المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ●●● مقال ورأي: البكاء.. على الطريقة الإسلامية !!



أبوتركي
26-03-2007, 02:26 PM
●●● مقال ورأي: البكاء.. على الطريقة الإسلامية !!




جمال بنون

في شوارع لندن يضطر الكثير من الزوار والسياح العرب والمسلمين إلى السير لمسافات طويلة, للبحث عن مطعم يقدم أطعمة للحوم ذبحت بالطريقة الإسلامية, أو تلك التي لا تحتوي في مكوناتها شحوم أو دهن خنزير أو حتى تقدم لحم كلاب. وهذا الأمر ليس بمستغرب في بلد تتعدد فيه الديانات والحضارات, ويعيش فيه الناس بمختلف أديانهم وطبائعهم. وهذا الأمر يتكرر في دول أوروبا وروسيا وفي آسيا الوسطى, لأن المسلمين الزوار يواجهون مثل هذه المشاكل. ولهذا فإن معظم المحلات التجارية والمطاعم هناك تحرص على تعليق لوحات خارج محلاتها لتوضح لروادها طبيعة ما تقدمه, بعيدا عن اللبس أو ألشكك.

حتى هنا الأمر عادي جدا, وإذا قطع أي مسلم مسافات طويلة أو بحث عن أحياء يسكن فيها مسلمون نعذره في ذلك.

ولكن ما ذا نقول لو أن احد الزوار أو السياح خرج يذهب عن مطاعم تقدم وجبات وأطعمة ذبحت بالطريقة الإسلامية في القاهرة أو دبي أو حتى في إسلام آباد, أليس هذا الأمر محيرا. أو يدعوا للاستفسار؟.

في السعودية بدأنا نلاحظ مثل هذه المحلات أو الأنشطة التجارية التي يعلق أصحابها لوحات تدل على أنها إسلامية, فخرجت علينا صالونات حلاقة إسلامية, تفصيل ملابس بالطريقة الإسلامية, مكتبات إسلامية, أشرطة إسلامية, بيع عطور بالطريقة الإسلامية, العسل وفوائده بالطريقة الإسلامية, و أيام الاكتتابات في أسهم الشركات المطروحة, تخرج علينا فتاوى لتصنف لنا شركات نقية وغير نقية, وهكذا الحال شاهده السعوديون في الانتخابات البلدية قبل عامين, حينما صدرت قائمة تدعوا الناس إلى الترشيح لمجموعة إسلامية. وبهذه الطريقة أصبح الناس منقسمين إلى فئتين مجتمع إسلامي, وآخر تائه وغير مصدق لما يحدث.

الكل يعلم ان المجتمع السعودي بأكمله مجتمع إسلامي محافظ, يعتمد في حكمه على الشريعة السماوية وهي القران الكريم, وما جاء به رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم, وهذا موجود في النظام الأساسي للحكم الذي تعتمد عليه البلاد في تطبيق الحكم. وعلى هذا فإن جميع الأنشطة والتعاملات التجارية والاقتصادية تقوم على هذا المبدأ, ولا يمكن التشكيك فيه, سوى من بعض المعاملات المصرفية, ومع ذلك فقد أعلنت الكثير من البنوك تحولها إلى مصرفية إسلامية, وطرح منتجات تتوافق مع طبيعة المجتمع المسلم.

ظاهرة تقسيم المجتمع إلى إسلامي وغير إسلامي, ربما لم تكن واضحة في السابق, سوى من هيئة وشكل اللبس الذي كان يميز بينهم, فمن كان يقصر ثوبه, ويطلق لحيته, ويلبس شماغا أو غترة بدون عقال يعرف في أوساط الناس انه ملتزم او ذو تقوى, ومع مرور الزمن بدأت تدخل على المجتمع أشياء جديدة من شأنها أن تشكل فجوة اجتماعية,وخللا في طبيعة الناس, فنرى مجتمعا إسلاميا, وآخر مجتمع يحلو للبعض أن يطلق عليه علماني أو ليبرالي, وهكذا بدأت تكبر الفجوة, حتى أصبحنا نرى تعليقات في الصحف أو وسائل الإعلام تهجما لفئات اجتماعية بالتقليل من شأنها, أو التعيير بها, وكأن المجتمع الإسلامي هو الأصلح بالمفهوم الذي يعتبرونه, ولهذا أصبحنا نرى تشجيعا لمثل هذا التوجه, دون أي ضابط من جهات حكومية.

هل بالفعل نحن بحاجة إلى فتاوى للاكتتاب في شركات الأسهم؟, وهل بالفعل نحن بحاجة إلى محلات تجارية تحمل كلمة إسلامية؟ حتى نقنع فيها الناس لكي يشتروا منها, وهل المحلات التجارية الأخرى, لا تحمل هذه المواصفات.

كيف يمكن أن نطلق لصالون حلاقة انه محلا إسلاميا, هل لأنه يحف الشارب ولا يقص اللحية؟, أو محلا لخياطة الثياب لأنه لا يخيط الثياب التي تكون أسفل الكعب, ما المقصود بإطلاق كلمة" إسلامية" على محلات وأنشطة تجارية في بلد أصل الناس فيها يتمسكون ويتعاملون وفق التعاليم الدينية؟, لو أن في السعودية بارات أو نوادي ليلية, أو ملاهي, أو حتى إجازة بيع لحوم الخنزير أو حتى الكلاب, لالتمسنا ذلك العذر في كتابة عبارة" الإسلامية" على تلك المحلات, حتى يفرق الناس في تعاملاتهم وشرائهم ولتوضيح الأمر لهم حتى لا يختلط الأمر عليهم. ولكن في مجتمع لا تزال العادات والتقاليد الإسلامية وفي بلد يقبع فيه اطهر حرمين, يحكمه, فضلا عن التربية الدينية لإفراد مجتمعه, كيف يمكن أن نرضى لمثل هذه الألقاب والمحلات التجارية.

بصراحة ما نشاهده وما نراه, أمر دخيل علينا وفي مجتمعنا, واحد ما يحاول العبث بقيمنا والتشكيك في الأخر في سلوكه وتعاملاته, والانتقاص منه. معظم الأموال التي هاجرت إلى الخارج كانت تشكو من القوانين والتشريعات البيروقراطية والتعقيدات الحكومية في منح التراخيص أو إنهاء المعاملات, وفيما نسعى أو تسعى الهيئة العامة للاستثمار, لاستقطاب رؤوس أموال مهاجرة, وكذلك استثمارات أجنبية توفر فرص عمل للشباب وتفتح لهم بيوت, وتمكنهم من ممارسة حياتهم في ظل المتغيرات الاقتصادية, فيبدوا أننا بدأنا ندخل مشكلة تكاد تكون أكبر من هجرة الأموال, إلى هجرة الأنشطة التجارية, وربما هجرة الكثير من الناس بحثا عن العمل أو الأنشطة التجارية, فالناس هنا يتأثرون كثيرا من خطب وفتاوى بعض الأئمة , واخشي أن تتوسع الظاهرة, فمثلما وجدنا صالونات حلاقة إسلامية ومحلات خياطة, سنرى أيضا محلات فول وتميس بالطريقة الإسلامية, وشوارع إسلامية, وأحياء إسلامية ومطاعم مندى إسلامية,عيادات إسلامية , وهكذا صيدليات وبنشر سيارات وورش.

استغرب من وزارة التجارة أو البلديات التي ترخص للمحلات التجارية, لماذا لم تلاحظ مثل هذه العبارات أو الكلمات, ولماذا لم يتحرك علمائنا الأفاضل, ويبينوا للناس حقيقة الإسلام, وان استغلال الدين بهذه الطريقة لا يجوز, وان ما يحدث سوى دغدغة لمشاعر الناس ومحاولة تقسيم المجتمع,

وإذا ما تطور الأمر, فإننا سنرى أيضا عمائر ومكاتب تجارية إسلامية, ومحلات تسوق. وإذا ما ستمر الحال هكذا فانتظروا أن نبكي على حالنا, ولكن بالطريقة الإسلامية!!.



* نقلاً عن جريدة "الحياة" اللندنية.