مشاعر للبيع
قبل سنوات طويله جمعتي الظروف مع احد الشعراء الذين لهم باع طويل جدا بالكر والفر في ساحات الشعر والشعراء وسبر اغواره وأطلع على اسرارهم التي لا يعرفها الا القلة .
وجالس الشعراء والمستشعرين وخالط جميع طبقاتهم من اصغرهم الى من يطلق عليهم اصحاب الطبقة المخمليه . هذا المرجع الشعري يعرف عنه التحفظ وانتقاء كلماته بحذر بل ويقنن بسمته ان تطلب الامر ذلك
ذلك حتى لا تحسب عليه اي كلمة او إماءه او حتى تعبير لوجه يؤخذ ويفصل عن سياقه ومن ثمة ينقل لجلساءه من شيوخ وامراء وغيرهم من اصحاب النفوذ و يخسر الحضوة والقرب لديهم وهذا ديدن كثير من الشعراء في تلك المجالس عندما يتصارعون بالكيد
لبعضهم البعض طمعا في ايهم يكون اكثر قربا من غيره .
في تلك الايام كان يشغل بالي سؤالا مهم جدا ومعرفته اجابته من شخص يمتلك تلك المقومات والمواصفات امر في غاية الاهمية لقوة اجابته التي سوف تكون حاسمة وقاطعه كل حيرة وشك لدي . لكن ما يصعب طرحي السؤال عليه كما قلت حذره وذكاءه في الدخول في
مسائل ومواضيع قد تفتح عليه ابواب .......... ربما لا تغلق .
دار فكري وتزاحمت الافكار وطريقة التفكير في كيفية طرح سؤالي عليه فأن طرحته بشكل مباشر فأنني على يقين بأنه سوف يمتنع عن الاجابه وان جعلت تساؤلي من خلال حوار عام وبوسط موضوع معين فقد يتنبه له ومن ثمة يتوقف عن الخوض في هذا الموضوع برمته !!
لكن كل هذه المخاوف تبددت عندما رأيته يتكلم ويسترسل في الحديث معي بأريحية بنقاشات عامه في الساحة العامة للشعر والشعراء يعني بلغتنا فتح قلبه لي في تلك اللحظه ايقينت انها الفرصه المناسبة لطرح سؤالي عليه لانني لن اجده في حالة الفرح والغبطه
والاسترخاء الفكري في غير تلك اللحظه المنتظره ....... أذن انها فرصتي التي قد لا اجد مناسبة او وقت اخر اكثر ملائمة لاريح عقلي عناء التفكير فيه . هيا ايها القبطان أسأل ولا تترد فبين لحظة واخرى تتغير الامور فأستجمعت قواي ووجهت له سؤالي بشكل مباشر
دون مقدمات او تحضير :
يا بوفلان هل صحيح الامراء والشيوخ والاغنياء يكتبون شعرهم بنفسهم ؟
سكت وحاول ان يواري ويشيح بوجه عني ولكنني لم اترك له الفرصه للهروب فقد سألت سؤالي وانكشفت اوراقي وان لم يجب على تساؤلي الان وفي هذه اللحظه وفي التو لن يجاوب عليه مرة اخرى هذا اصلا اذا فتح معي اي موضوع مشابه مرة ثانيه مستقبلا .
فكلما غير اتجاه وجهه رأني امامه مباشرة ولسان حالي يقول له لا مهرب اما ان تجاوبني والا لن اتركك تهرب مني مهما تطلب الامر .
وبعد محاولات عديده بالتملص بأعذار غير مباشره استسلم للواقع لرؤيته اصراري على حسم الموضوع فقال لي ونصف وجه يتجه للجهة الاخرى مغلفا اجابته لي بأبتسامه وضحكة تنم عن حسرة وألم يسكن بداخله من سنين طويله : لا
قالها ببرود وتردد وخوف لدرجة انني اكاد اجزم انه نفسه لم يكن مقتنعا بأجابته ..... مشاعر من المتناقضات التي لم اراها في عمري حتى في اكثر المشاهد الدراميه التي مرت علي !
لم ولن اتركه يهرب مني هذا القرار الذي دار بخلدي وعزمت الاخذ به . فبادرته بسؤال افند اجابته واحصره في زاوية صعب الخروج منها قائلا : بس طال عمرك يقال ان الشاعر ابن بيئته يعني الشعر من المشاعر والمعاناة ركن اساسي في ترجمة الشاعر لمكنونات
نفسه الى كلمات تناسب عذوبة فكيف من تربى وعاش ولم يذق طعم الحرمان والمعاناة ان يعيشها ويحولها الى كلمات تنطق روعة برغم الالم الذي عاشه ويتقبلها المتلقي بحب ويعايشها كأنها تتحدث عن واقعه ان عاش قصة حب او فراق او تلظى بنار الهجر وابتعاد المحبوب عنه !!!!
الا ترى ان هناك تناقض لا يستقيم وجوابك ؟!!
حينها ادرك ان لا مناص الا بالصدق لانه منجاة خصوصا ان عيني وجميع جوارحي تقول له ( قول الصج ان بغيت تفتك مني ) فهمها بشكل واضح جدا كيف لأ وهو الشاعر الذي ألف قراءة تقاسيم الوجوه وعاش وتعايش مع جوارح شتى انواع البشر !
وبرغم كل ذلك تغلب الطبع على التطبع لديه فأجابني اجابة مقتضبه مختصره عباره عن بضع كلمات لاتكاد تخرج من فمه بصوت خافت وابتسامه تغلف ما قاله : فلوسهم وكيفهم .
حينها تيقينت ان هذا اقصى ما سوف اصل اليه معه والحكمة تتطلب التوقف عند هذا الحد والا انني سوف اخسره كجليس حتى في الحديث في مواضيع بعيده كل البعد على عالم الشعر . فشكرته واثنيت عليه مودعا اياه بمثل ما استقبلته بكل حفاوة وترحيب وهو اكتفى
بأبتسامه تعلو وجهه الذي ظهر عليه بوادر الاعاء النفسي والخوف مما سوف تؤول اليه الامور مستقبلا من اجابته لي .
مرت على هذه الواقعه سنوات طويله جدا حينها كان عمري 19 سنة تقريبا لم ولن اصرح بأسمه ابدا وانما اكتفيت بلب الاجابة نفسها كدليل عما فكرت فيه او في حالة ان دار نقاش مع احد ( وحتى هذا لم يحدث الا في حالة يتيمة جدا واعتقد انها لن تتكرر )
في تلك الفتره لم تظهر بعد موضة الشيخ او الامير السوبر بعد وكانت تقتصر العمليه على اشخاص معدودين فقط . اما الان فالساحة تضج بهم فهو شاعر كلماته يتلفقها الملحنين ومغامر جسور !
تساءلت كثيرا ما الذي يجعل شخص يملك الثروة والجاه والهيلمان ان يشتري قصائد وينسبها اليه ؟ انا تفهم ان الشاعر الذي يبيع مشاعره ويعرضها لمن يدفع اكثر ان الحاجة هي دافعه وبذلك التمس له العذر انما الشاري ما هو دافعه او عذره في ذلك ؟
فتوصلت الى ان المشاعر التي تنبض بالشعر امر في غاية الصعوبه ان لم تعيش المكابده والحرمان وتسهر الليالي في التفكير بالمحبوب كل هذه الامور لا يمكن بشكل عام ان تتواجد في ضمير ووجدان الشاري . هذه الامور بمثابة الوقود لانضاج المشاعر التي تتحول
بدورها الى كلمات تظهر للعلن ينطقها اللسان بصدق وعفوية وتتلقها الاذن بصدق وقبول . اي ان كل تلك المراحل لا تشترى بالمال ولا يمكن اسئأجارها بل يجب معايشتها حقا وبصدق لذلك يقوم الشاري بأختصارالمراحل بشراءها من المحتاج وبشكل مباشر وبين الشاري
والبائع تدور المساومات والاتفاقات والكل رابح .