المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تقرير مجموعة سامبا المالية:تقييد الإنفاق الحكومي لا يعد أداة مجدية لمعالجة التضخم



أبوتركي
06-04-2007, 04:43 PM
تقرير مجموعة سامبا المالية : تقييد الإنفاق الحكومي لا يعد أداة مجدية لمعالجة التضخم في السعودية



شرع التضخم في الظهور في السعودية بعدما يربو على عقد لم تشهد مستويات الأسعار فيه تحركا يذكر. وكان التضخم السنوي في الأسعار قد قفز إلى مستوى 2.9 في المائة في كانون الأول (ديسمبر) 2006، ما رفع من المتوسط السنوي للتضخم إلى 2.3 في المائة.

وعند استبعاد أثر خفض أسعار وقود السيارات الذي تم دفعة واحدة نجد أن معدل التضخم السنوي قبل بلغ 4.3 في المائة بحلول كانون الأول (ديسمبر) وقد شهد العام الماضي أول مرة يتخطى فيها معدل التضخم نسبة 1 في المائة منذ عام 1995. ويتناول هذا التقرير الذي أعده قسم الدراسات الاقتصادية في مجموعة سامبا المالية, الأسباب التي أدت إلى الارتفاع الحالي في معدل التضخم وينظر في العوامل المختلفة التي نعتقد أنها ستدفعه إلى الأعلى خلال عام 2007، ثم نتطرق أخيرا إلى مجموعة الخيارات المتاحة لصناع القرار في المملكة للتصدي لهذه الظاهرة. إلى التفاصيل:

ظل التضخم منخفضا جدا في المملكة لعدد من السنوات، حيث لم يتعد مستواه 1 في المائة منذ ا لطفرة النفطية الأولى خلال حقبة السبعينيات إلا ثلاث مرات في الأعوام 1990، 1991، 1995، وكان السبب في رفع الأسعار خلال العامين الأولين هو حرب الخليج. أما ارتفاعه عام 1995 فقد جاء من المخاوف حيال ارتفاع العجز في الميزانية بسبب تراجع أسعار النفط التي قادت الدولة إلى رفع أسعار التجزئة بصورة حادة على كل من الوقود والكهرباء وعدد من السلع الأخرى.


تدني التضخم

هناك عدة عوامل أبقت على التضخم متدنيا وشملت ما يلي:

* ربط سعد الصرف مع الدولار وانفتاح النظام التجاري والاعتماد الكبير على الواردات تعني أن التضخم على معظم السلع الاستهلاكية والرأسمالية يعكس إلى حد كبير مستوياته في الدول الرئيسية التي تستورد منها المملكة وهي الولايات المتحدة ودول المجموعة الأوروبية واليابان التي يسجل التضخم فيها معدلات متدنية.
* التنافس بين أعداد كبيرة ومتنامية من العمالة الأجنبية للعمل في المملكة يحافظ على تكلفة العمالة متدنية ومستقرة. وحسب البيانات الرسمية فقد ارتفع عدد العمال الأجانب من 2.3 مليون عام 1985 إلى 6.3 مليون في عام 2005، ولا يزال ينمو بمعدل 3 في المائة سنويا.

* تحدد الدولة أسعار بعض السلع عند مستويات ثابتة مشتملة على المواد النفطية والغاز الطبيعي والكهرباء والمياه والمواد الغذائية الأساسية مثل القمح والشعير والطحين والخبز واللبن؟ ولا تدخل هذه المواد في احتساب مؤشر أسعار الجملة حيث لا تتعدى تلك المأخوذة في الاعتبار 16.2 في المائة من إجمالي المؤشر. ونعتقد أن الوزن الإجمالي للمواد المثبتة الأسعار أعلى ضمن مؤشر احتساب تكلفة أسعار التجزئة.


لماذا ارتفعت مستويات التضخم؟

لم يشهد أي من العوامل المذكورة أعلاه تغيرا وستستمر في كبح الضغوط التضخمية. لكن السعودية ولجت مرحلة جديدة سيشهد التضخم فيها مستويات مرتفعة مقارنة بالنمط المعتاد تاريخيا. وتظهر آخر البيانات أن مؤشر تكلفة المعيشة السنوي قد سجل 2.9 في المائة في كانون الأول (ديسمبر) الماضي مرتفعا من مستوى 1.2 في المائة في كانون الأول (ديسمبر) من عام 2005 ومستوى 0.6 في المائة في نهاية عام 2004، لكن معدل التضخم في نهاية عام 2006، لا يعكس الصورة الكاملة للضغوط الكامنة إذ تؤدي عملية خفض أسعار الوقود بنسبة 30 في المائة التي تمت في أيار (مايو) الماضي إلى التشويش عليها.

وليس بالإمكان استبعاد أثر خفض أسعار الوقود بالكامل من الرقم القياسي لتكاليف المعيشة، حيث نجد أنه بعد استثناء مجموعة "النقل والاتصالات" التي تحتوي على أسعار وقود السيارات فقد ارتفع التضخم إلى 4.3 في المائة في كانون الأول (ديسمبر) من مستوى 1.6 في المائة في نهاية عام 2005، وقد أدى تعديل سعر الوقود إلى تراجع مجموعة "النقل والاتصالات" ضمن الرقم القياسي بمعدل 5.4 في المائة في أيار (مايو) بل ربما يحتمل أن ذلك قد تسبب أيضا في تخفيض حدة التضخم في قطاعات أخرى نتيجة خفض تكلفة نقل السلع والخدمات. وبصورة عامة فقد انخفض الرقم القياسي لتكاليف المعيشة بمعدل 0.2 في المائة في أيار (مايو)، لكن بعد إزالة أثر تعديل مجموعة "النقل والاتصالات". نجد أن التضخم قد ارتفع بمعدل 0.6 في المائة في واقع الأمر.

ويضم الرسم المرفق تفاصيل حول أداء المجموعات الرئيسية للرقم القياسي لتكاليف المعيشة. ويظهر الجدول أن مجموعتين ضمن المؤشر كانتا المصدر الرئيسي وراء التضخم خلال العام الماضي ـ "الأطعمة والمشروبات" و"السلع والخدمات الأخرى"، وأن هناك مصدرا آخر آخذ في الارتفاع هو مجموعة "الترميم والإيجار والوقود والمياه". وقد بلغ التضخم في مجموعة الأطعمة والمشروبات 6.6 في المائة في كانون الأول (ديسمبر) بينما سجل المتوسط السنوي لهذه المجموعة 5.3 في المائة العام الماضي مقارنة بـ 3 في المائة في عام 2005، ومقارنة بأرقام التغير السنوي نستطيع قياس أثر التذبذبات الموسمية التي تؤثر في التضخم الشهري. مثال ذلك الارتفاع الموسمي في أسعار المواد الغذائية (نحو 0.8 نقطة مئوية) التي تحدث مثل شهر رمضان. وبإلقاء نظرة فاحصة على التفاصيل يتضح لنا أن التضخم كان أعلى نسبة للخضراوات والفواكه الطازجة والأسماك.


المواد الغذائية

حيث إن الكثير من المواد الغذائية الطازجة يتم استيرادها لذا فإن الأسعار الأعلى تعكس أوضاع السوق العالمية التي تأثرت بأحوال الطقس السيئة في الدول المنتجة الرئيسية. مثال ذلك ارتفاع أسعار البطاطس بنسبة 66 في المائة في تشرين الأول (أكتوبر) 2006 مقارنة بأسعار العام الماضي. كما ارتفعت أسعار سلع أخرى بنسب كبيرة متفاوتة خلال الفترة نفسها مثل التفاح الأحمر 35 في المائة، الخيار 32 في المائة، الخس، 26 في المائة، والمانجو 22 في المائة.

قفز التضخم في مجموعة "السلع والخدمات الأخرى" العام الماضي ووصل إلى أعلى مستوى له في أيار (مايو) مسجلا 10.3 في المائة.

ثم استقر لاحقا عند مستوى 8 في المائة، في المقابل بلغ متوسط التضخم لهذه المجموعة 2.4 في المائة فقط لمجمل عام 2005، وكان السبب الرئيس للارتفاع الكبير لهذه المجموعة هو الزيادة الحادة في أسعار المجوهرات نتيجة ارتفاع أسعار الذهب عالميا، حيث ارتفع بنحو 35 في المائة عام 2006، مقارنة بالعام الماضي. إضافة، ارتفعت رسوم الإقامة في الفنادق بأكثر من 10 في المائة نتيجة الارتفاع الملحوظ في حركة رجال الأعمال. لكن نتوقع أن تخف الضغوط التضخمية على مجموعتي "الأطعمة والمشروبات"
"والسلع والخدمات الأخرى" خلال هذا العام (انظر التوقعات المستقبلية للتضخم).

لكن أكثر ما يقلقنا هو التوقعات المستقبلية بالتضخم لمجموعة "الترميم والإيجار والوقود والمياه" ضمن مؤشر تكاليف المعيشة، وتحديدا إيجاد المساكن، وحسب البيانات الرسمية فقد ارتفع التضخم لهذه المجموعة العام الماضي خصوصا خلال الربع الأخير منه لكن ظل منخفضا نسبيا عند مستوى 3.1 في المائة في كانون الأول (ديسمبر). وبالنظر إلى التفاصيل الدقيقة لتلك البيانات يظهر أن الارتفاع السنوي للإيجارات قد سجل في تشرين الأول (أكتوبر) 2006، ارتفاعا من 1.8- في المائة في كانون الأول (ديسمبر) 2005. وكانت الزيادة السنوي في الإيجارات قد سجلت في تشرين الأول (أكتوبر) ارتفاعا قدره 7 في المائة في مدينة الدمام قلب صناعة النفط السعودية. ويعكس ذلك حجم الطفرة التي تشهدها المنطقة الشرقية التي نتوقع لها الانتشار في بقية أرجاء المملكة. أما بالنسبة إلى مدينة الرياض فقد سجلت الزيادة السنوية في تشرين الأول (أكتوبر) ارتفاعا بلغ 2.3 في المائة بينما سجلت 1 في المائة في المتوسط في منطقتي جدة ومكة.


الاستثمار في منطقة الخليج

الطفرة في الاستثمارات عبر منطقة الخليج إضافة إلى الطلب المرتفع من مناطق أخرى، خصوصا الصين، تسببت في رفع تكلفة المواد الأولية. وتنعكس تلك التكاليف بصورة رئيسية على مؤشر تكاليف أسعار الجملة التي أظهرت خلال الربع الثالث من العام الماضي (آخر البيانات المتوافرة) ارتفاعا كبيرا في أسعار بعض مواد البناء الأساسية، كمثال على ذلك، فقد ارتفعت الأسعار على مدى عام لطوب البناء بنسبة 8.1 في المائة، الحديد بنسبة 7.3 في المائة، المعادن الأخرى بنسبة 14.6 في المائة، وعلى أسلاك الكهرباء المغلفة بنسبة 25.6 في المائة.

وارتفعت الأسعار على بعض الخدمات نتيجة الطفرة الاقتصادية. ورغم عدم ظهورها في البيانات الرسمية لكن هناك أدلة على أن النقص في العمالة الماهرة قد رفع تكاليف العديد من الخدمات المهنية. إضافة إلى ذلك يشهد قطاعا الخدمات القانونية والبنوك نقصا في الأفراد من ذوي الكفاءات المرتفعة (سوف يزداد النقص حدة بالنسبة لقطاع البنوك في ضوء دخول عشرة مصارف أجنبية للعمل في البلاد، إضافة إلى الترخيص لعدد من البنوك الاستثمارية الجديدة). وتسهم التعقيدات المتعلقة بالحصول على تأشيرات العمل في رفع حدة نقص العمالة. تضافر ارتفاع أسعار المواد الخام مع تكلفة العمالة أدى إلى رفع تكلفة المشاريع بصورة حادة. وقد أظهرت دراسة حديثة أجرتها شركة كيمبريدج لأبحاث الطاقة أن تكلفة إنشاء مشاريع إنتاج النفط والغاز قد ارتفعت بمعدل 53 في المائة خلال العامين الماضيين. لكن رغم ذلك لم ينعكس ارتفاع تكلفة المشاريع بصورة كبيرة على المؤشر القياسي لأسعار الجملة وكان أثرها هامشيا على مؤشر تكاليف المعيشة، والسبب في ذلك أن معظم المشاريع العملاقة قيد التنفيذ لم تدخل مرحلة الإنتاج الفعلي حتى الآن، أما تلك التي دخلت فمعظم منتجاتها غير مخصصة للاستهلاك المحلي أو يتم بيعها للدولة التي تتحكم في أسعارها. مثال ذلك سيتم تصدير معظم الإنتاج النفطي والمواد البتركيميائية أما الجزء المستخدم محليا فسيتم بيعه عند أسعار مثبتة، وتتحكم الدولة أيضا في أسعار الكهرباء والمياه.

إضافة، ليس بالضرورة أن الزيادة في مؤشر أسعار الجملة تنتقل إلى المستهلكين (التضخم في أسعار الجملة أعلى كثيرا عنه في أسعار المستهلكين منذ عام 2003) ونعتقد أن السبب في ذلك يعود للفترة التي يتطلبها انتقال الأثر بين وقت شراء المواد الخام ووقت بيع السلعة للمستهلك. وفي ضوء الطفرة الاقتصادية حيث يستطيع تجار التجزئة الحفاظ على هامش الربح من خلال رفع الأسعار نرجح أن تنعكس تكلفة المواد الأولية المرتفعة بصورة واضحة على مؤشر تكاليف المعيشة خلال عام 2007.


سعر الريال

من شأن انخفاض الريال مقابل معظم عملات الدول الرئيسية التي تستورد السعودية منها أن يسهم في رفع معدل التضخم هذا العام من خلال رفع أسعار السلع الواردة من تلك الأسواق. وقد تراجع الريال منذ نهاية عام 2005، مقابل عملات سبع من الدول الثماني الكبيرة التي تستورد منها المملكة (التي تشكل نحو 75 في المائة من إجمالي الواردات). وقد تراجع الريال بنسبة 11 في المائة مقابل اليورو العملة التي تستخدما أكبر مجموعة مصدرة إلى المملكة (أنظر الجدول). وبما أن الريال مثبت مقابل الدولار فإن حركة أسعار الصرف لا تؤثر في أسعار السلع المستوردة من الولايات المتحدة التي تشكل 15 في المائة من إجمالي الواردات. وقد أضافت تكاليف الشحن وأقساط التأمين الأعلى إلى تكلفة السلع المستوردة.

وتعتبر السعودية عرضة للتضخم المستورد على نحو خاص بسبب نظامها التجاري العالمي المنفتح وقاعدة إنتاجها المحلية المحدودة والطلب المرتفع فيها على السلع الاستهلاكية المستوردة. وعلى الرغم من أن الدولار (وبالتالي الريال السعودي) ظل في مسار هابط لعدة أعوام مقابل العملات الرئيسية الأخرى يتنبأ كثير من المحللين باستمرار تراجع الدولار حتى تتمكن الولايات المتحدة من تضييق الفجوة الكبيرة في ميزان الحساب الجاري لديها، ما يعني أن التضخم المستورد سيظل بشكل هاجس للسعودية.


وقود السيارات

أسعار وقود السيارات تشكل المصدر الأخيرة للتضخم في السعودية لبقية عام 2007، ورغم أننا لا نتوقع ارتفاع أسعار الوقود محليا إلا أن التضخم سيرتفع كرد فعل لاستبعاد إثر خفض أسعار الوقود في أيار (مايو) 2006 بمعدل 30 في المائة من أرقام المقارنة السنوية. كما يتضح من الرسومات البيانية لمؤشر تكاليف المعيشة ومؤشر أسعار الجملة, فإن أثر ذلك سيكون عودة الخط الأزرق للارتفاع نحو الخط الأحمر. وحسب تقديرنا، فقد أدى الخفض في أسعار الوقود إلى إزالة نحو 1 في المائة عن مؤشر تكاليف المعيشة ونحو 3 في المائة من مؤشر أسعار الجملة.

لكن ذلك الأثر سيتم احتواء جزء منه نتيجة طرح نوع جديد من الوقود الأخضر في كانون الثاني (يناير) 2007 هو "ممتاز 91" الذي يقل سعره بنسبة 20 في المائة من النوع العادي "ممتاز 95" وحسب تقديرنا، تشكل مبيعات الوقود من النوع "91 ممتاز" نحو 85 في المائة من إجمالي مبيعات الجازولين حتى الآن هذا العام. وما لم يتم إجراء تعديلات إضافية في أسعار الجازولين فإن أثر طرح "ممتاز 91" سيسقط من المؤشر بحلول كانون الثاني (يناير) 2008.


ما العمل لاحتواء التضخم؟

لدى القائمين على السياسات الاقتصادية أدوات عديدة يمكن استخدامها لخفض التضخم. وبما أن ارتفاع الأسعار هو نتيجة لارتفاع مستويات الطلب عن العرض فإن الإجراءات الرامية للتحكم في التضخم تهدف إما إلى خفض الطلب أو رفع مستوى العرض. الخيارات الواردة أدناه جميعها متاح للسلطات السعودية من الناحية النظرية لتحقيق أهدافها، لكن هناك قيود مهمة عليها من الناحية العملية.
* سعر الفائدة. أسعار الفائدة المرتفعة تخفف من أثر التضخم من خلال إبطاء النشاط الاقتصادي بجعل الاقتراض أكثر كلفة، مما يشجع على الادخار ويرفع من تكلفة خدمة الديون.
* الإقراض المصرفي. خفض المبالغ المتوافرة لدى البنوك لإقراضها يحد من نمو الائتمان المصرفي ويمنع ارتفاع عرض النقود. ويمكن إجراء ذلك بواسطة البنك المركزي بعدة سبل مثل خفض معيار معدل القروض إلى الإيداعات.
* السياسة المالية. من شأن خفض الإنفاق الحكومي أو رفع مستوى الضرائب أن يكبح حركة النشاط الاقتصادي، ما يؤدي إلى تراجع الطلب ويخفف من الاختناقات.
* إجراءات جانب العرض. إذا كان شح المواد هو السبب في ارتفاع التضخم فبالإمكان اتخاذ الخطوات التي من شأنها زيادة المعروض من تلك السلع والخدمات.
* مراقبة الأسعار. بالإمكان تجميد أسعار السلع والخدمات عند مستوى معين و وضع حدود للنطاق الذي يمكن أن ترتفع أسعار سلعة ما داخله.


السياسة المالية

التحكم في الإنفاق الحكومي أسلوب آخر لإبطاء النمو في عرض النقود. أحد أهم مصادر نمو السيولة في السعودية عملية تحويل الإيرادات النفطية المقومة بالعملة الأجنبية إلى العملة المحلية بواسطة الحكومة وشركة أرامكو للإنفاق على السلع والخدمات. وكان الإنفاق الحكومي قد ارتفع بما يعادل 11.6 مليار دولار العام الماضي ونقدر أن منصرفات (أرامكو) على شراء السلع والخدمات المحلية المقومة بالريال جاءت في حدود تسعة مليارات دولار. بحيث مثل إجماليها ما يعادل 72 في المائة من الزيادة في معيار عرض النقود الشامل (ن3) البالغ 28.5 مليار دولار.

وكان الطلب القوي على القروض المصرفية من القطاع الخاص عامي 2004 و2005، هو المصدر الرئيسي للنمو في السيولة. وقد شرع النمو في الائتمان للقطاع الخاص في التراخي منذ أوائل عام 2006، رغم ذلك ارتفع النمو السنوي في عرض النقود الشامل (ن3) خصوصا خلال النصف الثاني من العام من 12.8 في المائة في تموز (يوليو) إلى 18.4 في المائة بحلول كانون الثاني (يناير) 2007، مما يوحي بأن الإنفاق الحكومي أضحى المصدر الرئيسي للنمو في عرض النقود (ن3) مساهما بذلك في الضغوط التضخمية.


الإنفاق الحكومي

من شأن الخفض في الإنفاق الحكومي أن يخفف بعض الضغوط التضخمية بإزالة معوقات معينة. مثال ذلك التروي في تنفيذ المشاريع الاقتصادية العملاقة المتعددة في المملكة قد يؤدي إلى تخفيف الضغوط على أسعار المواد الأولية والطلب على استقدام العمالة الأجنبية وبالتالي الحد من النمو في الإيجارات، ولا نرجح أن تتراجع الدولة عن تنفيذ برامج الإنفاق الرأسمالي بسبب الحاجة الماسة إلى تطوير البنيات التحتية المادية والبشرية. عدا أنها لن تكون راغبة في إضعاف العزم الاقتصادي الذي تم حشده. لذا فإن تقييد الإنفاق الحكومي لا يعد أداة مجدية لمكافحة التضخم في الوقت الراهن. ولا يعد إبطاء الاقتصاد من خلال رفع الضرائب أسلوبا فاعلا في كبح التضخم بسبب أن القاعدة الضريبية في المملكة محدودة للغاية.


إجراءات جانب العرض

العرض المحدود (خصوصا في قطاع العقار والعمالة الماهرة والمواد الأولية) هو السبب في معظم الضغوط التضخمية في المملكة حاليا. وليس بالإمكان فعل الكثير للتأثير في أسعار المواد الأولية بسبب أن ذلك تحدده الأسواق العالمية. كما أن عملية طرح عقارات جديدة في السوق تستغرق وقتا حيث تحتاج المشاريع إلى وقت لتصميمها والمصادقة عليها ثم تنفيذها.

وهناك عدد من مشاريع البناء قيد التنفيذ في المملكة حاليا إلا أن دخولها السوق فعلا سيتطلب أعواما عديدة. ومن غير الواضح في ضوء مشاريع المدن الاقتصادية الجديدة قيد التخطيط إذا كانت الوحدات السكنية الجديدة ستتركز في المناطق التي يرتفع فيها الطلب.

وستكون هناك حاجة إلى استقدام المزيد من العمالة الأجنبية على المدى القريب للتعاطي مع ندرة العمالة الماهرة، وسيتطلب ذلك تيسير إجراءات الحصول على تأشيرات العمل اللازمة والتساهل فيما يتعلق بحصص السعودة (نسبة المواطنين السعوديين المطلوب توظيفهم بواسطة الشركات العامة في المملكة). وقد تم فعلا تطبيق الأخيرة على بعض القطاعات مثل قطاع البناء لكن التأخير في تأمين تأشيرات العمل لا يزال عقبة أمام توافر المعروض من العمالة. وهناك خطط قيد النظر للتساهل في نقل تأشيرات العمال المهرة بين الأجهزة الحكومية عند الحاجة إليهم في تنفيذ العقود الحكومية.

عموما، من الصعب عمل التعديلات المتعلقة بجانب العرض بصورة فورية. حيث يتعين أن يقتنع مجتمع الأعمال بأن الارتقاء في الطلب ظاهرة دائمة قبل أن يشرع في تطوير القدرات الإنتاجية التي قد تتطلب وقتا لإنجازها (كإنشاء مصنع جديد على سبيل المثال). إضافة إلى أنه ليس من السهل التحكم في الجهات التي توفر السلع والخدمات من خلال سياسات الدولة بسبب أن معظمها يعمل في القطاع الخاص.


مراقبة الأسعار

يمكن أيضا السيطرة على التضخم من خلال التحكم في الأسعار. ويتم سلفا استخدام هذا الأسلوب في السعودية حيث أسهم الخفض الأخير في أسعار الجازولين في إبطاء النمو في مؤشر تكاليف المعيشة. وربما يمثل تطبيق مثل هذه القيود على الإيجارات أكثر الأساليب فاعلية في لجم التضخم خصوصا أن كل الأجانب المقيمين في البلاد ونحو نصف السعوديين يستأجرون مساكنهم. وقد تم تبني هذه الإستراتيجية في دبي، حيث تم تحديد ارتفاع الإيجارات بنسبة 7 في المائة كحد أقصى هذا العام. وكان مستوى الإيجار في الإمارة قد ارتفع بما يقدر بـ 60 في المائة خلال العامين المنتهيين في تشرين الثاني (نوفمبر) 2006، مما أدى إلى إحجام الأفراد عن الانتقال إليها.

لكن التحكم في الإيجارات (وكل القيود على الأسعار) من شأنها أن تتسبب في ظهور تشوهات في الاقتصاد لذا يمكن اعتبارها بمثابة آخر العلاج، حيث إن تحديد الإيجار دون المستوى الذي تتحكم فيه آلية السوق يتسبب في إزالة الحافز الذي يدفع الشركات العقارية لتطوير المزيد من المخططات مما يتسبب في تعقيد المشكلة في نهاية الأمر. ونظريا يمكن الالتفاف حول ذلك من خلال تعويض الدولة لملاك العقار الفرق بين سعر السوق والسعر المحدد. وبالإمكان اللجوء إلى تطبيق مثل هذا النظام في ضوء أوضاع ميزانية الدولة الحالية لكن تصعب جدا عملية حسابه وتنفيذه. كما أن إساءة استغلاله واردة، هذا عدا أن من شأنه خلق طبقة من المنتفعين تعقد عملية إلغائه عندما تنتفي الحاجة إليه.

هناك سعر آخر يمكن التحكم فيه وهو سعر صرف الريال. حيث يمكن من خلال تعديل سعر صرف الريال برفعه مقابل الدولار خفض قيمة الواردات وبالتالي التخلص من التضخم المستورد. وبالنظر للميل الكبير للاستيراد سيكون مثل هذا الإجراء فعلا في تعزيز مستوى دخول المستهلكين ما يؤدي إلى ارتفاع إنفاقهم ثم العمل على موازنة آثار انحسار التضخم الناجم عن هذا الإجراء في بادئ الأمر. وستترتب عملية تعديل الربط بين الريال والدولار تداعيات كبيرة على الاقتصاد تتعدى التضخم مما يجعل هذا الأسلوب صارما بحيث تترتب عليه نتائج تتعدى الهدف المنشود إذا استخدم كأداة لمكافحة التضخم. مثال ذلك قد يؤدي لتدهور القدرة التنافسية للصادرات غير النفطية ويحبط الاستثمارات الأجنبية مما يتنافى مع أهداف سياستين مهمتين للدولة. وكانت مؤسسة النقد قد نفت أي توجه لتعديل سعر صرف العملة في المستقبل المنظور.


التوقعات المستقبلية بالتضخم

بناء على افتراضنا مما تقدم بأنه ليست هناك تعديلات في سياسات التعامل مع التضخم نتوقع أن يرتفع التضخم إلى 2.7 في المائة عام 2007، وستكون الإيجارات هي العامل الرئيسي وراء هذا الارتفاع. وقد خلقت الهجرة الداخلية إلى المدن الكبيرة في السعودية نقصا في المساكن ضاعف من حدته تدفق العمالة الأجنبية التي استقطبتها الفرص الناشئة عن الطفرة الاقتصادية. كما تسهم ديناميكيات السكان المحلية في رفع حدة النقص. حيث إن نحو 27 في المائة من المواطنين يقعون ضمن الفئة العمرية من 15 إلى 29 عاما التي غالبا ما تكون مرشحة للخروج من منزل الأسرة.

ونتوقع ارتفاع إيجارات المساكن بمتوسط قدره 5 في المائة هذا العام وأن تستمر على الوتيرة نفسها لعدد من السنوات. ويتفاوت معدل الزيادة حسب نوع المسكن وحسب المنطقة حيث ترتفع الإيجارات في المنطقة الشرقية والرياض وجدة والمناطق حول المشاريع التنموية الكبيرة. لكن معدل نمو الإيجارات يعد معتدلا مقارنة بدبي وقطر.