المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ضرورة توحيد معايير الإبلاغ المالي للمصارف الإسلامية



أبوتركي
07-04-2007, 05:10 AM
في تقرير لـ "ستاندرد آند بورز"
ضرورة توحيد معايير الإبلاغ المالي للمصارف الإسلامية



من المتعارف عليه على نطاق واسع أنه لا يوجد تعريف موحد للمصرفية الإسلامية. وبالتالي فإن المدارس المختلفة من الفكر، والتراث التاريخي غير المتجانس، والدرجات المختلفة من المرونة، بل حتى وجود نوع من التنافس الفكري، كل ذلك يعني أن وجود قانون مالي يتبع أحكام الشريعة ويكون منتظماً ومتناسقاً ومتوافقاً مع غيره من الأنظمة لا يزال في بطن الغيب. وحيث إن هناك حاجة متزايدة للشفافية والإفصاح الكامل، وهو واحد من أهم العناصر الثلاثة في الاتفاقية الجديدة حول كفاية رأس المال، الصادرة عن بنك التسويات الدولية، فإن هذا يثير عدداً من القضايا. ويجب التعامل مع القضايا المذكورة إذا أُريدَ للمصرفية الإسلامية مواصلة تقدمها نحو القبول من قبل المجتمع المالي الدولي.

هذا التعدد في المناهج ينعكس في الطريقة التي تقوم فيها المؤسسات المالية الإسلامية بإعداد حساباتها والإبلاغ عنها. ورغم أن كثيراً من هذه المؤسسات تعتمد معايير الإبلاغ المالي الدولية، إلا أن هذه المعايير تفرض الحد الأدنى من المتطلبات ولا تكفي وحدها لضمان قابلية الحسابات للمقارنة عبر صناعة المصرفية الإسلامية. وتعبر هذه المقالة عن رأي خدمات التقييم في "ستاندارد آند بورز" من أن توحيد معايير الإبلاغ المالي هو من التحديات الأساسية بالنسبة لصناعة المصرفية الإسلامية التي تشهد نمواً سريعاً، وذلك لكي تتجنب التشرذم وفي النهاية الانغلاق على نفسها في وقت تبلغ فيه الأدوات الاستثمارية الملتزمة بأحكام الشريعة سن الرشد باعتبارها إحدى فئات الموجودات.

ولكن استخدام معايير بعينها لا قيمة له من دون الإفصاح. ورغم أن قواعد الإبلاغ المالي يجب أن تكون هي عينها في جميع جوانب الصناعة (بهدف قابلية المقارنة بين البيانات والقدرة على قراءتها وتمثلها وكفاءة تفسير أرقامها من الزاوية الاستثمارية)، إلا أن الإفصاح ليس مجرد التغلب على ثقافة السرية المالية المفرطة. فباستثناء بعض المعلومات الحساسة غير المتاحة للعموم، فإن المؤسسات المالية الإسلامية، شأنها في ذلك شأن أي جهة تصدر الالتزامات المالية الإسلامية، ستنتفع من زيادة قدر الإفصاح، على سبيل المثال من خلال تقديم أكبر قدر ممكن من المعلومات في التقارير السنوية ووسائل التواصل الأخرى مع المساهمين.
وحتى في حالة المعلومات الحساسة، فإن أهمية عدم الإفصاح يمكن أن تتدنى من خلال الإكثار من استخدام الجهات الأخرى مثل وكالات التقييم. ذلك أن دور الوكالات كوسيط يتيح لها إدراج معلومات حساسة في تحليلاتها الائتمانية، التي تعطي بعد ذلك إشارات للأسواق من خلال مقدار التقييم.

التحدي الأساسي: توحيد معايير الإبلاغ في المؤسسات المالية الإسلامية

المنهج الإيجابي: التشخيص

تعمل المؤسسات المصرفية الإسلامية في مختلف البلدان والمناطق، ويغلب عليها ألا تتكلم اللغة المالية نفسها. وهي لم تتخذ إطاراً موحداً للإبلاغ المالي، ومن الصعب، بدون التحليل الدقيق لحساباتها، تنسيق نتف المعلومات المتفرقة وجمعها في مجموعة واحدة قابلة للمقارنة. إن "معايير الإبلاغ المالي الدولية IFRS تشكل الإطار الوحيد المتبع للإبلاغ المالي الذي يحظى بقبول عالمي غير واضح المعالم، ويمكن أيضاً أن يساعد في قابلية التقارير المالية للمقارنة عبر الحدود. ولكن لا يزال على المؤسسات الإسلامية أن تتبع المعايير المذكورة في جميع أرجائها. ومن القيود التي تعوق ذلك الأجهزة التنظيمية المحلية في البلدان المختلفة. ففي كل بلد يتولى البنك المركزي مسؤولية تصميم إطار للإبلاغ وتحديد المعايير واجبة التطبيق في النظام البنكي.

إن الاختلافات المذكورة بين معايير المحاسبة المتبعة في البلدان المختلفة تعمل على خلق قدر كبير من عدم التجانس في الإبلاغ المالي. ليس هذا فحسب، ولكن معايير الإبلاغ المالي الدولية نفسها يمكن تفسيرها بأشكال مختلفة من نظام بنكي لآخر. وتعتبر المعايير الدولية مناسبة بصورة أفضل للنشاطات المالية التقليدية، وهي غير قادرة على معالجة وإدراك جميع الجوانب الدقيقة والمحددة الخاصة بالمصرفية الإسلامية ومن ثم ترجمتها إلى لغة مشتركة.
جدير بالذكر أنه توجد معايير للإبلاغ خاصة بالمؤسسات المالية الإسلامية، ولكنها لا تطبق بصورة منتظمة ومنهجية عبر البلدان. وقد طورت "هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية AAOIFI المعايير المذكورة، وهي معايير شاملة من حيث إنها تشكل نظاماً متكاملاً للإبلاغ المالي. وهي قريبة الشبه من معايير الإبلاغ المالي الدولية FAS. كما أن "معايير المحاسبة المالية" التي تصدرها الهيئة لا تتضارب مادياً مع معايير الإبلاغ الدولية بصورة عامة. إلا أنها في حالات معينة تخلق بالفعل نوعاً من الإرباك فيما يتعلق بقابلية المقارنة. ثم إن المؤسسات المالية الإسلامية التي تلتزم بمعايير الهيئة ليست قابلة للمقارنة التامة بالمؤسسات الإسلامية التي لا تتبعها، ولا بالبنوك التقليدية في أسواقها المحلية. على سبيل المثال فإن البنوك الإسلامية في البحرين تبنت معايير الهيئة. ورغم أن ذلك يعتبر مساهمة في توحيد معايير الإبلاغ المالي للمؤسسات المالية الإسلامية في البحرين، إلا أن ذلك يؤدي إلى خلق اضطراب وعدم انسجام في النظام لأن البنوك التقليدية تتبع النظام الوارد في معايير الإبلاغ المالي الدولية.

عرض موجز للمعايير المستخدمة

إن معايير المحاسبة المالية التي وضعتها هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية تشكل نظاماً محاسبياً مستقلاً وشبه شامل. أما الهيئة نفسها فهي تعتبر "هيئة إسلامية دولية مستقلة غير ربحية، تقوم بإعداد معايير تتمشى مع أحكام الشريعة في مجال المحاسبة والمراجعة والحوكمة والأخلاق للعمل بها في المؤسسات المالية الإسلامية". جدير بالذكر أن الهيئة تأسست في الجزائر في عام 1990.

المنهج المعياري: توصيات

إن اتباع خيار باستخدام معيارين اثنين يمكن أن يكون أفضل نهج مثمر بالنسبة للإبلاغ المالي. وينطوي هذا النهج على قيام المؤسسات المالية الإسلامية باتباع معايير الإبلاغ المالي الدولية وكذلك معايير هيئة المحاسبة، ويتوقف ذلك على نوع النشاط الذي يراد الإبلاغ عنه. وبالنسبة للعمليات البنكية في المؤسسات الإسلامية التي لا تختلف اختلافاً بيناً عن العمليات نفسها في البنوك التقليدية، مثل الاستثمارات، والإيداعات بين البنوك، وإدارة الحسابات الجارية، والسياسات الرأسمالية، فإنه يجري اتباع المعايير الدولية. وسيكون من فوائد هذا النهج ازدياد القابلية للمقارنة بين البنوك الإسلامية والبنوك التقليدية، ليس فقط على المستوى المحلي ولكن على المستوى الدولي.

أما بالنسبة لتلك النشاطات الإسلامية التي لا تلائمها معايير الإبلاغ الدولية، مثل أنظمة المشاركة والمرابحة والمناصفة، وحسابات الاستثمار القائمة على المشاركة في الأرباح مهما بلغت، فإنه ينبغي استخدام أساليب المعالجة القائمة على معايير الهيئة تحت ظل مجموعة واحدة من الأسماء المحاسبية. وبالنسبة لعقود الموجودات، فإن الأسماء المذكورة يجب الإفصاح عنها كما لو أنها مكافئة للقروض، وذلك لتسهيل مقارنتها مع محافظ القروض في البنوك التقليدية.. وعليه فإن إتباع أسلوب محاسبي موحد بالنسبة للعمليات التي تقتصر على المؤسسات المالية الإسلامية سيجعل جميع هذه المؤسسات متماثلة عالمياً.
وبالتالي فإن منهج المعايير المزدوجة يسمح بالتأليف بين مبادئ القابلية للمقارنة في جميع المجالات والبلدان، ويعني ذلك انطباقها عالمياً بين المؤسسات المالية الإسلامية والبنوك التقليدية.

وفي الحالات التي تنطبق فيها المعايير الدولية ومعايير الهيئة ولكن تتضارب فيما بينها (كما هي الحال مثلاً في عقود الإجارة) ينبغي أن تعطى الأولوية "للمعايير الدولية". وهذا يكافئ قولنا إنه ينبغي تطبيق المعايير الدولية أولاً، ولكن في بعض الحالات تجعل النشاطات الإسلامية هذه المعايير غير قابلة للتطبيق، ينبغي استخدام معايير الهيئة.

وستكون الأجهزة التنظيمية مسؤولة في نهاية الأمر عن إحداث التوافق والاتساق بين مجموعتي المعايير، وفي الوقت نفسه ضمان التقليل ما أمكن من التشوه بفعل أسلوب الإبلاغ المالي للبنوك التقليدية.

وحتى حين تطبق المؤسسات الإسلامية "المبادئ المحاسبية المقبولة بصورة عامة GAAP، ينبغي عليها في هذه الحالة استخدام نمط من التأليف بين المنهج المزدوج والإبلاغ عن ذلك. وأحياناً تُلزَم بعض المؤسسات المالية الإسلامية بتقديم تقارير مالية تتبع المبادئ المحاسبية المقبولة في البلد الذي تعمل فيه، وذلك وفقاً للخطوط الإرشادية التي تصدرها الجهة التنظيمية. إن المواقف التي من هذا القبيل لا تحول بين تلك المؤسسات وبين التأليف بين متطلبات المبادئ المحاسبية ومتطلبات المعايير الدولية. وسيجد أعضاء الجماعة الاستثمارية العالمية وغيرهم من المساهمين الأجانب أن من المفيد لهم أن يحصلوا على الأنواع نفسها من المعلومات في ظل إطار المعايير الدولية للإبلاغ المالي، معززة بقواعد هيئة المحاسبة والمراجعة. ورغم أن ذلك ربما يكون مكلفاً ويستهلك وقتاً طويلاً، إلا أن المعايير الدولية هي اللغة المفضلة للمحاسبة والإبلاغ في اقتصاد عالمي يعطي قيمة كبيرة للمعايير الموحدة وقابلية المقارنة.

وينبغي على المؤسسات المالية الإسلامية أن تكون حساسة لحاجات جماعة المستثمرين وشهيتهم للحصول على فئات جديدة من الموجودات، وأن تبدأ بعمل وممارسة جهود التأليف بين المبادئ المحاسبية المحلية ونقلها إلى منهجية المعايير المزدوجة في سبيل الوفاء بهذا الطلب.
جدير بالذكر أن وضع قواعد للإبلاغ المالي وتطبيقها هو شرط ضروري ولكنه غير كاف لتعزيز الشفافية. إن معايير الإبلاغ المحاسبي والمالي تشكل ببساطة إطاراً من الحد الأدنى في سبيل أن ننقل إلى المساهمين صورة عن الشؤون المعقدة للمؤسسات المالية الإسلامية والشركات بصورة عامة. وكمبدأ عام نقول إن الجوهر يجب أن تكون له الأولوية دائماً على الشكل لتعزيز الشفافية، وفي حالة المصرفية والمالية الإسلامية، حيث يوجد هناك تعقيد إضافي منشأه الطبيعة المحددة وغير المألوفة على نطاق واسع للأنموذج الملتزم بالشريعة الإسلامية، فإن الإفصاح ينبغي أن يصل إلى مستوى يفوق المستوى الذي يعتبر الحد الأدنى من قبل محترفي الاستثمار.

الكاتبان محللان ائتمانيان في ستاندرد آند بورز