ROSE
16-03-2007, 04:22 AM
البورصة حلم وكابوس
انتهت أعمال مؤتمر أسواق الأوراق المالية والبورصات الذي نظمته جامعة الإمارات العربية المتحدة كلية الشريعة والقانون بالمشاركة مع غرفة تجارة وصناعة دبي، والذي استمر للفترة من 6 ـ 8 مارس وقد تكلل كسابقاته من المؤتمرات الأربعة عشر بالنجاح وبالعمق العلمي للبحوث العلمية المقدمة وبالمناقشات الفياضة بالموضوعية المطلية بالجانبين الشرعي والقانوني والدقيقة في موضوعاتها الحساسة، وبحضور أكثر من ثمانين باحثا شرعيا واقتصاديا وماليا،
ومن مختلف البلدان العربية والأجنبية، وكانت أول ورقة بحثية قدمها الدكتور شوقي دنيا بعنوان (البورصة حلم وكابوس)، وقد بين من خلالها بأنه إذا كان للبورصة وجهها المشرق المليح، فلا شك أن لها وجها عبوسا مقطبا، والأمر في النهاية رهين بمجموعة من الشروط والمتطلبات، إذا ما توفرت بدا الوجه الأبيض، وإلا بدا الوجه الأسود،
أي أن هنالك جوانب عديدة ينبغي للزبون على وعي بها منها: الوعي بمخاطر الأسهم المتعلقة بها وبعوائدها، وبهذا الوعي يعمل العميل على التحوط الجاد قبل اتخاذ قرار الدخول في البورصة والتعامل فيها، وكذلك الوعي بضرورة التوقيت الصحيح لاتخاذ القرار؛ بيعا وشراءً، ومن ثم حسن التعامل مع الوقت،
وفي ذلك يقول (جيسي ليفر مور) أنجح مضارب في بورصات الأوراق المالية الأميركية في النصف الأول من القرن العشرين : (إن الطريق إلى تكوين ثروة كبيرة هو أن تكون مصيبا تماما في الوقت الصحيح، وإن الأهم من الشراء بأسعار رخيصة هو الشراء في الوقت المناسب)،
وعلى الزبون أن يعي جيدا أهمية فكرة تنويع الاستثمارات (Diversification)، وأن يحسن تطبيقه، فلا يضع كل أمواله في ورقة واحدة أو وريقات محدودة مهما كان وراءها من إغراء، كذلك عليه أن يحسن تقييم الخسارة والتعامل معها، فوقوع الخسائر في التعاملات المالية أمر عادي، ومن الخطأ الكبير الدخول إلى البورصة بعقيدة عدم تحمل أي خسارة،
ومما يقال في ذلك إنه ليس كل مكسب جيدا وليست كل خسارة سيئة، فكم من خسارة جلبت الكثير من المكاسب، وكم من مكسب جلب المزيد من الخسائر، والمهم حسن التعامل مع الخسارة التي تقع، فالبورصة كما قال عنها أحد الخبراء ليست ملعبا يمرح فيه الهواة.
فالكثير من عملاء البورصة ليسوا على الدرجة المطلوبة من الوعي الجيد بقواعد التعامل الصحيح في البورصة، وقد شهدنا في أيامنا هذه الكثير من الأفراد العاديين والأميين يدخلون البورصة لمجرد سماعهم من فرص واسعة لجني الأرباح الكثيرة والسريعة،
وقد قام الكثير منهم بتسييل بعض ما لديه من أصول وبإعادة مدخراته، بل إن بعضهم عمل جاهدا على الاقتراض من البنوك وغيرها ليعمل في البورصة، والمشكلة تكمن في عدم توفر الوعي لدى الكثير من هؤلاء، ومن الطرائف التي تحكى في ذلك تاريخيا أنه قبل حدوث الكساد العالمي الشهير عام 1929م بعدة أيام كان أحد السماسرة يلمع حذاءه،
فأخبره ماسح الأحذية أنه اشترى أسهما من بورصة نيويورك، فاندهش السمسار وسأله من أين جئت بالمال؟ فقال اقترضته من بنك مانهاتن. فقال له : ومن دلك على هذا؟ فقال ماسح الأحذية ضاحكا: سيدي كل زملائي من ماسحي الأحذية هنا فعلوا الشيء نفسه، وعندها ذهب السمسار فورا وسحب أمواله من البورصة قبل وقوع الانهيار بعدة أيام.
إن المشكلة في ذلك وكما يوضحها الدكتور دنيا تكمن بأن الكثير والكثير من هؤلاء يتعاملون في البورصة بمنطق لاعب(البوكر) والبورصة تحتاج للاعبي الشطرنج، يضاف إلى ذلك فقدان البعض للجانب الأخلاقي في التعامل، وسيطرة حافز الكسب السريع مهما كان الأسلوب ومهما كانت النتائج،
وفي عالمنا العربي فإن جهاز البورصة تنقصه من مقومات وعناصر الكفاءة، فهناك اختلال واضح بين نشاط الإصدار ونشاط سوق التداول، فإذا كان سوق الإصدار يوفر السيولة للمشروعات والحكومات، فان سوق التداول يوفر السيولة لمن قام في السابق بتوفير السيولة للمشروعات والحكومات، أو بعبارة أخرى يعيد له سيولته،
ولا أدل على ذلك من تضخم حجم الصفقات والتعاملات في السوقين، حيث تشير بعض الإحصاءات إلى أن حجم التعامل في سوق الإصدار في البورصة السعودية عام 2005 بلغ 66, 6 مليارات دولار بينما بلغ سوق التداول 104 ,1 تريليون دولار ولم تشذ عن ذلك باقي البورصات العربية، ولا شك أن ذلك يمثل خللا جوهريا في نشاط البورصة وآثارها على الاقتصاد القومي،
كذلك نفتقر البورصات العربية إلى العدد الكبير المتنوع من الأوراق المالية، وكذلك إلى بعض المنتجات والأدوات المالية الحديثة، إضافة إلى ما يشوب المؤسسات العاملة فيها من جوانب القصور الإدارية والتنظيمية.
كذلك من الضروري أن تتوفر فيه المؤسسات الفعالة من وسطاء وعملاء وصناع للسوق ومضاربين راشدين، وأيضا من الضروري توفير العديد من الأدوات والمنتجات المالية للسوق، حينها لا نحتاج لتصفح كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين. ولا مراجعة السيكولوجست.
كاتب ومحلل اقتصادي
انتهت أعمال مؤتمر أسواق الأوراق المالية والبورصات الذي نظمته جامعة الإمارات العربية المتحدة كلية الشريعة والقانون بالمشاركة مع غرفة تجارة وصناعة دبي، والذي استمر للفترة من 6 ـ 8 مارس وقد تكلل كسابقاته من المؤتمرات الأربعة عشر بالنجاح وبالعمق العلمي للبحوث العلمية المقدمة وبالمناقشات الفياضة بالموضوعية المطلية بالجانبين الشرعي والقانوني والدقيقة في موضوعاتها الحساسة، وبحضور أكثر من ثمانين باحثا شرعيا واقتصاديا وماليا،
ومن مختلف البلدان العربية والأجنبية، وكانت أول ورقة بحثية قدمها الدكتور شوقي دنيا بعنوان (البورصة حلم وكابوس)، وقد بين من خلالها بأنه إذا كان للبورصة وجهها المشرق المليح، فلا شك أن لها وجها عبوسا مقطبا، والأمر في النهاية رهين بمجموعة من الشروط والمتطلبات، إذا ما توفرت بدا الوجه الأبيض، وإلا بدا الوجه الأسود،
أي أن هنالك جوانب عديدة ينبغي للزبون على وعي بها منها: الوعي بمخاطر الأسهم المتعلقة بها وبعوائدها، وبهذا الوعي يعمل العميل على التحوط الجاد قبل اتخاذ قرار الدخول في البورصة والتعامل فيها، وكذلك الوعي بضرورة التوقيت الصحيح لاتخاذ القرار؛ بيعا وشراءً، ومن ثم حسن التعامل مع الوقت،
وفي ذلك يقول (جيسي ليفر مور) أنجح مضارب في بورصات الأوراق المالية الأميركية في النصف الأول من القرن العشرين : (إن الطريق إلى تكوين ثروة كبيرة هو أن تكون مصيبا تماما في الوقت الصحيح، وإن الأهم من الشراء بأسعار رخيصة هو الشراء في الوقت المناسب)،
وعلى الزبون أن يعي جيدا أهمية فكرة تنويع الاستثمارات (Diversification)، وأن يحسن تطبيقه، فلا يضع كل أمواله في ورقة واحدة أو وريقات محدودة مهما كان وراءها من إغراء، كذلك عليه أن يحسن تقييم الخسارة والتعامل معها، فوقوع الخسائر في التعاملات المالية أمر عادي، ومن الخطأ الكبير الدخول إلى البورصة بعقيدة عدم تحمل أي خسارة،
ومما يقال في ذلك إنه ليس كل مكسب جيدا وليست كل خسارة سيئة، فكم من خسارة جلبت الكثير من المكاسب، وكم من مكسب جلب المزيد من الخسائر، والمهم حسن التعامل مع الخسارة التي تقع، فالبورصة كما قال عنها أحد الخبراء ليست ملعبا يمرح فيه الهواة.
فالكثير من عملاء البورصة ليسوا على الدرجة المطلوبة من الوعي الجيد بقواعد التعامل الصحيح في البورصة، وقد شهدنا في أيامنا هذه الكثير من الأفراد العاديين والأميين يدخلون البورصة لمجرد سماعهم من فرص واسعة لجني الأرباح الكثيرة والسريعة،
وقد قام الكثير منهم بتسييل بعض ما لديه من أصول وبإعادة مدخراته، بل إن بعضهم عمل جاهدا على الاقتراض من البنوك وغيرها ليعمل في البورصة، والمشكلة تكمن في عدم توفر الوعي لدى الكثير من هؤلاء، ومن الطرائف التي تحكى في ذلك تاريخيا أنه قبل حدوث الكساد العالمي الشهير عام 1929م بعدة أيام كان أحد السماسرة يلمع حذاءه،
فأخبره ماسح الأحذية أنه اشترى أسهما من بورصة نيويورك، فاندهش السمسار وسأله من أين جئت بالمال؟ فقال اقترضته من بنك مانهاتن. فقال له : ومن دلك على هذا؟ فقال ماسح الأحذية ضاحكا: سيدي كل زملائي من ماسحي الأحذية هنا فعلوا الشيء نفسه، وعندها ذهب السمسار فورا وسحب أمواله من البورصة قبل وقوع الانهيار بعدة أيام.
إن المشكلة في ذلك وكما يوضحها الدكتور دنيا تكمن بأن الكثير والكثير من هؤلاء يتعاملون في البورصة بمنطق لاعب(البوكر) والبورصة تحتاج للاعبي الشطرنج، يضاف إلى ذلك فقدان البعض للجانب الأخلاقي في التعامل، وسيطرة حافز الكسب السريع مهما كان الأسلوب ومهما كانت النتائج،
وفي عالمنا العربي فإن جهاز البورصة تنقصه من مقومات وعناصر الكفاءة، فهناك اختلال واضح بين نشاط الإصدار ونشاط سوق التداول، فإذا كان سوق الإصدار يوفر السيولة للمشروعات والحكومات، فان سوق التداول يوفر السيولة لمن قام في السابق بتوفير السيولة للمشروعات والحكومات، أو بعبارة أخرى يعيد له سيولته،
ولا أدل على ذلك من تضخم حجم الصفقات والتعاملات في السوقين، حيث تشير بعض الإحصاءات إلى أن حجم التعامل في سوق الإصدار في البورصة السعودية عام 2005 بلغ 66, 6 مليارات دولار بينما بلغ سوق التداول 104 ,1 تريليون دولار ولم تشذ عن ذلك باقي البورصات العربية، ولا شك أن ذلك يمثل خللا جوهريا في نشاط البورصة وآثارها على الاقتصاد القومي،
كذلك نفتقر البورصات العربية إلى العدد الكبير المتنوع من الأوراق المالية، وكذلك إلى بعض المنتجات والأدوات المالية الحديثة، إضافة إلى ما يشوب المؤسسات العاملة فيها من جوانب القصور الإدارية والتنظيمية.
كذلك من الضروري أن تتوفر فيه المؤسسات الفعالة من وسطاء وعملاء وصناع للسوق ومضاربين راشدين، وأيضا من الضروري توفير العديد من الأدوات والمنتجات المالية للسوق، حينها لا نحتاج لتصفح كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين. ولا مراجعة السيكولوجست.
كاتب ومحلل اقتصادي