أسباب تمادي المرء في الباطل بعد بيانه له
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسباب تمادي المرء في الباطل بعد بيانه له
فإن مما لا شك أنَّ الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، لأنَّ التَّمادي في الباطل دليلٌ على الخذلان،كما قال الإمام ابن القيم، والخذلان أن يكلك الله إلى نفسك،
وأسباب تمادي المرء في الباطل، قال العلامة الشاطبي رحمه الله،حبُّ السلطة والتصدر،
قال إبراهيم بن أدهم،ما صدق الله عبد أَحب الشُّهرة،
قال الحافظ الذهبي معلقاً،قلت،علامة المخلص الذي قد يحب شُهرةً، ولا يشعر بها،أنه إذا عوتب في ذلك لا يبرِّئ نفسه،بل يعترف ويقول،رحم الله من أهدى إلي عيوبي،ولا يكن معجباً بنفسِه،
وقال أبو نعـيم،والله ما هلك من هلكَ إلاَّ بالاستكبار والإباء عن قبول الحق،
قال الإمام سفيان بن عيينة،ليس العاقل الذي يعرف الخير والشر،وإنما العاقل الذي إذا رأى الخير اتبعه وإذا رأى الشر اجتنبه،
وقال الإمام ابن القيم،من علامات السعادة والفلاح،
أن العبد كلما زيد في علمه،زِيد في تواضعه ورحمته،
وكلما زيد في عمله،زيدَ في خوفه وحذره،
وكلما زيد في عمره،نقص من حرصهِ،
وكلما زيد في ماله،زيد في سخائه وبذله،
وكلما زيد في قدره وجاهه،زيد في قربه من الناس وقضاءِ حوائجهم والتَّواضع لهم،
وعلامات الشقاوة، أنه كلما زيد في علمه زيد في كبره وتيهه، وكلما زيد في عمله،زيد في فخره واحتقاره للناس وحسن ظنه بنفسه،
وكلما زيد في عُمره،زيد في حرصه،
وكلما زيد في ماله،زيد في بخله وإمساكه،
وكلما زيد في قَدره وجاهه،زيد في كبره وتيهه،
وهذه الأمور ابتلاء من الله وامتحان يبتلي بها عبَاده فيسعد بها أقوام ويشقى بها أقوام،
قال أبوالدرداء ،علامة الجهلِ ثلاثة، العجبُ،وكثرة المنطق فيما لا يعنيه،وأن ينهى عن شيءٍ ويأتيه،
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال،إعجاب المرء بنفسه دليلٌ على ضعف عقله،
والمرء لا بد أن يدرك تمام الإدراك أنَّ الله مطلع عليه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأنَّ القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمان يقلبها كيف شاء سبحانه،
من أعظم الظلم والجهل،أن تطلب التعظيم والتوقير لك من الناس وقلبك خال من تعظيم الله وتوقيره,فانك توقّر المخلوق وتجلّه أن يراك في حال لا توقّر الله أن يراك،قال تعالى(مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً)والتوقير العظمة،
قال الحسن،ما لكم لا تعرفون الله حق عظمته،ولا تشكرونه،
وهذه الأقوال ترجع إلى معنى واحد وهو،أنهم لو عظّموا الله وعرفوا حق عظمته وأطاعوه وشكروه،بطاعته سبحانه واجتناب معاصيه والحياء منه بحسب وقاره في القلب،
ترى صاحب إتباع الأمر والسنة قد كسي من الروح والنور وما يتبعهما من الحلاوة والمهابة والقبول ما قد حرمه غيره، كما قال الحسن رحمه الله،إن المؤمن من رزق حلاوة ومهابة،
وقال تعالى(أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا)جعل له نوراً يمشي به بين أهل الظلمة كما يمشي الرجل بالسراج المضيء في الليلة الظلماء، فهو يرى أهل الظلمة في ظلامتهم وهم لا يرونه، كالبصير الذي يمشي بين العميان،ابن القيم الجوزية،
وقال الثوري لابن إبي ذئب،إن اتقيت الله كفاك الناس وإن أتقيت الناس لن يغنوا عليك من الله شيئاً،
قال سليمان بن داود،أوتينا مما أوتي الناس ومما لم يؤتوا،وعلمنا مماعلم الناس ومما لم يعلموا،فلم نجد شيئاً أفضل من تقوى الله في السر والعلانية،والعدل في الغضب،والرضا والقصد في الفقر والغنى،
والدعاء لا يستجاب ولا يصح إلا إذا كان خالصاً لله عز وجل،
فمن الناس من يدعو ذوي المال والسلطان ليكشفوا عنه ضره فإذا هم يخيبون ظنه،وقد جاء في الحديث القدسي،للأمام أحمد،في الزهد(ما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني إلا قطعت أبواب السماء والأرض دونه،فإن دعاني لم أجبه،وإن سألني لم أعطه ،وما من مخلوق يعتصم بي دون خلقي إلا ضمنت السماوات رزقه،فإن سألني أعطيته،وإن دعاني أجبته،وإن استغفرني غفرت له)
اللهم اشغل قلوبنا بالحق،وانصر الحق على الباطل،وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلاً وأرزقنا اجتنابه،
اللهم آمين.
