعها في العالمين العربي والاسلامي.
وسيتم قريبا فتح بنوك في البحرين، سوريا، وهكذا يعم المنهج الاسلامي البلاد العربية والاسلامية.
العمل المالي الإسلامي ليس للتجربة بل للتنفيذ
الشيخ أحمد بزيع الياسين
07/03/2007 أجرت الحوار: غدير جرار
عندما نريد التحدث عن تجربة العمل المالي الاسلامي او تراودنا استفسارات نبحث عن اجوبة واقعية وعملية عنها، فنحن امام خيارات محدودة في هذا المجال. غير اننا سرعان ما نجد ضالتنا في احد ابرز الذين عايشوا التجربة في بدايتها الاولية وهي في المهد الا وهو الشيخ احمد بزيع الياسين الذي يعد احد رموز العمل المالي الاسلامي المصرفي ليس على المستوى المحلي وحسب بل على المستويين العربي بعامة والخليجي بخاصة.
فالرجل كانت له اسهاماته الواضحة في توجيه التجربة نحو الطريق الصحيح، ولا يزال مع اقرانه من العلماء والمعنيين بصناعة المال الاسلامية في جهد مستمر، لتوفيق الادوات المالية المصرفية مع احكام الشريعة الاسلامية، وارساء قواعد التجربة وغرس جذورها.
حمل عبء الدفاع عن تجربة العمل المالي الاسلامي في وجه منتقديه، ليكون احد المراجع 'الدسمة' وصاحب آراء معتدلة في معالجة قضايا وأوجه الاختلاف.. وهكذا، فعندما نتحدث عن المصارف الاسلامية والهيئات الشرعية، لا بد لنا من تذكر الياسين، لتعدد اسهاماته وبروز بصماته الواضحة في مسيرتها.
الكل يعلم كم هو نادر ظهوره الإعلامي وكم هي قليلة تصريحاته وحواراته الصحفية، لكنه في المقابل جاد وواضح وحاد البصيرة في اجاباته التي تتعلق بحكمة الشريعة والإسلام أو في ما يتعلق بمختلف القضايا التي يتم طرحها عليه.
وفي حواره مع 'القبس' أكد الشيخ ان العمل الإسلامي المصرفي والاستثماري ليس للتجربة بل للتنفيذ، وعلى المشككين فيه الاقتناع بالتجربة التي نجحت والا فليبقوا كما هم حتى يفتح الله بصيرتهم، متمنيا ان تعم المعاملات المشروعة المعمورة كلها لإنهاء حالة الفتن والحروب في العالم التي باعتقاده ناشئة عن معاملات الربا المنتشرة في كل زاوية وركن.
ورأى الياسين انه ليس كل اعمال البنوك التجارية التقليدية محرمة، بل هناك ما هو حلال ويتم التعامل به من دون وجل، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن حوالي 400 مليار دولار تدار حاليا حسب الشريعة الإسلامية في الأسواق المحلية والاقليمية والاسلامية والعالمية، داعيا أصحاب البنوك التقليدية لتطبيق الشريعة وإدارة عملياتهم وفقها.
وقال ان الفتاوى واحدة، لأن الدين واحد، واختلافها بين مكان وآخر يعود في رأيه ليس على صاحب الفتوى، بل بتوضيح العملية وحقيقة السؤال كما ينبغي، مشددا على ان النظام الإسلامي والمالي بفقه المعاملات واحد وليس فكرا بل عقيدة، والاجتهادات هي ما تسبب بعض الفروقات والاختلافات السطحية.
ويرى الشيخ الياسين ان العمل المالي الإسلامي في تقدم لا نظير له، بينما التقليدي أخذ مكانه بالانحسار، داعيا الى زيادة أعداد المصارف والشركات الإسلامية، خاصة مع قدرة الكويت واستيعابها لان تصبح مركزا في هذا المجال.. وهنا نص الحوار:
بداية، حدثنا عن تجربة العمل المالي الإسلامي في الكويت؟
في الأربعينات كان يوجد في الكويت بنك تقليدي واحد، وكنت قد تخرجت في المدرسة المباركية عام 1942 من الثاني الثانوي الذي لم يكن يوجد أعلى منه في ذلك الوقت، وانخرطت في العمل الإداري عند احد أعمامي في السوق التجاري ككاتب حسابات، لأدرك من خلال ممارسة هذا العمل حاجة الوطن الى بنوك لا تتعامل بالفائدة. وفي اوائل الخمسينات ذهبت إلى مدير هذا البنك وكان أجنبيا لأطلب منه فتح حساب استثماري لمشروع إسلامي، ولم يجبني الا بابتسامة صفراء، وهذا البنك الآن، والحمد لله، يحاول ممارسة أعماله المصرفية والاستثمارية نحو فتح منفذ إسلامي له بعد حوالي 54 عاما من هذا الحادث.
وفي عام 1977 صدر مرسوم أميري لإنشاء بيت التمويل الكويتي ليمارس العمل في بداية عام 1978 برأسمال 10 ملايين دينار، حيث كنت اعتقد انه اذا أتى عملاء لا يتجاوز عددهم الألفين في السنة الأولى فسيكون منهجا ناجحا ومرغوبا، ولكن هذا العدد جاء في الأسبوع الأول وتوالت الزيادة.
معوقات البداية
وككل الأعمال لا بد في البداية من مواجهة شيء من المعوقات وكان من أهمها الثقافة المالية الإسلامية المخزونة في الكتب لتأتي البنوك الإسلامية لتخرجها حية في سوق التعامل بعد نزعها محور الربا منها، والآن وصل عدد المحاور الشرعية الى ما يزيد على 40 بدلا من الربا، علما بأن الكويت كانت سباقة في نشر البنود الاسلامية لما لها من صدى في عقيدة المجتمع.
والمحاور الشرعية اهمها محور البيع بجميع انواعه المشروعة والاجارة والشركات المشروعة، مع الوكالة والخدمات والصرف المشروع، وكمثال قام بيت التمويل الكويتي بممارسة هذه المحاور وبدأ عمله بمليونين ونصف المليون من اصل الملايين العشرة وبعد مرور ثلاثين عاما وصل عمود الميزانية للموجودات الى 5 مليارات دينار حتى نهاية العام الماضي ،2006 لتوزع النتائج الربحية على الوديعة الاستثمارية المستمرة المطلقة بنسبة 8.458% ربح المساهمين في الاسهم، 15% منحة و57 فلسا نقديا، ليصل بيت التمويل الكويتي الى الدرجة الاولى في السوق المصرفي بناء على هذه التوزيعات.
نضوج التجربة
برأيك هل نضجت التجربة بالكامل؟
- اولا اريد التأكيد على ان العمل الاسلامي المصرفي والاستثماري ليس للتجربة بل للتنفيذ، والتجربة هي لمزاولي العمل ومحاولة تعتيم مدى كفاءتهم لتحقيق النجاح في الاستثمار وفق الشريعة الاسلامية، والحمد لله وبعد هذه المسيرة التي ستتواصل يظهر انهم قد اثبتوا نجاحهم وتفوقهم.
أمنية.. لو تتحقق
ما الطموح الذي كنت ترغب او تتمنى ان يتحقق ولم يحدث حتى الآن؟
- كنت ارجو واتمنى ان تعم المعاملات المشروعة المعمورة كلها لأنني اعتقد واؤمن بأن الفتن الموجودة في العالم والحروب وسفك الدماء نتيجة للربا المنتشر في كل زاوية وكل ركن، والله سبحانه وتعالى اعلن الحرب في القرآن على المتعاملين بالربا، والرسول عليه الصلاة والسلام لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، لما فيه من ظلم فادح على البشرية، حيث ان المدين الذي حصل له عسر تتراكم عليه الفائدة حتى يفي بدينه او يعلن افلاسه، وهذا الاعلان فيه خدش لكرامة الانسان.
رد على المشككين
بماذا ترد على المشككين في ان العمل المالي الاسلامي ليس خالصا؟
- المشكك الذي يريد ان يفهم اقتنع من التجربة والعمل خلال ثلاثين عاما مضت، اما الآخرون فسيظلون كما هم حتى يفتح الله بصيرتهم، ونحن نرد عليهم بالافعال لا بالاقوال.
بين التقليدي والشرعي
بنوك محلية تقليدية تقول ان عمليات وحسابات الشركات الاسلامية تتم لديها، كيف ذلك؟ وما حدود التعامل مع المؤسسات التقليدية في تلك الجوانب؟
البنوك التقليدية سواء في الكويت او غيرها تتعامل مع المؤسسات والشركات الاسلامية حسب المنهج الشرعي وليس بحسب المعاملات التقليدية الربوية، وهو امر جائز لا خلاف فيه.
نريد رأيا قاطعا وصريحا: هل العمل المالي التقليدي حرام؟
العمل التقليدي في البنوك فيه ما هو حلال وما هو حرام، فالخدمات المصرفية والاجور عليها والصرف الفوري (تحويل العملات الفوري) جائز، بينما الزيادة في الاقراض على رأس المال لفترة معينة فهذا الربا بعينه وهو الممنوع شرعا. والان يوجد ما يقارب من 400 مليار دولار في السوق المحلي والاقليمي والاسلامي والعالمي تدار حسب الشريعة الاسلامية، ومن الملاحظ في المؤتمرات ان اصحاب البنوك التقليدية يحرصون على حضورها للاستفادة من اسباب نجاحات البنوك الاسلامية في استقطاب هذا المبلغ الكبير، واعتقد انهم وجدوا المنهج الذي في صالح البشرية كلها لو تم تطبيقه لكونه يعالج كثيرا من الامراض الاجتماعية والنفسية والمالية.
الفتاوى
لاحظ مراقبون ان هناك اختلافا في الفتاوى بين بنوك ومؤسسات مالية واخرى.. كيف ذلك والدين واحد؟
الفتوى هي استنباط الاحكام من الكتاب والسنة، وهنا في مجال المال نتحدث عن الاستثمار، والمفتي يدلي برأيه حسب فقهه واجتهاده وتصوره للسؤال، فقد يكون السائل لا يأتي بالحقيقة العملية كما ينبغي، لذا العلة ليست بالفتوى وانما في توضيح صورة السؤال، وفي فهم السائل بمنطق الصورة الحقيقية، اما المفتون فتختارهم المؤسسات من الفقهاء المعروفين بعلمهم ونزاهتهم واجتهادهم.
يقال ان العمولات والعائد الذي تحصل عليه البنوك والمؤسسات الاسلامية اعلى من التقليدية.. لماذا؟
كلام غير صحيح، ولو كان حقيقيا لما كثر متعاملو البنوك الاسلامية وزاد اقبالهم، وانا شخصيا دققت في هذا الامر ووجدت ان العكس هو الصحيح، فالمصارف الاسلامية اقل تكلفة من التقليدية وارباحها مقبولة، وتحقيق الارباح ينتج اولا من توفيق الله ومن الجدية في العمل والزيادة في النشاط.
عقيدة
هل من خطورة على ان يدار العمل المالي والاسلامي بفكر واحد؟
النظام الاسلامي والمالي بفقه المعاملات واحد فكرا بل عقيدة وتطبيق ذلك عن طريق المعاملة هو الذي تم ويتم، والاسلام واحد والاجتهادات في فهم النصوص من الكتاب والسنة هو ما يسبب بعض الفروقات والاختلافات السطحية ولكن لا علاقة لها بالجوهر.
كثيرا ما نسمع عن اتهام اللجان الشرعية كما مدققي الحسابات بانهم واجهة لتنفيذ مطالب ادارات الشركات والبنوك الاسلامية.. بماذا ترد؟
هذا هراء، وانا في اكثر من هيئة شرعية ولم أجد لمثل هذه التهم نصيبا من الصحة.
كيف ترى مستقبل العمل المالي الاسلامي مقابل التقليدي؟
حسبما تبين بوضوح، فإن العمل الاسلامي في تقدم لا نظير له، بينما التقليدي في انكماش وانحسار والدليل على ذلك ان كثيرا من البنوك التقليدية تحولت الى اسلامية، وهو امر اصبح معروفا محليا وعربيا واسلاميا.
البنك العقاري
ما رأيك باتهام القائمين على البنك العقاري بأنه اصبح محسوبا على طائفة بعينها؟
- البنك العقاري كويتي للجميع وليس محسوبا على طائفة دون الاخرى، ونحن هنا شعب واحد نتعامل معا بخلق رفيع وعال دون نظر الى المذاهب، وبيننا كمواطنين على اختلاف اجتهاداتنا محبة وتعاون والفة، ومن يدرس تاريخ الكويت القديم ويتابع الحديث منه يعلم ويتأكد من ذلك.
الى اي مدى يستوعب السوق الكويتي بنوكا اسلامية اخرى؟
- تحرص الكويت حكومة وشعبا ان تكون مركزا ماليا مرموقا في العالم، ولذلك يستطيع الوطن استيعاب الاعداد الكثيرة من المصارف والشركات الاسلامية، حيث ان اعمالها ممتدة حول العالم كله وليس محليا فقط.
كلمة أخيرة
هل من كلمة أخيرة توجهها؟
- الكلمة الاخيرة التي اوجهها للعالم كله شرقه وغربه وبالاخص العالم الاسلامي ان يتقوا الله بأنفسهم ويلتزموا الحق والعدل والاحسان وينتهوا عن الفحشاء والمنكر والبغي.
من هو؟
الشيخ ياسين من مواليد عام 1928 (1346 ه)، دخل الكتاب وعمره اربع سنوات، ليتخرج منه في التاسعة من عمره، دخل المدرسة المباركية عام 1937 بحصيلة جيدة من التعليم الابتدائي استقاها من مدرسة الكتاب، حتى انه حين دخل المرحلة الابتدائية واختبره ناظر المدرسة قام بنقله الى الصف الرابع متوسط/ج مباشرة، ليبدأ الدراسة من ذلك الصف، وبقي الياسين حتى عام 1942 ليتخرج بعده من الصف الثاني الثانوي.
رحلته الاولى الى الحج كانت في عام 1946 عاد بعدها ليعمل لحسابه الخاص متنقلا ما بين الكويت والهند لمدة سنتين ثم عمل في عام 1948 مع عبدالعزيز علي المطوع حتى عام 1972 متنقلا في الوظيفة ليصبح مديرا لاعماله في الكويت والسعودية، كما انضم الى غرفة التجارة والصناعة عام ،1970 واصبح عضوا في مجلس ادارة بنك الكويت المركزي منذ تأسيسه، حين لم تكن الفائدة البنكية من اختصاصه في ذلك الوقت لكنه عندما تم اسناد تحديد سعرها اليه اعتزل العمل.
وفي سبعينات القرن الماضي عمل الياسين في جمعيات النفع العام رئيسا في بعضها وعضوا في البعض الاخر، وفي تلك الفترة سعى الى تأسيس شركة او بنك على النهج الاسلامي.
'الياسين' وبيت التمويل الكويتي
حين كان الشيخ عضوا في مجلس ادارة بنك الكويت المركزي قام في احدى جلسات الادارة بطرح موضوع ضرورة انشاء مصارف اسلامية في ذلك الوقت، ليوافقوا على ذلك على ان يتم تأجيلها لجلسة مقبلة، ولكنه عاد في بداية السبعينات وطرح فكرة تأسيس بيت تمويل اسلامي ليستحسن وزير المالية آنذاك عبدالرحمن سالم العتيقي الفكرة ليتم تأسيس بيت التمويل الكويتي ويكلف بالعمل فيه عقب مشاركة بعض الكويتيين ووزارة المالية في تأسيس بنك دبي الاسلامي بالتعاون مع الشيخ سعيد احمد لوتاه.
وتم التأسيس عام 1977 وبدأ العمل في بيت التمويل الكويتي يوم 1978/8/28 حيث ساهم الياسين الذي شغل منصب رئيس مجلس الادارة فيه منذ انشائه وحتى عام 1993 في دعم الاقتصاد الوطني والخليجي وزيادة رأس مال عدد من الشركات التابعة والزميلة بهدف التوسع بقوة في الاستثمارات عامة وتحديدا القطاع العقاري.
مشاركات سياسية
السياسة في حياة الشيخ كان لها دور كبير من خلال خوضه انتخابات مجلس الامة ثلاث مرات، الاولى كانت عام 1963 حصل فيها على المركز العاشر، والثانية حصل فيها على المركز الرابع عشر عام ،1967 بينما كان من نصيب المركز السادس في المرة الثالثة عام 1975.
نكتة لا تستحق الرد
تعليقا على من يصف العمل المالي الاسلامي بأنه عمل تقليدي بعمامة لا اكثر، قال الشيخ احمد بزيع الياسين: هذه نكتة يجاوب عليها صاحبها، ولا اريد الرد على هؤلاء فهم أعلم بنياتهم واستهزائهم بالشريعة ومعاملاتها.
القوي.. والأمين
سألنا الشيخ الياسين عن المؤهلات الواجب توافرها في الموظفين الذين يعملون في البنوك الاسلامية، فقال:
تعتمد البنوك الاسلامية على الموظف الذي يتصف بالعفة والامان وفي الحفظ والعلم، انطلاقا من مفهوم الاية الكريمة 'ان خير من استأجرت القوي الامين' والآية الثانية 'اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ عليم' والذي يتصف بالقيم الفاضلة والاخلاق النبيلة العالية علاوة على المفهوم الفني لكل وظيفة يحسبها وهناك دروس ومؤتمرات وندوات تعمق المفاهيم الاخلاقية للموظفين بشكل مستمر ودوري، ويجب ان يكون الموظف مؤمنا بالعمل الذي يقوم به كعقيدة وهذا من الاسباب التي وفق الله الموظفين بها وتكللت مساعيهم بالنجاح، والنجاحات التي مرت في المقدمة تعزى اولا واخيرا لسلامة المنهج الرباني، وحسن الادارة من قبل الموظفين على اختلاف مواقعهم من العمل. وهذا الذي يبشر بالخير. والان اود القول من ناحية اجتماعية عالجت البنوك الاسلامية البطالة، حيث ان هناك عشرات الالوف من الموظفين يعملون فيها، فمثلا في بنغلادش فتح بنكا اسلاميا ولهذا البنك 150 ـ 160 فرعا وفي تركيا فتحت بنوك اسلامية، وللبنك الكويتي التركي ما يقارب 60 فرعا، علاوة على البنوك الاسلامية الاخرى وفروعها في العالمين العربي والاسلامي.
وسيتم قريبا فتح بنوك في البحرين، سوريا، وهكذا يعم المنهج الاسلامي البلاد العربية والاسلامية.