مطيع الله
25-03-2007, 02:44 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة الخليج في منع الاختلاط وما ينجم عنه من مساوئ الأخلاق
إلى الأمراء وإلى الوزراء وإلى العقلاء المفكرين من المسلمين:
سلام الله ورحمته عليهم أجمعين ، وأسأل الله لي ولهم التوفيق للتمسك بالدين وطاعة رب العالمين ، وأن يعيذنا وإياهم من شرر أنفسنا وسيئات أعمالنا ومن همزات الشياطين.
أما بعد ــ فإن الدين النصيحة لله و لدينه و عباده المؤمنين ، و قد أوجب الله علينا بنص القرآن بأن نتعاون على البر و التقوى ، و أن نتناهى عن الإثم و العدوان ، و أن دين الإسلام هو دين كامل و شرع شريف شامل ، مبني على جلب المصالح و درء المفاسد ، فلا يحرم شيئا من المحرمات ، إلا لأنه ضار بفاعله و بالناس مباشرة ، و تسببا ، و مدار سياسة الإسلام على ستة أمور ، أحدها : حفظ الدين ، و الثاني : حفظ الأنفس ، و الثالث : حفظ الأموال ، و الرابع : حفظ الأنساب ، و الخامس : حفظ العقول ، والسادس : حفظ العروض : أي حفظ الفروج .
و من أجل حفظ العروض ، حرم الله الزنا و حرم الفواحش ما ظهر منها و ما بطن ، و حرم إبداء زينة المرأة المسلمة لغير زوجها و محارمها ، و نهى عن الخلوة بها و عن سفرها بغير محرم ، و عن النظر إليها بشهوة ، كل هذا الأمور حرمها لكونها تفضي إلى الفاحشة الكبرى و الوسائل لها أحكام المقاصد و درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، فالشرع الحكيم حمى ، حمى العروض و سد الطرق التي تفضي إلى السفاه و الفساد و الإخلال بنظام النكاح الحلال ، و قال : » تلك حدود الله فلا تعتدوها ، ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه « و حدود الله محارمه .
إن أمراء و العلماء و الوزراء ، يجب أن يكونوا بمثابة المرابطين دون ثغر دينهم ووطنهم، يحمونه عن الإلحاد و تسرب دخول الفساد على العباد ، لاعتبار أنهم متكاتفون متكافلون في جلب المصالح و دفع المضار ، يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر ، و يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و يطيعون الله و رسوله .
فمتى قصر هؤلاء بواجبهم و تكاسلوا عن حماية دينهم ووطنهم و تركوا الخمور تجلب إلى بلدهم و الحوانيت تفتح لبيعها ، و تركوا بلدهم معطنا لمراتع الفسوق ، فلم يأخذوا على أيدي سفهائهم في منعهم عما يضرهم ، فإنه بذلك يتحقق خراب البلاد و فساد العباد ، و خاصة النساء و الأولاد ، فتسود الفوضى و هتك الأعراض و يصابون بفتنة في الأرض و فساد كبير ، لأن بقاء الأمم ببقاء أخلاقهم ، فإذا ذهبت أخلاقهم ذهبوا . يقول الله : » و إذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا « و المراد بالهلاك هنا هو هلاك الأخلاق، لأنه أضرمن هلاك الأبدان ، و الفتنة أشد من القتل .
إن العقلاء لا ينبغي لهم أن يغتروا بكثرة الأصوات في طلب ما هو محض الضرر عليهم في أخلاقهم ، فإن كثرة الأصوات ليست بحجة في إباحة المحرمات مع قيام الدليل و البرهان على البطلان ، و لأن كثرة الأصوات تنشأ غالبا عن الهوى و الحب للشيء . و الله يقول: » و إن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ، إن يتبعون إلا الظن و إن هم إلا يخرصون « . و أكثر الناس في هذا الزمان يفضلون التحلل عن عقل الدين و أخلاقه و آدابه و حلاله و حرامه ، و يحبون أن يعيشوا في الدنيا عيشة البهائم ، ليس عليهم أمر و لا نهي و لا صلاة و لا صيام و لا حلال و حرام .
و اعتبروا بالبلدان التي قوضت منها خيام الإسلام و ترك أهلها فرائض الصلاة و الصيام ، و استباحوا الجهر بمنكرات الأخلاق و العصيان ، و صرفوا جل عقولهم و جل أعمالهم و جل اهتمامهم للعمل في دنياهم ، و اتباع شهوات بطونهم و فروجهم ، و تركوا فرائض ربهم ، و نسوا أمر آخرتهم ، فانظروا كيف حالهم و ما دخل عليهم من النقص و الجهل و الكفر وفساد الأخلاق، و العقائد و الأعمال ، حتى صاروا بمثابة البهائم ، يتهارجون في الطرقات لا يعرفون صياما
و صلاة ، و لا يعرفون معروفا و لا ينكرون منكرا ، و لا يمتنعون من قبيح و لا يهتدون إلى حق، قد ضرب الله قلوب بعضهم ببعض فذهبت منهم الديانة و فشت من بينهم الخيانة ،
واستشرت الفوضى و الفساد ، فاعتبروا بسوء حالهم و فساد أعمالهم ، » فإن خير الناس من وعظ بغيره « ، و قد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لكم مثلا فاستمعوا له و أنصتوا لعلكم ترحمون، فقال : » مثل القائم في حدود الله الذين ينكرون المنكرات و يسعون في إزالتها ،
ويأخذون بأيدي سفهائهم عن مواقعتها ، و مثل الواقع في المنكرات كمثل قوم ركبوا في سفينة فصار بعضهم في أعلاها ، أي في السطح و بعضهم في أسفلها ، أي في الخن ، فأراد الذين في الخن أن يخرقوا خرقا يتناولون منه ماء البحر من عندهم ، قال : فإن أخذوا على أيديهم و منعوهم نجوا و نجوا جميعا ، و إن تركوهم و ما يصنعون هلكوا و هلكوا جميعا « و هذا مثل مطابق للواقع ، فإن إنكار هو مما يقلل فشوها و انتشارها ، و إذا خفيت المعصية لم تضر إلا صاحبها . أما السكوت عن إنكار المنكرات ، فإنه مدعاة إلى الغرق فيها ، لكون السكوت عنها هو مما يسبب فشوها و انتشارها ، و المحسن شريك للمسيء ، إذا لم ينهه عن المنكر ، و لتأخذون على يد السفيه و لتأطرنه على أطرا ،( أي تلزمونه به إلزاما ) ، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذابا من عنده«.
و أن هذا الاختلاط بين الشباب و الشابات ، و احتكاك بعضهم ببعض جنبا إلى جنب ،
وجريان الحديث و المزاح من بينهما ، ثم المصاحبة و الخلوة كما تقتضيه المجالسة و المؤانسة ، فإن هذا العمل ضار في ذاته و مؤد إلى الفاحشة الكبرى في غايته و سوء عاقبته ، لأنه يعد من أقوى الأسباب و الوسائل لإفساد البنات المصونات و تمكن الفساق من إغوائهن بنصب حبائل المكر والخداع .
و الفساق هم الذين يحرصون أشد الحرص على مثل هذا الاختلاط لينالوا أغراضهم
و يشبعوا شهواتهم من التمتع بالنظر إلى البنات المصونات عنهم طول الحياة ، و الصيانة نعم العون على العفاف و الحصانة فإن من العصمة أن لا تقدر و ما من نظرة إلا و للشيطان فيها مطمع .
إلى متى نغش أنفسنا أو نغش بناتنا و أهل ملتنا ، و نتعامى عما يترتب على هذا الاختلاط من فساد الآداب و مساوئ الأخلاق ، فالنظرة هي نظرة في مبدأها لكنها تكون خطرة في القلب ، ثم تكون خطوة بالقدم ، ثم تكون خطيئة و كم نظرة أورثت صاحبها حسرة و هي تحسب من مقدمات الزنا لما في البخاري ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : » العينان تزنيان و زناهما النظر و القلب يصدق ذلك أو يكذبه « ، و لهذا أمر الله المؤمنين ، بأن يغضوا من أبصارهم و يحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم ، و كما أمر المؤمنات بأن يغضضن من أبصارهن و يحفظن فروجهم و لا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها و ليضربن بخمرهن على جيوبهن ، و كما أمر الله نساء نبيه و نساء المؤمنين بأن يدنين عليهم من جلابيبهن و أن لا يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى .
أيها الإخوان المسلمون :
إن تحويل النساء المسلمات عن الآداب الإسلامية و العادات العربية إلى اتباع تقليد النصارى و زيهم ، عاداتهم إنه مبدأ لقطع الرابطة الإسلامية و الأخلاق الدينية ، و تقويض لدعائم الشرف و الحياء و الستر و فتح لباب السفاح و الفساد .
فليس ضرره مقصورا على عصيان النساء لأمر الله في إبداء زينتهن للأجانب في هذا المقام ، و جرأتهن في اختلاطهن بالأغيار و ما ينجم عنه من فنون الأضرار على الدين و الشرف و العرض فحسب ، بل إن ضرره يتعدى بطريق العدوى و التقليد الأعمى من طور إلى طور و من بلد إلى بلد إذا لم يوجد من يعرضه بمنعه من القائمين على الناس بالإصلاح و العدل ، لأن الأخلاق الحميدة تتعادل و الطباع تتناقل كما هو المعروف من انتشار البدع والأخلاق السيئة، و لهذا مدح النبي صلى الله عليه وسلم المتمسكين بدينهم عند فساد الناس ، فقال » طوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس « و في رواية » يصلحون ما أفسد الناس « و هم قوم صالحون قليل في قوم سوء كبير . و الرجل الصالح يصلح الله به أهله و كثيرا من أهل بلده ، و إن أكثر ما يجني على الناس بالشر و يوقعهم في فعل المنكر ، هو تقليد بعضهم لبعض ، لكون الناس في تقليدهم للغير يسهل في نفوسهم فعل ما يسوء فعله و لا قدوة في الشر ، فقد قيل : لا تستوحش طرق الإسلام من قلة السالكين ، و لا تغتر بكثرة الهالكين التاركين لأخلاق الدين ، فإن الله يقول : » و ما أكثر الناس و لو حرصت بمؤمنين « .
إن تحويل النساء المسلمات عن أخلاقهن الدينية أن يقع بتأثير روح الأخلاق أجنبية غايتها تحويل المسلمات عن دينهن و جميل أخلاقهن إلى اتباع الأوروبيات و تقليدهن في عاداتهن
» و لن ترضى عنك اليهود و لا النصارى حتى تتبع ملتهم ، قل إن هدى الله هو الهدى « فتقليد المسلمين لغير المسلمين في مثل هذا الاختلاط هو مدعاة إلى فتنة في الأرض و فساد كبير ، و لن يخفى ضرره على من له مسكة من عقل و دين ، و لكن الهوى يعمي و يعم .
و حتى النصارى على كفرهم أصبحوا و هم يعانون الشقاء و يشكون منه الويلات على أثر الويلات ، من جراء إفساده لأخلاق البنين و البنات و سائر البيوت و العائلات ، فهم يتمنون الخروج منه و أن تكون حالتهم في صيانة عائلتهم كحالة المسلمين .
و أن العرب المسلمين في تقليدهم لغيرهم فيه شبه الطفل الصغير مع الرجل الأحمق الفاجر، يحسب الطفل أن كل ما يفعله هذا الأحمق أنه مفيد له ، فإذا رآه يشرب الدخان شربه ، أو رآه يشرب الخمر ، شربه ، و هكذا الأمة الجاهلة بمصالحها و الضعيفة في دينها و مداركها ، تحسب أن كل ما يفعله النصارى أنه مفيد لها فتقلدها على غير بصيرة من أمرها ، لاعتقادها أنه محض التمدن و التجدد و جهلت بأن رؤساء الأمم أصبحوا و هم قلقون من هذا الاختلاط و ما ينجم عنه من فنون المضار و فساد الأخلاق إلى حالة أن بعض رؤسائهم امتنع عن الزواج ، لما يشاهده من سوء الطباع و فساد الأوضاع ، و يقول : كيف أتزوج امرأة يأخذ بيدها خدنها من الشباب إلى الصحراء و المغارات فتبقى عنده اليومين و الثلاثة و لا أقدر على إنقاذها منه و لأصده عنها .
و قال آخر : إني أغبط المسلمين على أشياء أهمها عندي صونهم لنسائهم .
إن كل ما قلنا فإنه يعد من البراهين التي لا مجال للجدل في صحتها لو كان للمسلمين رؤساء عقلاء يأخذون بأيدي سفهائهم عن إقرار مثل هذا فيأطرون على الحق إطرا ، أي يلزمونهم به إلزاما ، فيدبرون أمر بلدهم بحسن رأيهم و رعايتهم ، و يتعاونون على جلب ما ينفعهم و دفع ما يضرهم و لكنهم و للأسف أصبحوا فوضى لا سراة لهم .
فإن تولوا فبالأشرار تنقاد
تهدي الأمور بأهل الرأي ما صلحوا
ولا سراة إذا جهالهم سادوا
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
و قد قال الحكماء : صنفان من الناس إذا صلحا صلح سائر الناس ، و إذا فسدا ، فسد سائر الناس : العلماء و الأمراء .
رسالة الخليج في منع الاختلاط وما ينجم عنه من مساوئ الأخلاق
إلى الأمراء وإلى الوزراء وإلى العقلاء المفكرين من المسلمين:
سلام الله ورحمته عليهم أجمعين ، وأسأل الله لي ولهم التوفيق للتمسك بالدين وطاعة رب العالمين ، وأن يعيذنا وإياهم من شرر أنفسنا وسيئات أعمالنا ومن همزات الشياطين.
أما بعد ــ فإن الدين النصيحة لله و لدينه و عباده المؤمنين ، و قد أوجب الله علينا بنص القرآن بأن نتعاون على البر و التقوى ، و أن نتناهى عن الإثم و العدوان ، و أن دين الإسلام هو دين كامل و شرع شريف شامل ، مبني على جلب المصالح و درء المفاسد ، فلا يحرم شيئا من المحرمات ، إلا لأنه ضار بفاعله و بالناس مباشرة ، و تسببا ، و مدار سياسة الإسلام على ستة أمور ، أحدها : حفظ الدين ، و الثاني : حفظ الأنفس ، و الثالث : حفظ الأموال ، و الرابع : حفظ الأنساب ، و الخامس : حفظ العقول ، والسادس : حفظ العروض : أي حفظ الفروج .
و من أجل حفظ العروض ، حرم الله الزنا و حرم الفواحش ما ظهر منها و ما بطن ، و حرم إبداء زينة المرأة المسلمة لغير زوجها و محارمها ، و نهى عن الخلوة بها و عن سفرها بغير محرم ، و عن النظر إليها بشهوة ، كل هذا الأمور حرمها لكونها تفضي إلى الفاحشة الكبرى و الوسائل لها أحكام المقاصد و درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، فالشرع الحكيم حمى ، حمى العروض و سد الطرق التي تفضي إلى السفاه و الفساد و الإخلال بنظام النكاح الحلال ، و قال : » تلك حدود الله فلا تعتدوها ، ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه « و حدود الله محارمه .
إن أمراء و العلماء و الوزراء ، يجب أن يكونوا بمثابة المرابطين دون ثغر دينهم ووطنهم، يحمونه عن الإلحاد و تسرب دخول الفساد على العباد ، لاعتبار أنهم متكاتفون متكافلون في جلب المصالح و دفع المضار ، يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر ، و يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و يطيعون الله و رسوله .
فمتى قصر هؤلاء بواجبهم و تكاسلوا عن حماية دينهم ووطنهم و تركوا الخمور تجلب إلى بلدهم و الحوانيت تفتح لبيعها ، و تركوا بلدهم معطنا لمراتع الفسوق ، فلم يأخذوا على أيدي سفهائهم في منعهم عما يضرهم ، فإنه بذلك يتحقق خراب البلاد و فساد العباد ، و خاصة النساء و الأولاد ، فتسود الفوضى و هتك الأعراض و يصابون بفتنة في الأرض و فساد كبير ، لأن بقاء الأمم ببقاء أخلاقهم ، فإذا ذهبت أخلاقهم ذهبوا . يقول الله : » و إذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا « و المراد بالهلاك هنا هو هلاك الأخلاق، لأنه أضرمن هلاك الأبدان ، و الفتنة أشد من القتل .
إن العقلاء لا ينبغي لهم أن يغتروا بكثرة الأصوات في طلب ما هو محض الضرر عليهم في أخلاقهم ، فإن كثرة الأصوات ليست بحجة في إباحة المحرمات مع قيام الدليل و البرهان على البطلان ، و لأن كثرة الأصوات تنشأ غالبا عن الهوى و الحب للشيء . و الله يقول: » و إن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ، إن يتبعون إلا الظن و إن هم إلا يخرصون « . و أكثر الناس في هذا الزمان يفضلون التحلل عن عقل الدين و أخلاقه و آدابه و حلاله و حرامه ، و يحبون أن يعيشوا في الدنيا عيشة البهائم ، ليس عليهم أمر و لا نهي و لا صلاة و لا صيام و لا حلال و حرام .
و اعتبروا بالبلدان التي قوضت منها خيام الإسلام و ترك أهلها فرائض الصلاة و الصيام ، و استباحوا الجهر بمنكرات الأخلاق و العصيان ، و صرفوا جل عقولهم و جل أعمالهم و جل اهتمامهم للعمل في دنياهم ، و اتباع شهوات بطونهم و فروجهم ، و تركوا فرائض ربهم ، و نسوا أمر آخرتهم ، فانظروا كيف حالهم و ما دخل عليهم من النقص و الجهل و الكفر وفساد الأخلاق، و العقائد و الأعمال ، حتى صاروا بمثابة البهائم ، يتهارجون في الطرقات لا يعرفون صياما
و صلاة ، و لا يعرفون معروفا و لا ينكرون منكرا ، و لا يمتنعون من قبيح و لا يهتدون إلى حق، قد ضرب الله قلوب بعضهم ببعض فذهبت منهم الديانة و فشت من بينهم الخيانة ،
واستشرت الفوضى و الفساد ، فاعتبروا بسوء حالهم و فساد أعمالهم ، » فإن خير الناس من وعظ بغيره « ، و قد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لكم مثلا فاستمعوا له و أنصتوا لعلكم ترحمون، فقال : » مثل القائم في حدود الله الذين ينكرون المنكرات و يسعون في إزالتها ،
ويأخذون بأيدي سفهائهم عن مواقعتها ، و مثل الواقع في المنكرات كمثل قوم ركبوا في سفينة فصار بعضهم في أعلاها ، أي في السطح و بعضهم في أسفلها ، أي في الخن ، فأراد الذين في الخن أن يخرقوا خرقا يتناولون منه ماء البحر من عندهم ، قال : فإن أخذوا على أيديهم و منعوهم نجوا و نجوا جميعا ، و إن تركوهم و ما يصنعون هلكوا و هلكوا جميعا « و هذا مثل مطابق للواقع ، فإن إنكار هو مما يقلل فشوها و انتشارها ، و إذا خفيت المعصية لم تضر إلا صاحبها . أما السكوت عن إنكار المنكرات ، فإنه مدعاة إلى الغرق فيها ، لكون السكوت عنها هو مما يسبب فشوها و انتشارها ، و المحسن شريك للمسيء ، إذا لم ينهه عن المنكر ، و لتأخذون على يد السفيه و لتأطرنه على أطرا ،( أي تلزمونه به إلزاما ) ، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذابا من عنده«.
و أن هذا الاختلاط بين الشباب و الشابات ، و احتكاك بعضهم ببعض جنبا إلى جنب ،
وجريان الحديث و المزاح من بينهما ، ثم المصاحبة و الخلوة كما تقتضيه المجالسة و المؤانسة ، فإن هذا العمل ضار في ذاته و مؤد إلى الفاحشة الكبرى في غايته و سوء عاقبته ، لأنه يعد من أقوى الأسباب و الوسائل لإفساد البنات المصونات و تمكن الفساق من إغوائهن بنصب حبائل المكر والخداع .
و الفساق هم الذين يحرصون أشد الحرص على مثل هذا الاختلاط لينالوا أغراضهم
و يشبعوا شهواتهم من التمتع بالنظر إلى البنات المصونات عنهم طول الحياة ، و الصيانة نعم العون على العفاف و الحصانة فإن من العصمة أن لا تقدر و ما من نظرة إلا و للشيطان فيها مطمع .
إلى متى نغش أنفسنا أو نغش بناتنا و أهل ملتنا ، و نتعامى عما يترتب على هذا الاختلاط من فساد الآداب و مساوئ الأخلاق ، فالنظرة هي نظرة في مبدأها لكنها تكون خطرة في القلب ، ثم تكون خطوة بالقدم ، ثم تكون خطيئة و كم نظرة أورثت صاحبها حسرة و هي تحسب من مقدمات الزنا لما في البخاري ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : » العينان تزنيان و زناهما النظر و القلب يصدق ذلك أو يكذبه « ، و لهذا أمر الله المؤمنين ، بأن يغضوا من أبصارهم و يحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم ، و كما أمر المؤمنات بأن يغضضن من أبصارهن و يحفظن فروجهم و لا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها و ليضربن بخمرهن على جيوبهن ، و كما أمر الله نساء نبيه و نساء المؤمنين بأن يدنين عليهم من جلابيبهن و أن لا يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى .
أيها الإخوان المسلمون :
إن تحويل النساء المسلمات عن الآداب الإسلامية و العادات العربية إلى اتباع تقليد النصارى و زيهم ، عاداتهم إنه مبدأ لقطع الرابطة الإسلامية و الأخلاق الدينية ، و تقويض لدعائم الشرف و الحياء و الستر و فتح لباب السفاح و الفساد .
فليس ضرره مقصورا على عصيان النساء لأمر الله في إبداء زينتهن للأجانب في هذا المقام ، و جرأتهن في اختلاطهن بالأغيار و ما ينجم عنه من فنون الأضرار على الدين و الشرف و العرض فحسب ، بل إن ضرره يتعدى بطريق العدوى و التقليد الأعمى من طور إلى طور و من بلد إلى بلد إذا لم يوجد من يعرضه بمنعه من القائمين على الناس بالإصلاح و العدل ، لأن الأخلاق الحميدة تتعادل و الطباع تتناقل كما هو المعروف من انتشار البدع والأخلاق السيئة، و لهذا مدح النبي صلى الله عليه وسلم المتمسكين بدينهم عند فساد الناس ، فقال » طوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس « و في رواية » يصلحون ما أفسد الناس « و هم قوم صالحون قليل في قوم سوء كبير . و الرجل الصالح يصلح الله به أهله و كثيرا من أهل بلده ، و إن أكثر ما يجني على الناس بالشر و يوقعهم في فعل المنكر ، هو تقليد بعضهم لبعض ، لكون الناس في تقليدهم للغير يسهل في نفوسهم فعل ما يسوء فعله و لا قدوة في الشر ، فقد قيل : لا تستوحش طرق الإسلام من قلة السالكين ، و لا تغتر بكثرة الهالكين التاركين لأخلاق الدين ، فإن الله يقول : » و ما أكثر الناس و لو حرصت بمؤمنين « .
إن تحويل النساء المسلمات عن أخلاقهن الدينية أن يقع بتأثير روح الأخلاق أجنبية غايتها تحويل المسلمات عن دينهن و جميل أخلاقهن إلى اتباع الأوروبيات و تقليدهن في عاداتهن
» و لن ترضى عنك اليهود و لا النصارى حتى تتبع ملتهم ، قل إن هدى الله هو الهدى « فتقليد المسلمين لغير المسلمين في مثل هذا الاختلاط هو مدعاة إلى فتنة في الأرض و فساد كبير ، و لن يخفى ضرره على من له مسكة من عقل و دين ، و لكن الهوى يعمي و يعم .
و حتى النصارى على كفرهم أصبحوا و هم يعانون الشقاء و يشكون منه الويلات على أثر الويلات ، من جراء إفساده لأخلاق البنين و البنات و سائر البيوت و العائلات ، فهم يتمنون الخروج منه و أن تكون حالتهم في صيانة عائلتهم كحالة المسلمين .
و أن العرب المسلمين في تقليدهم لغيرهم فيه شبه الطفل الصغير مع الرجل الأحمق الفاجر، يحسب الطفل أن كل ما يفعله هذا الأحمق أنه مفيد له ، فإذا رآه يشرب الدخان شربه ، أو رآه يشرب الخمر ، شربه ، و هكذا الأمة الجاهلة بمصالحها و الضعيفة في دينها و مداركها ، تحسب أن كل ما يفعله النصارى أنه مفيد لها فتقلدها على غير بصيرة من أمرها ، لاعتقادها أنه محض التمدن و التجدد و جهلت بأن رؤساء الأمم أصبحوا و هم قلقون من هذا الاختلاط و ما ينجم عنه من فنون المضار و فساد الأخلاق إلى حالة أن بعض رؤسائهم امتنع عن الزواج ، لما يشاهده من سوء الطباع و فساد الأوضاع ، و يقول : كيف أتزوج امرأة يأخذ بيدها خدنها من الشباب إلى الصحراء و المغارات فتبقى عنده اليومين و الثلاثة و لا أقدر على إنقاذها منه و لأصده عنها .
و قال آخر : إني أغبط المسلمين على أشياء أهمها عندي صونهم لنسائهم .
إن كل ما قلنا فإنه يعد من البراهين التي لا مجال للجدل في صحتها لو كان للمسلمين رؤساء عقلاء يأخذون بأيدي سفهائهم عن إقرار مثل هذا فيأطرون على الحق إطرا ، أي يلزمونهم به إلزاما ، فيدبرون أمر بلدهم بحسن رأيهم و رعايتهم ، و يتعاونون على جلب ما ينفعهم و دفع ما يضرهم و لكنهم و للأسف أصبحوا فوضى لا سراة لهم .
فإن تولوا فبالأشرار تنقاد
تهدي الأمور بأهل الرأي ما صلحوا
ولا سراة إذا جهالهم سادوا
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
و قد قال الحكماء : صنفان من الناس إذا صلحا صلح سائر الناس ، و إذا فسدا ، فسد سائر الناس : العلماء و الأمراء .