المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حصار العراق ثم غزوه كان أول قنبلة نووية (اجتماعية)



nyzk
25-03-2007, 11:17 PM
بقلم على الصراف


حصار العراق ثم غزوه كان أول قنبلة نووية (اجتماعية) من نوعها لتحويل دولة الى مستنقع عصابات ومليشيات وحقول قتل







فاشيست.. لسنا سوى فاشيست..!

لا، لم تكن الحرب ضد العراق حرب مصالح واستراتيجيات فقط.
لا تكفي كل المصالح والاستراتيجيات المألوفة لتفسير أعمال القتل والدمار والانتهاكات التي تعرض لها العراق منذ حرب الكويت عام 1991. فإذا كان غزو واحتلال عام 2003 تتويجا لحرب ممتدة، فان حصيلة 16 عاما سوف تثبت أن العراق تعرض لما لم يتعرض له بلد من قبل، بما في ذلك البلدان التي عانت من ويلات الحرب العالمية الثانية.

ونحن هنا إنما نتحدث عن ما لا يقل عن مليونين ونصف مليون ضحية من المدنيين، 750 ألف منهم قضوا خلال سنوات الاحتلال الأربع الجارية، أي ما يعادل 10% من إجمالي عدد السكان. وما لا يقل عن ثلاثة ملايين ونصف مليون مهجر (2 مليون فروا الى الخارج، و1.5 مليون خسروا منازلهم في الداخل، بعد الغزو)، أي ما يعادل 14% من إجمالي عدد السكان.

ما من بلد أوروبي واحد تكبد خلال الحرب العالمية الثانية هذا الحجم من الخسائر. اجتاح النازيون كل أوروبا تقريبا، إلا انهم لم يتسببوا في إبادة هذه النسبة من البشر في بلد واحد.

ولئن كان "الاتحاد السوفياتي" السابق هو اكبر البلدان الأوروبية وأكثرها تقديما للتضحيات على الإطلاق، خلال سنوات تلك الحرب، فالحقيقة هي ان هذا البلد قدم ما يصل الى 20 مليون ضحية من بين عدد سكان يصل، حسب إحصاءات عام 1941، الى 197 مليون نسمة، أي إن خسائره البشرية (العسكرية والمدنية) تقع في حدود 10% من إجمالي عدد السكان أيضا.

لم يسبق لبلد أن حوصر لـ12 عاما متواصلة، حتى كان من المستحيل عليه تقريبا أن يحصل على أي سلعة من الخارج، بما فيها الأدوية والمعدات الطبية، دع عنك أي شيء آخر. ولم يكن الهدف من أعوام الحصار تلك، التي سبقت الغزو، خنق الاقتصاد العراقي وحده، وإنما خنق المجتمع العراقي نفسه أيضا. كان مطلوبا لهذا المجتمع أن يفقر ويجوع ويتمزق وان يندفع أفراده لعمل أي شيء، بما في ذلك بيع شرفهم وضمائرهم، من اجل الحصول على لقمة العيش.

ولم يكن خافيا على أحد أن الفقر الشامل يخلق بيئة كراهيات داخلية، بين الذين يملكون والذين لا يملكون، وانه يغذي الدوافع لكي ينهش الجياع لحم بعضهم بعضا. وبينما كان مطلوبا من التجويع الشامل أن يجعل الغزو سهلا، فالحقيقة هي انه كان هو الذي خلق البيئة لظهور العصابات التي ستتولى شن حملات قتل منظمة من قبل أولئك الذين صاروا "يملكون" ضد جميع أولئك الذين خسروا كل شيء.

لقد كان الأمر يشبه إلقاء أول قنبلة نووية (اجتماعية) من نوعها لتحويل المجتمع العراقي الى مستنقع عصابات ومليشيات وحقول قتل. وإذا قبلنا تقديرات جامعة "جون هوبكنز" لعدد ضحايا السنوات الثلاث الأولى من الغزو (650 ألف مدني)، وإذا قورن هذا الرقم بعدد ضحايا قنبلة هيروشيما، فلسوف يكون من الواضح أن العراق كان ضحية أربع قنابل نووية إضافية. وما يزال حبل الموت طويلا. فما رأيناه خلال السنوات الأربع الماضية، وما نراه اليوم، ليس سوى مزحة حيال ما سيأتي، عندما تصبح فوضى القتل هي الأداة الوحيدة لتصفية الحسابات.لقد حارب النازيون، في كل مكان من أوروبا، من اجل مصالحهم. ولكن لو كان النازيون هم الذين حاصروا العراق وغزوه، فانهم، حسابيا على الأقل، سيكونون أرحم. هناك شيء آخر، غير المصالح.

* * *

الميل الى أعمال إبادة جماعية بهذا المستوى، لا يمكن أن يستقيم مع أي مصالح، إذا أخذت بمفردها. فالدول تتنافس وتحارب وتمارس كل أنواع الضغوط وأعمال الابتزاز، إلا أنها لا تجد نفسها متورطة في أعمال قتل وحشية على هذا المستوى، من دون أن يكون هناك شيء آخر غير المصالح. شيء مماثل للشيء الذي كان يبرر لأبناء قبيلة الهوتو (الأغلبية) أن تبيد قبيلة التوتسي (الأقلية) في رواندا (عام 1994). شيء شعبي للغاية. شيء يجعل المواطنين أنفسهم (وليس حكومتهم وحدها) لا يبالون عندما يعرفون إن مئات المدنيين العراقيين يموتون كل يوم، تحت الحصار أو تحت القصف أو تحت المذابح.

شيء من الحقد العنصري، وشيء من الكراهية التي نجح إعلامنا، بالكثير من الأغطية المزيفة عن "الديمقراطية" و"حقوق الإنسان" أن يحولها الى كراهية جماعية يمارسها المجتمع بأسره ضد مجتمع آخر بكل ما فيه من شيوخ ونساء وأطفال.ومثلما كانت النازية أيديولوجيا قتل جماعي وإبادة عنصرية وأعمال تعسف شامل، فقد تحولت "الديمقراطية" الى أيديولوجيا قتل جماعي وإبادة عنصرية وتعسف شامل ضد العراق.فبعد 12 عاما من الحصار، سقط خلالها ما لا يقل عن مليون طفل ضحية لنقص الدواء والغذاء، كيف كان يمكن لأي حرب ان تحظى بأي تأييد؟
وبعد حرمان شعب بأسره حتى من أقلام الرصاص (بزعم أن الكاربون فيها يصلح لـ"الاستخدام المزدوج") كيف جاز للأمريكيين والبريطانيين وغيرهم، أن يروا في قصف هذا الشعب عملا مقبولا من الناحية الأخلاقية؟

والحال، فان العمى، والحقد الجماعي، والعنصرية المطلقة، كان قد تحول الى عمى وحقد شعبي للغاية. عمومي للغاية. وهو عمى وحقد يشبه كثيرا العمى والحقد الذي جعل ملايين الألمان يهتفون لهتلر، بعصبية وانفعال، حتى عندما كانت قواته ترتكب أبشع الجرائم ضد ملايين الأبرياء في الجوار.
بدأ الحقد حيال العراق بخدعة "الديمقراطية" وتم تبريرها بـ"شيطنة" صدام حسين بوصفه "دكتاتورا ما بعده دكتاتور"، وتم تشويه صورته بإتقان وثبات، لكي تستخدم مثلما يستخدم الشرشف، ليغطي أعمال الإبادة الجماعية التي ظلت ترتكب بحق العراقيين، على إمتداد 16 عاما متواصلة.كل أعمال القتل التي كان يذهب ضحيتها أبرياء، كانت تفسر على أنها، موجهة ضد "الدكتاتور"، بل إنها تحولت الى ما يشبه الأعمال الخيرية أيضا، عندما كانت تُبرر بالسعي لإقامة "ديمقراطية".وفي النهاية، الديمقراطية لم تقم، ولكن ظلت أكداس الجثث تعلو وتعلو حتى بلغت عنان السماء. وعندما سئل الجنرال تومي فرانكس الذي قاد الغزو عن أعداد الضحايا، قال كلمته الشهيرة: "نحن لا نقوم بأعمال عد الجثث".

وعندما تبرعت منظمة (تدعى "اراك بودي كاونت") بالقيام بهذه المهمة، فإنها فعلت كل شيء من اجل أن تبقي الأعداد منخفضة، حتى وجدت نفسها تتوقف عمليا، هي الأخرى، عن العد.نعم، كانت هناك مصالح، ولكن وحدها المصالح المغلفة بالأحقاد، هي التي تشكل الفارق الجوهري بين الرأسمالية كنظام مصالح، وبين الفاشية، كنظام تتقدم فيه الأحقاد على المصالح.وحدها السياسات المغلفة بأيديولوجيا تعسف شامل، وفي الواقع.. غزو، هي التي ترسم الحد الفاصل بين المصالح، كنظام لعلاقات المنفعة (المتبادلة أحيانا)، وبين الفاشية كنظام يفرض مصالحه وخياراته بالقوة المجردة.ولم يكن مئات الملايين من الأمريكيين، وعشرات الملايين من البريطانيين (وليس الحكومتين وحدهما) الذين دعموا الحرب ضد العراق، إلا فاشيست، إلا هوتو، إلا هتلريين، إلا شعباً أصابه الحقد بالعمى، والعمى بالحقد، بحيث لم يستطع، وهو يقتل، حتى أن يعد الجثث.. وإذا فعلوا، فانهم يبقون الأعداد منخفضة.لماذا؟ لأنهم يريدون الافتراض انهم ما يزال بإمكانهم قتل المزيد..!

* * *
على امتداد سنوات الحصار التي استمرت 12 عاما، من دون انقطاع، خسر العراق، الذي كان ينتج 3.5 مليون برميل نفط يوميا، من عائداته ما يناهز 262 بليون دولار.
والعراق كان هو البلد الوحيد في التاريخ الذي يستحق تغيير نظامه التضحية بحياة نصف مليون طفل. فعندما سئلت وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين اولبرايت، في عهد الرئيس بيل كلنتون، عما إذا كان حصار العراق يستحق وفيات بين الأطفال العراقيين تصل الى نصف مليون طفل، ردت في حديث موثق جيدا: بلى، يستحق!

لم يسبق في التاريخ الإنساني الحديث، أن مارست دولة ضد أخرى كل هذا المقدار من أعمال القتل والحصار والتجويع، ثم الغزو والاحتلال، فقط من اجل مصالحها المادية، مهما كانت وحشية ومتطرفة.
لم يسبق في التاريخ الحديث أن تعرض بلد واحد لحرب، متعددة الأشكال والأوجه، امتدت لـ 16 سنة متواصلة، فقط من اجل تغيير النظام فيه.
لم يسبق في التاريخ الحديث أن تحالفت 32 دولة ضد دولة واحدة، فقط لتقيم فيه "ديمقراطية" او حتى لتفرض عليه دينا غير ديانته.
ولئن كان العراق، كدولة مستقلة، عضوا مؤسسا لعصبة الأمم المتحدة، وأحد الذين شاركوا في صياغة ميثاقها، فانه البلد الوحيد في تاريخ هذه المنظمة الذي صدرت ضده قرارات، تعتبر احتلاله عملا مشروعا من جانبها.
وهو البلد الوحيد الذي تم تغيير نظامه بقوة غزو، بناء على مبالغات وأكاذيب. وحتى بعد أن تبين عدم وجود أسلحة دمار شامل، وحتى بعد أن تبين انه لم تكن هناك لهذا النظام أي علاقة بتنظيم القاعدة أو بمأساة 11 سبتمبر، (مما يجعل إسقاطه بالقوة عملا غير مشروع أصلا) فقد سُلم قادة هذا النظام ليعدموا على أيدي حكومة عصابات طائفية، ثبت (بشهادة قوات الاحتلال نفسها) أنها تقود "فرق موت" وتمارس أعمال تطهير عرقي وترتكب جرائم حرب.

والعراق هو البلد الوحيد في التاريخ الذي تم غزوه بأمواله، بعد أن سلمت الأمم المتحدة أموال "برنامج النفط مقابل الغذاء" الى الغزاة ليقوموا بتبديدها ويسهلوا نهبها.
وهو البلد الوحيد الذي منح الغزاةُ فيه السلطة لعصابات ومليشيات طائفية، لتقوم، بالأصالة عن نفسها وبالنيابة عن الاحتلال، بأعمال التعذيب والقتل الجماعية التي لم يعد بوسع الاحتلال القيام بها (بعد انكشاف فضيحة أبو غريب).
وهو البلد الوحيد الذي يجلس فيه متهمون بقيادة "فرق الموت" تلك على مقاعد البرلمان ويحتلون وزارات في الحكومة من دون أن توجه لهم اتهامات بارتكاب جرائم حرب.
وهو البلد الوحيد، في كل تاريخ "أمة محمد"، الذي صارت فيه العصابات الحكومية تغتصب النساء على أسس طائفية، ويقتل فيه الشبان على الإسم.
وهو البلد الوحيد في تاريخ البشرية كله الذي تقوم حكومته بنهب أمواله بانتظام، ولكن ليس بالملايين، وإنما بالمليارات (النقص في الميزانية الأخيرة بلغ 7.5 مليارات دولار) من دون أن يتبرع أحد باقتفاء أثر هذه الأموال.
وهو البلد الوحيد الذي تم تدمير بنيته التحتية حتى أصبح بعدها أرضا يبابا، فلا معمل فيه يعمل ولا مدارس ولا جامعات.
وهو البلد الوحيد في التاريخ الذي ارتكبت في علمائه وخبرائه وأساتذة جامعاته مجزرة طالت الآلاف منهم من دون أن تلقي "حكومته" ولا قوات احتلاله القبض على متهم واحد (ولا حتى على سبيل المزاح).
وهو بلد الحضارات التاريخية الوحيد الذي عندما تعرضت متاحفه وأثاره للنهب، قال وزير دفاع قوات الغزو، باستخفاف: "أشياء كهذه تحدث"...!
هل كان يمكن أن تجتمع كل هذه المآسي في مكان واحد، فقط عن طريق المصادفات؟
هل كان يمكن لحرب أن تكون حرب إبادة شاملة ودمار شامل أكثر من هذه؟
هل يمكن للمصالح، مهما كانت متطرفة، أن تجد تفسيرا لكل هذا؟

العراقيون، شعباً ووطناً وحكومة، لم يكونوا في نظر الفاشيست الغربيين، إلا ذلك "الآخر" الذي تسمح الثقافة العامة، والأيديولوجيا المتداولة، بإبادته وتدميره بصرف النظر حتى عن المصالح. مجرد حقد أعمى. كراهية مطلقة سمحت بتحويل البلد برمته الى فرن غاز لسحق وإبادة بشرٍ لم يعد بوسع مخيلتهم أن يفهموا لماذا يتعرضون الى كل ما يتعرضون له من أعمال قتل وتهجير وتعذيب واغتصاب.
لا سلطة ولا مال ولا امتيازات استعمارية ولا نفط يمكنه أن يفسر ما حصل ويحصل، سوى ان هناك نوع من الفاشية الجديدة هي التي تتحكم بمفاصل القرار الدولي، وهي التي تتحكم في بيئة الثقافة والإعلام، وهي التي تجعل كل هذا الموت ممكنا، في ظل وعي مشلول ووسط ضمائر ميتة, يُساق العراقيون، اليوم، مستسلمين لقدرهم البائس، ليموتوا على أيدي قوات احتلال وفرق موت وإرهاب، وليتم تمزيق بلدهم الى إقطاعيات طائفية.
جورج بوش وتوني بلير ليسا وحدهما، في هذا، ولا كل عضو من أعضاء حكومتيهما. وبرغم أن محاكمتهما كمجرمي حرب يمكن أن تشكل نوعا من يقظة ضمير، إلا أن المشكلة لا تقف عند هذا الحد.

الفاشية لا تنتصر في المستويات العليا لإدارة السلطة فقط. الفاشية لا تكون فاشية، إلا إذا أصبحت فاشية اجتماعية، وإلا إذا أصبحت أيديولوجية استعلاء عنصري عامة ومطلقة.هذه هي المشكلة. إنها مشكلة الذين انتخبوا بوش مرتين وبلير ثلاث مرات. مشكلة "إمبريالية اجتماعية" متطرفة تجعل كل مواطن شريكا ومستفيدا من الجرائم التي ترتكب بحق أبرياء في الخارج. "إمبريالية ثقافة عامة" تضع شرشفا يلائمها لتغطي به أقبح الأفعال وأشنعها باسم "الديمقراطية". "إمبريالية وطنية" تجعل الملايين، يهتفون لهتلر بعصبية وانفعال، من دون أن يكون هتلر واقفا على منصة الاحتفال. إنها فاشية قتل باردة، تحدث في مكان ما، لسبب ما، ضد شعب ما، لا تغير إبادته شيئا من مظاهر الحياة هنا في لندن أو نيويورك، ولا تحرك إلا ضمائر عدد محدود من الذين تختفي أصواتهم كما يختفي الصدى المتهالك في وادٍ بِكر.
وفي ميدان القتال، حيث لا يتنفس الضحايا إلا رائحة الموت، فان أحداً لا يقوم بعدّ الجثث.

بدور
25-03-2007, 11:47 PM
يعطيك العافيــــــــــــــــه

nyzk
26-03-2007, 02:17 PM
يعطيك العافيــــــــــــــــه

شكرا============