المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مع تحول الغاز إلى وسيلة ضغط سياسية، هل ستكون قمة الدوحة نقطة الإنطلاقة لتشكيل تكتل



أبوتركي
09-04-2007, 07:39 PM
مع تحول الغاز إلى وسيلة ضغط سياسية، هل ستكون قمة الدوحة نقطة الإنطلاقة لتشكيل تكتل غازى على غرار الأوبك؟




أثار تصريح الرئيس الجزائري بوتفليقة تأييده لفكرة تأسيس منظمة خاصة بالغاز على شاكلة "أوبك" جدلا كبيرا في الأوساط الأوروبية، خاصة وأن هذا التصريح جاء من قبل رئيس دولة تعتبر من بين أكبر المورديين للغاز في أوروبا حيث تبلغ حصتها أكثر من 28%، وتمثل أكثر من 60% لدول مثل إسبانيا، البرتغال، إيطاليا وفرنسا.


موقف بوتفليقة يتوافق مع الموقف الذي أبداه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ،الفنزولي شافيز والرئيس الإيرانى نجاد، حيث أجمع القادة على وجوب خلق كيان غازى مستقل خاصة وأن تجارة الغاز الطبيعى تزيد عن 500 مليار دولار سنويا،في حين أجمع أهل الإختصاص على عدم جدوى تأسيس منظمة على شاكلة الأوبك نظرا لأن عقود الغاز أغلبها طويلة الأمد تصل إلى 25 سنة؛ وبالرغم من أن المؤشرات الحالية تشير إلى أن الطلب على هذه السلعة الاستراتيجية إلى نحو 4.8 تريليون متر مكعب سنويا بحلول العام 2030 إضافة إلى ظهور منافسة قوية على الأسواق والزبائن. بيد أن الحصول علي إمدادات مأمونة سيبقي قضية مهمة، خاصة في أوروبا الغربية التي أصبحت تعتمد بصورة متزايدة على وارداتها من الغاز، كما ينطبق الأمر بصورة مقاربة على آسيا.


الغاز وسيلة ضغط سياسية.

روسيا: من أجل إستعادة هيبتها السابقة.


توجه الساسة إلى إستعمال الغاز كوسيلة ضغط سياسية تسارع بشكل كبير خلال السنتين الأخيرتين، لعل أبرزها ما قامت به موسكو في أوائل العام الماضي 2006 عندما قامت بقطع إمدادات الغاز إلى أوكرانيا بسبب خلاف حول الأسعار اعتبره المحللون حجة تذرع بها الروس لمعاقبة أوكرانيا على عدم ولائها لموسكو. وفي يوليو من العام الماضي أيضا، قامت ليتوانيا ببيع مصفاة تكرير رئيسية إلى بولندا بدلا من شركات منافسة روسية. وكرد على ذلك، قامت روسيا بإغلاق أنبوب النفط لتلك المصفاة متحججة بأعمال إصلاح وترميم والتي تستغرق عادة 48 ساعة، إلا أن الأنبوب بقي مغلقا لمدة تزيد عن أربعة أشهر.


إضافة إلى ذلك ما حصل في أوائل العام الحالي عندما قررت بيلاروسيا (روسيا البيضاء) فرض ضريبة لكل طن بقيمة 45 دولارا، على إمدادات البترول الروسية التي تعبر أراضيها كرد على قرار روسيا رفع سعر إمداداتها من الغاز الطبيعي إلى بيلاروس للعام الحالي لأكثر من الضعف (100 دولار لكل ألف متر مكعب من الغاز الطبيعي مقارنة بحوالي 46 دولارا، للعام الماضي) بالإضافة إلى ضريبة أخرى 180 دولارا لكل طن على البترول الذي كانت تبيعه روسيا خلال السنوات الخمس الماضية بسعر مربح ومدعوم كمساعدة مالية منها لحكومة بيلاروس، إذ ترى موسكو أن غياب ضريبة الصادرات تلك قد كلفها ما يقارب 3.5 الى 4 مليارات دولار سنويا.


وقد أدى هذا الخلاف حول الأسعار إلى توقف ضخ ما يقارب 1.8 مليون برميل يوميا من إمدادات البترول الروسي عبر خط أنابيب دروزبا (أحد أكبر خطوط النقل عالميا من حيت طاقته الاستيعابية) إلى أوروبا الوسطى، حيث تأثرت بذلك ولمدة ثلاثة أيام إمدادات البترول لخمس دول أوروبية: ألمانيا وبولندا وهنغاريا وأوكرانيا وسلوفاكيا. ويبدو أن الدول الأوروبية تختلف مواقفها تجاه سياسة روسيا النفطية حسب درجة اعتماد بلدانهم على النفط والغاز الروسيين. فألمانيا على سبيل المثال والتي تعتبر اكبر مستهلكي مصادر الطاقة الروسية في أوروبا تنظر إلى روسيا كأفضل بديل للشرق الأوسط فيما يتعلق بإمدادات النفط والغاز، بل أنها تساند مشروعا مشتركا بين شركة الغاز الروسية وبعض شركات الغاز الألمانية لبناء خط أنابيب نقل للغاز الطبيعي يربط روسيا مباشرة بألمانيا عبر بحر البلطيق، الأمر الذي اعتبره البولنديون ودول الاتحاد السوفياتي سابقا يشكل تهديدا لهم، إذ انه يمكن روسيا من تصدير الغاز دون المرور بالمسارات التي تعبر أراضيهم.


الجزائر: على إسبانيا الإختيار


من جهتها، أعلنت الجزائر أنها ستقوم برفع سعر الغاز المباع لإسبانيا بدولار واحد لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، القرار الجزائري جاء كعقاب لإسبانيا على المساندة التى أبدتها للمغرب خاصة في قضية الصحراء الغربية، خاصة وأن إسبانيا في عهد رئيس الحكومة السابق " أثنار"كانت تتماشى مع الموقف الجزائري الداعم لمبدأ حل مشكل الصحراء الغربية عن طريق الأمم المتحدة، لكن حكومة "ثباتيرو" لم تبد إتجاها واضحا من هذه القضية بشكل جعل الجزائر تبدأ ممارسة ضغوط على إسبانيا من أجل توضيح موقفها من القضية، خاصة وأن الجزائر تزود إسبانيا بأكثر من 70% من إحتياجاتها الغازية وذلك عن طريق أنبوب الغاز المار على المغرب أو من خلال أنبوب الغاز "ميدغاز" الذي يربط الجزائر مباشرة بإسبانيا مما سيزيد الأمدادات الجزائرية نحو أوروبا، إضافة إلى الأنبوب الذي سيبدأ في تنفيذه والرابط بين نيجيريا وأروبا عبر الجزائر.



أوروبا تحت سلطة روسيا والجزائر


وأبدت العديد من الدول مخاوفا من التقارب الحاصل بين أهم مصدرين للغاز إلى أوروبا حيث تملك الجزائر سابع أكبر إحتياطيات من الغاز في العالم يقدر بحوالى 4600 مليار متر مكعب وإنتاج بلغ في 2006 أكثر من 87 مليار متر مكعب في حين تستورد أوروبا أكثر من ربع إحتياجاتها من الغاز من روسيا؛ في وقت يرى فيه خبراء أوروبيون أنه من الأفضل لأوروبا استيراد الغاز الطبيعي المسال من دول الشرق الأوسط، إذ أنه الأجدى اقتصاديا مقارنة بالمصادر الأخرى.


وحتى الآن، فان إجمالي الغاز المسيل الذي تستورده أوروبا من دول مجلس التعاون الخليجي لا يتجاوز نسبة الواحد في المئة من إمدادات الغاز التي تصل القارة. وهو يعادل 1.5مليار متر مكعب، اغلبها تستورده فرنسا وايطاليا وأسبانيا من أبو ظبي وقطر. وتستورد إيطاليا وأسبانيا نحو 510ملايين متر مكعب من الغاز المسيل من أبو ظبي فيما يذهب نحو 80مليون متر مكعب من الغاز الظبياني إلى فرنسا.


وبالنسبة لواردات أوروبا الحالية من الغاز، تصل ما نسبته 41 في المئة من هذه الواردات من روسيا و28في المئة من الجزائر، والباقي من النرويج ونسبة ضئيلة من دول الخليج وبحر الشمال.


هل ستكون الدوحة نقطة التحول؟


وفي ظل أوضاع كهذه، يبدو قيام تجمع مشابه لأوبك بين مصدري الغاز الطبيعي المسال أمرا محتملا، خاصة وأن العديد منهم هم مصدرو نفط أيضا. وان الرغبة في بلورة سياسات مشابهة ستكون قوية ولا تقاوم، لكن ستبقى هناك حدود لما يمكن فعله على هذا الصعيد، وذلك يعود جزئيا إلى وجود دول عديدة مصدرة أكثر تباينا من أن تشكل كتلة واحدة. فأستراليا وروسيا وانغولا سترى كل منها العالم بطريقة مختلفة عن رؤية الأخرى.


أضف إلى ذلك أن الدول المصدرة قد تتنافس فيما بينها وهو ما سيقلل نفوذها. كما أن الدول المنتجة نفسها ستحتاج للإبقاء على علاقات جيدة مع زبائنها لحماية حصتها في السوق وتشجيع المزيد من الاستثمار، ولهذا ستكون على الأغلب حذرة من القيام بأي إجراءات يمكن أن تقطع التدفق المهم للعوائد إلى خزاناتها الوطنية.


إن هذه القضايا الجيوسياسية تشير إلى أن تجارة الغاز ستكون لها مضامين سياسية، ولكن ليس بالضروري أن تشعل أي منها المواجهات، فالغاز ليس مجرد سلعة تجارية، إذ باعتباره تجارة عالمية سيمثل فرصة للدول حتى ترسي علاقات دائمة، مثلما فعلت الدول في آسيا وأوروبا على مدى العقود الثلاثة الماضية، فاليابان التي تعاني عجزا في الطاقة سعت منذ زمن طويل للتوصل إلى روابط سياسية قوية مع الدول التي تمدها بالغاز.


وكتجسيد للمضامين الجيو سياسية لتجارة الغاز، يمكن أن نشير إلى مشروع الغاز الطبيعي المسال في سخالين، الذي يتكلف عشرة مليارات دولار، والذي سيورد الغاز الروسي إلى اليابان. ومثل هذا المشروع أضخم مشاريع القطاع الخاص الأجنبية في روسيا كما مثّل تعهدا كبيرا يعتمد أساسا على التزام بين حكومتي البلدين لتعزيز الاستثمار.


والأن، وبعد أن أصبح جليا أن الغاز أصبح وسيلة ضغط سياسية لدى الدول، لا يُستبعد أن يتم إنشاء تكتل عالمى خاص بالدول المنتجة للغاز على شاكلة الأوبك خلال المرحلة القادمة وهو ماقد يتأكد خلال إجتماع الدول المنتجة للغاز والذي يعقد في الدوحة (قطر)، بالرغم من تأكيد كبار المسؤولين بأن الأمر يبقى مجرد فكرة.