المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العملة الخليجية والدولار



مغروور قطر
30-03-2007, 05:13 AM
العملة الخليجية والدولار
بقلم :يحيى المصري



منذ سنوات قليلة كان هناك اتفاق تام بين دول الخليج على ربط العملة الخليجية الموحدة بالدولار، وكان تم تعديل ربط العملات المحلية في بعض الدول الخليجية ليتماشى مع هذا المبدأ وعلى أساس أن يكون هناك ربط موحد لجميع عملات الدول الخليجية بحيث تبدأ العملة الموحدة في موعدها المقرر عام 2010 دون صعوبات نتيجة اختلاف الربط، ولكي تستفيد كافة الدول الخليجية نقدياً عندما يبدأ العمل بالعملة الجديدة، على أن تتم مناقشة الموضوع تفصيلياً في اجتماع محافظي البنوك المركزية الخليجية الذي سينعقد خلال أبريل القادم في السعودية لإصدار القرار المناسب.


وفي أوائل مارس أكد محافظ مصرف البحرين المركزي أن هناك دراسات مستمرة حول الأساس الذي سترتبط به العملة الخليجية الموحدة وأن البحث مازال جارياً عن الأساس الأقوى الذي لا يؤدي إلى خسائر نقدية محتملة عندما يبدأ سريانها، ولكي يكون مقبولاً لدى كافة الدول الخليجية الأعضاء في المجلس، كما ذكر معاليه أن هناك اتفاقا على ضرورة وجود بنك مركزي موحد يتولى كافة الأمور النقدية المشتركة وعلى أن يعرض ذلك على اجتماع محافظي البنوك المركزية الخليجية القادم.


ولا شك أن الدراسات التي تجرى حاليا على نطاق واسع حول أساس ربط العملة الخليجية الموحدة، وما إذا كان هذا الربط سيكون بالدولار أو بوحدة حقوق سحب خاصة أو عن طريق سلة منفردة توضع على أسس مستمدة من المعاملات النقدية الخارجية بين دول الخليج الست والخارج، وهي الدراسات التي يشترك فيها صندوق النقد الدولي باعتباره أهم مؤسسة نقدية في العالم وله رؤيته الخاصة والتي قد تختلف عن رؤية البنوك المركزية الخليجية في الربط بينما قد تتفق معها في نواح نقدية أخرى، ومنذ أسابيع أوضح الصندوق رؤيته التي تضمنت ما يلي:


ـ تخفيض دور البنك المركزي في صناعة السوق - بما في ذلك عرض أسعار البيع والشراء ـ والذي يحد من دور صناع السوق الآخرين وبدلاً من ذلك يمكن للبنك المركزي أن يعزز السوق عن طريق التقليل لأدنى حد من تداوله مع البنوك، والاقتصار على القيام بدور المشتري بالسعر المحدد، ففي تركيا على سبيل المثال، انسحب البنك المركزي تدريجياً من السوق بعد تعويم الليرة التركية في عام 2001 مما أرغم المشاركين في السوق على التداول والاتجار فيما بينهم.


ـ زيادة المعلومات في السوق عن مصادر واستخدامات النقد الأجنبي وعن اتجاهات ميزان المدفوعات، بحيث يمكن للمشاركين في السوق تكوين آراء موثوق بها عن سعر الصرف وعن السياسة النقدية وأسعار الصرف في المستقبل بطريقة تتسم بالكفاءة، ومن المناسب أن تنشر هذه المعلومات بصفة دورية في تقرير أو مجلة رسمية يومية يتم توزيعها على البنوك والمؤسسات النقدية العاملة في الدولة وعلى كافة المتعاملين.


ـ التخلص تدريجياً من اللوائح التي تخنق نشاط السوق مثل اشتراط تسليم متحصلات النقد الأجنبي إلى البنك المركزي والضرائب والرسوم الإضافية المفروضة على معاملات النقد الأجنبي والقيود على عمليات التداول فيما بين البنوك مع تبسيط الإجراءات التي ينبغي اتخاذها في توحيد أسواق النقد الأجنبي وتخفيف القيود المفروضة على الحساب الجاري وعلى حساب رأس المال.


ـ توحيد وتبسيط التشريعات الخاصة بالنقد الأجنبي وتجنب التغيرات المخصصة لحالات معينة والمتكررة حيث أن قوانين ولوائح النقد الأجنبي التي تتسم بالبساطة ويسهل فهمها يمكن أن تُحَسِّن شفافية السوق وتقلل تكاليف المعاملات، مع تسهيل وتطوير أدوات للاحتياط من المخاطر عن طريق إلغاء القيود على نشاط المعاملات الآجلة بمجرد بلوغ المؤسسات المالية قدرة كافية لإدارة المخاطر.


ـ يقتضي الأمر أن يتم وضع سياسات يُهتَدَى بها في تحديد أهداف وتوقيت ومقادير التدخل في سوق النقد الأجنبي وفي نظم التثبيت وكثيراً ما يخرج توقيت التدخل ومقداره عن سيطرة البنك المركزي، وفي نظام أسعار الصرف المرن يكون التدخل نسبياً، ومع ذلك تظل البنوك المركزية تتدخل لتصحيح سعر التعادل وتهدئة الأسواق المضطربة وتحقيق تراكم الاحتياطات وتوفير النقد الأجنبي، إلا أن التجارب القطرية تبين السبب في الحاجة إلى أن تكون عمليات التدخل انتقائية ومقتصدة دون استمرارها لفترات طويلة حتى لا يكون لها آثار سلبية على السياسات النقدية الموضوعة.


وإذا كان صندوق النقد الدولي قد طرح هذه النقاط لتؤخذ في الاعتبار عند سريان العملة الخليجية الموحدة، فإنه ابتعد عن التدخل في تحديد أساس الربط وتركه للدراسات التي تجريها البنوك المركزية الخليجية وخبراء النقد الخليجيين، على أن هناك عوامل يهمني أن أبرزها أمام الخبراء الذين يعدون الدراسات المتعلقة بالعملة الخليجية الموحدة التي ستعرض على اجتماع المحافظين في أبريل القادم إن شاء الله :


ـ استمرار انخفاض قيمة الدولار في السنوات الأخيرة وكان قد بلغ ما يقرب من 35% أمام اليورو الأوروبي في السنوات الثلاث الأخيرة، كما بلغ 10% في السنة الماضية وحدها، وامتد هذا الانخفاض أمام العملات الرئيسية الأخرى كالين الياباني والجنيه الاسترليني .


وإن كان بنسبة أقل، وذلك مع عدم قيام الولايات المتحدة الأميركية باتخاذ أية خطوات قوية لمعالجة هذا الانخفاض مثلما كان يحدث في الماضي عندما كانت تقوم باتخاذ إجراءات وإقرار خطوات عاجلة لمعالجة انخفاض سعر صرف الدولار الأميركي كلما كان السعر يميل إلى الانخفاض، ومن بينها محاولة تحسين الميزان التجاري الأميركي ومعالجة عجز ميزان المدفوعات وزيادة سعر الفائدة على الودائع بالدولار.


ـ ليس من المتوقع أن يتحسن سعر الدولار الأميركي في الأعوام القليلة القادمة خاصة وأنه مازال فوق قيمته الحقيقية العادلة بمقدار 4% حسب تقدير مؤسسة «ميريل لينش الدولية» والمتخصصة في البحوث الاقتصادية والنقدية والتي ذكرت أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي «البنك المركزي الأميركي» يعتمد سياسة نقدية انكماشية تؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي الأميركي.


كما أن العملات التي لم ترتفع كثيراً أمام الدولار بعد انخفاضه قد تقوم بذلك في فترة قريبة ومن بينها الين الياباني والرنجي الصيني والبيزو المكسيكي وغيرها من عملات الدول التي لم تقم بعد بإعادة تقييم عملاتها المحلية بالدولار الأميركي بعد انخفاض قيمته في الأسواق الدولية.


ـ تزايد المعاملات التجارية والمعاملات غير المنظورة مع الولايات المتحدة الأميركية ومع بعض دول آسيا وأميركا الجنوبية بالدولار الأميركي في السنوات الأخيرة، خاصة وأن سداد وتحديد أسعار البترول مازال يتم بالدولار الأميركي حتى الآن، وبالتالي فإن ما تحصل عليه الدول الخليجية من دولارات أميركية كانت تقوم بسداد جزء كبير منه في واردات سلعية بالدولار الأميركي.


وهو ما يؤدي إلى عدم ظهور خسارة ربط العملات الخليجية بالدولار الأميركي في السنوات السابقة، طالما كانت تستخدم النسبة الكبرى من المتحصلات الدولارية في مشتروات دولارية، غير أن الوقت الحالي يختلف في توجيه المعاملات الخارجية حيث بدأت المعاملات التجارية تتزايد مع دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما يؤدي إلى خسارة نقدية كبيرة مادام الدفع يتم بالدولار الأميركي.


ـ أغلب الأزمات الفعلية التي حدثت إقليمياً وقطرياً في الفترة الأخيرة كانت بسبب تقلبات شديدة في سعر صرف العملات المحلية، خاصة تلك التي ارتبطت بالدولار الأميركي، حيث بدأ سعر الدولار الأميركي في الانخفاض منذ أكثر من ثلاث سنوات، وتدرج هذا الانخفاض مع زيادة الانتعاش الاقتصادي الأوروبي.


وهو ما دفع الولايات المتحدة الأميركية إلى الاهتمام بتقوية اقتصاداتها لكي تستطيع منافسة اقتصادات الاتحاد الأوروبي ووقف سيل السلع الصينية، وبالتالي لم تكن تهتم بتحسين قيمة الدولار الأميركي، وظهر هذا الفكر واضحاً في عهد الرئيس بوش الذي رأى ضرورة الوقوف ضد الغزو السلعي الصيني والأجنبي للولايات المتحدة الأميركية والذي أدى إلى عجز متزايد في الميزان التجاري الأميركي بلغ 6 ,763 مليار دولار أميركي عام 2006.


ـ في ضوء الوضع الجديد الحالي لسعر الدولار الأميركي في الأسواق الدولية فقد قام عدد كبير من دول العالم بإلغاء ربط عملاتهم بالدولار الأميركي وتحرير سعر صرفه طبقاً للعرض والطلب وتمشياً مع مقتضيات النظام الرأسمالي وأصبح النظام النقدي العالمي برمته في طريقه إلى التعديل والوصول إلى طرق نقدية جديدة لتحرير أسعار الصرف واتباع أنظمة تؤدي إلى عودة الاستقرار النقدي العالمي وعدم اعتصار جهد الدولة لصالح دول أخرى أو العكس، وبما يضمن وضعاً عادلاً لتقييم المعاملات في ميزان المدفوعات في كل دولة حسب نشاطها في الإنتاج المحلي، وحسب الأنشطة الاقتصادية للمقيمين فيها.


وهكذا، فإن صدور العملة الخليجية الموحدة بربط قوي وعلى أسس فنية سليمة سيكون المكمل الطبيعي لكل جوانب التعاون الاقتصادي الخليجي وهي التي ستلعب دوراً مهماً في تقوية هذا التعاون واستمراره وبما يسعد الشعوب الخليجية ويقودها إلى اتحاد خليجي منتظر في فترة قريبة.


مستشار وكاتب اقتصادي مصري