المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سورة (العصر ) النص والتفسير



الصارم المسلول
08-03-2007, 06:36 PM
سورة العصر
النص و التفسير

قال الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ:
«لو لم ينزل الله على عباده حجة إلا هذه السورة لكفتهم».


بسم الله الرحمن الرحيم

" والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر "
تفسير السعدي

" والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر "
أقسم تعالى بالعصر ، الذي هو الليل والنهار ، محل أفعال العباد وأعمالهم أن كل إنسان خاسر ، والخاسر ضد الرابح . والخسار مراتب متعددة متفاوته : قد يكون خسارا مطلقا ، كحال من خسر الدنيا ، والآخرة ، وفاته النعيم ، واستحق الجحيم . وقد يكون خاسرا من بعض الوجوه ، دون بعض ، ولهذا عمم الله الخسار لكل إنسان ، إلا من اتصف بأربع صفات : الإيمان بما أمر الله بالإيمان به ، ولا يكون الإيمان بدون العلم ، فهو فرع عنه ، لا يتم إلا به . والعمل الصالح ، وهذا شامل لأفعال الخير كلها ، الظاهرة ، والباطنة ، المتعلقة بحقوق الله ، وحقوق عباده ، الواجبة والمستحبة . والتواصي بالحق ، الذي هو الإيمان والعمل الصالح ، أي : يوصي بعضهم بعضا بذلك ، ويحثه عليه ، ويرغبه فيه . والتواصي بالصبر على طاعة الله ، وعن معصية الله ، وعلى أقدار الله المؤلمة . فبالأمرين الأولين يكمل العبد نفسه ، وبالأمرين الأخيرين ، يكمل غيره . وبتكميل الأمور الأربعة ، يكون العبد ، قد سلم من الخسار ، وفاز بالربح العظيم .
تفسير البغوي


1- "والعصر"، قال ابن عباس: والدهر. قيل: أقسم به لأن فيه عبرة للناظر. وقيل: معناه ورب العصر، وكذلك في أمثاله. وقال ابن كيسان: أراد بالعصر الليل والنهار، يقال لهما العصران. وقال الحسن: من بعد زوال الشمس إلى غروبها. وقال قتادة: آخر ساعة من ساعات النهار. وقال مقاتل: أقسم بصلاة العصر وهي الصلاة الوسطى.
2- "إن الإنسان لفي خسر"، أي خسران ونقصان، قيل: اراد به الكفار بدليل أنه استثنى المؤمنين، و الخسران: ذهاب رأس مال الإنسان في هلاك نفسه وعمره بالمعاصي، وهما أكبر رأس ماله.
3- "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات"، فإنهم ليسوا في خسر، "وتواصوا"، أوصى بعضهم بعضاً، "بالحق"، بالقرآن، قاله الحسن وقتادة، وقال مقاتل: بالإيمان والتوحيد. "وتواصوا بالصبر"، على أداء الفرائض وإقامة أمر الله. وروى ابن عون عن إبراهيم قال: أراد أن الإنسان إذا عمر في الدنيا وهرم، لفي نقص وتراجع إلا المؤمنين، فإنهم يكتب لهم أجورهم ومحاسن أعمالهم التي كانوا يعملونها في شبابهم وصحتهم، وهي مثل قوله: " لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم * ثم رددناه أسفل سافلين * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ".

تفسير الطبري

الآية : 1-3
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنّ الإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصّبْرِ }.
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: وَالْعَصْرِ فقال بعضهم: هو قَسَم أقسم ربنا تعالى ذكره بالدهر, فقال: العصر: هو الدهر. ذكر من قال ذلك:
29279ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: وَالْعَصْرِ قال: العصر: ساعة من ساعات النهار.
29280ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الحسن وَالْعَصْرِ قال: هو العشيّ.
والصواب من القول في ذلك: أن يقال: إن ربنا أقسم بالعصر وَالْعَصْرِ اسم للدهر, وهو العشيّ والليل والنهار, ولم يخصص مما شمله هذا الاسم معنى دون معنى, فكلّ ما لزِمه هذا الاسم, فداخل فيما أقسم به جلّ ثناؤه.
وقوله: إنّ الإنْسانَ لَفِي خُسْرٍ يقول: إن ابن آدم لفي هلَكة ونقصان. وكان عليّ رضي الله عنه يقرأ ذلك: «إنّ الإنْسانَ لَفِي خُسْرٍ, وإنه فيه إلى آخر الدهر».
29281ـ حدثني ابن عبد الأعلى بن واصل, قال: حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين, قال: أخبرنا إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن عمر ذي مرّ, قال: سمعت عليا رضي الله عنه يقرأ هذا الحرف: «وَالْعَصْرِ وَنَوَائِبِ الدّهْرِ, إن الإنْسانَ لفي خُسْرٍ, وإنه فيه إلى آخر الدهر».
29282ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة إنّ الإنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ففي بعض القراءات: «وإنه فيه إلى آخر الدهر».
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن عمرو ذي مرّ, أن عليا رضي الله عنه قرأها: «وَالْعَصْرِ وَنَوَائِبِ الدّهْرِ, إنّ الإنْسانَ لَفِي خُسْرٍ».
29283ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد إنّ الإنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إلاّ من آمن.
إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ يقول: إلاّ الذين صدّقوا الله ووحّدوه, وأقرّوا له بالوحدانية والطاعة, وعملوا الصالحات, وأدّوا ما لزمهم من فرائضه, واجتنبوا ما نهاهم عنه من معاصيه, واستثنى الذين آمنوا عن الإنسان, لأن الإنسان بمعنى الجمع, لا بمعنى الواحد.
وقوله: وَتَوَاصَوْا بالْحَقّ يقول: وأوصى بعضهم بعضا بلزوم العمل بما أنزل الله في كتابه, من أمره, واجتناب ما نهى عنه فيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29284ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَتَوَاصَوْا بالْحَقّ والحقّ: كتاب الله.
29285ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الحسن وَتَوَاصَوْا بالْحَقّ قال: الحقّ كتاب الله.
حدثني عمران بن بكّار الكُلاعِيّ, قال: حدثنا خطاب بن عثمان, قال: حدثنا عبد الرحمن بن سنان أبو رَوْح السّكونيّ, حِمْصيّ لقيته بإرمينية, قال: سمعت الحسن يقول في وَتَوَاصَوْا بالْحَقّ قال: الحقّ: كتاب الله.
وقوله: وَتَوَاصَوْا بالصّبْرِ يقول: وأوصى بعضهم بعضا بالصبر على العمل بطاعة الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29286ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَتَوَاصَوْا بالصّبْرِ قال: الصبر: طاعة الله.
29287ـ حدثني عمران بن بكار الكُلاعي, قال: حدثنا خطاب بن عثمان, قال: حدثنا عبد الرحمن بن سنان أبو روح, قال: سمعت الحسن يقول في قوله وَتَوَاصَوْا بالصّبْرِ قال: الصبر: طاعة الله.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الحسن وَتَوَاصَوْا بالصّبْرِ قال: الصبر: طاعة الله.
تفسير القرطبي

الآية: 1 {والعصر}
قوله تعالى: "والعصر" أي الدهر؛ قاله ابن عباس وغيره. فالعصر مثل الدهر؛ ومنه قول الشاعر:
سبيل الهوى وعر وبحر الهوى غمر ويوم الهوى شهر وشهر الهوى دهر
أي عصر أقسم الله به عز وجل؛ لما فيه من التنبيه بتصرف الأحوال وتبدلها، وما فيها من الدلالة على الصانع. وقيل: العصر: الليل والنهار. قال حميد بن ثور:
ولن يلبث العصران: يوم وليلة إذا طلبا أن يدركا ما تيمما
والعصران أيضا: الغداة والعشي. قال:
وأمطله العصرين حتى يملني ويرضى بنصف الدين والأنف راغم
يقول: إذا جاءني أول النهار ووعدته آخره. وقيل: إنه العشي، وهو ما بين زوال الشمس وغروبها؛ قاله الحسن وقتادة. ومنه قول الشاعر:
تروح بنا يا عمر قد قصر العصر وفي الروحة الأولى الغنيمة والأجر
وعن قتادة أيضا: هو آخر ساعة من ساعات النهار. وقيل: هو قسم بصلاة العصر، وهي الوسطى؛ لأنها أفضل الصلوات؛ قال مقاتل. يقال: أذن للعصر، أي لصلاة العصر. وصليت العصر؛ أي صلاة العصر. وفي الخبر الصحيح (الصلاة الوسطى صلاة العصر). وقد مضى في سورة "البقرة" بيانه. وقيل: هو قسم بعصر النبي صلى الله عليه وسلم، لفضله بتجديد النبوة فيه. وقيل: معناه ورب العصر.
قال مالك: من حلف ألا يكلم رجلا عصرا: لم يكلمه سنة. قال ابن العربي: إنما حمل مالك يمين الحالف ألا يكلم امرأ عصرا على السنة؛ لأنه أكثر ما قيل فيه، وذلك على أصله في تغليظ المعنى في الأيمان. وقال الشافعي: يبر بساعة؛ إلا أن تكون له نية، وبه أقول؛ إلا أن يكون الحالف عربيا، فيقال له: ما أودت؟ فإذا فسره بما يحتمله قبل منه، إلا أن يكون الأقل، ويجيء على مذهب مالك أن يحمل على ما يفسر. والله أعلم.
الآية: 2 {إن الإنسان لفي خسر}
هذا جواب القسم. والمراد به الكافر؛قاله ابن عباس في رواية أبي صالح. وروى الضحاك عنه قال: يريد جماعة من المشركين: الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن عبدالمطلب بن أسد بن عبد العزى، والأسود بن عبد يغوث. وقيل: يعني بالإنسان جنس الناس. "لفي خسر" لفي غبن. وقال الأخفش: هلكة. الفراء: عقوبة؛ ومنه قوله تعالى: "وكان عاقبة أمرها خسرا" [الطلاق: 9]. ابن زيد: لفي شر. وقيل: لفي نقص؛ المعنى متقارب. وروي عن سلام "والعصر" بكسر الصاد. وقرأ الأعرج وطلحة وعيسى الثقفي "خسر" بضم السين. وروى ذلك هارون عن أبي بكر عن عاصم. والوجه فيهما الإتباع. ويقال: خسر وخسر؛ مثل عسر وعسر. وكان علي يقرؤها "والعصر ونوائب الدهر، إن الإنسان لفي خسر. وإنه فيه إلى آخر الدهر". وقال إبراهيم: إن الإنسان إذا عمر في الدنيا وهرم، لفي نقصى وضعف تراجع؛ إلا المؤمنين، فإنهم تكتب لهم أجورهم التي كانوا يعملونها في حال شبابهم؛ نظيره قوله تعالى: "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم. ثم رددناه أسفل سافلين". [التين: 5]. قال: وقراءتنا "والعصر إن الإنسان لفي خسر، وإنه في آخر الدهر". والصحيح ما عليه الأمة والمصاحف. وقد مضى الرد في مقدمة الكتاب على من خالف مصحف عثمان، وأن ذلك ليس بقرآن يتلي؛ فتأمله هناك.
الآية: 3 {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}
قوله تعالى: "إلا الذين آمنوا" استئناء من الإنسان؛ إذ هو بمعنى الناس على الصحيح. "وعملوا الصالحات" أي أدوا الفرائض المفترضة عليهم؛ وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبي بن كعب: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم "والعصر" ما تفسيرها يا نبي الله؟ قال: "والعصر" قسم من الله، أقسم ربكم بآخر النهار: "إن الإنسان لفي خسر": أبو جهل "إلا الذين آمنوا": أبو بكر، "وعملوا الصالحات" عمر. "وتواصوا بالحق" عثمان "وتواصلوا بالصبر" علي. رضي الله عنهم أجمعين. وهكذا خطب ابن عباس على المنبر موقوفا عليه. "وتواصوا" أي تحابوا؛ أوصى بعضهم بعضا وحث بعضهم بعضا. "بالحق" أي بالتوحيد؛ كذا روى الضحاك عن ابن عباس. قال قتادة: "بالحق" أي القرآن. وقال السدي: الحق هنا هو الله عز وجل. "وتواصوا بالصبر" على طاعة الله عز وجل، والصبر عن معاصيه. وقد تقدم. والله أعلم.
تفسير ابن كثير

سورة العصر.
ذكر الطبراني عن عبيد اللّه بن حفص قال: كان الرجلان من أصحاب رسول اللّه إذا التقيا لم يفترقا إلا على أن يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر إلى آخرها، ثم يسلم أحدهما على الآخر. وقال الشافعي رحمه اللّه: لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم.
بسم اللّه الرحمن الرحيم.
- 1 - والعصر
- 2 - إن الإنسان لفي خسر
- 3 - إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر
العصر: الزمان الذي يقع فيه حركات بني آدم من خير وشر، وقال زيد بن أسلم: هو العصر، والمشهور الأول، فأقسم تعالى بذلك على أن الإنسان لفي خسر أي في خسارة وهلاك {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} فاستثنى من جنس الإنسان عن الخسران، الذين آمنوا بقلوبهم، وعملوا الصالحات بجوارحهم {وتواصوا بالحق} وهو أداء الطاعات، وترك المحرمات، {وتواصوا بالصبر} أي على المصائب والأقدار، واذى من يؤذي، ممن يأمرونه بالمعروف وينهونه عن المنكر.

الإمام ابن الجوزي
)زاد المسير في علم التفسير(


سورة العصر
وفيها قولان:
أحدهما: أنها مكية، قاله ابن عباس، وابن الزبير، والجمهور.
والثاني: مدنية، قاله المجاهد، وقتادة، ومقاتل.
{وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ}
قوله [عز وجل] {وَٱلْعَصْرِ } فيه ثلاثة إقوال:
أحدها: أنه الدهر، قاله ابن عباس، وزيد بن أسلم، والفراء، وابن قتيبة. وإنما أقسم بالدهر لأن فيه عبرة للناظر من مرور الليل والنهار على تقدير لا ينخرم.
والثاني: أنه العشي، وهو ما بين زوال الشمس وغروبها، قاله الحسن وقتاد.
والثالث: صلاة العصر، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {إِنَّ ٱلإنسَـٰنَ لَفِى * خُسْرٍ } قال الزجاج: هو جواب القسم.
والإنسان هاهنا بمعنى الناس، كما تقول: كثر الدرهم في أيدي الناس، تريد الدراهم. والخسر والخسران في معنى واحد. قال أهل المعاني: الخسر: هلاك رأس المال أو نقصه. فالإنسان إذا لم يستعمل نفسه فيما يوجب له الربح الدائم، فهو في خسران لأنه عمل في إهلاك نفسه، وهما أكبر رأس ماله {إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } أي: صدقوا الله ورسوله، وعملوا بالطاعة، {وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقّ } أي: بالتوحيد، والقرآن واتباع الرسول {وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ } على طاعة الله والقيام بشريعته.
وقال إبراهيم في تفسير هذه السورة: إن الإنسان إذا عمر في الدنيا لفي نقص وضعف، إلا المؤمنين، فإنهم يكتب لهم أجور أعمالهم التي كانوا يعملون في شبابهم وصحتهم.

محمد بن صالح العثيمين
)تفسير القرآن الكريم(

يقول الله عز وجل: {والعصر. إن الإنسان لفي خسر} أقسم الله تعالى بالعصر، والعصر قيل: إن المراد به آخر النهار، لأن آخر النهار أفضله، وصلاة العصر تسمى الصلاة الوسطى، أي: الفضلى كما سماها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذلك.
وقيل: إن العصر هو الزمان. وهذا هو الأصح أقسم الله به لما يقع فيه من اختلاف الأحوال، وتقلبات الأمور، ومداولة الأيام بين الناس وغير ذلك مما هو مشاهد في الحاضر، ومتحدث عنه في الغائب. فالعصر هو الزمان الذي يعيشه الخلق، وتختلف أوقاته شدة ورخاء، وحرباً وسلماً، وصحة ومرضاً، وعملاً صالحاً وعملاً سيئاً إلى غير ذلك مما هو معلوم للجميع. أقسم الله به على قوله: {إن الإنسان لفي خسر} والإنسان هنا عام، لأن المراد به الجنس، وعلامة الإنسان الذي يراد به العموم أن يحل محل «ال» كلمة «كل» فهنا لو قيل: كل إنسان في خسر لكان هذا هو المعنى. ومعنى الاية الكريمة أن الله أقسم قسماً على حال الإنسان أنه في خسر أي: في خسران ونقصان في كل أحواله، في الدنيا وفي الاخرة إلا من استثنى الله عز وجل. وهذه الجملة مؤكدة بثلاث مؤكدات، الأول: القسم، والثاني: (إنّ) والثالث: (اللام) وأتى بقوله {لفي خسر} ليكون أبلغ من قوله: (لخاسر) وذلك أن «في» للظرفية فكأن الإنسان منغمس في الخسر، والخسران محيط به من كل جانب. {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}. استثنى الله سبحانه وتعالى هؤلاء المتصفين بهذه الصفات الأربع:
الصفة الأولى: الإيمان الذي لا يخالجه شك ولا تردد بما بينه الرسول صلى الله عليه وسلّم حين سأله جبريل عن الإيمان قال: «أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الاخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره». وشرح هذا الحديث يطول وتكلمنا عليه في مواطن كثيرة، فالذين آمنوا بهذه الأصول الستة هم المؤمنون، ولكن يجب أن يكون إيماناً لا شك معه ولا تردد. بمعنى: أنك تؤمن بهذه الأشياء وكأنك تراها رأي العين. والناس في هذا المقام ثلاثة أقسام:
القسم الأول: مؤمن خالص الإيمان؛ إيماناً لا شك فيه ولا تردد.
والقسم الثاني: كافر جاحد منكر.
والقسم الثالث: متردد. والناجي من هؤلاء القسم الأول الذي يؤمن إيماناً لا تردد فيه، يؤمن بوجود الله، وربوبيته، وألوهيته، وبأسمائه وصفاته عز وجل، ويؤمن بالملائكة وهم عالم غيبي خلقهم الله تعالى من نور، وكلفهم بأعمال منها ما هو معلوم، ومنها ما ليس بمعلوم، فجبريل عليه الصلاة والسلام مكلف بالوحي ينزل به من عند الله إلى الأنبياء والرسل، وميكائيل مكلف بالقطر والنبات يعني: وكله الله على المطر وكل ما يتعلق بالمطر وعلى النبات. وإسرافيل: موكل بالنفخ بالصور، ومالك: موكل بالنار، ورضوان موكل بالجنة. ومن الملائكة من لا نعلم أسمائهم ولا نعلم أعمالهم أيضاً، لكن جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه ما من موضع أربع أصابع في السماء إلا وفيه ملك قائم لله أو راكع، أو ساجد»، كذلك نؤمن بالكتب التي أنزلها الله على الرسل عليهم الصلاة والسلام، ونؤمن بالرسل الذين قصهم الله علينا، نؤمن بهم بأعيانهم، والذين لم يقصهم علينا نؤمن بهم إجمالاً؛ لأن الله لم يقص علينا جميع أنباء الرسل، قال الله تعالى: {منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك} [غافر: 78]. واليوم الاخر هو يوم البعث يوم يخرج الناس من قبورهم للجزاء حفاة، عراة، غرلاً، بهماً. فالحفاة يعني الذين ليس عليهم نعال ولا خفاف أي: أقدامهم عارية، والعراة: الذين ليس عليهم ثياب، والغرل: الذين لم يُختنوا. والبهم: الذين ليس معهم مال يحشرون كذلك، ولما حدث النبي عليه الصلاة والسلام بأنهم عراة قالت عائشة: يا رسول الله الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال: «الأمر أعظم من ذلك» أي من أن ينظر بعضهم إلى بعض، لأن الناس كل مشغول بنفسه. قال شيخ الإسلام رحمه الله: ومن الإيمان باليوم الاخر الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مما يكون بعد الموت، فيجب أن تؤمن بفتنة القبر أي: بالاختبار الذي يكون للميت إذا دفن وتولى عنه أصحابه، فإنه يأتيه ملكان يسألانه عن ربه، ودينه، ونبيه، وتؤمن كذلك بأن القبر إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار. أي أن فيه العذاب أو الثواب، وتؤمن كذلك بالجنة والنار وكل ما يتعلق باليوم الاخر فإنه داخل في قولنا «أن تؤمن بالله واليوم الاخر» والقدر: تقدير الله عز وجل يعني: يجب أن تؤمن بأن الله تعالى قدر كل شيء وذلك أن الله خلق القلم فقال له: اكتب. قال: وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة. فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة. إذاً فالإيمان في قوله: {إلا الذين آمنوا} يشمل الإيمان بالأصول الستة التي بينها الرسول عليه الصلاة والسلام. أما قوله: {وعملوا الصالحات} فمعناه: أنهم قاموا بالأعمال الصالحة: من صلاة، وزكاة، وصيام، وحج، وبر للوالدين، وصلة الأرحام وغير ذلك فلم يقتصروا على مجرد ما في القلب بل عملوا وأنتجوا و{الصالحات} هي التي اشتملت على شيئين:
الأول: الإخلاص لله عز وجل.
والثاني: المتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام.
وذلك أن العمل إذا لم يكن خالصاً لله فهو مردود. قال الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي الذي يرويه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال الله: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه». فلو قمت تصلي مراءاة للناس، أو تصدقت مراءاة للناس، أو طلبت العلم مراءاة للناس، أو وصلت الرحم مراءاة للناس أو غير ذلك. فالعمل مردود حتى وإن كان صالحاً في ظاهره. كذلك الاتباع لو أنك عملت عملاً لم يعمله الرسول عليه الصلاة والسلام وتقربت به إلى الله مع الإخلاص لله فإنه لا يقبل منك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد». إذاً العمل الصالح ما جمع وصفين: الأول: الإخلاص لله عز وجل. والثاني: المتابعة للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم. {وتواصوا بالحق} أي: صار بعضهم يوصي بعضاً بالحق. والحق: هو الشرع. يعني كل واحد منهم يوصي الاخر إذا رآه مفرطاً في واجب. أوصاه وقال: يا أخي قم بالواجب، إذا رآه فاعلاً لمحرم أوصاه قال: يا أخي اجتنب الحرام، فهم لم يقتصروا على نفع أنفسهم بل نفعوا أنفسهم وغيرهم، {وتواصوا بالصبر} أي: يوصي بعضهم بعضاً بالصبر، والصبر حبس النفس عما لا ينبغي فعله، وقسمه أهل العلم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: صبر على طاعة الله.
القسم الثاني: صبر عن محارم الله.
القسم الثالث: صبر على أقدار الله.
الصبر على الطاعة، كثير من الناس يكون فيه كسل عن الصلاة مع الجماعة مثلاً: لا يذهب إلى المسجد يقول أصلي في البيت وأديت الواجب فيكسل فقال له: يا أخي أصبر نفسك، احبسها كلفها على أن تصلي مع الجماعة. كثير من الناس إذا رأى زكاة ماله كثيرة شح وبخل وصار يتردد. أُخرج هذا المال الكثير، أو أتركه وما أشبه ذلك. فيقال له: يا أخي اصبر نفسك على أداء الزكاة، وهكذا بقية العبادات فإن العبادات كما قال الله تعالى في الصلاة: {وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين} [البقرة: 45]. أكثر عباد الله تجد أن العبادات عليهم ثقيلة، فهم يتواصون بالصبر على الطاعة، كذلك الصبر عن المعصية بعض الناس مثلاً تجره نفسه إلى أكساب محرمة إما بالربا، وإما بالغش، وإما بالتدليس أو بغير ذلك من أنواع الحرام فيقال له: اصبر يا أخي أصبر نفسك لا تتعامل على وجه محرم. بعض الناس أيضاً يبتلى بالنظر إلى النساء تجده ماشياً في السوق وكل ما مرت امرأة أتبعها بصره فيقال له: يا أخي اصبر نفسك عن هذا الشيء.
ويتواصون على أقدار الله، يصاب الإنسان بمرض في بدنه، يصاب الإنسان بفقد شيء من ماله، يصاب الإنسان بفقد أحبته فيجزع ويتسخط ويتألم فيتواصون فيما بينهم، اصبر يا أخي هذا أمر مقدر والجزع لا يفيد شيئاً، واستمرار الحزن لا يرفع الحزن، إنسان امتحن بموت ابنه نقول: يا أخي اصبر، قدر أن هذا الابن لم يُخلق، ثم كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام لإحدى بناته: «إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فمرها فلتصبر ولتحتسب». الأمر كله لله، فإذا أخذ الله تعالى ملكه كيف تعتب على ربك؟ كيف تتسخط.
فإن قيل: أي أنواع الصبر أشق على النفوس؟
فالجواب: هذا يختلف، فبعض الناس يشق عليه القيام بالطاعة وتكون ثقيلة عليه جداً، وبعض الناس بالعكس الطاعة هينة عليه، لكن ترك المعصية صعب، شاق مشقة كبيرة، وبعض الناس يسهل عليه الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية، لكن لا يتحمل الصبر على المصائب، يعجز حتى إنه قد تصل به الحال إلى أن يرتد ـ والعياذ بالله ـ كما قال الله تعالى: {ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والاخرة ذلك هو الخسران المبين} [الحج: 11]. إذاً نأخذ من هذه السورة أن الله سبحانه وتعالى أكد بالقسم المؤكد بإن، واللام أن جميع بني آدم في خسر، والخسر محيط بهم من كل جانب، إلا من اتصف بهذه الصفات الأربع: الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر.
قال الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ: «لو لم ينزل الله على عباده حجة إلا هذه السورة لكفتهم». يعني: كفتهم موعظة وحثاً على التمسك بالإيمان والعمل الصالح، والدعوة إلى الله، والصبر على ذلك. وليس مراده أن هذه السورة كافية للخلق في جميع الشريعة، لكن كفتهم موعظة، فكل إنسان عاقل يعرف أنه في خُسر إلا إذا اتصف بهذه الصفات الأربع، فإنه سوف يحاول بقدر ما يستطيع أن يتصف بهذه الصفات الأربع، وإلى تخليص نفسه من الخسران. نسأل الله أن يجعلنا من الرابحين الموفقين، إنه على كل شيء قدير.


تم و الحمد الله

سيف قطر
09-03-2007, 12:10 AM
بارك الله فيك اخوي سحاب ممطر

لقد امطرت عندنا

سهم محروق
09-03-2007, 12:46 AM
شكرا لك على الموضوع

( الفهد )
12-03-2007, 01:22 PM
شكرا لك

السعدي999
13-03-2007, 11:16 AM
بارك الله فيك

ذكر الطبراني عن عبيد اللّه بن حفص قال: كان الرجلان من أصحاب رسول اللّه إذا التقيا لم يفترقا إلا على أن يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر إلى آخرها، ثم يسلم أحدهما على الآخر. وقال الشافعي رحمه اللّه: لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم

بدور
13-03-2007, 10:10 PM
جزاك الله خير

طرح مفيد وقيم

interista
15-03-2007, 06:23 AM
جزاك الله خير

bo_hamad
15-03-2007, 06:30 AM
بسم الله الرحمن الرحيم " والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " صدق الله العظيم


جزيت خيرا وبارك الله لك وتحياااتي

ساااره
15-03-2007, 07:00 AM
مشكور اخوي

سحاب ممطر

علي الموضوع الطيب

خفايا الروووح
15-03-2007, 08:14 PM
الصراحه شرح كافي ووافي

جزاك الله خير الجزاء .ورحم الله والديك

الصارم المسلول
16-03-2007, 02:07 PM
بارك الله فيك اخوي سحاب ممطر

لقد امطرت عندنا
جزاك الله الف خير

دمت برعاية الله

الصارم المسلول
16-03-2007, 02:08 PM
شكرا لك على الموضوع
جزاك الله الف خير

دمت برعاية الله

جوكر البورصة
16-03-2007, 02:09 PM
جزاك الله خير

سوبرقطري
16-03-2007, 07:54 PM
جزاك الله خير

خاربه خاربه
17-03-2007, 12:22 AM
جزاج ربي الخير وفي ميزان حسناتج يارب

<<روز>>
17-03-2007, 01:33 AM
جزاك الله الف خير

سوبرقطري
29-03-2007, 09:10 AM
جزاك الله الف خير شرح مميز

الصارم المسلول
01-04-2007, 05:32 PM
بارك الله فيكم

Al-sa7er
01-04-2007, 05:38 PM
جزاك الله الف خير

الصارم المسلول
05-04-2007, 09:24 AM
شكرا لك
بارك الله فيك اخوي

دمت برعاية الله

شكرا لمرورك

السعدي999
15-05-2007, 04:43 PM
بارك الله فيك

العفةوالحياء
17-05-2007, 12:05 PM
جزاك الله خيرا

غريب احساس
17-05-2007, 12:35 PM
جزاك الله خير ورحم الله والديك

الهااشمي
17-05-2007, 01:17 PM
بارك الله فيك