المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : محافظ «المركزي الأردني» السابق يدعو لإعادة النظر بربط الدينار بالدولار



مغروور قطر
12-03-2007, 06:18 AM
محافظ «المركزي الأردني» السابق يدعو لإعادة النظر بربط الدينار بالدولار

عمان -الوطن الاقتصادي -يوسف ضمرة

دعا محافظ البنك المركزي الأردني السابق الدكتور محمد سعيد النابلسي إلى دراسة أثر ربط الدينار بالدولار والتي انتهجها «المركزي الأردني»إبان توليه تلك السياسة، مؤكدا أن الدوافع التي دعت للربط اختلفت حاليا، إذ كانت بهدف وضع حد للإشاعات التي كانت تطلق في منتصف التسعينيات حول تخفيض قيمة الدينار، وخصوصا أنها تزامنت عقب الأزمة المالية والنقدية التي تعرضت لها المملكة في عام 1989.

وفي عام 1989 التحق النابلسي للمرة الثانية كمحافظ للبنك المركزي الأردني بعد أن غادره قرابة أربع سنوات من 1973-1985، لتولي مسؤوليات جديدة في الأمم المتحدة خلال السنوات 1985-1989، عمل خلالها كرئيس تنفيذي لمنظمة الأسكوا في بغداد، إذ أنه تلقى كتابا من جلالة المغفور له الملك الحسين، عند إعادة تعيينه إبان الأزمة المالية والنقدية التي عصفت بالمملكة، ليكون قد امضى 19 عاما كمحافظ للمركزي على فترتين.

وأشار إلى أن صندوق النقد الدولي أشاد بتلك السياسة منذ عام 1995 وحتى بداية القرن الجديد لأن النتائج المتحققة من ذلك كانت جيدة، غير أن تراجع الدولار منذ بداية القرن بسرعة أمام العملات الرئيسية فتح المجال لإعادة النظر في ذلك، وكذلك لدى العديد من البنوك المركزية في كثير من الدول لانعكاساتها السلبية.

وقال النابلسي «الأردن، رغم الاستفادة من ربط الدينار بالدولار، لكن الآن من الناحية النظرية أصبح من الضروري التفكير مجددا بالإبقاء على ذلك، أو إعادة النظر بحيث يربط الدولار بسلة من العملات الرئيسية العالمية».

وزاد «إن أهم الظروف التي تقتضي إعادة النظر في ذلك أولا: العبء الجديد على ميزان المدفوعات الأردني، نتيجة ارتفاع أسعار النفط عالميا، وثانيا: الانخفاض في المساعدات الدولية للمملكة عما كانت عليه في التسعينيات».

وأظهرت أرقام دائرة الإحصاءات العامة، بالنسبة للعجز في الميزان التجاري والذي يمثل الفرق الناتج عن طرح قيمة المستوردات من قيمة اجمالي الصادرات فقد وصل إلى 4453 مليون دينارخلال عام 2006 مقابل 4393 مليون دينار خلال عام 2005 مرتفعا بنسبة مقدارها 1.3 %، عما كان عليه خلال عام 2005، ورغم هذا الارتفاع في العجز فقد ارتفعت تغطية الصادرات للمستوردات من 41 % خلال عـــــام 2005 إلى 45.1 % خلال عام 2006.

وكانت أهم السلع المستوردة خلال عام 2006، مادة البترول الخام حيث احتلت المرتبة الأولى بقيمة 1434 مليون دينار أو ما نسبته 17.7 % من اجمالي المستوردات، بحسب بيانات الاحصاءات.

وقال «على الرغم من ارتفاع احتياطات المملكة من العملات الأجنبية، غير أن استمرار الضغوط عليها مستقبلا من ميزان المدفوعات والتضخم، بحاجة إلى مراقبة حثيثة وعمل دراسات لتوضيح كافة الأمور».

وردا على سؤال لـ «الوطن الاقتصادي» حول إرجاع بعض المراقبين ربط الدينار بالدولار نتيجة قرارات سياسية قال النابلسي «ان هذا الكلام غير صحيح على الإطلاق، لأن من يظن أن الولايات المتحدة تتدخل في سياسة المركزي الأردني فهو مخطئ».

وحول استمرار المركزي الأردني في سياسة الإغلاق أمام فتح باب التراخيص لمصارف جديدة قال النابلسي «أنا أميل الى استمرار سياسة الاغلاق تجاه فتح شركات مصرفية جديدة، لكن الباب مفتوحا أمام الاستثمار في مصارف قائمة، وكذلك ان المملكة تتعامل بالمثل مع البلدان الأخرى لفتح مصارف كبرى لها فروع في المملكة، كما هو الحال مع البنوك اللبنانية والكويتية».

وعاد النابلسي ليقول « إن إنشاء مصارف جديدة برخصة أردنية أعتقد التوقف عنه هو إجراء حكيم».

وتقدر المديونية العامة للمملكة بشقيها الداخلي والخارجي 7.2 بليون دينار تمثل مانسبته 73% من الناتج المحلي المقدر لعام 2006، شكلت المديونية الخارجية مانسبته 52.5% من الناتج المحلي أو ما مقداره نحو 5.2 بليون دينار، بحسب بيانات المالية العامة.

وحول مطالبات بعض الاقتصاديين بضرورة النظر الى الرقم المطلق للمديونية بدلا من الناتج المحلي الاجمالي قال النابلسي «المتعارف عليه دوليا أن نسبة الدين الى الناتج المحلي هو المقياس، والمديونية هي عبء كبير على الموازنة الأردنية وبالتالي عند المقارنة كرقم مطلق مع أرقام المديونية في 1989، نرى أنها ارتفعت وبالتالي خدمة الدين تشكل أيضا عبئا ضخما على الموازنة يصل هذا عام الى 800 مليون دولار أو مايعادل 600 مليون دينار، سيستمر حتى 7 سنوات مقبلة».

واشار النابلسي الى أن فترة الأزمة تفاقم فيها حجم الدين العام الخارجي والداخلي تفاقما خطيرا -ومذهلا-خلال سنتي الأزمة، أي خلال العامين 1988 و1999، وإن كان هذا التفاقم قد بدأ عمليا من أوائل الثمانينيات.

وزاد «بالنسبة للدين العام الداخلي، وهو الجزء الأقل أهمية من مجموع حجم الدين العام الاردني، فبلغ رصيده في نهاية عام 1989، بحسب تقرير البنك المركزي 1989 ما يناهز 995 مليون دينار مسجلا بذلك زيادة نسبتها 79%، مقابل زيادة حادة جدا في هذا الدين في أواخر عام 1988 قاربت ما يناهز 47.9%، وورد في تقرير المركزي أن هذه الزيادة مردها الى رصيد السلف الاستثنائية المقدمة للحكومة من البنك المركزي عام 1988، ليبلغ رصيدها في نهاية عام 399.3 مليون دينار مقابل 310.4 مليون دينار في نهاية عام 1987، وهي نسب ليس لها نظير في من بداية تسجيل أرقام الدين العام الداخلي عام 1972».

وقال «أما بالنسبة للدين العام الخارجي فقد كان المكون الأكبر بالنسبة للدين العام الأردني إذ بلغ في نهاية 1988من 1726.5 مليون دينار الى 3.863 مليون دينار، وارتفعت نسبة هذا الدين من 77% من الناتج المحلي الاجمالي الى 100% من الناتج المحلي».

واشار الى أنه تم تدوينها بعد التصنيف بل وارتفعت هذه النسبة باعادة الحساب على اساس قيمة الدينار الجديدة التي سجلت عام 1989 الى 158% وفي نهاية 1989 واذا اضفنا الارتفاع الحاصل في ارقام الدين العام الداخلي الى الارتفاع الحاصل في الدين العام الخارجي فان المنيجة الكلية عام 1998 ستصبح بالنسبة لحجم الدين العام الخارجي والداخلي نسبة الى الناتج المحلي الاجمالي 178%.

الأزمة المالية والنقدية للأردن

وعن الأزمة المالية والنقدية قال النابلسي والذي يسجل التاريخ المعاصر للاقتصاد الوطني « بين النصف الأول من عام 1988 وحتى نهاية 1990، عصفت بالمملكة أزمة مالية ومصرفية عاتية، تداخلت فيها المسببات والنتائج والآثار في كل من نطاق الدولة المالي، والنقد الوطني (قيمة الدينار الأردني)، وجهاز الممكلة المصرفي.

واعتبر النابلسي الأزمة المالية والنقدية بأنها احتلت مكانا فريدا بين الأزمات المالية التي واجهتها المملكة ، إذ لم تماثلها أي أزمة أو مشكلة مالية أخرى واجهت المملكة منذ أن نالت الاستقلال السياسي، بعد استبعاده الازمة الاقتصادية والمصرفية التي نجمت عن احتلال الضفة الغربية عام 1967، نظرا لما سببته أزمة 1989/1990 من نتائج مدمرة طالت بنتائجها سائر قطاعات البلاد الاقتصادية والاجتماعية، واصفا تلك الفترة «بأنها زلزال مالي ومصرفي أدى الى نتائج أولية، وهزات ثانوية».

وعن النتائج التي تمثلت في أعقاب الازمة قال «تكريس مشكلة الديون الخارجية الأردنية، وتركيزها كمشكلة لايزال الأردن يعيش آثارها حتى يومنا الحالي، وفقدان العملة الوطنية مايزيد على نصف قيمتها، بهبوط الدينار ما يزيد عن 50%، من قيمته تجاه العملات الأجنبية الدولية الرئيسية وانكشاف وجود حلقات ضعيفة في عمل الجهاز المصرفي وثغرات خطيرة في مصداقيته، وكذلك تهديد الاستقرار المالي والنقدي والمصرفي الذي ساد الاقتصاد الاردني زهاء ثلاثة عقود».

وعن آثار الهزات المالية الثانوية كما يقسمها النابلسي قال « الهزات الثانوية التي صاحبت الزلزال المالي الأولي فقد شملت، بشكل عنيف سائر قطاعات المجتمع الاردني، ولاسيما الشرائح والمؤسسات الدولية، إذ أن المركزي الأردني الذي فقد كل دولار أو جنيه من العملات الأجنبية التي كانت تشكل احتياطياته الرسمية للنقد الاردني، ومن ثم فقدانه السيطرة النقدية والقدرة على دعم سعر صرف الدينار، مما أدى الى فقدان العملات الأجنبية من الأسواق المحلية وتداولها، في السوق السوداء بأسعار مضاعفة.

واشار الى أن « المركزي» وصل من الناحية العملية الى موقف لايحسد عليه على الاطلاق، من حيث أن احتياطي العملة الاجنبية كان قد بلغ أدنى مستوى له في تاريخه، في نهاية عام 1988، إذ وصل الاحتياطي غير الصافي الى 51.9 مليون دينار، وبعد تنزيل ماتمتلكه البنوك المرخصة، التي كانت «قدمت» الى المركزي بعض الودائع لتعزيز احتياطيه، فإن المبلغ الذي يمتلكه فعلا من الاحتياطي كان سالباً بمبلغ 111.5 مليون دينار».

وزاد «خزينة الدولة، التي تعرضت لعجز مالي فادح بالعملة المحلية، ومن ثم فقدان قدرتها على تسديد التزاماتها الخارجية بالعملات الخارجية الاجنبية، وبالتالي التوقف عن تسديد هذه الالتزامات وطلب اعادة جدولتها وشرائح من قطاع رجال الأعمال والمستثمرين عامة، وجدوا أنفسهم فجأة أمام مشكلة الارتفاع غير المنتظر في تكاليف إقامة المشاريع الجديدة والاستثمار فيها، من جهة، ومشكلة ارتفاع أسعار المواد الخام المستوردة التي باتت تهدد قدرتهم التنافسية أمام المنتجات المستوردة، من جهة أخرى .

واكد أن من أهم الأمور أيضا كانت الآثار الثانوية أشد وطأة على المستهلك الأردني والطبقات ذات الدخل المحدود التي واجهت مشكلة تضخمية شرسة، أدت الى رفع أسعار السلع والمواد الاستهلاكية بنسب متفاقمة لم تشهد البلاد نظيرا لها منذ عقد السبعينيات، جعلت تكاليف معيشة الطبقات الفقيرة والمتوسطة فوق مستوى دخولها المتآكلة».

يذكر أن الاختلال الحاد في استقرار سعر صرف الدينار الأردني، وارتفاع سعر الدولار الأميركي أمام الدينار، إلى ضعف القيمة السائدة حينها تم خلال بضعة أشهر فقط.

وعن الآثار التضخمية لانهيار سعر الصرف والانعكاس على تكاليف المعيشة قال النابلسي «إن الهبوط كان حادا لقيمة الدينار بنسبة تزيد عن 50%، أنتج فورا انعكاسات على مجمل الاقتصاد القومي، بصورة عامة، وعلى تطورات الأسعار للسلع والخدمات، وبالتالي رفع تكاليف معيشة المواطنين، بصورة مفاجئة وجذرية، وبالنظر لمستويات الأسعار والرقم القياسي عام لتكاليف المعيشة الذي أعيد تنظيمه في نهاية عام 1992 بحيث يكون عام الأساس هو عام 1992(1992= 100) فإن من الملاحظ أن الرقم القياسي لتكاليف المعيشة تراوح بين (50.9) و(50.1) نقطة، أي أن ارتفاع تكاليف المعيشة خلال هذه المدة كان يعادل 1.25% سنويا بالمتوسط، في حين ان متوسط الارتفاع في الرقم القياسي لتكاليف المعيشة للسنوات الأربع 1989-1992 كان يقارب 11% سنويا تقريبا».

إغلاق محلات الصرافة

وقال النابلسي «في معرض بحث السلطة النقدية للبنك المركزي الاردني، بالتعاون مع السلطات الحكومية المختصة كوزارة المالية والسلطات المصرفية ممثلة بالبنوك، عن مسببات الأزمة التي عصفت بسعر صرف الدينار، والتي تمثلت في ارتفاع سعر الدولار الاميركي من (420) فلسا تقريبا الى (650) فلسا تقريبا بتاريخ 8/2/1989، اتجهت الآراء الى أن المسبب الرئيسي هو مضاربات الصرافيين في السوق الحرة».

غير أن النابلسي يرى «أن هذا التحليل يتجاهل المسببات الرئيسية، وهي الاختلالات المالية السائدة حينذاك، وقبل ذلك، فضلا عما أفرزته هذه الاختلالات من ديون خارجية ضاغطة على احتياطيات البلاد من العملات الاجنبية، ومن ندرة العملة الاجنبية بشكل عام»وهذا ما وثقه في كتابه «الأزمة المالية المزدوجة».

ويتابع الدكتور النابلسي في تحليله «في غمرة الأحداث التي اجتاحت البلاد، يبدو أن الجهات الرسمية اتجهت للبحث عن فريسة سهلة تلصق بها مسؤولية تدهور أسعار الصرف، وهذا في اعتقادنا الجازم ما هو إلا جزء زهيد من المشكلة، ولايعني بالضرورة أن الصرافيين لم يشاركوا في دفع سعر صرف الدولار الاميركي الى أعلى، فالواقع يشير الى أنهم حاولوا الاستفادة من فرصة سانحة من خلال الاقدام على التوسع في عمليات المضاربة التي استندت الى تنبئهم باتجاه سعر صرف الدينار الى الانخفاض».

وعن الأزمة المصرفية قال النابلسي «ظهر جليا وواضحا، منذ النصف الثاني من عام 1988، وخلال النصف الأول من عام 1989، أن الجهاز المصرفي الاردني يتعرض، من خلال مصرفين هما بنك البتراء وبنك الأردن والخليج، الى أزمة ملاءة وسيولة اذ تبدى أن البنكي حاولا أن يحصلا على ودائع من القطاعين العام والخاص مقابل معدلات فائدة أعلى مما يمنحه السوق اجمالا، علما بأن موجودات كل من بنك البتراء والاردن والخليج تشكلان مانسبته 14.5% من أصل اجمالي موجودات الجهاز المصرفي حينها».

مغروور قطر
12-03-2007, 06:18 AM
وزاد النابلسي ان أمورا أخرى صعبة مر بها الاقتصاد في ذات الفترة وقال «لم تكد الأزمة المالية والنقدية المصرفية التي تفجرت خلال النصف الثاني من عام 1988، والتي استمرت خلال عام 1989 بأكمله، تميل الى التراجع التدريجي، حتى دوهمت المملكة بمظاهر أزمة جديدة ذات انعكاسات اقتصادية، حيث تجسدت فور وقوع الغزو بتاريخ 2/8/1990 تمثلت في كلفة مالية اجمالية مقدارها 1.2 مليار دولار تحملها الاقتصاد الاردني وهو مايعادل 30% من الناتج المحلي الاجمالي و قدرت خسائر القطاع التصديري 170 مليون دولار نتاج الغزو و 170 و200 مليون دولار بسبب فقدان تحويلات المغتربين و120 مليون دولارخسائر أجور النقل و 48 مليون دولار خسائر منح من العراق، بالاضافة الى 300 مليون دولار منحا كانت دول خليجية التزمت بها عن هذه الفترة وهي 1990».

التصدي لمعالجة الازمة

وعن الخطوط العريضة لمعالجة الازمة قال «ان تأمين الحصول على مساعدة عربية عاجلة، بشكل قرض أو إن أمكن بشكل منحة لاتقل عن 200 مليون دولار أميركي.

واكد أنه تم استغلال لتوفير عملات أجنبية لتأمين المستوردات للبلاد من المواد التموينية والسلع الخام، ويدخل المركزي فيما بعد بائعا للدولار لاشاعة نوع من الطمأنينة لدى الناس وقطع دابر المضاربين في السوق السوداء، إذ تمكن المركزي من استعادة 300 مليون دولار من البنوك المرخصة، وبفضل تلك الجهود خفض سعر الدولار الاميركي من 950 فلسا الى 670 فلسا تقريبا.

واشار النابلسي الى أن استراتيجية التصدي في الأجلين المتوسط والطويل ببرامج التصحيح تمت بعد أن توصلت السلطات الأردنية الاقتصادية والمالية والنقدية، بالتشاور مع ممثلي صندوق النقد الدولي الى أن الاختلالات تتلخص في التوسع الكبير في السيولة العامة، والاختلال الناشىء عن ارتفاع معدلات التضخم والاختلال في ميزان المدفوعات والاختلال في النمو الاقتصادي للمملكة.

وعن مبررات التعاون مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في رسم وتنفيذ برامج التصحيح الاقتصادي يرجع النابلسي بأن أي طلب اقتراض من الخارج بالعملات الاجنبية سيكون مصيره الفشل إن لم يقترن بوجود اتفاقات مع المؤسسات الدولية تبين برامج المفصلة التي تعتزم المملكة تطبيقها للتغلب على مصاعبها المالية والنقدية، أي أن «شهادة» حسن النية التي كان يصدرها صندوق النقد والبنك الدولي بمثابة جواز سفر للدولة التي تعاني من الضائقة المالية، وكانت لاتعطى الا بعد مفاوضات مضنية.

النشاط المصرفي

ويقلل النابلسي من احتمالات القضاء على الفساد المصرفي في المملكة خلال المدى المنظور، متأملاً نجاح جهود التطوير والاصلاح المصرفي في وضع حدٍ لكلفته العالية على الاقتصاد الوطني.

وأكد أن الفساد يمتد من الحالات التي تنطوي ممارسات تقع بشكل واضح ضمن نطاق قوانين الجزاء والعقوبات كحالة بنك البتراء الى الفساد الناتج عن الجهل في الإدارة المصرفية أو حتى الناتج عن التقصير أو الإهمال أو الأخطاء المرتكبة من قبل مجالس الإدارة أو المسؤولين الإداريين في البنوك، معتبرا أن الحالة الاخيرة تندرج تحت إطار «شبه الفساد».

وربط النابلسي بين ظهور حالات فساد «يظهر في هذا الجسم بين الفينة والاخرى»، لعوامل أبرزها عدم كفاية جهاز البنك المركزي الرقابي وعدم توافر الاختصاص في الأجهزة القضائية التي تتولى ممارسة الملاحقة القانونية للفساد في الأجهزة المصرفية ونقصان عنصر التخصص في ملاحقة الفساد المصرفي.

وقال انه بالنسبة لعدم كفاية جهاز البنك المركزي الرقابي ملاحظا أنه، بالرغم من الجهود التي بذلها «المركزي» منذ نشأته لبناء جهاز رقابي فاعل، فإن هذه الجهود كانت تصطدم باستمرار بعقبات متعددة أهمها عدم توافر خبرات كافية في الأسواق المصرفية لهذه المهمة، بل التنافس المصرفي المستمر على مصادرة الخبرات الموجودة لدى البنك المركزي من هذا النوع بمختلف أساليب الإغراء من جهة، واستمرار التوسع المصرفي بالبنوك والفروع الجديدة الذي ضاعف من الطلب على الخبرات المصرفية، بحيث اشتدت حدة المنافسة بين البنوك لاستقطاب الخبراء من الموظفين من بعضها بعضا ومن «المركزي» الذي وجد نفسه عاجزاً عن المنافسة بمستوى الرواتب الذي كان وما زال يقدمها.

واضاف «من الطبيعي أن تؤدي هذه المنافسة إلى فقدان المركزي لعناصره المتميزة والقادرة على تحقيق أهدافه الرقابية، بالرغم من محاولاته المستمرة لتعزيز فرص الدراسة المصرفية والتدريب المصرفي».

وقال «بالنسبة لعدم توفر الاختصاص القضائي، فالأصل في اختصاص القضاء أن تكون جرائم الفساد المصرفي من اختصاص القضاء المدني. إلا أن هذا المبدأ تعرض منذ أحداث حرب عام 1967 وتطبيق الأحكام العسكرية في البلاد، إلى تغيرات هامة بحيث أصبحت الجرائم المصرفية من اختصاص محاكم أمن الدولة في الغالب. ثم جاء قانون الجرائم الاقتصادية لعام 1993 فأتاح مجدداً إحالة الجرائم المصرفية إلى المحاكم المدنية، وفق إجراءات مستعجلة، في الحالات التي تمس فيها هذه الجرائم الثقة العامة. إلا أن قانون محكمة أمن الدولة المؤقت الصادرعام 2001 كتعديل لقانون محكمة أمن الدولة الصادر عام 1959، أبقى على اختصاص هذه المحكمة بالنسبة للجرائم التي لها علاقة بالأمن الاقتصادي فيما إذا أحالها إليها رئيس الوزراء. وبذلك بقيت الجرائم المصرفية التي يمكن أن تمس بأمن الدولة الاقتصادية تحت ولاية محاكم أمن الدولة، وبالتالي استمرت جرائم البنوك الهامة حائرة بين أجهزة الدولة القضائية دونما تحديد طريق واضح لها».

اما التخصص القضائي في معالجة الفساد المالي، وبصورة خاصة الفساد المصرفي، بحسب النابلسي، فما زال يعوق المكافحة الفعالة للفساد المالي والمصرفي. وقال «هناك الكثير من الأقطار التي شعرت أن أجهزتها القضائية المدنية تنقصها الخبرات المالية التي تستطيع التعمق في دراسة قضايا الفساد المالي والمصرفي، ولهذا اتجهت إلى فرز غرف محاكم ونيابة عامة مالية متخصصة ضمن أجهزتها القضائية، الأمر الذي ساعد على الوصول إلى تفهم أعمق لقضايا الفساد وإلى سرعة البت في هذا النوع من القضايا. ويذكر بهذا الصدد أن بريطانيا أصدرت في عام 1986 قانوناً خاص يسمى بقانون الخدمات المالية، وقد تضمن هذا القانون انشاء محكمة خاصة ونيابة متخصصة في ملاحقة قضايا الفساد المالي، ولا سيما قضايا الاحتيال المالي».

ويعتقد أنه يتوجب إعادة النظر في موضوعي الاختصاص والتخصص في الأردن لنكفل فعالية قضائية أوفى بالنسبة للفساد المصرفي.

وقال «نعيش في دولة تتطلع إلى التحديث النظيف وإلى محاولة قمع الفساد بكل مظاهره وأشكاله، إلا أن إبراز ما يعانيه العالم ككل في هذا الصدد يهدف إلى تأكيد أن قضية الفساد المصرفي خاصة هي قضية معقدة وتحتاج إلى جهود متواصلة ومركزه لمكافحتها ومعالجتها ويجب أن لا تقتصر هذه الجهود على البنوك المركزية وحدها بل تتطلب تعاوناً وثيقاً بين أجهزة المصارف ذاتها وأجهزة الدول».

الى ذلك بين النابلسي حالات الفساد التي تعرض لها الجهاز المصرفي الاردني، وقام بفرز الحالات وفقا للخطيئة والجرم المترتب عليها، مشيرا الى تجارب فساد أدت إلى تعثر كامل للمؤسسات المصرفية وأبرزها حالة بنك البتراء نهاية الثمانينيات وحالة بنك الأردن والخليج في ذات الحقبة وحالة البنك الوطني الإسلامي «الخلف القانوني لبيت الاستثمار الإسلامي» وحالتا بنك عمان للاستثمار وبنك فيلادلفيا في منتصف القرن الجديد مؤخراً.

وتعرض النابلسي لمنابع الفساد في البنوك والتي ربطها بمصدرين مهمين الأول منها حجم الأموال التي تتعامل بها البنوك والتي تفوق في بعض الأحيان حجم الناتج الاجمالي بكامله، والثاني منها حساسية العمل المصرفي بالنسبة للاقتصاد القومي ومدى تعلق الثقة بالاقتصاد القومي بالثقة بالعمل المصرفي.

فبالنسبة للمصدر الأول لأهمية الفساد، أي أهمية حجم أموال البنوك بالنسبة للاقتصاد القومي ككل، قال إن «أموال البنوك التي تتألف بشكل عام، من رؤوس أموالها زائد أموالها الاحتياطية، مضافا إليها ودائع الدولة والجمهور، والتي تشكل حجماً هائلاً من الأموال كنسبة مـن الناتج المحلي تتراوح بين آن وآخر، ولكن هذه النسبة تبقى كبيرة جداً».

وقال «نلاحظ في المملكة أن حجم رؤوس أموال البنوك الأردنية واحتياطياتها يناهز 2.2 بليون دينار في أواخر عام 2005، في حين أن ودائع البنوك الاجمالية بالنقد الأردني والعملات الأجنبية، تناهز في نفس الوقت حوالي 13.1 بليون دينار، وبالتالي فإن أموال البنوك من رؤوس أموال وودائع تناهز 1.4% من الناتج المحلي الاجمالي بأسعار السوق الجارية في نهاية العام الماضي، إذا اعتبرنا أن الناتج المحلي الاجمالي في نهاية عام 2005 مقدر مبدئياً بمبلغ 8.9 بليون دينار، وقد تزيد هذه النسبة بدرجة محسوسة أو تنقص في بعض البلدان الأخرى». إلا أن «النسبة تظل مؤشراً خطيراً لما في حوزة البنوك من أموال بالنسبة للاقتصاد القومي لأي بلد في العالم».


وزاد «أما بالنسبة للمصدر الآخر للأهمية فإن موضوع ثقة الجمهور بالاقتصاد القومي لأي بلد هو أمر بالغ الخطورة في نفس الوقت، فالثقة في الاقتصاد القومي ركيزة أساسية لنمو الاقتصاد، حتى أن بعض المفكرين الاقتصاديين اعتبر عامل الثقة الجماهيرية بمثابة المحرك الأساسي للاقتصاد، سواء كانت النظم الاقتصادية رأسمالية أو غير ذلك. وهم يفسرون معدلات النمو بقدر ما يتوافر من الثقة في النظام الاقتصادي لأي بلد، سواء صحت هذه النظرة أم لم تصح، فإن الثابت أن عدم الثقة في النظام المصرفي لأي بلد هو من أشد المخاطر التي قد يتعرض لها ذلك البلد».

وأكد على وجود حالات عديدة من أعمال الفساد التي وقعت من الغير على البنوك، كحالات السطو أوالسرقة من أفراد أو عصابات لصوص على أموال البنوك في داخلها وخارجها وهناك حالات عديدة من التزوير والاحتيال التي وقعت البنوك ضحية لها، أيضاً من لصوص أو محتالين بمختلف أساليب الاحتيال أو التزوير.

والأهم من ذلك وربما الأكثر تأثيراً على البنوك، بحسب النابلسي، هي حالات تآمر عملاء كبار على سلب البنوك من أموالها بطرق مختلفة من الغش وإساءة الائتمان، بحيث يحصل هؤلاء العملاء على تسهيلات بدون ضمانات كافية أو بضمانات وهمية، كما حصل في حالات فساد كبرى أعلن عنها إعلامياً وطالت أحياناً بنوكا كبرى، منفردة أو مجتمعة.

وقال «من حسن الحظ أن معظم الحالات المذكورة والتي تقع تحت طائلة قوانين الجزاء والعقوبات شكلت جرائم كبرى وصلت إلى القضاء الأردني وفصل في غالبها بالإدانة الجزائية، وإن كانت في بعض الحالات فصل فيها بما لا يكفي من التحقيق الشامل الذي يكفل إدانة جميع المتآمرين أو الضالعين في الفساد».

واوضح انه على نطاق المنطقة العربية فقد استمرت مشاكل بعض البنوك المصرية التي تورطت في عمليات تمويل ضخمة لبعض كبار رجال الأعمال ورافقها هروب من المستفيدين منها إلى خارج البلاد. وتفجرت في بيروت مشكلة بنك المدينة التي فاحت من خلالها عدة ألوان من الفساد المصرفي.

لكنه اعتبر على صعيد الاردن وجود تحسن واضح في أجواء نظافة البنوك، بالرغم من وجود قضايا فساد مصرفي شغلت الرأي عام لردح من الزمن كالقضية التي عرفت تحت عنوان قضية الشمايلة ومحاكماتها، وقضية بنك فيلادلفيا.

واضاف إن القضاء تولّى معالجة القضيتين الأولى والثانية، ويمكن القول إن الجهاز المصرفي الأردني قد خلا من معظم شوائبه، بدليل وجود مؤشرات هامة على هبوط كبير في حجم القروض والتسهيلات غير العاملة وعلى بدء التطبيق الفعال لنظام مراقبة جديد قائم على تقديم ما يسمى بنظام الإنذار المبكر Early Warning.

إلا أنه اشار الى ان هذا التحسن لم يكن بدون ثمن تحملته الأموال العامة، «فكلنا يذكر بالطبع كم تحمل البنك المركزي من الخسارة في سبيل معالجة قضية بنك البتراء التي زادت كلفتها على 200 مليون دينار»، بالإضافة إلى كلفة «معالجة بنك الأردن والخليج وبنك فيلادلفيا»، علماً بأن «جهود البنك المركزي وجهود أجهزة محكمة أمن الدولة ساعدت كثيراً من وقع هذه التكاليف».

وزاد «البنوك كتشريعات وأنظمة مراقبة الشركات وتشريعات وأنظمة هيئة الأوراق المالية، فإن الجهاز المصرفي عامة ما زال يعاني من حالات فساد كبيرة في الحاضر والماضي القريب، فضلاً عن تركة «فساد» من ماضيه خلال نصف قرن، مؤكداً أن أكثر ما عاناه هذا الجهاز لا يعود إلى الجرائم التي ينص عليها قانون العقوبات الأردني من سرقة واحتيال وإساءة ائتمان فقط، بل إلى ما يمكن وصفه بأنه جهل وتسيب وإهمال في إدارات بعض البنوك التي تعثرت أو تعرضت للتعثر. فقد ثبت بدون شك أو ريب أن تراكم التوظيفات غير التجارية أو التوظيفات المصلحية أو التسهيلات الممنوحة بدون ضمانات أو بضمانات غير كافية هو السبب الأهم والأشمل لمتاعب البنوك، بل هو السبب الكامن وراء ما «أسميناه بشبه الفساد في البنوك».

ويرى انه من المؤسف أن معظم الحديث عن الفساد يقف عند التشهير به، لا عند بحوث ودراسات المكافحة وإمكانية المشاركة الفاعلة في المكافحة. «فقد عشنا خلال السنوات الماضية، بفضل الإعلام العالمي، نتابع قصص الفساد على أوسع نطاق قكانت قصص الشركات الكبرى وفضائحها، كشركة «انرون» و«ورلد كوم» الاميركية و«بارملات الايطالية» وعشرات من القصص التي تشغل القضاء والفضائيات في مختلف أرجاء العالم».

وقال إنها قدمت للفضائيات والصحف ومختلف وسائل الإعلام مادة لم تحلم بها. «وترافقت الفضائح المالية للشركات العالمية مع فضائح البنوك على المستوى العالمي أيضاً، فكان لبعض البنوك الكبرى دور مساعد واضح في هذه الفضائح».