تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : آن الأوان لانضمام بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي!



أبوتركي
30-03-2007, 12:59 PM
آن الأوان لانضمام بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي!

- فيليب ستيفنز - 12/03/1428هـ

كانت لغة الافتتاحية منمقة، والتحليل فيها منطقي رصين، وتفيض بمشاعر الكرم. لكن ماذا نتوقع غير ذلك من مقالة افتتاحية في "فاينانشيال تايمز"؟ ورغم ذلك كان هناك شيء ينقص الافتتاحية. فإذا ابتغينا قول الحق، وأنا أقول ذلك مستفيداً من مرور الزمن، فإن حكم "فاينانشيال تايمز" على معاهدة روما أغفل أهمية اللحظة. ولا تزال بريطانيا تعيش حتى الآن مع الخطأ نفسه بعد مرور نصف قرن.

كان عنوان الافتتاحية "نهاية البداية"، وتاريخها هو 25 آذار (مارس) 1957. وقد استعار الكاتب عبارة من ونستون تشرتشل، وتوقع بنوع من نفاذ البصيرة أن المعاهدة ليست إلا نقطة البداية لعملية من التحول الاقتصادي. "لا شك أن هيكل الصناعة الأوروبية سيكون مختلفاً تماماً بحلول عام 1970 مما كان يمكن أن يكون عليه لولا وجود نظام السوق المشتركة".
وكما كان متوقعاً، أعطى الكاتب تحذيراً أو اثنين. وكان مما قاله إن الترتيبات التجارية التفضيلية بين البلدان المؤسسة للسوق المشتركة - التي كانت توصف بعبارة بلدان ميسينا الستة - بحاجة إلى الموافقة عليها من قبل الاتفاقية العامة للتعرفة والتجارة، التي تحولت فيما بعد إلى منظمة التجارة العالمية. وقال أيضاً إنه ربما تكون هناك تشنجات سياسية محلية في فرنسا وألمانيا. لكن "فاينانشيال تايمز" تمنت الخير للمشروع وقالت إن الحكومات الموقعة على المعاهدة "ستظل في السلطة بشيء من الحظ لفترة تكفي لتمرير المعاهدة إلى مرحلة المصادقة عليها".

والأمر الذي لم يرد في هذا التحليل الرصين كان يتعلق ببريطانيا. وكان مركز بريطانيا في الهندسة الجديدة لأوروبا لا يستوجب الذكر إلا باعتبار بريطانيا "متفرجاً مهتماً بالموضوع". وغابت عن الافتتاحية أية إشارة تشي بالقلق من أن بريطانيا تقف وحدها بعيدة عن الركب. وغاب عنها أيضاً تقدير الطموحات السياسية للبلدان المؤسسة في سعيها للتقارب المتواصل من خلال اتحاد يضم شعوب القارة. ولم تزد السوق المشتركة على كونها كتلة تجارية. وما كان مهماً في ذلك الحين هو الاتفاق على اتفاقيات التعرفة الجديدة مع المنطقة الاقتصادية الأوروبية التي كانت تتزعمها بريطانيا.

وللإنصاف أقول إن "فاينانشيال تايمز" في ذلك الحين كانت تصور مزاج العصر. فقد قال تشرتشل قبل ذلك بسنوات إن الهدف المحمود للوحدة الأوروبية هو هدف يجب أن تسعى إليه الأمم الصغيرة. في ذلك الحين لم تكن بريطانيا تخلت بعد عن طموحاتها الإمبريالية. كان تشرتشل يظن أنها قوة عظمى تقع عند الملتقى الحيوي لثلاث حلقات من النفوذ؛ الكومنولث والولايات المتحدة وأوروبا.
وحين شجعت الولايات المتحدة التعاون الأوروبي، رد تشرتشل بسرعة: "ينبغي أن أقاوم الضغط الأمريكي لمعاملة بريطانيا على قدم المساواة مع الدول الأوروبية، التي لا يتمتع أي منها بمزايا القنال (الإنجليزي) والتي تعرضت فيما بعد للهزيمة".
أما وزارة المالية، التي تعتبر حتى هذا اليوم معقلاً من معاقل مقاومة التكامل الأوروبي، فقد ازدرت في البداية الفكرة القائلة إن الدول الست يمكن أن تصل إلى اتفاق بالفعل. فقد سخر راب بتلر، الذي كان وزيرا للمالية في حزب المحافظين، من مؤتمر ميسينا عام 1955 ووصفه بأنه مجرد "حفريات أثرية". وحين أظهرت الأحداث خطل التوقع الواثق بفشل المشروع، كانت الإجابة على ذلك هي محاولة فاشلة لعرقلة المبادرة بالترويج للفكرة المنافسة، وهي منطقة التجارة الحرة.
وهكذا نرى أن هذا المزيج الذي جمع بين الازدراء المتعالي والخطأ الاستراتيجي في الحسابات أرسى دعائم الخطأ الذي يفسر السبب في استمرار العلاقة المضطربة بين بريطانيا وجيرانها الأوروبيين. ولم تنج السياسة البريطانية من عواقب سوء التقدير، الذي جاء ضمناً في افتتاحية "فاينانشيال تايمز"، والذي تلخص في أن أوروبا هي مشروع للآخرين.
صحيح لم تمض مدة طويلة على التوقيع على المعاهدة حتى هبت رياح التغيير الباردة على الحكومة البريطانية. وتعلمت حكومة هارولد ماكميلان من جديد درس التاريخ المألوف الذي ينص على أن بريطانيا لا تستطيع الإفلات من عواقب القرارات التي تتخذها القوى الكبرى الأخرى في سبيل أوروبا. فخلال خمس سنوات شعر ماكميلان أنه ملزم بالتقدم بطلب للعضوية. وخلال 15 عاماً كان على بريطانيا أن تتغلب على فيتو فرنسي حتى تستطيع الفوز بعضوية النادي. لكن على حد تعبير السياسي من حزب المحافظين، كريس باتن، رغم كل المدة التي حملت فيها بريطانيا بطاقة العضوية، إلا أنها لم تنضم قط إلى الاتحاد الأوروبي.
كانت هناك أحياناً لحظات من الصراحة والانفتاح في هذا المسلسل من التعامل، على غير رغبة الأطراف. ومن أكثر الخطب السياسية المفضلة لديَّ الخطبة التي ألقتها مارجريت تاتشر في مجلس العموم خلال حملة استفتاء عام 1975 على بقاء بريطانيا في النادي. وقتها قالت تاتشر: "إن الحجة الأساسية للبقاء في النادي هي الحجة السياسية لتحقيق السلام والأمن (...) إن الجماعة الأوروبية تفتح لبريطانيا نافذة على العالم، وهي نافذة كانت تضيق شيئاً فشيئاً منذ نهاية الحرب (العالمية الثانية)". كفى بنا جدالاً حول مجرد سوق مشتركة.
ومع ذلك من الصحيح أيضاً أن البعد السياسي الأساسي للاتحاد الأوروبي تعرض للإنكار أكثر من ذلك بكثير على يد الزعماء السياسيين البريطانيين، بمن فيهم بطبيعة الحال السيدة تاتشر في سنواتها الأخيرة رئيسةً للوزراء. ومصدر الألم مصدر ثابت لا يتغير، وهو السيادة. فالزعماء السياسيون في الخمسينيات كانوا حينئذ لا يزالون عالقين في أمجاد الماضي للإمبراطورية البريطانية، ولم يستطيعوا حمل أنفسهم على "التخلي" عن السيادة لجيرانهم الأوروبيين "المهزومين". السيادة في العقلية البريطانية أمر غير منظور، وبمجرد أن يتم التنازل عنها إلى بروكسل فإن بريطانيا ستفقدها.
ومن هذه العقلية انطلق الوهم، الذي لا يزال أساسياً في الخطاب السياسي البريطاني، الذي يقول إن بريطانيا لديها الخيار: فبإمكانها اختيار حرية التصرف الكاملة خارج الاتحاد، أو بإمكانها التخلي – وهو تعبير محبب لمعارضي التكامل الأوروبي – عن استقلالها لبروكسل.
إن وضع الأمور على هذا النحو، بطبيعة الحال، يتحدى واقع العالم الحديث. فالسيادة تعتمد على القدرة على الفعل. وحقيقة الاستقلال تعني، مع احترامي للرئيس الأمريكي جورج بوش، هو أنه حتى القوى العظمى تحتاج إلى شراكات. وكما قال ذات مرة سياسي آخر من حزب المحافظين، هو مايكل هزلتاين: "الإنسان حين يكون وحده في الصحراء يكون متمتعاً بالسيادة. لكنه يكون بلا حيلة كذلك".
في النهاية فهم ماكميلان أن العلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة غير كافية. ومن العبر المستفادة في السنين الأخيرة أن بريطانيا في حاجة إلى أوروبا كي تحتفظ بعلاقة وثيقة، لكن متوازنة، مع واشنطن. إلا أن مؤيدي التكامل الأوروبي داخل بريطانيا لم يقدموا قط الحجة السليمة بأنه ينبغي اقتسام السيادة في سبيل تعزيز مصالح بريطانيا الاستراتيجية. فقد أقروا ضمناً بالحجة الفاسدة التي يقول بها معارضو التكامل الأوروبي، وهي أن الاتحاد الأوروبي لعبة يربح فيها طرف على حساب الطرف الآخر.
ومع ذلك فإن تصور وجود أساليب تعامل قومية "مستقلة"، مثلا، مع التجارة وحركة رأس المال، أو الأمن والإرهاب، أو الهجرة والجرائم عبر البلدان، أو التغيرات المناخية والتطور، هذا التصور يجعلنا ندرك خواء المفهوم التقليدي للسيادة.
قبل نصف قرن كان هناك صوت منفرد أو صوتان في الحكومة أدركا الحقيقة المذكورة. فقد قال السير هنري تيزارد، وهو من كبار موظفي الدولة، منذ عهد مبكر يعود إلى عام 1949: "نحن أمة عظيمة. لكن إذا واصلنا التصرف على أننا قوة عظمى، فإننا سنتوقف خلال عهد قريب عن أن نكون أمة عظيمة". وما نأسف له الآن هو قلة عدد السياسيين البريطانيين الذين أنصتوا له في ذلك الحين.

Muslim Investor
30-03-2007, 01:16 PM
أشكرك يا بو تركي على نقل هالمقالة الممتعة

تحيتي